آية المباهلة أفضلية الإسلام ومنزلة الرسول وآله الأطهار (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم: "فمَنْ حاجّكَ فيه من بَعدِ ما جاءكَ مِن العِلمِ فقُلْ تَعالَوا نَدعُ أَبناءنَا وَأَبناءكُم ونِساءنَا ونِسَاءكُمْ وأَنفُسَنا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فنَجْعَل لعنَة اللّهِ على الكاذِبين" / سورة آل عمران آية 61.

نزلت آية المباهلة فی القرآن الكريم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتوجيه إلهی يدعوه من جهة الى استخدام حقّه الطبيعی فی إثبات أحقيته بالنبوّة وصدقية رسالته، ومن جهة اخرى لتثبيت أمر ألهی موثّق يعصى على كل مَن ينوی طمسه او تشويهه مستقبلاً، وهذا الامر هو تعيين أهل بيت النبی بالإسم والشخصية مباشرة باعتبارهم ذوی القربى وخاصة الرسول، لخوض هذه الواقعة التی لو اكتملت فصولها لكانت وبالاً على نصارى نجران ومَن يتبعهم.

ومع ان النّية لإجراء المباهلة قد جاءت من خلال اللجوء الى الله تعالى للفصل فيها إلا انها كانت تنطوی على العديد من التفاصيل التی هی بمثابة ثوابت اعتمدها الإسلام كاحترام الرأی والرأی الآخر والإحتكام الى لغة الحوار وأهمية صلة الرحم واحترام حقوق المرأة وجوانب اخرى عديدة حملتها طیّات هذه الآية الكريمة.

وقبل أن نخوض فی تلك الثوابت لابد من إلقاء نظرة على الحادثة التی ظلّت على مدى الدهر شاخصة كحقيقة تثبت صدق الرسالة المحمدية وأحقية اهل بيت النبی فی تسنّم قيادة الأمة الاسلامية دون سواهم من البشر.

جاء فی الحديث: "كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى قولاً فی عيسى بن مريم، فكانوا يجادلون النبی (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه. فأنزل الله تعالى هذه الآيات فی سورة آل عمران: (إنّ مثلَ عيسى عندَ الله) الى قوله: (فنجعَل لعنة الله على الكاذبين).. فأمر النبی بملاعنتهم، فواعدوه لغد، فغدا النبی (صلى الله عليه وآله وسلم)‌ وقال: لقد أتانی البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تمّوا على الملاعنة". ولمّا نزلت هذه الآية (قُل تعالوا نَدعُ أبناءنا وأبناءكُم) دعا رسول الله علیّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهمّ هؤلاء أهلی".. ثم أرسل للنصارى فأبوا أن يجيبوه وأقرّوا له.. فقالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): والذی بعثنی بالحقّ لو أقاموا المباهلة لأمطرَ الوادی عليهم ناراً.

ومثلما أثبتت هذه الواقعة نصرة الله تعالى لنبيه الأعظم وآل بيته الأطهار بشكل لالبس فيه فإنها من جهة ثانية بیّنت سياسة الإسلام فی استعمال الحوار والحجّة دون اللجوء للعنف كوسيلة لحل النزاعات حيث ان الرسول الكريم حاول بشتى وسائل الإقناع جذب نصارى نجران الى الإسلام إلا انهم كانوا بحاجة الى آية ألهية تثبت وقائعها أحقية الإسلام كدين توحيد جمعت رسالته كافة التعاليم الألهية التی كانت ضمن الرسالات السماوية السابقة والتی لم تكن كذلك.

من ناحية اخرى بیّنت هذه الآية اهمية صلة الرحم كأولوية اعتمدها القرآن الكريم عند طرح المباهلة، فضلاً عن اهمية اهل بيت النبی كمجموعة متكاملة تستمد ايمانها ونورها وقوتها من بعضها البعض.

ولو تمعّنا أكثر فی الجانب الذی عیّنَ به رسول الله ابنته الزهراء عليها السلام كأحدى المدعوين للمباهلة لوجدنا ان الاسلام قد دلّلَ بذلك على اهمية المرأة كعنصر فعّال فی المجتمع ولم يغفل لها حقّاً فی القضايا الهامة والمصيرية بل لم يستثنيها من واقعة كانت على مستوى حاسم من الاهمية بين الاسلام ومناوئيه.

لقد تعرضت هذه المعانی العظيمة التی تخللتها آية المباهلة- شأنها شأن العديد من مواقف القرآن الكريم ووصايا النبی الاعظم- الى محاولات التشويه والإخفاء والطمس، كما حصل مع "يوم الغدير" الذی أمر رسول الله ان يكون عيداً للمسلمين يستذكرون فيه تنصيب النبی لأمير المؤمنين علی (عليه السلام) كوصیّ له وخليفة على المسلمين من بعده.

كما أن المباهَلة تعنی فيما تعنيه أن النبی (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلَ هؤلاء المتباهَل بهم شركاء فی دعوته، الأمر الذی يشير الى أن مسؤولية الدعوة تقع على عاتقهم من خلال حجّيتهم ومقامهم كما يفيد الحديث الشريف الموجّه لأمير المؤمنين علی عليه السلام:" أنت منّی بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبی بعدی".

انتهی/137