عربي
Thursday 18th of April 2024
0
نفر 0

البخل والإسراف والتبذير وطُرق علاجها

قال تعالى في كتابه الكريم: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء}[محمد: 38].
من المعلوم أنّ البخل هو الإمساك والشحّ، وهو ضدّ الجود والسخاء والكرم، وجاءت الآية تبيّن التعلّق الشديد عند كثير من الناس بالأمور المالية، وهو في الحقيقة نوع من اللّوم والتوبيخ لهؤلاء وفي نفس الوقت ترغيب في ترك هذا الارتباط والتشويق إلى هذا المعنى؛ فالآية تريد أن توقظ أرواح البشر المغمورة في سباتها العميق بسوط التقريع والعتاب والملامة ليرفعوا عن أعناقهم قيود الذل والعبودية للأموال، ويضحّوا بكلّ ما لديهم في سبيل الله ويقدّمون ما عندهم بين يديه، ولا يتوقّعون في مقابل ما يبذلون إلا الإيمان بالله وتقواه ورضاه عنهم، فإنّ ثمرة الأنفاق تعود عليكم أنفسكم في الدنيا والآخرة حيث يقلّ التفاوت الطبقي وعندها سيعمّ الأمن والهدوء في المجتمع، وتحلّ المحبة والصفاء محلّ العداوة والبغضاء والضغائن والأحقاد، هذا في الدنيا.
أمّا في الآخرة؛ فالهبات والنعم التي لم تخطر على بال أحد ولا على قلب بشر، فمن بخل فإنّما يبخل على نفسه ويجعل نفسه في خسران من هذه الفوائد، والله سبحانه وتعالى غنيّ عن إنفاقنا وبذْلنا لأموالنا في سبيله، ونحن نفتقر إلى لطفه ورحمته وثوابه وكرمه، وإذا كان الشيء القليل من أموالنا يؤخذ كزكاة وخمس وحقوق شرعية أخرى فإنّه يعود علينا ويصرف فينا لحماية أيتامنا ومساكيننا وضعفائنا والدفاع عن بلادنا واستقلالنا وأمننا ولتأمين احتياجاتنا وعمران بلداننا؛ فهو من أجل منفعتنا فلماذا نبخل على أنفسنا؟!
 ولعلاج هذه الخصلة المقيتة ذُكرت عدّة حلول؛ منها:
1 ـ التأمّل في أخبار ذمّ البخل ومدح السخاء.
2 ـ التأمّل في أحوال البخلاء وفي نفر الطبع منهم وتحقيرهم.
3 ـ تمرين النفس وتعويدها وتكييفها على البذل والسخاء.
4 ـ أن يوجد عنده حالة حسن الاسم والاشتهار بالجود والكرم ومخادعة نفسه بذلك.
5 ـ أن يقف على الأسباب التي جاء منها هذا المرض الخبيث؛ مثل حبّ الدنيا وطول الأمل وخوف الفقر وحبّ الشهوات، وأن يعالجها.
6 ـ أن يعلم جيّداً بأن البخيل محروم من الراحة، ولا أثر في ثروته إلا المحنة والألم.
7 ـ أن يعلم جيّداً بأنّه عن طريق المال يمكن أن يحصل على الآخرة والخلود الأبدي وبعض راحة الدنيا.
8 ـ أن يعلم جيّداً بأنّ ما يكسبه أكثر من حاجته يكون فيه خائناً لغيره ويُحاسب عليه.
9 ـ أن يتأمّل في أحوال الكرماء والأجواد الذين بذلوا أموالهم ولم ينقصهم شيء؛ بل زادوا شرفاً وعزاً ورفعةً.
10 ـ أن ينظروا إلى إنفاق الأعداء وخططهم بأموالهم لشراء عقولنا وتنفيذ مآربهم فينا؛ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب ويفوته الغنى الذي إياه طلب فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء) [نهج البلاغة، الحكمة 126].
أمّا الإسراف فهو مجاوزة الحدّ فيما يُنفق في غير طاعة الله عزّ وجلّ قليلاً كان أم كثيراً، أو هو: وضع شيء في غير محلّه وهو ما زاد عن حدّ السخاء، أو هو: الجهل بمقادير الحقوق فيزيد عليها.
والتبذير: هو كل إفساد وتفريق في المال أو الأنفاق في المعاصي والجهل بمواقع الحقوق والبذل في غيرها.
 والتبذير أعظم من الإسراف؛ لأنّ المسرف مخطئ في الزيادة، والمبذّر مخطئ في الجميع، وكلاهما متفشٍّ في الجميع خصوصاً عند طبقة المترفين فلا بد من علاجها والقضاء عليها بأتباع الإرشادات التالية:
1 ـ أن يتأمّل في الآيات التي تذمّ هذه الخصلة الشريرة وهي كثيرة؛ كقوله تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 43]، وقوله عزّ وجلّ: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 26، 27]، وقوله سبحانه: {وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} [الأنبياء: 9]، والآية: 141 من سورة الأنعام، والآية: 34 من سورة غافر، وغيرها.
2 ـ التدبّر في الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في ذمّ الإسراف والتبذير.
3 ـ أن يتذكّر الروايات والآيات المادحة للمقتصد المتدبّر في معيشته مثل ما ورد عن الصادق (عليه السلام) إنّه قال: (ضمنت لمن أقتصد أن لا يفتقر).
4 ـ أن يعرف عمله هذا يؤدّي به إلى أن يكون منبوذاً من قبل الصلحاء والمؤمنين والأخيار بعد الله سبحانه وأوليائه وموضع الملامة والتوبيخ.
5 ـ أن يعرف أنّ التبذير يجلب له أصدقاء المكاشرة وأصدقاء السوء الذين يتركوه بعد انتهاء أمواله.
6 ـ علماً أنّ خصلة التبذير تكون سبباً للارتكاب المحرمات، مثل اللعب بالقمار وارتكاب الفواحش وغيرها غالباً.
7 ـ خسران الدنيا والآخرة؛ حيث لم يصرف المال في محلّه حتى يستفاد منه، ولم ينفع به عبداً من عباد الله حتى يحظى برضا ربّه؛ فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (للمسرف ثلاثة علامات يأكل ما ليس له ويلبس ما ليس له ويشتري ما ليس له).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (وأما المنجيات فخوف الله في السر والعلانية والقصد في الغنى والفقر وكلمة العدل في الرضا والسخط).
والحمد لله ربّ العالمين
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

آداب المجلس
كيف تجلب المحبة الزوجية
الانهزام والتراجع
الشيخ علي سلمان يدعو الشعب البحريني الى استمرار ...
صيدلية كاملة اسمها.. الفلفل!!
في رحاب نهج البلاغة (التّاريخ في مجال السّياسة) – ...
الملح يتلف خلايا الجسم
الحر.. قد يؤذي القلب
المرأة في الإسلام ومن خلال نهج البلاغة – الأول
شهر رمضان شهر الألفة وموسم تناسي الأحقاد وجمع ...

 
user comment