عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

ولادة الإمام الهادي عليه السلام

ولادة الإمام الهادي عليه السلام



ولادة الإمام الهادي عليه السلام*

ولِدَ البدر الزاهر ، الإمام العاشر ، ذو العزّ الباذخ والمجد الشامخ ، أبو الحسن عليّ الهادي ، بن الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) ، بِصَرْيا من ضاحية مدينة الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ، للنّصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومئتين للهجرة النبوّية الشريفة ـ في عهد المأمون ـ ، وتوفّي في سرّ مَن رأى ـ سامرّاء ـ بالعراق ، يوم الاثنين في الثالث من رجب ، سنة أربع وخمسين ومئتين في عهد المعتزّ ابن المتوكل .

وقيل : إنه توفّي في عهد أبيه خطأً ، ولكنّ المتوكل هو الذي أشخصهُ من المدينة إلى سامرّاء تحت حراسة يحيى بن هرثمة بن أعين ، فأقامَ فيها حتى مضى لسبيله مسموماً ، ودُفن في داره ، وكان له يومئذ إحدى وأربعين سنةً وستة أشهرٍ واثنا عشر يوماً (1) .

وكانت مدة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنةً وأشهراً ؛ لأنّ أباه سلام الله عليه مضى سنة مئتين وعشرين للهجرة الكريمة ، فيكون قد أقامَ في حياته ثماني سنوات وأشهراً ، ثمّ تولّى الأمر غلاماً كأبيه ( عليه السلام ) ، وأدّاه قسطه من الحيطة بقيّة عمره الشريف ، الذي قضى منه في سرّ مَن رأى عشرين سنةً كان فيها مكرّماً من السّلطة في ظاهر حاله ، ومهاباً من الجميع في واقع الأمر ، وإن كان المتوكل ـ خاصة ـ قد اجتهدَ في إيقاع حيلةٍ به ليقتله ، فلم يتمكّن من إيجاد مغمز يخوّله الفتك به ، وستقرأ آيات بيّناتٍ له ( عليه السلام ) معه تشهد على ذلك ) (2) .

وكانت في أيام إمامته بقيّة مُلك المعتصم ، ثمّ مُلك الواثق خمس سنين وسبعة أشهر ، ومَلكَ المتوكل أربع عشرة سنة ، ثمّ مَلك ابنه المنتصر ستة أشهر ، ثمّ مَلك المستعين سنتين وتسعة أشهر ، ثمّ مَلك المعتزّ ثماني سنين وستة أشهر ، وفي آخر مُلكه استشهد هذا الوليّ الزكيّ ( عليه السلام ) (3) .

فلم يعش إمامنا سلام الله عليه عمراً طويلاً ، ولكنّه قضاه حافلاً بجلائل الأعمال والأقوال ، وبما أتى من الحقّ في مجالس أهل الباطل ، وبما كرّس من العدل في مواطن الظّلم ، وبما أرسى من الإيمان ، ورسّخ من العقيدة التي ينبغي أن يُدان الله تعالى بها ، فزادَ أتباعه زيادةً ملموسةً حتى أنّهم كان يعجّ بهم قصر الخلافة سرّاً وظاهراً ، وكانوا ينتشرون في الجيش بين قوّاده وأفراده ، مضافاً إلى كثيرين من أفراد الرعيّة والولاة كما سترى .

وقد كان ( عليه السلام ) إذا تكلّم نطقَ بالصواب ، فأسكت أهل الفأفأة من مشايخ الفقهاء وقضاة البلاط ، وأهل التّأتأة من الوزراء والأمراء وسائر الملتفّين حول معتلف السلطان ، وإذا ظهرَ للناس في الشارع أو في ردهات القصر وصالاته تقوقع المتعالون وانكفأوا على ذواتهم ، وذابَ أعداؤه ومناوئوه في لظى حقدهم وحسراتهم ، وإذا حضرَ مجالسهم أحلّوه الصّدر وانتهى إليه الأمر ، وكان فيما بينهم السيّد ( المفدّى ) بالنّفوس والأهل ، وإذا غابَ عنهم صرّوا بأنيابهم حَنَقاً وعضّوا الأنامل من الغيظ !

***

( وكانت صفته ـ كما جاء في الفصول المهمة ـ أسمر اللّون ، ونَقشُ خاتمه : الله ربّي وهو عصمتي من خلْقه ، وله خاتم نَقشهُ : حِفْظ العهود من أخلاق المعبود ) (4) .

وألقابه : الناصح ، والمتوكل ، والنّجيب ، والفتّاح ، والمؤتمن ، والنقيّ ، والمرتضى ، والعالم ، والفقيه ، والأمين ، والطيّب ، والعسكريّ ، وأبو الحسن الثالث ، ثمّ الهادي الذي هو أشهر ألقابه (5).. ولُقّب بالعسكريّ ؛ لأنّه لمّا أُشخِص من المدينة إلى سرّ مَن رأى وأسكنهُ الخليفة فيها وكانت تسمّى العسكر ، عُرِف بالعسكريّ ، فهو عليّ ، وكنيته أبو الحسن لا غيرها (6) .

أمّا أُمّه المعظّمة ، فأُمّ ولدٍ اسمها سمانة المغربيّة ، وتُلقّب بأُمّ الفضل ، وكانت تُدعى في زمانها بالسيّدة إطلاقاً (7) ؛ تقديراً لكرامتها وسموّ منزلتها .

قال محمد بن الفرج بن إبراهيم بن عبد الله بن جعفر : ( دعاني أبو جعفر الجواد ( عليه السلام ) ، فأعلَمَني أنّ قافلةً قد قدِمت فيها نخّاس معه جواري ، ودفعَ إليّ بستّين ديناراً ، وأمَرَني بابتياع جاريةٍ وَصَفها .

فمضيتُ فعملتُ ما أُمرت به ، فكانت تلك الجارية أُمّ أبي الحسن ( عليه السلام ) ) (8) .

ولإمامنا شهادة كريمة بحقّ أمّه ( عليهما السلام ) ـ رواها عنه محمد بن الفرج المذكور ، وعليّ بن مهزيار ـ قالا فيها :

( أُمّي عارفة بحقيّ ، وهي من أهل الجنّة لا يقربها شيطان مارد ، ولا ينالها جبّار عنيد ، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام ، ولا تختلف عن أمّهات الصّدّيقين والصالحين ) (9) .

وكلمةُ ( أمّ ولد ) فيها ما فيها عند ضعفاء النفوس الّذين يجهلون أنّ أكثر أمّهات الأولاد عريقات الأصل ، ومن كرائم الأسَر ؛ لأنّهن يتحدّرن من أشرف العائلات اللواتي يأسر الغزاة والفاتحون المنتصرون نساءهّن ويبيعونهنّ في سوق النخّاسة ، انتقاماً من أهلهنّ ؛ إذ من المعلوم أنّه لا يأسر بنات السّوقة وعامّة البشر ،.. وكم وكم بين العلماء والفقهاء والملوك والسلاطين والأمراء والعظماء والفلاسفة والكبراء ، من أمّهاتهم أمّهات أولاد إذا ما رجعنا إلى التاريخ .

ــــــــــــــــــ

*  من كتاب الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) مع مروق القصر وقضاة العصر / لمؤلفه كامل سليمان

(1) وقيل : إنّه ولِدَ في ثاني رجب أو خامسة في تلك السنة ، كما قيل : إنّه ولِد سنة أربع عشرة ومئتين خطأ ، ولكنّنا اعتمدنا أصدق الأقوال ؛ مستأنسين بصحة الرّواية من جهة ، وبمواكبة الأحداث والوقائع التاريخية الصحيحة من جهةٍ ثانية .

 ويعارض ذلك ما رواه ابن عيّاش الذي قال : خرجَ إلى أهلي على يد الشيخ الكبير أبي القاسم ـ بن روح ـ نائب الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه هذا الدّعاء : اللّهمّ إنّي أسألك بالمولودَين في رجب : محمّد بن عليّ الثّاني ، وابنه عليّ بن محمّد المنتجب.. إلخ..

 وانظر : الأنوار البهية : ص 244 - 245 ، وص 270 ، والإرشاد : ص 307 - 308 وص 314 ، ومناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 401 ، وفي كشف الغمّة : ج 3 ص 164 وص 165 ذكرَ أنّه توفي في جمادى الآخرة ، فيكون عمره أربعين سنة غير أيّام ، وانظر الصفحات : 166 و 184 و 188 ، وكذلك في الكافي : م1 ص 497 - 498 ، والصواعق المحرقة : ص 207 ، وإعلام الورى : ص 339 ، وتذكرة الخواص : ص 373 و ص 375 ، وبحار الأنوار : ج 50 من ص 114 إلى ص 117 ، وفي الكامل لابن الأثير : ج 5 ص 339 ذكر سنة وفاته ( عليه السلام ) وولادته ، وانظر تاريخ الأُمم والملوك : ج7 ص 519 ، وينابيع المودّة : ج2 ص 463 .

(2) انظر المصادر السابقة .

(3) وقيل : إنّه استشهدَ في آخر مُلك المعتمد خطأً ؛ لأنّه لم يَدرك عهد المعتمد ، وقد جاء الاشتباه عن طريق أنّ المعتمد هو الذي انتدبهُ المعتزّ للصلاة عليه ، وانظر في كلّ ما سبق الأنوار البهية : ص 270 ، وكشف الغمّة : ج 3 ص 164 إلى ص 189 ، وإعلام الورى : ص 339 وص 349 ، والإرشاد : ص 314 ، وبحار الأنوار : ج 50 من ص 113 إلى ص 116 وص 192 وص 198 ومن ص 203 إلى ص 232 ، ومناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 401 ، وقيل : في مروج الذهب : ج 4 ص 19 - 20 ، وبحار الأنوار : ج 50 ص 209 - 210 : قُتِل المتوكل في سبع وعشرين سنة من إمامة أبي الحسن ( عليه السلام ) ، وبويعَ المنتصر.. إلخ .

(4) الأنوار البهيّة : ص 145 وبعض المصادر السابقة .

(5) انظر أكثر المصادر السابقة .

(6) الصواعق المحرقة : ص 207 وبعض المصادر السابقة .

(7) وقيل : إنّها تُدعى سوسن ، فانظر بعض المصادر السابقة ومدينة المعاجز : ص 539 .

(8) انظر بعض المصادر السابقة والأنوار البهيّة : ص 345 ، ومدينة المعاجز : ص 539 بصورة خاصة .

(9) انظر الرقم السابق .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حب علي (ع) و بغضه
أربعينية الإمام الحسين عليه السلام
مقتل الحسين عند رهبان اليهود والنصارى وفي كتبهم ...
الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
زيارة أم البنين عليها السلام
ما حدث في مولد الرسول الأعظم (ص)
في خصائص صفاته واخلاقه وعباداته يوم عاشوراء
الإمام الصادق (عليه السلام) يشهر سيف العلم!
قرّاء القرآن و كيفية قراءته
منكروا المهدي من أهل السنة وعلة إنكارهم

 
user comment