عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

مناظرة الإمام الرضا(ع) مع علي بن الجهم

مناظرة الإمام الرضا(ع) مع علي بن الجهم

عن أبي الصلت الهروي : أنّ المأمون لما جمع لعلي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات ـ من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين ـ وسائر أهل المقالات ، فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجّته كأنّه قد أُلقم حجراً .

فقام إليه علي بن محمّد بن الجهم ، فقال له : يا بن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء ؟ قال : ( بلى ) .

قال : فما تعمل في قول الله عزّ وجل : ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) ؟ وقوله عزّ وجل : ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) ؟ وقوله في يوسف : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) ؟ وقوله عزّ وجل في داود : ( وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ) ؟ وقوله في نبيّه محمّد ( صلى الله عليه وآله ) : ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) ؟

فقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( ويحك يا علي ! اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ، ولا تتأوّل كتاب الله عزّ وجل برأيك ، فإنّ الله عزّ وجل يقول : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) .

وأمّا قوله عزّ وجل في آدم ( عليه السلام ) : ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) ، فإنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم حجّة في أرضه ، وخليفة في بلاده ، لم يخلقه للجنّة ، وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض ، لتتمّ مقادير أمر الله عزّ وجل ، فلمّا أهبط إلى الأرض وجعل حجّة وخليفة عصم بقوله عزّ وجل : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) .

وأمّا قوله عزّ وجلّ : ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) إنّما ظن أنّ الله عزّ وجل لا يضيق عليه رزقه ألا تسمع قول الله عزّ وجل : ( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) أي ضيّق عليه ، ولو ظنّ أنّ الله لا يقدر عليه لكان قد كفر .

وأمّا قوله عزّ وجل في يوسف : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) فإنّها همّت بالمعصية وهمّ يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما داخله ، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة ، وهو قوله : ( لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ـ يعني القتل ـ وَالْفَحْشَاء ) يعني الزنا .

وأمّا داود فما يقول من قبلكم فيه ؟ ) .

فقال علي بن الجهم : يقولون إنّ داود كان في محرابه يصلّي إذ تصوّر له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور ، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير ، فخرج الطير إلى الدار ، فخرج في أثره فطار الطير إلى السطح ، فصعد في طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حنان ، فاطلع داود في أثر الطير فإذا بامرأة اُوريا تغتسل ، فلمّا نظر اليها هواها وكان اُوريا قد أخرجه في بعض غزواته ، فكتب إلى صاحبه أن أقدم أُوريا أمام الحرب ، فقدّم فظفر اُوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود ، فكتب الثانية أن قدّمه أمام التابوت ، فقتل اُوريا رحمه الله ، وتزوّج داود بامرأته .

قال : فضرب الرضا ( عليه السلام ) بيده على جبهته ، وقال : ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ! لقد نسبتم نبياً من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حتّى خرج في أثر الطير ، ثمّ بالفاحشة ، ثمّ بالقتل ) .

فقال : يا بن رسول الله ! فما كانت خطيئته ؟

فقال ( عليه السلام ) : ( ويحك إنّ داود إنّما ظن أن ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً هو أعلم منه ، فبعث الله عزّ وجل إليه الملكين فتسوّرا المحراب ، فقالا : ( خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ) ، فعجّل داود ( عليه السلام ) على المدّعى عليه ، فقال : ( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ ) ولم يسأل المدّعي البيّنة على ذلك ، ولم يُقبل على المدعي عليه فيقول ما يقول .

فكان هذا خطيئة حكمه ، لا ما ذهبتم إليه ، ألا تسمع قول الله عزّ وجل يقول : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) .

فقلت : يا بن رسول الله فما قصّته مع اُوريا ؟

فقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( إنّ المرأة في أيّام داود إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوّج بعده أبداً ، وأوّل من أباح الله عزّ وجل له أن يتزوّج بامرأة قتل بعلها داود ( عليه السلام ) ، فذلك الذي شقّ على اُوريا .

وأمّا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) وقول الله عزّ وجل : ( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) ، فإن الله عزّ وجل عرّف نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أسماء أزواجه في دار الدنيا ، وأسماء أزواجه في الآخرة ، وإنّهنّ أُمهات المؤمنين ، وإحدى من سمّي له زينب بنت جحش ، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة ، فأخفى ( صلى الله عليه وآله ) اسمها في نفسه ، ولم يبده له لكيلا يقول أحد من المنافقين أنّه قال في امرأة في بيت رجل أنّها أحد أزواجه من أُمهات المؤمنين .

وخشي قول المنافقين ، قال الله عزّ وجل : ( وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) في نفسك ، وأنّ الله عزّ وجل ما تولّى تزويج أحد من خلقه إلاّ تزويج حواء من آدم ، وزينب من رسول الله ( صلى الله عليه وآله) ، وفاطمة من علي ( عليه السلام ) .

قال : فبكى علي بن الجهم وقال : يا بن رسول الله ، أنا تائب إلى الله عزّ وجل أن أنطق في أنبياء الله بعد يومي هذا إلاّ بما ذكرته .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

القرآن و القواعد
التعامل مع القرآن بين الواقع والمفروض
علاج الامراض النفسیة بذکر الله
هدم قبور البقيع ..............القصة الكاملة
الحرب العالمية في عصر الظهور
الإمام الحسن العسكري (ع) والتمهيد لولادة وغيبة ...
إنّ الحسين (عليه السلام) مصباح الهدى وسفينة ...
الإمام موسى الكاظم عليه السلام والثورات العلوية
زيارة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)
الصلاة من أهم العبادات

 
user comment