عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

وَجَعَلَنا اللّيلَ لِباساً

وَجَعَلَنا اللّيلَ لِباساً



 لم يترك الإسلام أمراً من أمور الحياة الإنسانيّة، أيّاً كان، إلاّ ووجّه فيه كلمتَه وموعظته، وأبان فيه مواقعَ الخيرِ والشرّ، والصوابِ والخطأ، وصَحَّح وأرشد؛ كي يمضيَ الإنسان على طريق الحقّ والهدى والنور، سعيداً في الدنيا مَرْضيّاً في الآخرة.
والنوم، أمرٌ حياتيّ من جملة الأمور المهمّة في عمر المرء وحياته، بل وفي وفاته وآخرته، أفَتَرى أنّ الإسلام لا يُعطي فيه رأيه، ولا يُسدي مقولته ؟!
لقد أراد الإسلام للناس أن يعيشوا حياةً هانئةً تتوازن فيها الحاجات مع الجهود والأعمال، فتُقضى بانتظامٍ دون أن يكون هناك طغيانٌ أو خللٌ أو ارتباك، لذا كَرِه للإنسان أن يَسهَر مُرهِقاً بالسهر جسمه في حالةٍ من عناءٍ غير نافع، يعقبه تضييعٌ للحقوق والواجبات والمهمّات، كما كَرِه الإسلام للمرء النومَ الطويل الذي يصيب النفس بحالة الخمول والكسل والتأخّر عن أداء الفرائض الشرعيّة.
• قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لا سَهَرَ إلاّ في ثلاث: مُتهجّدٍ بالقرآن، وفي طلب العلم، أو عروسٍ تُهدى إلى زوجها ».
• وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: « لا بأسَ بالسَّهَر في الفقه ».

* * *

أجل.. فالسهر يعني أمرَينِ واضحين: إنفاقَ الوقت، وبذل الجهد، فما لم يكن هذا السهر في طاعة الله تبارك وتعالى فلا خيرَ فيه، بل الخير حينئذٍ في أن ينام المرء ينوي بنومه أن يُريح بدنَه وفكره ونفسه من الأتعاب، لينهضَ بعد ذلك مواصلاً سيرَه نحو الهدف الأسمى وهو طاعة الله جلّ شأنه وطلب مرضاته، ساعياً في اغتنام العلم، أو نوال الرزق، أو خدمة الدين ونفع المسلمين، وإعمار الأرض بالعمل النافع المفيد وبذكر الله جلّ وعلا.
وهذه الجهود الكريمة لابدّ أنّها تحتاج إلى توقّفٍ واستراحة، فكان من حكمة الباري جلّ وعلا أن جعل الليل سَكينةً وهدوءاً، يستلقي فيه المرء ليُلقيَ عن بدنه أتعابه، وذلك ما صرّح به القرآن الكريم في قوله تعالى: وجَعَلْنا نَومَكُم سُباتاً * وجَعَلْتنا اللَّيلَ لِباساً * وجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً [ سورة النبأ:9 ـ 11 ]، وقوله سبحانه: وَهُوَ الَّذي جَعلَ اللَّيلَ والنَّهارَ خِلْفةً لِمَن أرادَ أن يَذَكَّرَ أو أرادَ شُكُوراً [ سورة الفرقان:62 ]، وقوله عزّ من قائل: وهُوَ الَّذي جَعَل لكمُ اللَّيلَ لباساً والنَّومَ سُباتاً، وجَعَلَ النَّهارَ نُشوراً [ سورة الفرقان:47 ].
ولكنّ هذا لا يعني أبداً أن يُطيل المرءُ نومَه، ويُكثر منه بما يختلّ به نهارُه من أمر السعي والمعاش؛ إذ في النوم الكثير تأخّرٌ أيضاً عن نوال المقاصد، كما أنّ فيه كسلاً وخمولاً للروح والنفس والبدن؛ ولذا قال رسول الله صلّى الله عليه وآله مُحذِّراً: « إيّاكُم وكثرةَ النوم؛ فإنّ كثرة النوم يَدَع صاحبَه فقيراً يومَ القيامة! ».
أجَل.. وأيُّ فَقرٍ أفقرُ من إهمال الواجبات، وتضييع الأوقات، وإماتة الأجساد بالخمول والنفوس بالكسل ؟! والمرء في حياته الدنيا مَدْعوٌّ للعمل لأُخراه، وهو في حقلٍ يُنتَظَر حصادُه يوم القيامة، فإن كسلَ هنا خاب هناك، وجاء خفيفَ الميزان.. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: « بِئسَ الغريمُ النوم، يُفْني قصيرَ العمر، ويُفوّت كثيرَ الأجر! ».

* * *

نعم.. فالعمر قصير، والأجَل غير معلومٍ حلولُه، ومتى يُفاجئ المرءَ ويُداهمه على حين غرّة وغفلة، فالسعيد مَن بَذَل همّتَه، وجَدّ جِدَّه وسعى سعيَه في مرضاة الله تعالى. أمّا كثرة النوم، فإنّها ضَياعُ فُرَص العمر، جاء عن الإمام عليٍّ عليه السلام قوله: « مَن كَثُر في ليله نومُه، فاتَه مِن العملِ ما لا يستدركه في يومه »، وجاء عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: « كثرة النوم مَذْهَبةٌ للدِّينِ والدنيا ».
وكيف لا وكثرة النوم هي الكسل، و « الكسل يضرُّ بالدينِ والدنيا معاً » ـ كما قال الإمام الباقر عليه السلام. أمّا عن الإمام الكاظم عليه السلام فقد جاء قوله: « إيّاك والضَّجَرَ والكسل؛ فإنّهما يمنعانِ حظَّك من الدنيا والآخرة ». وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله قد حذّر من هاتَينِ الخَصلتَين، قائلاً: « إنّك إن ضَجِرتَ لم تصبِرْ على حقّ، وإن كَسِلتَ لم تُؤدِّ حقّاً ». وتعليل ذلك ربّما يتّضح من كلام أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: « السُّكْرُ أربعُ سكرات: سُكْرُ الشراب، وسُكْر المال، وسُكْر النوم، وسُكْر المُلْك ».

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق
محكمة الآخرة
ائمة أهل البيت (عليهم السلام) اعلم من جميع ...
أصل الكون
العقـائــد الإسـلاميــة في القــرآن الكريــم
تجسم الأعمال
أسطورة العبوسة
بقاء الروح دليل على البعث
المسيح.. في كربلاء
التجسيم عند ابن تيمية وأتباعه ق (7)

 
user comment