عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

حديث المنزلة الأسانيد . . والشبهات

حديث المنزلة الأسانيد . . والشبهات

 حديث المنزلة

الأسانيد . . والشبهات *

الشيخ مكارم الشيرازي

أسانيد حديث المنزلة :

1 ـ روى جمع كبير من صحابة النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حول غزوة تبوك : أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خرج إلى تبوك واستخلف عليّاً ، فقال : ( أَتَخْلِفُنِي فِي الصِبْيَانِ وَالنِسَاءِ ؟ ) .

قال : ( أَلاَ تَرْضَى أَنْ تكونَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى ، إِلاّ أَنّه ليسَ نَبِيٌّ بَعْدِي ) .

وهذا النص ورد في أوثق الكتب الحديثيّة لدى أهل السنّة ، يعني صحيح البخاري وعن سعد بن أبي وقاص (1) .

وقد رُوي هذا الحديث ـ أيضاً ـ في صحيح مسلم الذي يُعدّ من المصادر الرئيسية عن أهل السُنّة ، في باب ( فضائل الصحابة ) عن سعد أن النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال لعلي ( عليه السلام ) : ( أنتَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى إِلاّ أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي ) (2) .

في هذا الحديث الذي نقله صحيح مسلم أعلن عن الموضوع بصورة كلِّيّة ، ولم يرد فيه ذكر عن غزوة تبوك .

وهكذا نُقل حديث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هذا في سياق ذِكْر غزوة تبوك بعد ذِكْر الحديث بصورة كلّيّة ، بصورة مستقلّة ، كما جاء في صحيح البخاري .

وقد ورد عين هذا الموضوع في سنن ابن ماجه أيضاً (3) .

وقد أُضيف في سنن الترمذي مطلب آخر ، وهو أنّ معاوية قال لسعد ذات يوم : ما يمنعك أنْ تسبَّ أبا تراب ؟!

قال : أمّا ما ذكرتَ ، ثلاثاً قالهنَّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فلنْ أسبَّه ، لَئِن تكون لي واحدة منهنّ ، أحبّ إليّ من حُمْرِ النَعَم . ثمّ عَدّد الأُمور الثلاثة ، فكان أحدها ما قاله رسول الله لعلي في تبوك وهو قوله : ( أَمَا تَرْضَى أَنْ تكونَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى إِلاّ أَنَّهُ لا نُبُوّةَ بَعْدِي ) (4) .

وقد أُشير إلى هذا الحديث في عشرة موارد من مسند أحمد بن حنبل ، تارةً ذكرتْ فيه غزوة تبوك ، وتارةً من دون ذِكْر غزوة تبوك ، بل بصورة كلِّيّة (5) .

وقد رُوي في أحد هذه المواضع أنّه أتى ابن عبّاس ـ بينما هو جالس ـ تسعةُ رَهْطٍ ، فقالوا : يا ابن عبّاس ، إمّا أنْ تقوم معنا ، وإمّا أنْ تخلونا هؤلاء .

فقال ابن عباس : بل أقوم معكم .

( إلى أنْ قال ) : وخرج بالناس ( أي النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ) في غزوة تبوك ، ثمّ نقل كلام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعلي ( عليه السلام ) وأضاف : ( إنّه لا ينبغي أنْ أَذْهبَ إِلاّ وأنتَ خَلِيْفَتِي ) (6) .

وجاء نفس هذا الحديث في ( خصائص النسائي ) (7) وهكذا في مستدرك الحاكم (8) ، وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي (9) وفي الصواعق المحرقة لابن حجر (10) وسيرة ابن هشام (11) والسيرة الحلبيّة (12) وكتب كثيرة أُخرى .

ونحن نعلم أنّ هذه الكتب من الكتب المعروفة ، والمصادر الأُولى لأهل السُنّة .

والجدير بالذكر أنّ هذا الحديث لم يَرْوِهِ ( سعد بن أبي وقاص ) عن النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وحده ، بل رواه ـ أيضاً ـ مجموعةٌ كبيرة من الصحابة الذين يتجاوز عددهم عشرين شخصاً ، منهم :

( جابر بن عبد الله ) و ( أبو سعيد الخدري ) و ( أسماء بنت عُمَيْس ) و ( ابن عبّاس ) و ( أُمّ سَلَمَة ) و ( عبد الله بن مسعود ) و ( أنس بن مالك ) و ( زيد بن أرقم ) و ( أبو أيّوب ) ، والأجدر بالذكر أنّ هذا الحديث رواه عن النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ( معاوية بن أبي سفيان ) و ( عمر بن الخطّاب ) أيضاً .

وينقل ( محبّ الدين الطبري ) في ( ذخائر العقبى ) أنّه جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة .

فقال : سَلْ عنها عليَّ بن أبي طالب ، فهو أعلم .

قال : يا أمير المؤمنين ( ويقصد به معاوية ) ، جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب عليّ .

قال : بئسما قلتَ ، لقد كرهتَ رجلاً كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يغرّه بالعلم غَرّاً ، وقد قال له : أنتَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى ، إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي ، وكان عمر إذا أشكل عليه أخذ منه (13) .

وروى أبو بكر البغدادي في ( تاريخ بغداد ) ، بسنده عن عمر بن الخطّاب أنّه رأى رجلاً يسبّ عليّاً ( عليه السلام ) ، فقال : إنّي أظنّك منافقاً ، سمعتُ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يقول : ( إنّما عليّ منّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى ، إِلاّ أَنّه لا نَبِيّ بَعْدِي ) (14) .

حديث المنزلة في سبعة مواضع :

النقطة الأُخرى ، إنّ النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ـ وخلافاً لِمَا يتصوّره البعضُ ـ لم يقل هذا البحث في علي ( عليه السلام ) في غزوة تبوك فقط ، بل قال هذه العبارة في عدّة مواضع منها :

1 ـ في المؤاخاة الأُولى :

يعني في المرّة الأُولى التي آخى فيها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بين المهاجرين ، واختار عليّاً ( عليه السلام ) في هذه المؤاخاة لنفسه ، وقال : ( أنتَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى إِلاّ أنّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي ) (15) .

2 ـ في يوم المؤاخاة الثّانية :

وكانت في المدينة بعد الهجرة بخمسة أشهر ، حيث آخى بين المهاجرين والأنصار ، واصطفى لنفسه منهم عليّاً ، واتّخذَهُ من دونهم أخاه ، وقال له : ( أنتَ مِنِّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى إِلاّ أنّهُ لا نَبِيَّ بِعْدِي ، وأنتَ أخي ووارثي ) (16) .

3 ـ أُمّ سليم :

التي كانت على جانب من الفضل والعقل ، وكانت تُعدّ من أهل السوابق ، وهي من الدعاة إلى الإِسلام ، واستشهد أبوها وأخوها بين يدي النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وفارقتْ زوجها ؛ لأنّه أبى أنْ يعتنق الإِسلام ، وكان رسولُ الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يزورها في بيتها بين الحين والآخر ويسلّيها ، تروي أُمُّ سليم هذه أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال لها ذات يوم : ( إنّ عليّاً لَحْمُهُ مِن لَحْمِي ، وَدَمُهُ مِنْ دَمِي ، وهو مِنِّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى ) (17) .

4 ـ قال ابن عبّاس :

سمعتُ عمر بن الخطّاب يقول : كُفُّوا عن ذِكْر عليّ بن أبي طالب ، فقد رأيتُ مِن رسولِ الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيه خصالاً ، لَئِنْ تكون لي واحدة منهنّ في آل الخطّاب أحبَّ إلي ممّا طلعت عليه الشمس ، كنتُ أنا ، وأبو بكر ، وأبو عبيدة ، في نفرٍ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فانتهينا إلى باب أُمِّ سَلَمَة ، وعلي  قائم على الباب ، فقلنا :

أردنا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؟

فقال : يخرج إليكم ، فخرج رسولُ الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فَسِرْنا إليه ، فأتَّكَأَ على عليّ بن أبي طالب ، ثمّ ضرب بيده منكبه ، ثمّ قال : ( أنت ( يا علي ) أوّل المؤمنين إيماناً ، وأوّلهم إسلاماً ، وأنتَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ مِن موسى ) (18) .

5 ـ روى النسائي في كتاب ( الخصائص ) :

أنّ عليّاً وزيداً وجعفر اختصموا في مَن يكفل ابنةَ حمزة ، وكان كلُّ واحدٍ منهم يريد أنْ يكفلها هو دون غيره ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعلى : ( أنتَ مِنّيّ بمنزلةِ هارونَ من موسى ) (19) .

6 ـ روى جابر بن عبد الله :

أنّه عندما أمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بسدّ جميع أبواب المنازل التي كانت مشرعةً إلى المسجد ، إلاّ باب بيت علي ( عليه السلام ) ، قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( إنّه يحلّ لك في المسجدِ مَا يَحلّ لِي ، وإنّك بمنزلةِ هارونَ مِن موسى ، إِلاّ أنّهُ لا نبيَّ بَعْدِي ) (20) .

هذه الموارد الستّة التي هي غير غزوة تبوك ، أخذناها برمّتها من المصادر المعروفة لأهل السنّة ، وإلاّ فإنّ هناك في الرّوايات المرويّة عن طريق الشيعة موارد أُخرى قال فيها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هذه العبارة في شأن علي ( عليه السلام ) أيضاً .

من مجموع ذلك يُستفاد ـ بوضوح وجلاء ـ أنّ حديث المنزلة لم يكنْ مختصّاً بغزوة تبوك ، بل هو أمر عام ودائم في شأن علي ( عليه السلام ) .

ومِن هنا يتّضح أيضاً أنّ ما تصوّره بعضُ علماء السنّة مثل ( الآمدي ) ـ مِن أَنّ هذا الحديث يتكفّل حكماً خاصّاً في مجال خلافة علي ( عليه السلام ) ، وأنّه يرتبط بظرف غزوة تبوك خاصّةً ، ولا يرتبط بغيره من الظروف والأوقات ـ تصوّرٌ باطلٌ أساساً ؛ لأنّ النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كرّر هذه العبارة في مناسبات متنوّعة ، ممّا يفيد أنّه كان حكماً عامّاً .

محتوى حديث المنزلة :

لو درسنا ـ بموضوعيّة وتجرّد ـ هذا الحديث ، وتجنَّبْنا الأحكام المسبَّقة والتحجّجات الناشئة من العصبيّة ، لاستفدنا من هذا الحديث أنّ عليّاً ( عليه السلام ) كان له ـ بموجب هذا الحديث ـ جميع المنازل التي كانت لهارون في بني إسرائيل إلاّ النّبوة ؛ لأنّ لفظ الحديث عام ، والاستثناء ( إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ) يؤكّد هو الآخر هذه العموميّة ، ولا يوجد أيّ قيدٍ أو شرطٍ في هذا الحديث يخصّصه ويقيّده .

وعلى هذا الأساس يمكن أنْ يستفاد من هذا الحديث الأُمور التالية :

1 ـ إنّ الإمام عليّاً ( عليه السلام ) أفضلُ الأئمّة بعد النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، كما كان لهارون مثل هذا المقام .

2 ـ إنّ عليّاً وزيرُ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ومعاونه الخاص وعضده ، وشريكه في قيادته ؛ لأنّ القرآن أثبت جميع هذه المناصب لهارون عندما يقول حاكياً عن موسى قوله : ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (21) .

3 ـ إنّه كان لعليّ ( عليه السلام ) ـ مضافاً إلى الأخوّة الإِسلامية العامّة ـ مقامُ الأخوّة الخاصّة والمعنويّة للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

4 ـ إنّ عليّاً ( عليه السلام ) كان خليفةَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ومع وجوده لم يكن أيّ شخص آخر يصلح لهذا المنصب .

* * * *

أسئلة حول حديث المنزلة :

لقد أورد بعض المتعصّبين إشكالات واعتراضات على هذا الحديث والتمسّك به ؛ لإثبات خلافة علي لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بلا فصل .

بعض الإشكالات والاعتراضات واهية جدّاً ، إلى درجة لا تَصلح للطرح على بساط المناقشة ، بل لا يملك المرء عند السماع بها إلاّ أنْ يتأسّف على حال البعض كيف صدّتْهم الأحكام المسبقة غير المدروسة عن قبول الحقائق الواضحة ؟

أمّا البعض الآخر من الإشكالات القابلة للمناقشة والدراسة ، فنطرحها على بساط البحث تكميلاً لهذه الدراسة :

* الإشكال الأوّل :

إنّ هذا الحديث يبيّن ـ فقط ـ حكماً خاصّاً محدوداً ؛ لأنّه ورد في غزوة تبوك ، وذلك عندما انزعج علي ( عليه السلام ) من استبقائه في المدينة بين النساء والصبيان ، فسلاّه رسولُ الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بهذه العبارة ، وعلى هذا الأساس كان المقصود هو : إنّك وحدك الحاكم والقائد لهذه النسوة والصبيان دون غيرك .

وقد اتّضح الجواب على هذا الإشكال من الأبحاث السابقة بجلاء ، وتبيّن أنّه ـ على خلاف تصوّر المعترضين ـ لم يرد هذا الحديث في واقعة واحدة ، ولم يصدر في واقعة تبوك فقط ، بل صدر في موارد عديدة على أساس كونه يتكفّل حكماً كليّاً ، وقد أشرنا إلى سبعة موارد ومواضع منها ، مع ذكر أسانيدها من مؤلّفات علماء أهل السُنّة .

هذا مضافاً إلى أنّ بقاء عليّ ( عليه السلام ) في المدينة لم يكن أمراً بسيطاً يهدف المحافظة على النساء والصبيان فقط ، بل لو كان الهدف هو هذا ، لتيّسر للآخرين القيام به ، وإنّ النّبي لم يكن ليترك بطل جيشه البارز في المدينة لهدف صغير ، وهو يتوجّه إلى قتال إمبراطورية كبرى ( هي إمبراطورية الروم الشرقية ) .

إنّ من الواضح أنّ الهدف كان هو منع أعداء الرسالة الكثيرين الساكنين في أطراف المدينة والمنافقين القاطنين في نفس المدينة ، الذين كانوا يفكّرون في استغلال غيبة النّبي الطويلة لاجتياح المدينة قاعدة الإِسلام ؛ ولهذا عَمَدَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى أنْ يخلف في غيبته شخصيّةً قويّةً ، يمكنه أنْ يحفظ هذا المركز الحسّاس ، ولم تكن هذه الشخصية سوى علي ( عليه السلام ) .

* الإشكال الثّاني :

نحن نعلم ـ كما اشتهر في كتب التاريخ أيضاً ـ أنّ هارون تُوفّي في عصر موسى ( عليه السلام ) نفسه ؛ ولهذا لا يُثبِت التشبيه بهارون أنّ عليّاً ( عليه السلام ) خليفة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعد وفاته ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

ولعلّ هذا هو أهمّ إشكال أُورد على هذا البحث والتمسّك به ، ولكنّ جملة ( إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي ) تُجيب على هذا الإشكال بوضوح ؛ لأنّه إذا كان كلام النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ـ الذي يقول : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ـ خاصّاً بزمان حياة النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لَمَا كانت هناك ضرورة إلى جملة ( إلاّ أنّه لا نبي بعدي ) ؛ لأنّه إذا اختصّ هذا الكلام بزمان حياة النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لكان التحدّث حول مَن يأتي بعده غير مناسب أبداً ( إذ يكون لهذا الاستثناء ـ كما اصطلح في العربية ـ طابع الاستثناء المنقطع الذي هو خلاف الظاهر ) .

وعلى هذا الأساس يكشف وجود هذا الاستثناء ـ بجلاء ـ أنّ كلام النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ناظر إلى مرحلة ما بعد وفاته ، غاية ما هنالك ولكي لا يلتبس الأمر ، ولا يعتبر أحدٌ عليّاً ( عليه السلام ) نبيّاً بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال : إنّ لك جميع هذه المنازل ولكنّك لن تكون نبيّاً بعدي .

فيكون مفهوم كلام النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هو أنّ لك جميع ما لِهارون من المناصب والمنازل ، لا في حياتي فقط ، بل إنّ هذه المنازل تظلّ مستمرّةً وباقية لك إلاّ مقام النّبوة .

وبهذه الطريقة يتّضح أنّ تشبيه علي ( عليه السلام ) بهارون ، إنّما هو من حيث المنازل والمناصب ، لا من حيث مدّة استمرار هذه المنازل والمناصب ، ولو أنّ هارون كان يبقى حيّاً ، لكان يتمتّع بمقام الخلافة لموسى ومقام النّبوة معاً .

ومع ملاحظة أنّ هارون كان له ـ حسب صريح القرآن ـ مقام الوزارة والمعاونة لموسى ، وكذا مقام الشركة في أمر القيادة ( تحت إشراف موسى ) ، كما أنّه كان نبيّاً ، تثبت جميع هذه المنازل لعلي ( عليه السلام ) إلاّ النّبوة ، حتى بعد وفاة النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بشهادة عبارة ( إلاّ أنّه لا نبي بعدي ) .

* الإشكال الثّالث :

 إنّ الاستدلال بهذا الحديث يستلزم أنّه كان لعلي ( عليه السلام ) منصب الولاية والقيادة حتى في زمن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، في حين لا يمكن أنْ يكون هناك إمامان وقائدان في عصر واحد .

ولكن مع الالتفات إلى النقطة التالية يتّضح الجواب على هذا الإشكال أيضاً ، وهي أنّ هارون كان له ـ من دون شكّ ـ مقام قيادة بني إسرائيل حتى في عصر موسى ( عليه السلام ) ، ولكن لا بقيادة مستقلّة ، بل كان قائداً يقوم بممارسة وظائفه تحت إشراف موسى . وقد كان علي ( عليه السلام ) في زمان النّبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) معاوناً للنّبي في قيادة الأُمّة أيضاً ، وعلى هذا الأساس يصير قائداً مستقلاًّ بعد وفاة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

وعلى كل حال ، فإنّ حديث المنزلة الذي هو مِن حيث الأسانيد مِن أقوى الأحاديث والروايات الإسلامية التي وردتْ في مؤلّفات جميع الفرق الإسلامية بلا استثناء ، إنّ هذا الحديث يوضّح لأهل الإِنصاف من حيث الدلالة أفضليّةَ علي ( عليه السلام ) على الأُمّة جمعاء ، وأيضاً خلافته المباشرة ( وبلا فصل ) بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

ولكن مع العجب العجاب أنّ البعض لم يكتفِ برفض دلالة الحديث على الخلافة ، بل قال : إنّه لا يتضمّن ولا يثبت أدنى فضيلة لعليّ ( عليه السلام ) .. وهذا حقّاً أمر محيّر .

ــــــــــــــــــــــــ

* اقتباس وتنسيق : قسم المقالات في شبكة الإمامين الحسنَين ( عليهما السلام )  من كتاب : الأَمْثَل في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل ( طبعة جديدة منقّحة مع إضافات ) ، تَأليف : العلاّمة الفقيه المفسّر آية الله العظمى الشَيخ نَاصِر مَكارم الشِيرازي ، المجَلّد الخامس .
1 ـ صحيح البخاري : الجزء السّادس ، الصفحة 3 ، طبعة دار إحياء التراث العربي .
2 ـ صحيح مسلم : المجلّد الرّابع ، الصفحة 187 ، طبعة دار إحياء التراث العربي .
3 ـ المجلد الأوّل ، الصفحة 43 ، طبعة دار إحياء الكتب العربية .
4 ـ المجلد الخامس ، الصفحة 638 ، طبعة المكتبة الإِسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ .
5 ـ مسند أحمد بن حنبل : المجلّد الأول ، الصفحة 173 و 175 و 177 و 179 و 183 و 185 و 231 ، والمجلّد السّادس ، الصفحة 369 و 438 .
6 ـ مسند أحمد : المجلّد الأوّل ، الصفحة 231 .
7 ـ خصائص النسائي : ص 4 و 14 .
8 ـ المجلّد الثالث ، الصفحة 108 و 109 .
9 ـ المجلّد الأوّل ، الصفحة 65 .
10 ـ الصفحة 177 .
11 ـ السيرة النبوية : المجلّد الثّالث ، الصفحة 163 ، طبعة مصر .
12 ـ السيرة الحلبية : المجلّد الثّالث ، الصفحة 151 ، طبعة مصر .
13 ـ ذخائر العقبى : الصفحة 79 ، طبعة مكتبة القدس . الصواعق المحرقة : ص 177 ، طبعة مكتبة القاهرة .
14 ـ تاريخ بغداد : المجلّد السابع ، الصفحة 452 ، طبعة السعادة .
15 ـ كنز العمّال : المجلّد الخامس ، الصفحة 40 ، الحديث 918 ، والمجلّد السّادس ، الصفحة 390 .
16ـ منتخب كنز العمّال ( في حاشية مسند أحمد ) : المجلّد الخامس ، من مسند أحمد ، الصفحة 31 .
17 ـ كنز العمّال : المجلّد السّادس ، الصفحة 164 .
18 ـ كنز العمّال : المجلّد السّادس ، الصفحة 395 .
19 ـ خصائص النسائي : الصفحة 19 .
20 ـ ينابيع المودّة : آخر باب 17 ، الصفحة 88 ، الطبعة الثّانية ، دار الكتب العراقية .
21 ـ سورة طه : الآية : 29 إلى 32

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

بعض اقوال علماء اهل السنة والجماعة في يزيد ابن ...
مساءلة منكر ونكير
أصحاب الخمس هم أصحاب الفيء
اسلوب التفسير بالرأي
الشهادة الثالثة وجوب ام استحباب
هذا هو الرِّفْق في الإسلام
الحياة البرزخية
الخروج من القبر
هل أن التوسل مشروع ؟
نظرة قرآنية حول مفهوم الموت

 
user comment