عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

شيعة الري في العصر السلجوقي .

شيعة الري في العصر السلجوقي .

كـان مـلـوك الـسـلاجـقة و امراؤهم ينحازون نوعا ما الى التسنن الحنفي و الحكومة العباسية , و يناهضون التشيع كالغزنويين والسامانيين بيد ان مناهضتهم و ان كانت للاسماعيلية و الباطنية بشكل مباشر, غير ان الشيعة الامامية لم يسلموا من هجماتهم و ضغوطهم و في الوقت نفسه كان التشيع قد ضـرب بـجـرانه في منطقة الجبال , و تكيف مع الاوضاع الجديدة بسرعة , و استطاع ان ينمو نموا لافتا للنظر حتى في العصر السلجوقي .
و نقرا في هذا العصر ان من دعائم النمو المذكور تغلغل الشيعة الامامية في الكيان الاداري للحكومة الـسـلجوقية , ذلك التغلغل الذي تم بادراع التقية و اختدام المسوغات الشرعية الاخرى , فتمخض بـنـتـائج مـهمة للشيعة و حصنهم امام امرا الاتراك كذلك يمكنناان نعتبر السادة العلويين و نقباهم ركيزة من ركائز التشيع هناك بوصفهم شريحة اجتماعية وجيهة متنفذة .
و نلحظ ان من آثار الحكومة البويهية التي امتدت مائة سنة تربية جيل من شباب الشيعة على الصعيد الاداري والـثـقـافـي , فقد تربى هؤلا في اجوا تلك الحكومة و استاثروا باغلب المناصب الادارية المهمة و ان هذه الشريحة من الشيعة بوصفها شريحة مثقفة في المجتمع لا يمكن ان تقال على غرة و لـو وقعت تحت ضغط التعصب السلجوقي في البداية , فان المجتمع والحكومة يظلا ن بحاجة اليها و ان لـقب القمي , والتفرشي ,والفراهاني , والاوي
((823)) , والكاشاني , والبرقي معلم على حضور اصحابها و تغلغلهم في الحكومة السلجوقية و نرى ان الشيعة الامامية كانوا سباقين في هذا الباب اذا مـا قـيـسـوابـالـزيدية , لان الزيدية كانوا دعاة دار الامامة , اما الشيعة فقد حافظوا على اتصالهم بـالـفـقـهـالـتـسوية شؤونهم المالية والقضائية , وكانوا ينتظرون ظهور الامام المهدي عجل اللّه فـرجـه عـلـى صـعـيـد الـمطالبة بالحكومة من هذا المنطلق كانوا يحتفظون بسيطرتهم النسبية على الاوضاع من خلال الدخول في الجهاز الاداري , و ذلك من اجل صيانة المجتمع الشيعي ,والدفاع عن حقوق المظلومين ايضا و نلحظ نماذج من هذا التغلغل بين اصحاب الائمة عليهم السلام منذ عصر الامـام الـبـاقـرـ عـليه السلام ـ و بعده , و كذلك نلحظها في الموقع الذي احتله علما الشيعة عبر العصور المتنوعة و كان الامر على هذه الشاكلة في العصرالسلجوقي ايضا.
قـال مؤلف فضائح الروافض : كان ابو الفضل براوستاني , و بو سعد هندوي قمي من جباة الضرائب فـي عـهـد بركياروق , و السلطان محمد و استولى المعممون من قم , و كاشان ,و آبه على الامور باعمالهم و تصرفاتهم استيلا تاما
((824)) )).
و قال ايضا: و لم يعهدوا هذه القدرة في عصر من العصور الخالية , اذ تجراوا و كانوايتحدثون بمل افواههم , و لا نجد مكانا للاتراك الا و يحكم فيه خمسة عشر رافضيا,و كان كتاب الدواوين كلهم منهم , و وضعهم اليوم كوضعهم في عصر المقتدرالعباسي
((825)) .
و يـقـصد مؤلف الفضائح ان تغلغل الشيعة في اواخر العهد السلجوقي كان اكثر من العهود المتقدمة , بـيـنـمـا كانت تلحظ ضروب من التشدد والاضطهاد في زمن ملكشاه احدسلاطينهم و قال المؤلف المذكور: اذا كان عند احد الامرا في عهد السلطان الماضي محمد ملكشاه مختار رافضي فانه يرشي احـد علما السنة ليبلغ الاتراك ا نه ليس رافضيا,بل هو سني او حنفي و نجد في هذا العهد ان معظم اربـاب الاتـراك و حجابهم و وبوابيهم وطهاتهم و فراشيهم هم من الرافضة , و يفتون على مذهب الرفض , و يبتهجون بذلك من غير وجل و لا تقية
((826)) .
و بـلـغ هـذا التغلغل حدا ان الموظفين الاداريين , بل التنفيذيين كانوا من الرافضة و من الطبيعي ان تـعـيـيـن هـؤلا لا يـمكن ان يكون بمعزل عن حضور الكوادر الادارية العالية في الحكومة , وهذه الكوادر كانت شيعية بالضرورة و كان الشيعة في داخل الاجهزة الحكومية يتعاضدون و يتكاتفون و ينبغي ان لا نغفل ان هذه الحقائق تصدق على الري التي كان يعيش فيها مؤلف الفضائح , و كذلك صاحب النقض .
و قـال مؤلف الفضائح : ((اذا وقع رافضي في مازق , فانهم يتزرون و ينقذونه من ورطته اما اذا كان المتورط حنفيا او شافعيا, فانهم يتعاضدون ضده , و ينهبون داره , وينتقمون من مذهبه
((827)) )).
لـقـد كـذب صـاحب النقض وجود هذا التشدد عند الشيعة في موقفهم من السنة و عندمانقل صاحب فـضـائح الروافض قصة حول تعصب مجدالملك القمي , فان عبدالجليل مؤلف النقض رفضها, و ركز على روح التسامح التي كان يحملها (انظر : الصفحات القادمة ).
و اذا ما عرفنا ان الشيعة قد تعرضت في مستهل العصر السلجوقي الى بعض الضغوط,فلا يمكن ان نـقـبل ا نها تلقت ضربة موجعة بالري يومذاك و قد خفت هذه الضغوط على كرور الايام , يضاف الى ذلك فرز الاسماعيلية من الامامية الى حدما وكان للامامية انفسهم دور مهم في هذا الفرز, بل كانوا يـسـاهـمون في دحض الاسماعيلية , و خوض المناظرات العلمية معهم , و كتابة الردود ضدهم و هـكـذا كـان رجـل مـثـل نـظـام الـمـلـك الـمـتـعصب لمذهبه الشافعي يحترم بعض الشخصيات الشيعية
((828)) .
و اتـسم هذا الموضوع باهمية اكبر فيما يخص السادة و هكذا يحاول عبدالجليل الرازي ـ متغاضيا عـن بـعـض الـتـصرفات الحادة التي كان يبديها ملوك السلاجقة حيال الشيعة ـ ان يستنتج من الادلة القائمة ان تعاملهم مع الشيعة كان مناسبا في الجملة .
يـقـول صـاحب الفضائح : (( و في عصر كريم ملكشاهي ـ سقاه اللّه برحمته ـ كان نظام الملك ابو علي الحسن بن علي اسحاق مطلعا على سر عقيدة هؤلا فاذلهم و امتهنهم جميعا و كل من ادعى بالعلم مـنـهـم فـي الـري كـحـسـكـابـابـويـه
((829)) , و بوطالب بابويه ((830)) , و ابو المعالي امـامتي ((831)) , و حيدر زيارتي مكي , و علي عالم , و بوتراب دوريستي ((832)) , و خواجه ابـوالـمـعـالي نگارگر, و غيرهم من الرافضة السبابين , فانه امرباصعادهم على المنابر, و نزع الـعمائم من رؤوسهم , و هتك حرمتهم , والاستخفاف بهم وكانوا يقولون لهم : انتم اعدا الدين , و انتم الذين تلعنون اهل السابقة في الاسلام , وشعاركم شعار الملحدين , آمنوا اذا شئتم فكانوا يؤمنون , و يبراون من مقالة الرفض .
و يـجيب عبدالجليل قائلا
((833)) : اما جواب ما نسبه الى عهد السلطان العادل ملكشاه السلجوقي والـخـواجـه الـمنصف نظام الملك قدس اللّه روحهما, فاقول : انه كذب و افترا,لا نهما قد اكرما السادات والشيعة بالعطايا والهدايا, و ذلك ما تنطق به خطوطهماو توقيعاتهما و هي ما زالت عندهم , و مـا فـتـاوا يـاخـذونـهـا و كـان احـتـرامـهم و توقيرهم و ترفيعهم اشيا ملموسة و ملحوظة يـومذاك ((834)) و اما ما ذكره من بعض اعلام هذه الطائفة , فاقول : ان الخواجه نظام الملك كان يـنـعـم عـلـيهم بعطايا كثيرة و صلات عظيمة و ان فرق المسلمين جميعها كانت تعرف علم شمس الاسـلام حـسـكا بابويه و امانته و زهده وورعه كما كان بوطالب بابويه واعظا يعظ المسلمين و يـذكـرهـم عـدد سـنـين , و امانته و فضله ظاهران باهران و اما ابوالمعالي امامتي العالم والمفتي والـواعـظ والـمـقري , فان امتلاك نفسه و ضبطها كانا بارزين عليه و كذلك كان الخواجه بلحسن معروفا و ذا شان و كان آباالخواجه علي عالم ـ رحمه اللّه ـ و اعمامه معروفين مشهورين و نجد فـي هـذه الطائفة امثال الخواجه بوسعيد الذي كان عالما متدينا مفسرا و راويا للاخبار, والخواجه الـفـقـيدعبدالرحمن النيسابوري ((835)) الذي لفت انظار عظام السلاطين والوزرا الى كتبه و اقواله و قلمه و تصانيفه , فاجزلوا له العطا, و عظموا حرمته و هؤلا ليسوا من قوم يتطاول عليهم شـخص مثل نظام الملك الذي اغدق عليهم العطا و رفق بهم كثيرا و كان ابوالمعالي نگارگر مؤمنا معتقدا, و لم يعرف بالشتم واللعن [لعن الصحابة ] بحمداللّه .
و امـا الـخـواجـه بـوتراب دوريستي , فقد كان مشهورا في فنون العلم , و تصنيف الكتب و رواية الاخبار الكثيرة , و يعتبر احد العلما الكبار في هذه الطائفة و كان نظام الملك يذهب كل اسبوعين الى دوريست , و يسمع الاخبار من الخواجه جعفر و يعود مغمورابغاية فضله و عظمته وهذه الاسرة معروفة بالعلم والعفة والامانة خلفا عن سلف , و كان الخواجه حسن والد بوتراب قد خدم نظام الملك و صحبه , و له عليه دالة , و انشدشعرافي مدحه
((836)) .
و يـنـبغي ان نعلم ان نظام الملك كان شخصا متعصبا, و قد اسا القول في الرفض و الرافضة في كل موضع من كتابه سياستنامه , و اكد التشدد عليهم و مع هذا, كان تغلغل الشيعة في زمانه قد بلغ درجة بحيث انه الزم نفسه بالاقتراب منهم والتودد اليهم مااستطاع الى ذلك سبيلا, بخاصة , ا نه كان يسمع الحديث من علما الشيعة المشهورين من منطلق فضل الصداقة والمودة , كما اشار عبدالجليل الى ذلك .
والـطـريف هو ا نه كمؤلف الفضائح كان يشكو من تغلغل المذهب العراقي , و فيه اشارة الى المذهب الـشيعي في عراق العجم , بينما نبه على وجود التشدد اللازم في العصرالسلجوقي الاول للحيلولة دون هـذا الـتـغلغل
((837)) و قال : لم يجرا احد من المجوس ,والنصارى , والروافض في عهد مـحـمـود و مسعود [الغزنويين ] , و طغرل , و الب ارسلان على الظهور في الساحة او القدوم عند الاتراك و كان المختارون الاتراك كافة يسيطرون على رؤسا خراسان و كان الكتاب الخراسانيون الحنفيون والشافعيون من الاطهار,و ليسوا من الكتاب والعمال الذين يدينون بمذهب العراق السيئ , و كانوا قد اجازوا لهم الاقتراب منهم , و لم يسمح الاتراك قط بتشغيل احد منهم و لا جرم ا نهم كانوا يعيشون مبراين من كل عيب اما الان فقد بلغ الامر ان البلاط والديوان قد غصا بهم , و ورا كل تركي مئتان منهم , يخططون ان لا يمر خراساني على هذا البلاط والديوان او يجد فيه خبزا ((838)) .
و ذكر نموذجا على تشدد الب ارسلان بالنسبة الى الروافض , و نص على ان شخصا لوقال في ذلك الزمان : انا شاعي [شيعي ] , و من اهل قم او كاشان , او آبه , او الري , فانه يرفض
((839)) .
ثـم تـحدث كثيرا عن ذم الروافض و كمامر بنا سابقا, فان هذه الضروب من التشدد لم تترك تاثيرا يذكر في تقليص نفوذ الشيعة , لان التشيع كان قد ضرب بجرانه في الري و توابعها.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير
الاسرة والحقوق الزوجية
الملهوف على قَتلى الطفوف
نساء يأكلن من خبز النفايات لإشباع بطونهن ، في ...
بعث الإسلام مجدداً وتعميم نوره على العالم:
خروج الحسين: سؤال الحرية؟

 
user comment