عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

أعلام الشيعة في مصر

أعلام الشيعة في مصر
 

في مصر الكثير من أعيان الشيعة الذين لا تزال آثارهم باقية حتى اليوم ومشاهدهم معروفة ومحل إقبال مسلمي مصر. فعلى الرغم من حملات التشويه والتعتيم التي لاقتها حركة التشيع في مصر وحملات البطش والكيد والتنكيل التي لا حقت أنصارها فيها من قبل الحكومات السنية المتعصبة بداية من الدولة الأموية وحتى الدولة العثمانية - على الرغم من ذلك بقت الرموز الشيعية بارزة وضاءة تعلن أمام الجميع أن للشيعة جذورها القوية والعميقة في هذا البلد.
ولقد كانت فترة الحكم الفاطمي التي بدأت بعد سقوط الأخشيديين هي فترة ازدهار النشاط الشيعي في مصر والذي كان قد طوق وضرب من قبل الحكومات التي سبقت الفاطميين. وقد تم التعتيم على هذه الفترة من قبل الحكم الأيوبي الذي ورث حكم مصر بعد سقوط الفاطميين ومن قبل المماليك والعثمانيين من بعد ذلك حيث تم تحويل مصر من دولة شيعية حكومة وشعبا إلى دولة سنية بالحديد والنار وإن كانت بقيت عقيدة آل البيت وحبهم وموالاتهم باقية في نفوس الجماهير.. (يبدو حب آل البيت وموالاتهم واضحا في الطرق الصوفية التي تعد القطاع الإسلامي الأكثر بروزا وشعبية في مصر. وعن واقع الشيعة في مصر قبل قيام دولة الفاطميين انظر فصل التاريخ يتكلم. وانظر أيضا فصل صلاح الدين والشيعة..)
وليس ما يجري أمامنا في ذكرى مولد السيدة زينب ومولد الحسين ومولد السيدة نفيسة إلا دليلا على كون هذه الرموز لا تزال تعيش في وجدان وقلوب المصريين.
كما أن حركة التصوف المنتشرة في مصر والتي لها وجودها البارز في الشارع العصري إنما تستمد وجودها ونفوذها من هذه الرموز وبرفع شعار آل البيت..
إن أعيان الشيعة في مصر لا زالوا يلقون بظلالهم على الحاضر ولا تزال آثارهم ويصماتهم واضحة على هوية الإسلام بمصر..
ومن أبرز أعيان الشيعة في سوى السيدة زينب والحسين والسيدة نفيسة.
مالك الأشتر ومحمد بن أبي بكر. وطلائع بن زريك (الملك الصالح) والأمير بدر الجمالي والأفضل أمير الجيوش والقاضي النعماني والأمير المختار المعروف المسبحي وسوف تتناول كل شخصية من هذه الشخصيات في هذا الفصل حسب الترتيب التاريخي..

مالك الأشتر:

هو مالك الأشتر النخعي أو مالك بن الحارث النخعي الساعد الأيمن للإمام علي (عليه السلام) وسيفه البتار. خاض مع الإمام معاركة التي خاضها في مواجهة أهل القبلة من الصحابة والخوارج وأهل الشام. وكانت له مكانة خاصة عند الإمام الذي كان يعتبره من أتباعه المخلصين الذين يوالونه بقلوبهم وسيوفهم..
وقد أسهم مالك في وقعة الجمل كما أسهم في الثورة على عثمان وقاد المعارك ضد معاوية في وقعة صفين وكاد أن يحقق النصر ويدحر جيوش الشام لولا حيلة ابن العاص برفع المصاحف..
ويعرف عن مالك شدته في الحق وتعصبه للإمام علي ومن مظاهر هذه الشدة أنه كان يهدد المترددين والمتوقفين عن بيعة الإمام ويجبرهم على بيعته كما كان من المعارضين لوقف القتال في صفين واختاره الإمام حكما بينه وبين معاوية إلا أن الخوارج رفضوا هذا الاختيار لخوفهم من أن يتسبب الأشتر في تفجر الصراع من جديد يعد أن توقف بسبب طلب التحكيم..
وأثناء الصراع بين الإمام ومعاوية كانت أبصار الإمام تتجه نحو مصر التي بدأ يحرك فيها معاوية أنصاره بدعم من عمرو بن العاص الذي كان قد اتفق مع معاوية على أن يعطيه ولاية مصر مقابل الوقوف إلى جواره ضد الإمام.. وكان الإمام قد عزل عمرو بن العاص عن ولاية مصر وأقام مكانه محمد بن أبي بكر..
إلا أن الواضح من سير الأحداث أن محمد بن أبي بكر لم تكن لديه القدرة التي تعينه على مواجهة مثيري الفتن والمتآمرين لحساب معاوية.. وهنا قرر الإمام أن يرسل مالك إلي مصر لحسم الصراع الدائر هناك وتسلم زمام القيادة من محمد بن أبي بكر..
وقد أحدث هذا القرار هزة كبيرة لمعاوية وابن العاص اللذان كانا يخشيان مالك أشد الخشية واضعين في حسابهم الآثار المترتبة على وصوله إلى مصر وتسلمه زمام القيادة فيها. خاصة أن الإمام قد سلمه ميثاقا وعهدا يستعين به في حكم مصر..
لقد كان معاوية يدرك تماما أن وصول مالك إلى مصر يعني ضياعها وخروجها عن دائرة نفوذه فمن ثم سعى ابن العاص إلى تحريضه للعمل على الحيلولة دون وصول مالك لعصر..
ولم يكن هناك من حل معاوية وابن العاص سوى التخلص من مالك فكان أن حرض معاوية رجل من أهل الخراج بمصر الذي لقى الأشتر وهو في طريقه لعصر واستضافه وسقاه عسلا مسموما مات بعده..
وكان حزن الإمام عليه شديدا وكانت فرحة معاوية أشد وقد قال مقولته الشهيرة عند سماعه خبر وفاته: إن الله جندا من العسل..
وكان مالك الأشتر من بين عصبة المؤمن الذين قاموا بتغسيل وتكفين ودفن أبي ذر الغفاري حين مات في الصحراء وحيدا بعد أن نفاه عثمان.. (روى عن الرسول صلی الله عليه وآله وسلمما معناه: (أن أبا ذر سيموت وحيدا وستتولى دفنه عصبة من المؤمنين..) وكانت امرأته إلى جواره حين توفي لم تدري ما تفعل حتى ظهر مالك وعصبته..)

محمد بن أبي بكر:

هو ربيب الإمام علي الذي تزوج بأمه بعد وفاة أبي بكر.. وكان مولده في حجة الوداع وأمه هي أسماء بنت عميس الخثعمية..
وقد شارك محمد بن أبي بكر في وقعة صفين مع الإمام ولازمه ونهل من عمله وخبرته وكان له بمثابة التابع الأمين..
وفي أثناء الصراع بين معاوية والإمام بعد مصرع عثمان وقعت في مصر عدة انتفاضات كان المحرك الأساسي لها أنصار عثمان من أهالي قرية خربتا والذين استثمر هم معاوية في إثارة القلاقل في مصر ضد ولاة الإمام علي..
وأصدر الإمام قرارا بعزل قيس بن سعد بن عبادة وإليه على مصر ودفع بمحمد ابن أبي بكر ليحل محله..
وتسلم ابن أبي بكر الأمر من قيس الذي أوصاه قبل رحيله من مصر بأن يعمل على كسب أهل خربتا إلى صفه وأن يكايد بهم معاوية وابن العاص (إنك إن كايدتهم بغير ذلك تهلك..)..
يروي السيوطي: ولم يزل محمد بن أبي بكر بمصر قائم الأمر مهيبا بالديار المصرية حتى كانت وقعة صفين. ولما بلغ أهل مصر خبر معاوية ومن معه من أهل الشام على قتال أهل العراق وصاروا إلى التحكيم. فطمع أهل مصر في محمد بن أبي بكر واجترؤا عليه وبارزوه بالعداوة. والمقصود بأهل مصر هنا هم أهل خربتا وأنصار عثمان. فلما ولى عليها الأشتر النخعي عظم ذلك على معاوية لأنه كان يطمع في انتزاعها من ابن أبي بكر وعلم أن الأشتر سيمنعها منه لحزمه وشجاعته. وكان أن قتل الأشتر بالسم. واستمر ابن أبي بكر على الديار المصرية.
وكان ضعف جأشه مع ما فيها من الخلاف عليه من العثمانية الذين ببلدة خربتا وكانوا قد استفحل أمرهم. وعين معاوية عمرو بن العاص لنيابة مصر ففرح بها وتحالفت خربتا مع عمرو. وحاصر أهل الشام ابن أبي بكر وقبض عليه وقتل عام 38 هـ ..
وفي رواية ابن تغري: كان معاوية يهاب مصر لأجل الشيعة وقصد معاوية أن يستعين بأخذ مصر على حرب علي. وسير الجيوش بقيادة ابن العاص الذي أرسل لابن أبي بكر يطلب منه الاستسلام والخروج من مصر. إلا أن محمد بن أبي بكر رفض الاستسلام ونشبت معركة هزم فيها جند محمد وأخذ أسيرا وأعدم حرقا في جيفة حمار ميت. وقيل أنه قطعت رأسه وأرسلت لمعاوية بدمشق وطيف به وهو أول رأس طيف به في الإسلام..
ويبدو أن الفتن والمؤامرات كانت أكبر من محمد ابن أبي بكر والامكانيات المتاحة له في مصر. وقد حرص كثير من المؤرخين على إظهار ابن أبي بكر بمظهر الرجل العاجز والمستبد عديم الرأي والحنكة وكأن هذا طعنا غير مباشر للإمام علي الذي اختاره لهذه المهمة..
إلا أن الحقيقة هي أن التواجد الشيعي في مصر بتلك الفترة لم يكن من القوة بحيث يمكنه الصمود أمام جيوش أمام جيوش الشام. خاصة أن معظم أهل خصر وقتئذ لم يكن يعنيهم هذا الصراع في شئ حيث إنهم كانوا على ملتهم ولم يكونوا قد دخلوا الإسلام بعد..

زينب بنت علي:

دخلت السيدة زينب مصر في أول شعبان عام 61 هـ بعد مضي حوالي نصف عام على مذبحة كربلاء التي شهدت فيها مصرع شقيقها الإمام الحسين وبقية أفراد بيت النبوة وأنصارهم بسيوف مجرمي بني أمية وزنادقة العرب..
وبقيت في مصر موضع إجلال المصريين وتقديرهم حتى توفيت في العام التالي أي في عام 62 هـ . ودفنت في موضع إقامتها في دار الوالي..
وكان المصريون يفدون إليها يلتمسون البركة والدعاء وسماع أحاديث جدها الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)وكانت كثيرة العبادة وافرة العلم زاهدة فصيحة اللسان..
وقيل إن فاطمة بنت الحسين كانت بصحبتها حين قدومها لمصر. وقد توفيت فيها ومرقدها معروف باسم مرقد فاطمة النبوية في مسجد يحمل اسمها. وكانت بصحبتها أيضا السيدة سكينة..
وفي أسد الغابة: زينب بنت علي أدركت النبي وولدت في حياته. وكانت زينب امرأة عاقلة لبيبة جزلة زوجها أبوها من عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. فولدت له عليا وعونا الأكبر وعباسا ومحمدا وأم كلثوم. وكانت مع أخيها الحسين لما استشهد وحملت إلى دمشق وحضرت عند يزيد. وكلامها ليزيد حين طلب الشامي أختها فاطمة بنت علي من يزيد مشهور مذكور في التواريخ وهو يدل على عقل وقوة وجنان..

نفيسة بنت الحسن:

لم تكشف لنا كتب التاريخ الدوافع التي أدت بقدوم السيدة نفيسة مع زوجها إلى مصر. هل هي دوافع سياسية ناتجة من الضغوظ التي كان يواجهها آل البيت من قبل القوى الحاكمة. أم أن هناك دوافع أخرى..؟
ولا تعنينا هنا الإجابة على هذا السؤال. وقد أجمع المؤرخون على أنها وصلت مصر وهذا ما يشهد به العامة والخاصة..
يقول ابن خلكان: السيدة نفيسة ابنة أبي محمد الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. دخلت مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر. وقيل دخلت مع أبيها الحسن وأن قبره بمصر لكنه غير مشهور.. (1)
وكان والد السيدة نفيسة واليا على المدينة من قبل أبي جعفر المنصور ثم غضب عليه وعزله. ولعل هذا الحدث تكن فيه إشارات تساعدنا على الإجابة على السؤال الذي طرحناه آنفا..
يقول ابن خلكان: وكانت نفيسة من النساء الصالحات التقيات. ويروي أن الشافعي لما دخل مصر سمع عليها الحديث.. وكان للمصريين فيها اعتقاد كبير وهو إلى الآن باق كما كان.. وحين توفي الشافعي أحضر جثمانه أمامها لتصلي عليه. فصلت عليه من وراء حجاب في موضع مشهدها اليوم.. ولما توفت عزم زوجها إسحاق على حملها إلى المدينة ليدفنها هناك فسأله المصريون بقاءها عندهم. فدفنت في الموضع المعروف.. وقبرها معروف بإجابة الدعاء عنده وهو مجرب..
ويقول المقريزي: نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
زوجها إسحاق بن جعفر الصادق وكان يلقب بإسحاق المؤتمن وهو من أهل الصلاح والخير والفضل والدين وروى عنه الحديث..
وكانت نفيسة من الصلاح والزهد على الحد الذي لا مزيد عليه. ويقال إنها حجت ثلاثين حجة. وكانت كثيرة البكاء تديم قيام الليل وصيام النهار. وكانت
حفظ القرآن وتفسيره. توفيت عام 208 هـ . ودفنت في منزلها الذي هو قبرها الآن. وأراد زوجها أن يحملها ليدفنها بالمدينة. فسأله أهل مصر أن يتركها ويدفنها عندهم الحل البركة.. (2)
ويروى أن السيدة نفسية هي التي كانت تحفر قبرها بنفسها وقد توفيت في اليوم الذي أتمت فيه حفر هذا القبر. كما يروي وقوع كثير من الكرامات على يديها..

القاضي النعماني:

هو النعمان بن أبي عبد الله محمد بن منصور بن أحمد بن حيون أحد الأئمة الفضلاء والمشار إليهم. ويعد من أعلام القضاة..
قال المسبحي في تاريخه: كان من أهل العلم والفقه والدين والنبل على ما لا مزيد عليه. وله عدة تصانيف منها كتاب اختلاف أصول المذاهب وغيره..
وكان مالكي المذهب وانتقل إلى مذهب الإمامية. وصنف كتاب (ابتداء الدعوة للعبيديين) وكتاب (الأخبار) في الفقه. وكتاب (الاقصار) في الفقه ايضا..
قال ابن زولاق: وكان أبو النعمان بن محمد القاضي في غاية الفضل من أهل القرآن والعلم بمعانيه. وعالما بوجوه الفقه وعلم اختلاف الفقهاء واللغة والشعر الفحل والمعرفة بأيام الناس مع عقل وإنصاف.. وألف لأهل البيت من الكتب آلاف أوراق بأحسن تأليف وأملح سجع. وعمل في المناقب والمثالب كتابا حسنا. وله ردود على المخالفين.
له رد على أبى حنيفة والشافعي ومالك وعلي ابن سريح. وكتاب (اختلاف الفقهاء) ينتصر فيه لأهل البيت. وله القصيدة الفقهية لقبها بالمنتخبة.. (3)
وكان النعماني لصيق المعز لدين الله وجاء معه من إفريقية إلى مصر وتقلد القضاء في زمن العزير الخليفة الثاني من خلفاء الفاطميين بمصر..
قال ابن زولاق: ولم نشاهد بمصر لقاض من القضاة من الرياسة ما شاهدناه لمحمد بن النعمان. ولا بلغنا ذلك عن قاض بالعراق. ووافق ذلك استحقاقا لما فيه من العلم والصيانة والتحفظ وإقامة الحق والهيبة.. وكان جيد المعرفة بالأحكام.
متفننا في علوم كثيرة. حسن الأدب والدراية بالأخبار والشعر وأيام الناس وله شعر. وقد ارتفعت رتبة القاضي النعماني عند العزيز..
ولما توفي العزيز غسله القاضي النعماني وصلى عليه. وتوفي النعماني في عام 389 هـ في زمن الحاكم بأمر الله الذي صلى عليه..
وعند ذكر النعماني في المراجع التاريخية يحرص المؤرخون على اختصار اسمه فيسمونه (القاضي النعماني) تمييزا له عن أبي حنيفة النعمان صاحب المذهب..
ويطلق عليه مؤلفو الشيعة وبعض مؤرخي السنة (أبو حنيفة الشيعي) وله ترجمة في دائرة المعارف الإسلامية مادة نعمان.

المسبحي المؤرخ:

هو الأمير المختار المعروف بالمسيحي المؤرخ والأديب كانت فيه فضائل ولديه معارف ورزق حظوة في التصانيف. وكان على زي الأجناد. واتصل بخدمة الحاكم وتولى بعض أعمال الصعيد.. (4)
له التاريخ الكبير وهو ثلاثين جزاء الذي قال في حقه (التاريخ الجليل قدره الذي يستغنى بمضمونه عن غيره من الكتب الواردة في معانيه. وهو أخبار مصر ومن حلها من الولاة والأمراء والأئمة والخلفاء. وما بها من العجائب والأبنية واختلاف أصناف الأطعمة وذكر نيلها وأحوال من حل بها وأشعار الشعراء وأخبار المغنين ومجالس القضاة والحكام والأدباء والمتغزلين وغيرهم) وهو ثلاثة عشر ألف ورقة..
وله (التلويح والتصريح في معاني الشعر وغيره) وهو ألف ورقة..
و (الراح والارتياح) وهو ألف وخمسمائة ورقة..
و (الغرق والشرق في ذكر من مات غربا وشرقا) وهو مائتا ورقة..
و (الطعام والإدام) ألف ورقة.
و (درك النية وصف الأديان والعبادات) ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة.
و (قصص الأنبياء عليهم السلام وأحوالهم) ألف وخمسمائة ورقة..
و (المفاتحة والمناكحة في أصناف الجماع) ألف ومائتا ورقة..
و (الأمثلة للدول المقبلة) وهو يتعلق بالنجوم والحساب ويقع في خمسمائة ورقة.
و (القضايا الصائبة في معاني أحكام النجوم) ثلاثة آلاف ورقة..
و (جونة الماشطة) ويتضمن غرائب الأخبار والأشعار والنوادر التي لم يتكرر مرورها على الأسماع وهو مجموع مختلف غير مؤتلف وبقع في ألف وخمسمائة.
و (الشجن والسكن في أخبار أهل الهوى وما يلقاه أربابه) ألفان وخمسمائة.
و (السؤال والجواب) ويقع في ثلاثمائة ورقة..
و (مختار الأغاني ومعانيها) وغير ذلك من الكتب..
وله شعر حسن.
ومن أبيات له يرثي بها أم ولده:
ألا في سبيل الله قلبي تقطعا * وفادحة لم تبق للعين مدمعا
أصبرا وقد حمل الثرى من * أوده فلله هم ما أشد وأوجعا
يا ليتني للموت قد مت قبلها * وإلا فليت الموت أذهبنا معا
وتوفي المسبحي في عام 420 هـ .. (5)

بدر الجمالي:

كان بدر أرميني الجنسية وقد اشتراه جمال الدولة بن عمار وتربى عنده وتقدم بسببه. وأصبح من الرجال المعدودين في ذوي الآراء والشهامة وقوة العزم..
ولما اختلت الدولة في عهد المستنصر استدعاه من صور فركب البحر في وقت لم تجر العادة بركوبه في مثله.. (6)
ووصل إلى القاهر عام 466 هـ فولاه المستنصر تدبير أموره. وقامت بوصوله الحرمة وأصلح الدولة. وكان وزير السيف والقلم وإليه قضاء القضاة والتقدم على الدعاة. وساس الأمور أحسن سياسة..
وبدر الجمالي هذا هو الذي ينسب إليه حي الجمالية القديم الذي يقع وسط القاهرة القديمة في منطقة بين القصرين والذي لا زال يحمل هذا الاسم حتى اليوم.
وهو الذي قام ببناء مشهد رأس الحسين في عسقلان..
وتوفي الجمالي في عام 487 هـ وقد تجاوز عمره الثمانين..

الأفضل بن بدر الجمالي:

لما أقعد المرض الوزير بدر الجمالي عمل على تسليم الوزارة لولده الأفضل وذلك في عهد المستنصر. فكان جديرا بها وأهلا لها..
وكان الأفضل كوالده على مذهب الشيعة الإمامية وليس على مذهب الشيعة الإسماعيليين مذهب الدولة ورجال الحكم آنذاك..
وبعد وفاة المستنصر الأفضل بتولية المستعلى مكانه وكان صغيرا. مما أغضب نزار أكبر أولاد المستنصر الذي اعتبر نفسه أحق بالخلافة من أخيه الأصغر. ونشبت حروب بين الأفضل ونزار انتهت بهزيمة نزار والقبض عليه وحبسه حتى الموت عام 488 هـ .
وللأفضل مواقف جهادية ضد الصليبيين وقد تمكن من انتزع عدة مدن شامية من أيديهم. وكان يدعم بصورة مستمرة مدن الشام المهددة من الصليبيين بالمؤن والذخائر وتسيير الأسطول المصري إليها كما اقتضت الحاجة.. (7)
والأفضل هذا هو الذي قام بإعمار مشهد رأس الحسين في عسقلان بالشام قبل أن يتم إحضاره إلى مصر عام 548 هـ ..
يقول ابن خلكان: وكان الأفضل حسن التدبير فحل الرأي. وهو الذي أقام الآمر بأحكام الله مكان المستعلى بعد وفاته ودبر دولته وحجر عليه ومنعه من ارتكاب الشهوات. فإنه كان كثير اللعب. فحمله هذا - أي الآمر - على أن يعمل على قتله.
فأوثب عليه جماعة. وكان يسكن بمصر في داره المذكور وتقدم إلى ساحل البحر الليل وهي اليوم دار الوكالة. فلما ركب من داره المذكور وتقدم إلى ساحل البحر وثبوا عليه فقتلوه وذلك في سلخ رمضان سنة خمس عشرة وخمسمائة. رحمة الله تعالى.. (8)
ويقول ابن الأثير. وكان الأفضل حسن السيرة عادلا. وكان الإسماعيلية يكرهونه لا سباب منها تضييقه على إمامهم. وتركه ما يجب عندهم سلوكه معهم.
ومنها ترك معارضة أهل ألسنة واعتقادهم والنهي عن معارضتهم وإذنه للناس في إظهار معتقداتهم والمناظرة عليها فكثر الغرباء ببلاد مصر.. (ويذكر هنا أن هناك مؤشرات كثير تدل على الصراع بين الإماميين والإسماعيليين. حيث كان الإماميين على الأغلب هم الوزراء بينما الإسماعيليون هم الخلفاء. ويقال إن الحاكم بأمر الله مال إلى الإمامية في أواخر عهده وكان ذلك منا أسباب مصرعه. فقد بدأ المذهب الإمامي في البروز على ما يبدو في عهده ثم ظهر بعد ذلك في عهد المستنصر على يد بدر الجمالي وولده الأفضل. وفي عهد الفائز على يد الصالح طلائح. ويروي المقريزي في خططه: أنه بعد مقتل الآمر بأحكام الله - الخليفة السابع - ثار أبو علي أحمد الملقب كتبغان عام 524 هـ وسجن الحافظ لدين الله وأعلن مذهب الإمامية والدعوة للإمام المنتظر وضرب دراهم نقشها (الله الصمد.. الإمام محمد - الكامل في التاريخ ج‍ 8 ص 303.) ورتب في عام 525 هـ أربعة قضاة اثنان من الشيعة واحد إمامي والثاني إسماعيلي. واثنان من السنة أحد هما مالكيا والآخر شافعيا. وحكم كل منهم بمذهبه. فلما قتل كتبغان عام 526 هـ عاد الأمر الى ما كان عليه من مذهب الإسماعيلية.. قتل طلائع أيضا على يد الإسماعيلية. انظر النجوم الزاهرة..)

طلائع بن زريك:

قدم طلائع في أول أمر مع جماعة من الفقراء لزيارة مشهد علي بن في النجف وكان على مذهب الشيعة الإمامة..
وقد التقى في رحلة هذه بأحد وجهاء العراق وهو السيد ابن معصوم إمام مشهد علي بن آنذاك..
وروى أن ابن معصوم رأى في منامه علي بن يقول له ورد عليك أربعين فقيرا من جملتهم رجل يقال له طلائع بن زريك من أكبر محبينا. قل له اذهب فقد وليناك مصر. فلما أصبح أمر أن ينادي من فيكم طلائع بن زريك. فجاء طلائع وسلم. فقص عليه ما رأى. فسار حينئذ إلى مصر وترقى في الخدم حتى وصل إلى ولاية قوص بصعيد مصر في زمن خلافة الظافر الفاطمي.. (9)
ولما قتل الظافر وكثرت الفتن وتهدد القصر الفاطمي بعثن له نسوة القصر يستغثن به في الأخذ بثأر الظافر وجعلن في طي الكتب شعور النساء..
فجمع طلائع الناس وسار يريد القاهرة لمحاربة الوزير نصر بن عباس قاتل الظافر والذي فر من إمامه ليدخل طلائع القاهرة ويتسلم الوزارة ونعت منذ ذلك الحين بالملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين. واستبد بالأمر لصغر سن الخليفة الفائز بنصر الله إلى أن مات الفائز فأقام مكانه العاضد لدين الله وكان صغيرا أيضا مما زاد من تمكن طلائع وتقوية شوكته..
وقد أثقل طلائع على رجال القصر وضيق عليهم مما أدى في النهاية إلى تدبير مؤامرة لقتله فمات سنة 556 هـ ..
وكان طلائع كريما شجاعا جوادا فاضلا محبا لأهل الأدب جيد الشعر.. رجل وقته فضلا وعقلا وسياسة وتدبيرا. وكان مهابا في شكله عظيما في سطوته محافظة على الصلوات فرائضها ونوافلها شديد المغالاة في التشيع.. (10)
وقد بنى طلائع الجامع الذي خارج باب زويلة وهو يحمل اسمه حتى اليوم وكان يريد أن يدفن فيه رأس الحسين لولا استنثار القصر به..
ومن تصانيفه كتابا سماه " الاعتماد في الرد على أهل العناد " جمع له الفقهاء وناظر هم عليه وهو يتضمن إمامة علي والكلام على الأحاديث الواردة في ذلك وله شعر كثير يشتمل على مجلدين في كل فن..

ومن شعره:

يا أمة سلكت ضلالا بينا * حتى استوى إقرارها وجحودها
ملتم إلى أن المعاصي لم يكن * إلا بتقدير الإله وجودها
لو صح ذا كان الإله بزعمكم * منع الشريعة أن تقام حدودها
حاشا وكلا أن يكون إلهنا * ينهي عن الفحشاء ثم يريدها
وله قصيدة سماها، الجوهرية في الرد على القدرية..
ولم يترك في مدة حكمه جهاد الصليبيين وتسيير الجيوش لقتالهم في البر والبحر وكان يخرج البعوث في كل سنة مرارا..
وأصبح أهل العالم يفدون إليه من سائر البلاد فلا يخيب أمل قاصد منهم. كما كان يحمل في كل عام إلى أهل الحرمين من الأشراف سائر ما يحتاجون إليه من الكسرة وغيرها..
ويعود الفضل في نشر مذهب الشيعة الإمامية بصعيد مصر وفي بقاع أخرى من أنحاء البلاد إلى طلائع بن زريك. وقد أظهر المذهب الإمامي حين وصل إلى الحكم مخالفا بذلك مذهب الدولة الإسماعيلي..
يقول صاحب النجوم الزاهرة: وساس - طلائع - الأمور ولقب بالملك الصالح وسار في الناس أحسن سيرة. وكان أديبا كاتبا مائلا لمذهب الإمامية وقد تسلم الأمر من بعده ولده فسار على سيرته.. (11)
وكانت هناك حارة تسمى حارة الصالحيين منسوبة إلى الصالح طلائع لأن غلمانه كانوا يسكنونها والمكان المعروف بخوخة صالح ينسب إليه. وموضع هذه الحارة كان بين المشهد الحسيني ورحبة الايدمري وبين البرقية وكانت من الحارات العظمية في مصر وقد خربت فيما بعد على أيدي الأيوبيين الذين سعوا إلى محو كل آثار الشيعة في مصر..
ويقع قبر الصالح طلائع إلى الجهة الغربية من جامع الأولياء في القرافة الكبرى وهو ملاصق للجامع من الجهة المذكورة. وقد حل محل مسجد الأولياء فيما بعد حوش أبي يعلي..
وقد حزن الناس لوفاته حزنا عظيما لحسن سيرته فقد كان جوادا فاضلا شاكر كثير الصدقات حسن الآثار.. (12)
المصادر :
1- وفيات الأعيان ج‍ 5 / 56. رقم الترجمة 738
2- خطط المقريزي ج‍ 3 وانظر آل البيت في مصر. ومراقد أهل البيت في القاهرة
3- أخبار قضاة مصر. وانظر وفيات الأعيان ج‍ 5 ص 48. رقم الترجمة 737
4- وفيات الأعيان ج‍ 3. رقم الترجمة 516
5- وفيات الأعيان ج‍ 3. رقم الترجمة 516
6- وفيات الأعيان ج‍ 2 ص 160 / 161. رقم الترجمة 270
7- خطط المقريزي ج‍ 2 ص 161 / 162
8- وفيات الأعيان ج‍ 2 / 160: 161 رقم الترجمة 270
9- خطط المقريزي ج‍ 3 ص 192: 194
10- وفيات الأعيان ج‍ 2 / 208. رقم الترجمة 288
11- ج‍ 5 ص 311.. وانظر وفيات الأعيان ج‍ 2 ترجمة رقم 288
12- النجوم الزاهرة ج‍ 5 ص 311

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

في أن الاستقامة إنما هي على الولاية
صُبت علـَـيَ مصـــائبٌ لـ فاطمه زهراعليها ...
التقیة لغز لا نفهمه
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
وصول الامام الحسین(ع) الى کربلاء
دعاء الامام الصادق عليه السلام
الصلوات الكبيرة المروية مفصلا
الشفاعة فعل الله
أخلاق أمير المؤمنين
اللّيلة الاُولى

 
user comment