عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

مأساة البقيع الغرقد

مأساة البقيع الغرقد
وتبقى مأساتنا مع الخوارج في هذا الزمان مستمرة ، إلاّ أنّ لمأساة البقيع الغرقد حديث آخر ، وألم وجرح في القلب لا يندمل ، وما زال يتجدّد في كلّ لحظة وكلّ يوم وكلّ عام. فما قصّة قبور البقيع المقدّسة مع اُولئك الخوارج على الناموس الإنساني؟
البقيع (لغة) : موضع فيه أروم (اُصول) شجر من ضروب (أنواع) شتى ؛ وبه سُمّي بقيع الغرقد ، وهي مقبرة بالمدينة. والغرقد : شجر له شوك كان ينبت هناك ، ويُسمّى أيضاً العوسج. فذهب وبقي الاسم ملازماً للموضع.
والبقيع من الأرض : المكان المتّسع ، ولا يُسمّى بقيعاً إلاّ وفيه شجر .(1)
وفي تاج العروس قريب من هذا التعريف.

الموقع الجغرافي :

يقع في الاتجاه الجنوبي الشرقي من الروضة النبويّة المباركة غير بعيد عنها ، وهو على شكل مستطيل ، وكان فيما مضى متّصلاً بالمدينة المنوّرة ، وفُصل عنها بالسور ، ولكن بعد النهضة العمرانيّة صار ضمن المدينة ، وله طرق وممرّات ، وأُلحق إليه الكثير من الأرض ؛ لكثرة الدفن فيه على طول الأيام الخالية إلى اليوم.

البقيع في التاريخ :

تروي كتب الأخبار عن كعب الأحبار اليهودي أنّه قال : نجد مكتوباً في الكتاب (التوراة) أنّ مقبرة بغربي المدينة على حافة سبيل ، يُحشر منها سبعون ألفاً ليس عليهم حساب.
وقال : نجدها في (التوراة) كفّته محفوفة بالنخيل.
قال سعيد المقبري : قدم مصعب بن الزبير حاجّاً ومعتمراً ومعه ابن رأس الجالوت (عالم وحبر اليهود الأعظم) فدخل المدينة من نحو البقيع ، فلمّا مرَّ بالمقبرة ، قال ابن رأس الجالوت : إنّها لهي. قال مصعب : وما هي؟
قال : إنّنا نجد في كتاب الله (التوراة) صفة مقبرة في شرقيها نخيل وغربيها بيوت ، يُبعث منها سبعون ألفاً كلّهم على صورة القمر ليلة البدر ، وقد طفتُ مقابر الأرض فلم أرَ تلك الصفة حتّى رأيت هذه المقبرة. وفي رواية أُخرى : هذه التي نجدها في كتاب الله (1).

البقيع في الشعر :

كثيرة هي الأشعار التي قيلت في بقيع الغرقد في الجاهليّة والإسلام ، نقتطف أبياتاً للإشارة فقط :
أينَ الذين عهدتهم في غبطة
بينَ العقيقِ إلى بقيعِ الغرقدِ
وحسّان بن ثابت يقول راثياً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :
وجهي يقيكَ التُّربَ لهفاً ليتني
غُيّبتُ قبلكَ في بقيعِ الغرقدِ
ولابن معصوم المدني الذي يذكر القبّة الشريفة والبقيع في أبيات :
يا عينُ هذا المصطفى أحمدْ
خيرُ الورى والسيدُ الأمجدْ
وهذه القبّة قد أشرقتْ
دونَ عُلاها الشمسُ والفرقدْ
وهذه الروضةُ قد أزهرت
فيها المُنى والسُّؤل والمقصدْ
هذا المصلّى والبقيع الذي
طابَ منهُ المنهلُ والموردْ
والشيخ عبد اللطيف المدني الذي ينشد معدّداً المشاهد والمراقد المقدّسة قبل هدمها :
ارحل لطيبةَ لا تؤمَّ سواها
وعساك أن تحظى برؤيةِ طاها
هي طيبةٌ طابت وطابَ اُصولها
ومدينةٌ ربُّ السماءِ بناها
وبها البقيعُ وأهله في جَنَّة
شهداؤها في جنّة مأواها
وكذاك عباس وسيدنا الحسن
في قبةٍ والنورُ من أعلاها
وبهِ الرضيّةُ أُمّ سيدنا علي
وكذا حليمةُ إن بررتَ ثراها
ونساءُ خيرِ المرسلين قبورهن
مشهورة وسطَ البقيعِ تراها
والسيد محسن الأمين العاملي رحمه‌الله يقول :
يا قبّةً بثرى البقيعِ منيعةً
شَأتِ الفراقدَ والسُّهى في مصعدِ
ولقبّة الأفلاك دون منالها
شأو الضليعِ غداً وسير المجهدِ
شعّت بها أنوارُ آلِ محمدٍ
بسنىً على طولِ الزمانِ مخلّدِ
من كلّ فذٍّ في البريةِ مغتذٍ
دَرَّ النبوّة بالإمامةِ مرتدي
في بقعة ودّت نجوم سمائها
في الأرضِ من حصبائها لو تفتدي (2)

مكانة البقيع وفضل زيارته

للأماكن قدسيّةٌ عند الله سبحانه وتعالى ، كمكة المكرّمة التي شرّفها الله ببيته ، والمدينة المنوّرة التي نوّرها برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبيت المقدس الذي بارك حوله ، وهكذا النجف الأشرف ووادي السّلام ، وكربلاء الطاهرة المقدّسة.
فللمكان قدسيّة كما للزمان مواسم مباركة كشهر الله (شهر رمضان) ، والعشر الأوائل من ذي الحجّة وغيرها. وقد يجتمع المقدّسان بالزمان والمكان فيزداد شرف كليهما فيكون نوراً على نور.
وقيل قديماً : المكان بالمكين ، والدار بساكنها ، والأرض بأهلها.
والبقيع وإن كانت ذات شرف من الأرض ، إلاّ إنّ شرفها قد ازداد بتلك الأجساد الطاهرة المقدّسة التي دُفنت فيها ، وسنستعرض أسماء النجوم الطاهرة بتلك الأرض فيما بعد بإذن الله.
وفي رواية عن أبي موهبة مولى رسول الله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي أُمرت أن أستغفر لأهل البقيع» (3).
وفي رواية أُخرى عن عطاء بن يسار قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «السّلام عليكم ، قومٌ موجّلون ، أتانا وأتاكم ما توعدون. اللّهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» (4).
وفي رواية أُمّ قيس قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يحشر من هذه المقبرة سبعون ألفاً يدخلون الجنّة بغير حساب ، كأنّ وجوههم القمر ليلة البدر» (5).
وعنه (صلوات الله عليه وآله) : «مقبرتان تضيئان لأهل السماء كما تضيء الشمس والقمر لأهل الدنيا ؛ البقيع بقيع أهل المدينة ، ومقبرة بعسقلان» (6).
وهناك أحاديث وروايات أُخرى في البقيع لا سيما عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكن يجب أن لا يفوتنا هذا الحديث الشريف عن الحسن قال : «أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على بقيع الغرقد فقام فقال : السّلام عليكم يا أهل القبور ـ ثلاثاً ـ ، لو تعلمون ما الذي نجّاكم الله منه ممّا هو كائن بعدكم!
قال : التفت فقال : هؤلاء خير منكم.
قلنا : يا رسول الله ، إنّما هم إخواننا ، آمنا كما آمنوا ، وأنفقنا كما أنفقوا ، وجاهدنا كما جاهدوا ، وأتوا على أجلهم ونحن ننتظر.
فقال : إنّ هؤلاء قد مضوا لم يأكلوا من أجورهم شيئاً ، وقد أكلتم من أجوركم ، ولا أدري كيف تصنعون بعدي».
يا رسول الله ، تعال واسمع أقوال هؤلاء الوهابيّة ، وانظر إلى أعمالهم التي يندى لها جبين الإنسانيّة ؛ لبشاعتها وفظاظتها.
مَن دُفن في البقيع؟
البقيع مقبرة عظيمة وكبيرة وجليلة القدر ، وفيها ما شاء الله من الأجساد لاُولئك الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه. يُقال : إنّ أوّل مَنْ دفن فيها هوالصحابي الجليل عثمان بن مظعون (رضوان الله عليه) ، وهو أوّل صحابي من المهاجرين يتوفّى في المدينة المنوّرة ، وهو من أكابر الصحابة الكرام.
والنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قام بنفسه بدفن هذا الرجل الجليل ، وعندما أهالوا عليه التراب أمر أحدهم فجاء بحجرة كبيرة ، وحسر صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذراعيه وحملها مع الرجل ووضعها عند الرأس ، وقال : «ليعلم بها قبر أخي ، وأدفن إليه مَنْ مات من أهلي».
وهكذا كان عثمان بن مظعون فاتح باب المقبرة لتتعالى الجثامين تباعاً إليها ، فكانت أوّل مقبرة للمسلمين في المدينة المنوّرة ، فكلّ مَنْ كان يموت أو يستشهد ينقلونه إليها لينضمّ إلى ترابها الطاهر.
ومن الأسماء اللامعة والبدور الساطعة التي شعَّت من أرض البقيع الأسماء التالية :
1 ـ الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، سيّدة نساء العالمين على رواية.
2 ـ الإمام الحسن بن علي الزكي المجتبى السبط الشهيد عليه‌السلام.
3 ـ الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام زين العابدين وسيّد الساجدين.
4 ـ الإمام محمد بن علي عليه‌السلام ، باقر علم النبيّين من الأوّلين والآخرين.
5 ـ الإمام جعفر بن محمد عليه‌السلام ، الصادق الصدوق أبو عبد الله.
هؤلاء الكرام البررة من المعصومين من أئمّة المسلمين ، دُفنوا في بقيع الغرقد ، وإلى جانبهم الكثير من رجالات الإسلام ونسائه كذلك ، مثل :
1 ـ إبراهيم ابن النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.
2 ـ إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام.
3 ـ العباس بن عبد المطلب عمّ الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله.
4 ـ عقيل بن أبي طالب على رواية.
5 ـ عبد الله الجواد بن جعفر الطيار بن أبي طالب عليه‌السلام.
6 ـ محمد بن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام.
7 ـ عبد الله بن جعفر الطيار على رواية.
8 ـ المقداد بن الأسود الصحابي الجليل.
9 ـ سعد بن معاذ.
10 ـ قيس بن سعد بن عبادة.
11 ـ أسامة بن زيد بن الحارثة.
12 ـ القاسم بن محمد بن أبي بكر.
13 ـ مالك الأشتر النخعي على رواية.
هذا ويروي أصحاب السيرة والتواريخ أنّ عشرة آلاف من الصحابة دُفنوا في ذاك البقيع الطاهر.
وأمّا أسماء النساء ممّن دُفنّ فيه :
1 ـ فاطمة بنت أسد الهاشمية ، أُمّ الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام.
2 ـ صفية بنت عبد المطلب ، عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
3 ـ جمانة بنت عبد المطلب ، عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
4 ـ أُمّ البنين فاطمة بنت حزام الكلابية ، زوجة الإمام علي عليه‌السلام.
5 ـ أُمّ الحسن زينب الكبرى بنت الإمام علي عليه‌السلام ، توفيت مع ولدها زيد ، على رواية.
6 ـ رقية الكبرى بنت أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.
7 ـ سكينة بنت الإمام الحسين عليه‌السلام ، على رواية.
8 ـ حليمة السعدية ، مرضعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.
وهناك تسعة من نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبورهنّ خلف مشهد أئمّة البقيع عليهم‌السلام ، وهنَّ :
1 ـ سودة بنت زمعة.
2 ـ عائشة بنت أبي بكر.
3 ـ حفصة بنت عمر بن الخطاب.
4 ـ أُمّ سلمة المخزومية.
5 ـ زينب بنت جحش.
6 ـ جويرية بنت الحارث.
7 ـ رملة السفيانية أُمّ حبيبة.
8 ـ صفية بنت حيي بن أخطب.
9 ـ مارية القبطية أُمّ إبراهيم عليه‌السلام.
هذه أسماء لأشخاص بعضها لامعة وعملاقة في دنيا الإسلام والعقيدة ، وكانت قبورها معمورة ولها أضرحة وقباب تناطح قبّة الفلك ، كثير زوّارها ، عظيم أجرها ، يجتمعون فيها من كلّ حدب وصوب للصلاة والدعاء والذكر للمولى الجليل.
وما زالوا كذلك حتّى جاء أتباع محمد بن عبد الوهاب واستولوا على مقدّرات الحجاز ، وراحوا يعيثون في الأرض الفساد ، فهدّموا تلك المراقد المقدّسة ، وسرقوا ونهبوا كلّ ما فيها من أثاث ومقتنيات فنيّة رائعة.
واللافت للنظر أنّ أوّل مَنْ بنى على القبور للأئمّة الأربعة عليهم‌السلام في البقيع هو مجد الملك أبو الفضل أسعد بن محمد بن موسى الماردستاني القمّي ، من وزراء السلطان السلجوقي وذلك سنة 488 هـ.
ثمّ قام بترميمها وتحسينها الخليفة العباسي الناصر لدين الله بن المستضيء بالله في سنة (560 هـ) ، وهناك وصوفات كثيرة للمنائر والقباب الشامخة التي كانت تملأ أرض البقيع ، لا سيما الأئمّة الأربعة (صلوات الله عليهم) (7).

البقيع قبل الزلزال

وأمّا البقيع فهو خارج سور المدينة ومحاذٍ للروضة المشرّفة ، ما بين الجنوب والمشرق ، وفيه القبور المنوّرة الأربعة للأئمّة الكرام عليهم‌السلام ، أعني : أبا محمد الحسن المجتبى ، وعلي بن الحسين زين العابدين ، ومحمد بن علي باقر العلوم ، وجعفر بن محمد الصادق القول (صلوات الله وسلامه عليهم) ، وتُزار فاطمة عليها‌السلام في قبّتهم ممّا يلي وجه ولدها من القبلة.
وفي تلك القبّة المنوّرة مدفن العباس عمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخارج القبّة بفاصله قليلة من طرف (نجم) سهيل ، قبّة هي القبّة التي يُقال أنّها مبنيّة على بيت الأحزان ، وكانت فاطمة عليها‌السلام تخرج إليه وتبكي على أبيها فيه.
وتشتمل مقبرة البقيع على قباب كثيرة مثل : قباب أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبنات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأولاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومرضعته حليمة السعدية ، وفاطمة بنت أسد ، أُمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام (8).

البقيع بعد الزلزال

زار المستر روتر (Eldon Rutter) مقبرة البقيع عام (1925 م) (9) بعد تهديمها بأشهر قليلة فكتب : وحينما دخلت إلى البقيع وجدت منظره كأنّه منظر بلدة قد خُربت عن آخرها ، فلم يكن في أنحاء المقبرة كلّها ما يمكن أن يُرى أو يُشاهد ، سوى أحجار مبعثرة ، وأكوام صغيرة من التراب لا حدود لها ، وقطع من الخشب والحديد مع كتل كثيرة من الأحجار والآجر والإسمنت المنكسر هنا وهناك.
قد كان ذلك أشبه بالبقايا المبعثرة لبلدة أصابها الزلزال فخرّبها كلّها ، ووجدت بجنب السور الغربي للمقبرة أكواماً كبيرة من ألواح الخشب القديمة ، والكتل الحجرية وقضبان الحديد ، وكان بعض ما جمع من المواد الإنشائية المبعثرة ، وكُوِّم هناك بانتظام ، وقد أُزيلت الأنقاض من بعض الممرّات الضيّقة حتّى يتمكن الزائرون أن يمرّوا منها ليصلوا إلى مختلف أنحاء المقبرة.
فيما عدا ذلك لم يكن هناك ما يدلّ على شيء من الانتظام ، فقد كان كلّ شيء عبارة عن وعورة تتخلّلها مواد الأبنية المهدّمة ، وشواهد القبور المبعثرة ، ولم يحدث هذا بفعل الزمن وعوارض الطبيعة ، بل صنعته يد الإنسان عن تقصُّد وعمد.
فقد هُدّمت واختفت عن الأنظار القبّاب البيضاء التي كانت تدلّ على قبور آل البيت النبوي في السابق ، وقبر الإمام مالك وغيرهم ، وأصاب القبور الأُخرى نفس المصير ، فسُحقت وهُشّمت حتّى الأقفاص المصنوعة من أعواد الجريد التي كانت تغطّي قبور الفقراء من الناس قد عُزلت جانباً وأُحرقت.
وحينما توغّلنا داخل المقبرة لمشاهدة الأكوام التي تدلّ في يومنا هذا على قبور المسلمين الأوائل الذين صنعوا التاريخ الحافل ، سمعتُ دليلي عامداً يكرّر بهمس ويقول : أستغفر الله ، أستغفر الله ، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله. وكانت القلّة ممّن بقي من سدنة القبور التي بقيت معالمها شاخصة للعيان ، يقفون أو يجلسون بجنبها بأوجه كئيبة ، ومن دون أن تبدر منهم أيّة حركة ، فلم يطلبوا الصّدقة ولم يتكلّموا بشيء سوى بعض الكلمات الخافتة ، برغم عدم وجود أحد من الوهابيّين على مقربة منهم ، غير اثنين من عبيد ابن سبهان في الباب. لكنّ بعض النخاولة (لفظة تطلق على أتباع أهل البيت عليهم‌السلام في المدينة المنوّرة) كانوا لا يزالون منشغلين في التقاط بعض القطع الصالحة لاستعمالها في بيوتهم ، من الخشب وغيره يلتقطونها من بين الخرائب والأنقاض.
ليس بوسع هؤلاء النخاولة أن يدفنوا موتاهم في العادة بين قبور الأولياء في البقيع ، ولكنّهم قاموا الآن تحت إشراف السلطة وإرغامهم على تهديم وتدمير قبور المسلمين الموجودة في البقيع.
لقد سرنا في ممرٍّ ضيِّق ، وكنا نتجوّل بين الأنقاض والأزبال المبعثرة هنا وهناك ، ثمّ توجّهنا إلى جهة من المقبرة ، وفيما كنّا نخطو بخطوات بطيئة التقينا بجماعات من الهنود التي كانت راجعة من زيارة هذه المقبرة ، وكان الذي يتقدّم هذه الجماعات من الهنود رجلاً مسنّاً ذا لحية طويلة وقد خطَّ الشيب سوداها.
كان وهو يمشي منتصب الرأس لا يحرّك عينيه يمنة ولا يسرة ، ينظر إلى الأمام على الدوام ، والدموع تنحدر من عينيه بتيار مستمر ، أمّا الذين كانوا يسيرون وراءه فقد نظروا إلينا نظرة خاطفة ، ثمّ حوّلوا أنظارهم إلى الأمام بسرعة ، ثمّ بعد ذلك وصلنا إلى مرتفع بسيط ، وعندئذٍ عرفت سبب الحزن الذي كان يبدو على الهندي المسنّ ، والذي كانت الدموع تنهمر من عينيه ، فقد كانت هناك بين أيدينا على الأرض قطعة من الخشب يظهر أنّها مقلوعة من صندوق خشبي كان موضوعاً على أحد القبور ، فعلمت أنّه كان يبكي على هذه القطع من الأخشاب التي كانت من بقية الصناديق التي توضع على قبور المسلمين سابقاً ، ورأيت هندياً آخر كان جالساً بجنب خشبة وهو يبكي وينتحب على مصير قبور المسلمين المهدّمة (10).
لا يا مستر ، لا يبكون على الأخشاب ، ولا ينتحبون على صناديق ، بل كانوا يبكون على أئمّتهم وسادتهم وقادتهم في هذه الحياة.
كانوا يبكون أصحاب القبور والأضرحة ؛ لأنّنا لا نبكي على الحجارة والحديد والأخشاب كما يتصوّر ويعتقد الوهابيّة السلفيّة! بل نبكي على تلك الأجساد الطاهرة والأرواح الزاكيّة لأئمّة المسلمين من آل ياسين عليهم‌السلام.
وقد نادى القائل :
أمرُّ على الديارِ ديارِ ليلى
اُقبِّل ذا الجدارِ وذا الجدارا
وما حبّ الديارِ شغفنَ قلبي
ولكن حبُّ مَنْ سكنَ الديارا
نعم ، إنّها لداهية عظمى ومصيبة كبرى يندى لها جبين الإنسانيّة والتاريخ أن تتهدّم تلك القباب الشامخة التي (أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (11) ، ويسبح له فيها (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) (12) ، عباد صالحون يقصدونها للزيارة ومواصلة الودِّ مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعبادة ربّ العالمين.
ألا يُفجع مَنْ يزورهم وهو قاصد من آلاف الأميال أن يرى القباب مهدّمة ، والأضرحة مهشّمة ، والقبور منتهكة ، والحرمات لأصحاب الحرمة العالية معتدى عليها؟!
بلى والله ، إنّ المؤمن حقّاً تسيل دموعه إذا ذُكر عنده الحبيب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله شوقاً إليه ، أو فاطمة الزهراء على ظلامتها وضلعها المكسور ، والإمام الحسن المجتبى المسموم وظلامته ، والإمام السجّاد المهضوم وعبادته ، والإمام الباقر وعلمه ، والإمام الصادق وحديثه النوراني (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
فترى المسلمين كافة يقصدون المدينة المنوّرة ؛ ليستنيروا بأنوار الأئمّة العظام عليهم‌السلام ، ويتمرَّغون بتراب القبور ، فيمنعونهم من الزيارة والبكاء والوصول حتّى إلى القبر الشريف في هذه الأيام!
العيون تدمع ، والقلوب تخشع ، والفؤاد يتفطّر ، والنيران تتأجّج في القلوب كالبراكين الثائرة ، فتراهم يتنفّسون الصعداء ؛ لأنّ أنفاسهم مكبوتة ، وحلوقهم مكظومة ، وكم لنا من قصّة مع اُولئك الجفاة الغلاظ الذين يقفون ولا عمل لهم إلاّ تكفير الأُمّة ، ورمي المؤمنين بالشرك ـ والعياذ بالله ـ ، وستأتيك بعض القصص بهذا الخصوص فيما بعد إن شاء الله.
نقلت لك عزيزي القارئ ما تقدّم وباختصار ؛ ليكون شاهداً محايداً لا يميل مع أحد ، وكأنّه آلة تصوير تنقل ما هو موجود أمام عدستها مباشرة.

المنظمات العالمية للدفاع عن البقيع

وليس عجيباً ولا غريباً من الأجهزة العالمية والمنظمات والهيئات الدولية أن تهتمّ لمثل تلك الأماكن المقدّسة والمشاهد المشرفة ، فتصوّرها وتحتفظ بمعالمها على أساس أنّها تراث إنساني عالمي لا يخصّ جماعة أو أُمّة أو دولة. فتوجّهت تلك المنظمات إلى الحكّام في بلاد الحجاز ؛ لكي لا يهدموا شيئاً من ذاك التراث العظيم ، علماً أنّ ما يهمّ هؤلاء إنّما هو الشكل والظاهر ، ونحن نهتمّ بالمضمون والباطن.
وهناك منظمة إسلاميّة عالميّة مقرّها لندن (المنظمة العالميّة للدفاع عن الأماكن المقدّسة) أصدرت كتاباً تحت عنوان (البقيع المنوَّر) جاء فيه :
لقد استنكر العالم الإسلامي بأسره عملية الهدم والتخريب للأماكن المقدّسة والأضرحة المباركة والبقاع المكرّمة ، ولا يزال يستمر هذا الاستنكار بصور مختلفة منها :
1 ـ عقد المؤتمرات : عقد العديد من المؤتمرات ؛ لتدارس تاريخ تدمير
الأماكن المقدّسة وأسبابه وأهدافه ، وإعادة إعمار البقيع والأضرحة المباركة.
2 ـ وضع الأبحاث : من تأليف الكتب والبحوث حول تلك الأماكن ، والتحقيق حولها علميّاً وتاريخيّاً.
3 ـ نشر المجلاّت : نشر مجلات وجرائد بهذا الخصوص في اليوم الثامن من شوال ؛ لإحياء ذكرى حادثة البقيع المظلوم.
4 ـ إصدار البيانات في كلّ مناسبة ؛ لتذكير الناس بتلك الجريمة النكراء.
5 ـ بعث الرسائل : تخاطب المنظمات العالميّة وقادة العالم الإسلامي ؛ للتدخل في القضية.
6 ـ إرسال البرقيّات إلى العلماء والشخصيّات الإسلاميّة والعالميّة والسفارات الدوليّة ؛ لإعلان الاستنكار والمطالبة بإعادة بناء ما طالته يد التخريب الوهابيّة.
7 ـ تنظيم المسيرات ؛ للاستنكار في الذكرى السنويّة لتلك الجريمة.
8 ـ نشر الصور للأضرحة قبل الهدم وللواقع الراهن المزري بعد الهدم.
9 ـ تأسيس الجمعيات للعمل لإعادة البناء ، وإحياء ذكريات مباركات لتلك البقعة الطاهرة من أرض الحجاز الغالية (13).
وجاء فيه كذلك : فقد دمرّت مراقد هؤلاء السادة والقادة ، فتبكي الأحجار الموضوعة على مكانها كما تجري الدموع من العيون الناظرة إليها (14).
فماذا يقول العالم وأنت أيّها الأخ المنصف عن هذه الجريمة النكراء التي ارتكبها أتباع محمد بن عبد الوهاب بحقّ ذريّة رسول الله محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
أرقام وتواريخ لهدم البقيع :
نعم ، لقد احتل الوهابيّة المدينة المنوّرة عام 1221 هـ ومكة المكرّمة عام 1220 هـ ، وكانت لهم محاولات قبل ذلك حتّى نجحوا أخيراً بالاحتلال العسكري.
ولذا في عام 1220 هـ منعوا الحجّاج العراقيّين والإيرانيّين.
في عام 1221 هـ منعوا الحجّاج الشاميّين.
في عام 1222هـ منعوا الحجّاج المصريّين من الحجّ.

لماذا كان المنع؟!

السبب في ذلك يعود إلى سعود الكبير الذي أراد أن يجبر الحجّاج على اعتناق مذهبه والالتزام بدعوته الوهابيّة ، ولمّا رفضوا منعهم من الحجّ واعتبرهم هراطقة كفرة (15)!
وفي الثامن من شوال عام 1344 هـ الموافق 21 ص 4 ص 1925 هدم الوهابيون الأضرحة والقبور المبنيّة في البقيع الشريف.
في ذلك اليوم المشؤوم انهالت معاول الجهل والعصبية على العتبات والمراقد المقدّسة في المدينة المنوّرة والتي كان يؤمّها المسلمون ؛ ليروا من خلالها معالم تاريخهم وآثار سلفهم الصالح ، وليؤدّوا أمامها مراسيم التحيّة والإجلال لرسول الإسلام العظيم النبي محمد ولآل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) ، وخيرة صحابته المجاهدين.
وبمبرّرات واهية ودعاوى زائفة قام الجهلة المتعصّبون بهدم الأضرحة المباركة والبيوت المشرّفة التي أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه ضمن مقبرة البقيع وسائر أنحاء المدينة والحجاز بشكل عام.
ولقد فوجئ المسلمون في العالم بذلك الاعتداء الأثيم الذي استهدف تاريخهم ومقدّساتهم وتراثهم من قبل فئة محدودة ، لا يصح لها أبداً مهما كانت مبرّراتها أن تفرض رأيها في قضية وموضوع يرتبط بكلّ المسلمين.
ولكنّ اُولئك القائمين بجريمة هدم المقدّسات استبدّوا برأيهم ، وخالفوا إجماع الأُمّة ، وجرحوا مشاعرها ، ورفضوا أيّ دعوة للحوار والنقاش حول الموضوع ، كما لم يُبالوا بصرخات الاعتراض والغضب التي عمّت أجواء المسلمين (16).
والإمام الشيرازي المجدّد الثاني (أعلى الله درجاته) يتنبأ بإعادة إعمار البقيع بعد زوال مَنْ هدمه ، وذلك في كتاب له عن (البقيع الغرقد) يقول فيه : الذين هدموا البقيع وسائر البقاع المباركة لم يفعلوها إلاّ بالسيف من دون أيّ منطق عقلائي ، وهذا خلاف سيرة جميع الأنبياء والمرسلين والأئمّة الصالحين (صلوات الله عليهم أجمعين).
إنّ المنطق هو الذي يصلح للبقاء ، وإلاّ فصاحب السيف يسقط حين يسقط سيفه ، والسيف مؤقت جدّاً. وبقاء القبور المباركة مهدومة دليل على أنّه لا زال السيف بيد الهادمين إلى الآن ، ولكن عندما يسقط السيف من أيديهم ستجد المسلمين جميعاً في نفس اليوم آخذين في البناء (17).
إنّ أدلّة العقل والمنطق في الأزمان باقية وخالدة يذهب السيف والطغيان.

حتى المساجد هدّموها

والأعظم والأدهى من ذلك أنّ اُولئك لم يهدموا ويخرّبوا المراقد والمشاهد فقط ، بل هدّموا الكثير من المساجد ، لا لشيء إلاّ لطمس آثار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والعترة الطاهرة عليهم‌السلام والأصحاب الكرام.
وهناك أكثر من 44 مسجداً هدّمه الوهابيّون في بلاد الحجاز ، وفيما يلي قائمة بعدد المساجد والمراقد التي تعرّضت للهدم :
1 ـ مسجد المنارتين.
2 ـ مسجد بني عمرو بن مبذول ، من بني النجار.
3 ـ مسجد بني عبيد.
4 ـ مسجد بني سلمة.
5 ـ مسجد بني أسلم.
6 ـ مسجد بني حرام الصغير.
7 ـ مسجد واقم.
8 ـ مسجد بني مازن.
9 ـ صدقة الزبير.
10 ـ بني الحبلى.
11 ـ مسجد بني أُميّة بن زيد الأوسي أو مسجد بني أُميّة الأوسي.
12 ـ مسجد بني الواقف.
13 ـ مسجد النور.
14 ـ مسجد الميثب ، أو صدقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.
15 ـ مسجد بين الجثجاثة وبئر شداد ، بطرف وادي العقيق.
16 ـ مسجد بني غفار.
17 ـ مسجد بني راتج.
18 ـ مسجد بني جهينة.
19 ـ مسجد بني خدارة.
20 ـ مسجد البياضة.
21 ـ مسجد بني دينار.
22 ـ مسجد بقيع الزبير.
23 ـ مسجد بني وائل الأوسي.
24 ـ مسجد التوبة.
25 ـ مسجد عتبان بن مالك.
26 ـ مسجد القرصة.
27 ـ مسجد بني خطمة أو مسجد العجوز.
28 ـ مسجد بني أنيف.
29 ـ مسجد بلال بن رباح (وهو غير المسجد الموجود في المدينة حاليّاً ، على مقربة من الحرم النبوي الشريف).
30 ـ مسجد عثمان بن عفان.
31 ـ مسجد ثنية الوداع.
32 ـ مسجد السيدة فاطمة الصغرى.
33 ـ مسجد القشلة.
34 ـ مسجد فيفاء الخبار.
35 ـ مسجد بني زريق ، من الخزرج.
36 ـ مسجد بني ساعدة.
37 ـ مسجد أبي بن كعب (مسجد البقيع).
38 ـ مسجد المصرع (مسجد الوادي).
39 ـ مسجد حمزة بن عبد المطلب (سيد الشهداء).
40 ـ مسجد العمرة (مسجد عرفة).
41 ـ مسجد دار سعد بن خيثمة.
42 ـ مسجد بن عدي (دار النابغة).
43 ـ مسجد بني ظفر (مسجد البغلة).
44 ـ قبر السيدة آمنة بنت وهب (يقع في منطقة الأبواء).
45 ـ قبر والد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عبد الله بن عبد المطلب ـ المدينة المنوّرة ـ.
46 ـ مسجد الشمس ، أو مسجد ردّ الشمس (18).
بالإضافة إلى :
1 ـ قبر السيّدة آمنة بنت وهب (بالأبواء) ، والدة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله.
2 ـ قبر السيّد عبد الله بن عبد المطلب (بالمدينة) ، والد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهما مشركان كما يعتقد القوم ، والعياذ بالله.
3 ـ البيت الذي ولد فيه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في مكة المكرّمة الذي حوّلوه إلى مكتبة (مكة المكرّمة).
4 ـ البيت الذي عاش فيه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة المنوّرة.
فلماذا كلّ هذا الحقد على الإسلام وآثاره ، وعلى الرسول وذريّته وآله (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)؟!
وأخيراً :
وممّا يبعث على الألم والأسى أن تتعرّض هذه الديار المقدّسة في هذا العصر لمؤامرةٍ خطيرة تستهدف تاريخ الإسلام وآثار ومعالم الرسالة الإلهيّة ، حيث تسلِّط على الجزيرة العربية أناس يحملون مخطّطاً رهيباً يهدف إلى إزالة آثار الإسلام ، ومعالم تاريخه الأوّل ، وذلك بناءً على الأفكار التي بشَّر بها محمد بن عبد الوهاب وخلفاؤه وأتباعه لهدم جميع البيوت والمشاهد والقبب والمساجد التي شُيّدت لحفظ آثار الرسالة ، وتعظيم مضاجع الأئمّة والشهداء والصحابة.
وقد هدّموا قبّة زمزم والقباب التي حول الكعبة ، وتتبّعوا جميع المواضع التي تضمّ آثار الصالحين فهدّموها ، وكانوا عند الهدم يرتجزون ويضربون الطبل (فرحاً) ، ويغنّون ويبالغون في شتم القبور ويقولون : إن هي إلاّ أسماء سمّيتموها (19)!
فلمّا استولى الوهابيون على المدينة المنوّرة هدّموا القباب التي فيها وفي ينبع ، ومنها قبّة أئمّة البقيع بالمدينة ، ولكنّهم لم يهدموا قبّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحملوا الناس على ما حملوهم عليه بمكة وأخذوا جميع ذخائر الحجرة النبويّة وجواهرها ، حتّى إنّهم ملؤوا أربع سحاحير من الجواهر المحلاّة بالماس والياقوت العظيمة القدر (20).
نعم ، إنّهم لم يدمّروا قبّة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ إنّهم يطمعون بذلك أخزاهم الله على الدوام ، وشاع أنّهم ضربوا بالرصاص على قبّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (21) ، وما زالوا يسمّونه بالصنم ـ والعياذ بالله ـ!
وأرادوا هدم قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ أنّهم خافوا على ملكهم من انفجار الأوضاع عليهم من العالم الإسلامي كلّه. ولكنّ النوايا السيئة ما زالت عندهم يبيّتونها وينتظرون الفرصة المواتية للانقضاض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما فعل أصحاب العقبة تماماً إلاّ أنّ الله لهم بالمرصاد.
فهذا أحد دعاتهم يدعو ـ وكثيرة صارت مثل هذه الدعوات ـ إلى هدم القبر الشريف والقبّة المنيفة ؛ لأنّهم يعتبرون بقاءه أمراً منكراً وانحرافاً ، وإنّ إدخال قبره في المسجد أشدّ إثماً وأعظم مخالفة ، وسكوت المسلمين على بقاء الأبنية لا يصيّرها أمراً مشروعاً (22)!
هل تعلم أنّ هذا الشيخ يعترف أنّ هذه السُنّة تملأ العالم الإسلامي في كلّ أقطاره ، ولا أحد استنكر ذلك حتّى سيّده ونبيّه محمد بن عبد الوهاب ، وقال برأيه فيها؟! وهو يقول : إنّ هذا أمر عمَّ البلاد ، وطبق الأرض شرقاً وغرباً بحيث لا ترى بلدة من بلاد الإسلام إلاّ وفيها قبور ومشاهد ، بل مساجد المسلمين غالبها لا تخلو من قبر أو مشهد (23).
وهل الأمر يحتاج إلى كثير من الشرح والتوضيح ، أم أنّه من أوضح الواضحات عندك؟
أرجو الله أن يقي المسلمين شرورهم وإرهابهم في هذه الأيام العصيبة ، وأن تُبصر الأُمّة اُصول تلك الدعوات ومنابت هذه الاعتقادات البعيدة كلّ البعد عن الإسلام وعقائده المباركة ، المتمثّلة بالقرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة والعترة الطاهرة.
المصادر :
1- قبور أئمّة البقيع قبل تهديمها ص 24.
2- المصدر السابق.
3- بحار الأنوار 22 ص 466 ، شرح نهج البلاغة 10 ص 183.
4- المصدر نفسه.
5- مستدرك الوسائل 2 ص 309.
6- بحار الأنوار 22 ص 422.
7- إذا أحببت التفصيل راجع الكتب التي تحدّثت عن تلك الآثار الطاهرة ومنها (موسوعة العتبات المقدّسة).
8- قبور أئمّة البقيع ص 82 ، عن كتاب (الرحلة المكية) ـ للسيد عبد الله خان الموسوي.
9- موسوعة العتبات المقدّسة ـ للأستاذ جعفر الخليل 2 ص 325 ـ 328.
10- قبور أئمة البقيع قبل تهديمها ص 85 ـ 86.
11- سورة النور : الآية 36.
12- سورة النور : الآية 37.
13- البقيع المنوّر ص 28 وما بعدها.
14- البقيع المنوّر ص 14.
15- المصدر نفسه ص 22.
16- يوم البقيع ص 6.
17- البقيع الغرقد ص 31.
18- البقيع المنور ص 33 ، المنظمة العالميّة للدفاع عن الأماكن المقدّسة ـ لندن.
19- كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب ص 22.
20- يوم البقيع ص 25 عن (تاريخ الجبرتي).
21- كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب ص 60.
22- يوم البقيع ص 26 عن كتاب تبديد الظلام ـ لإبراهيم الجبهان ص 389.
23- المصدر نفسه ص 27.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أسباب الغيبة الصغرى للإمام المهدي
في أن الاستقامة إنما هي على الولاية
صُبت علـَـيَ مصـــائبٌ لـ فاطمه زهراعليها ...
التقیة لغز لا نفهمه
الحجّ في نصوص أهل البيت(عليهم السلام)
وصول الامام الحسین(ع) الى کربلاء
دعاء الامام الصادق عليه السلام
الصلوات الكبيرة المروية مفصلا
الشفاعة فعل الله
أخلاق أمير المؤمنين

 
user comment