عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

فوكوياما من "نهاية التاريخ" إلى "مستقبلنا ما بعد البشري

فوكوياما من "نهاية التاريخ" إلى "مستقبلنا ما بعد البشري

 

تمهيد:

فوكوياما من "نهاية التاريخ" إلى "مستقبلنا ما بعد البشري"مـا لا يُنتهك في الثورة الجينية هو الفطريّ إلى اليوم، تدبّر الإنسان أمره واغتنى بتكنولوجيته. الأدوات حسّنت محيطه وجعلت الإنسان أقوى، أكثر أماناً، أسرع، وأوفر سعادة. لكن ماذا يحصل عندما تسمح المعرفة أخيراً بتصحيح عيوب الطبيعة البشرية؟
هذا الحل لا يراه فوكوياما جديراً بأن يطبّق العنصر الجديد أن البيوتكنولوجيا سوف تسمح قريباً بالاختبار: إذا لم يكن المولود الرضيع سوى نتيجة الـ"أ. د. إن" خاصته، على ما تؤكده لنا عملية فك رموز الجينوم البشري، فلن يكون بعيداً الوقت الذي سنشهد فيه العلم عاملاً على تحسين طينتنا، جسداً وروحاً.

هل الأمر حتميّ وخطير إلى هذا الحد؟ هل ينبغي منعه؟ "هذه المعطيات سوف تعيد طرح ما تجذّر عميقاً فينا، أي مفهوم المساواة والقدرة على القيام بخيارات أخلاقية" يقول : فرنسيس فوكوياما في كتابه "مستقبلنا ما بعد البشري"، ويتابع قائلاً: "هذه المعطيات سوف توفّر للمجتمع تقنيات جديدة للسيطرة على تصرفات الأفراد. سوف تغيّر مفهومنا للشخصية والهوية الإنسانية. سوف تزعزع المراتب الاجتماعية(...)وتؤثّرعلى السياسةعالمياً".
صرخة الإنذار هذه ليست أكاديمية على الإطلاق. فرنسيس فوكوياما ينتسب إلى مجلس البيو-أخلاقية في البيت الأبيض. عند تقاطع العلم، الفلسفة والسياسة، يُقلق فوكوياما ما قد تنتهكه المعرفة في المجال الذي لا يُنتهك: الطبيعة البشرية.
والإنذار لم يصدر باكراً في أي حال. للإقناع، يناقش الكاتب ما سبق أن وجد له مكاناً في خزانة صيدليتنا المنزلية، أكثر منه التقنيات التي لا تزال بعيدة كالجينات تحت الطلب، أو زرع الذكاء، أو الأطفال على الطلب. يرى ان "البروزاك" المضاد للإحباط الأكثر مبيعات في فرنسا و"الريتالين" الذي يصفه الأطباء كثيراً في الولايات المتحدة للأطفال الوفير الحركة، يجعلاننا نتصور منذ الآن ما ستكون عليه البشرية المستقبلية المخدّرة حتى في جيناتها. ويعتبر فوكوياما أن العلماء وصناعيي البيوتكنولوجيا تقدموا كثيراً اليوم ويترك لهم الخيار حول الطريق التي ينبغي ان يسلكوها.
يرسم فوكوياما الحدود بين الفطري والمكتسب، مستنداً إلى تعريفه الواضح لما ينبغي أن يبقى بعيداً عن الانتهاك: الطبيعة البشرية: "مجموع التصرفات وكل الطبائع الناتجة بالأحرى من الجينات، لا من المحيط".
وماذا عن "نهاية التاريخ"؟

هل عساه بدّل رأيه وهو القائل "لن تكون النهاية ممكنة بعد الآن لأن العلم والبيوتكنولوجيا في صدد تغيير الطبيعة البشرية". فهل نحن أمام بلبلة جديدة؟ وجيناتنا التي ستسوّق قريباً هل ستُطلق التاريخ مجدداً؟

ويجيب فوكوياما: "بعض عناصر هذه الثورة مرهون بالمستقبل فقط، كالجينة الوراثية. فيما أضحت عناصر أخرى هنا، حولنا. يكفي أن ننظر إلى أوروبا وعدم توازنها الديموغرافي. ولا نحتاج إلى الذهاب بعيداً جداً كي نرى المجادلات حول الهجرة والمجتمعات المتعددة الانتماء وحول خرق جان ماري لوبن الانتخابي في فرنسا، وبيم فورتوين في هولندا. فالمعطيات الديموغرافية هذه الناتجة من التقدم العلمي الطبي حوّلت طبيعة المناقشة السياسية، وليست سوى البداية.
والأمر الآخر في الصدارة، يتعلّق بتلك المواد المتنوعة التي تسمح بتبديل التصرف البشري، لأنها تتيح تبديل الأحاسيس والانفعالات ونشاط الدماغ، أي كل ما يتعلق بالفطري. يسعنا أن نتبنّى يوماً شخصية ما، وفي اليوم التالي شخصية أخرى. وفي السنوات المقبلة سوف تستهدف مواد أخرى الدماغ للتقليل من حاجة الإنسان إلى النوم، ولتنمية الذاكرة والذكاء. [2]
"أما الاستنساخ فهو الحدث الذي يثير الرعب الأكبر، فلا أحد تقريباً يودّ حقاً أن يعاد نسخه. إني ضدّ هذا الإجراء قطعاً، لأن ذلك سيكون على صعيد التجربة البشرية خطوة لا عودة عنها.
"لكن من ناحية أخرى، تضخم التكهنات حجم الأمور أحيانا. علماء المستقبل في الخمسينات تصوّروا كل بلد على المعمورة مصححاً حدوده بواسطة القنابل النووية. والواقع أن عدد القوى الذرية يظل محدوداً، فضلاً عن انه لم يحصل أي انفجار من هذا النوع منذ هيروشيما وناغازاكي. ليس ممكناً إيقاف مسيرة العلم. انما لا شيء يمنعنا من لجم مفعوله.
"لن نتمكن من تلافي هذه المناقشة عندما تتوصل الجينة الوراثية إلى إطالة الحياة إلى ما لا نهاية، أو إلى صنع أطفال على الطلب. يجب أن نفكّر في أبعد من ذلك. كل الفئات الاجتماعية سوف تحاول "تحسين" نسلها: الأغنياء، بالتأكيد، لكن أيضا الجماعات الدينية أو بعض الفئات الإتنية. الخطر يكمن في مفاضلة لا عودة عنها في الإرث الجيني، وفي تعبير آخر حصول تمييز بشري من نوع جديد. [3] مثلاً في الصفوف المدرسية، سوف يوضع التلامذة موضع شك لناحية جيناتهم في حال نجحوا نجاحاً بارزاً. المشكلة أن القرار لن يكون للدولة بل للعائلة. فالأهل يحبّون أولادهم وسوف يحاولون تأمين نجاحهم. لذا ينبغي البدء بتوعية أولئك الأهل توعية جدية ليفهموا أن التلاعب بثروة أولادهم الجينية رهان خطر. "إني مقتنع بأن على الطبيعة البشرية أن تتجاوز المفهوم الضيق إلى كل الانفعالات الإنسانية البحتة، كالقابلية للتعلّم واللغة والحاجة الى العيش ضمن مجموعة من البشر لا في عزلة وتذوّق السياسة. الطبيعة البشرية معقدة وهشّة. لو بدّلنا عنصراً لتزعزع كل ما تبقى. إن لم تكن الوصفة جيدة فقد نقع في "ما بعد البشرية" سهواً. [4]
في أي حال، ثمة أمر أخلاقي فريد، رابط وثيق يشدّ الطبيعة البشرية، هو عزة النفس والحقوق التي ننسبها إلى أنفسنا بشرا.

الديمقراطية الليبرالية ونهاية التاريخ :


تعد مقولة "نهاية التاريخ" آخر صيحة عالمية استفاق عليها الفكر الإنساني المعاصر. وقد وردت في كتاب نهاية التاريخ والإنسان الأخير

(
The end of history and the last man) للمفكر الياباني اللامع فرنسيس فوكوياما.


الديمقراطية الليبرالية بشقيها السياسي والاقتصادي هي خاتمة مطاف تتطور الفكر البشري. فقد حسم صراع الايديلوجيات ، نهائيا والى الابد ، لصالح الديمقراطية الليبرالية. هذه هي باختصار الرسالة التي يريد تبليغها ، فرانسسكو فوكاياما من خلال كتابه الذائع الصيت : " نهاية التاريخ"
Francis Fukouyama :The End of History and the Last Man,

لعله ليس صدفة ، ان تلتقي الفلسفات الارضية بالعقائد السماوية في تصور نهاية سعيدة تتوج تطور الفكر الانساني في رحلته الشاقة والمتعرجة نحو الكمال ( ان كان ثمة كمال ) . فاذا كانت الجنة هي النهاية السعيدة التي تبشر بها الاديان السماوية اتباعها . فان الفلسفات الانسانية المثالية ( افلاطون وتوماس مور الخ ..) لا يختلف تصورها لتلك النهاية السعيدة ( اليوتوبيا او المدينة الفاضلة ) عن الجنة
اما الفلسفات المادية (العقلانية ) فتؤمن ان الانسان قد امتلك زمام مصيره بفضل المعرفة وانه قادر علي تسخير هذا العلم ليرقي به نحو الكمال البشري ، وانه حتما سيبلغ نهاية هذا الكمال حينما يتجسد النظام المثالي الذي يلبي طموحات واشواق الانسان الي الحياة الانسانية الكريمة . يري هيجل ان غاية تطور الفكر البشري هي بلوغ الحرية الانسانية ، وان النظام الاقدر علي تحقيق هذه الحرية ، هي الديمقراطية الليبرالية . اما عند كارل ماركس فيري ان الحرية الانسانية التي ينشدها هيغل لا تتحقق الا بتحقق النظام الشيوعي هذه الغاية التي عناها ، هيجل وماركس ، هي النهاية التي قصدها فرنسيس فوكاياما في عنوان كتابه : " نهاية التاريخ " . فهو لا يقصد بنهاية التاريخ ، نهاية الاحداث والوقائع اليومية وانما يقصد" ان التطور المضطرد للمجتمعات البشرية لا يسير الي ما لانهاية ، وانما محكوم بتوصل الانسان الي شكل محدد لمجتمعه يرضي احتياجاته الاساسية وعندما يتم التوصل لالي هذا الشكل يتوقف التطور او بمعني آخر يتوقف التاريخ . هذا لا يعني اطلاقا توقف للاحداث ، فالحياة ستستمر من ميلاد وموت ، وسيستمر تفجر الاحداث الهامة وغير الهامة ، وستستمر نشرات الاخبار وتستمر الجرائد في الاطلال علينا كل يوم ، لكن الفرق الوحيد هو انه لن يكون هنالك اي تقدم او تطور بعد اليوم فيما يتعلق بالمباديء والايدلوجيات والمؤسسات . "
هذه النهاية بالنسبة لفوكوياما هي ، الديمقراطية الليبرالية الراسمالية. انها في تصوره النظام الامثل للحكم . كل المجتمعات شاءت ام ابت مكتوب عليها تتنبي هذا النظام . قد تتعثر المسيرة عند بعض الدول والامم نحو بلوغ هذه الغاية ولكنها ستصل ان عاجلا ام أجلا . ويختتم فوكوياما كتابه بهذا التصور الدرامي الذي يعبر عن ايمانه الحتمي بانتصار الديمقراطية اللبيرالية :
" .. ويبدو لي اخيرا – الجنس البشري كما لو كان قطارا طويلا من العربات الخشبية التي تجرها الخيول متجها الي مدينة بعينها عبر طريق في قلب الصحراء ، بعض العربات قد حددت وجهتها بدقة ووصلت اليها باسرع وقت ممكن ، والبعض الاخر تعرض الي هجوم من الهنود الاوباش ، فضل الطريق ، والبعض الثالث أنهكته الرحلة الطويلة فقرر اختيار مكان وسط الصحراء للاقامة فيه وتنازل عن فكرة الوصول الي المدينة ، بينما من ضلوا الطريق راحوا يبحثون عن طريق بديلة للوصول الي المدينة ، وفي النهاية يجد الجميع انفسهم مجبرون علي استعمال نفس الطريق - ولو عبر طرق فرعية مختلفة – للوصول الي غائتهم ، وفعلا تصل أغلب هذه العربات الي المدينة في النهاية ، وهذه العربات عندما تصل لا تختلف عن بعضها الا في شيء واحد هو توقيت وصولها الي المدينة : سرعة او بطء وصولها الي ، الديمقراطية الليبرالية ، ومن ثم نهاية رحلتها.[5] .. نهاية التاريخ ."

فهل حقا ان الديمقراطية الليبيرلية بشقيها السياسي والاقتصادي هي خاتمة المطاف البشري نحو المال ام انها حسب ماركس مرحلة ضرورية لا بد منها ، تصل فيها الراسمالية الى أعلي مراحل تتطورها لتهيئة المجتمعات للانتقال الي الاممية الشيوعية . ام انها التجسيد الرمزي للمسيخ الدجال الذي يمهد لظهور المسيح ليقيم جنة الارض السماوية حيث يرث المستضعفون الارض كما يعتقد الجمهوريون وسائر اتباع الكتب السماوية ؟؟؟!!
صدر كتاب فوكاياما سنة 1992 عقب تفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط الانظمة

الاشتراكية في اوربا الشرقية ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب ان فكرة الكتاب ترجع الي مقال حمل نفس العنوان كتبه في صيف 1989 . بل ان فكرة المقال نفسه ترجع الى محاضرة القاها بجامعة شيكاغو في ذات السنة بعنوان : الديمقراطية بين النظرية
The End of History and the Last Man, Francis Fukuyama, perennial , 1992


فكرة نهاية التاريخ في خطوطها الكبرى كما وردت في الكتاب:

تعد مقولة نهاية التاريخ آخر صيحة عالمية استفاق عليها الفكر الإنساني المعاصر. وإلقاء نظرة على مجمل ما ورد في كتاب نهاية التاريخ وخاتم البشر يكشف عن مجموعة من الأفكار والتصورات التي صاغها فوكوياما يمكن إبراز خطوطها العريضة الآتية:

ـ يرى المؤلف أن سقوط الاتحاد السوفياتي واكتساح الديموقراطية الليبرالية أرجاء العالم، وانهيار الأنظمة الشمولية، وانتصار فكرة الأسواق الحرة، كل ذلك وصد باب التاريخ وأدى إلى نهايته الأبدية التي لن يبرز في أفقها أي مؤشر جديد.[6]

ـ يرتكز في تحليله للديموقراطية على المرجعية التاريخية فيعود إلى أحداث القرن 19م الذي يعتبره قرن الاستقرار والسلام بفضل ما جناه من ثمار الثورة الفرنسية التي ركزت مبادئ الديموقراطية. لكنه ينتقد أحداث القرن العشرين التي أدت في نظره إلى تراجع المبادئ الديموقراطية بسبب الحربين العالميتين وظهور الأنظمة الديكتاتورية واليسارية الشمولية. ثم يعرج على الفترة المعاصرة ليفسر كيفية تحول الدول الديكتاتورية إلى دول ديموقراطية وسقوط الأنظمة الاشتراكية، وتحولها إلى أنظمة تنحو نحو وجهة الاقتصاد الحر بسبب عجزها عن حل مشاكلها الاقتصادية.

في مواضع أخرى من الكتاب، يضع المؤلف الأصبع على فكرة التاريخ الكوني، فيستعرض مختلف النظريات التاريخية لفلاسفة التاريخ والآلية التي تحرك التاريخ العالمي، والمتمثلة في نظره في الآلة العسكرية والتكنولوجية وسعي الإنسان المعاصر للسيطرة على الطبيعة، معتبرا أن التاريخ يسير نحو تاريخ عالمي متجانس بهدف تكوين الدولة العالمية، مستبعدا أن يكون التاريخ الكوني تاريخا دوريا يقضي على المنجزات الحديثة ليرجع للمرحلة السابقة.[7] إلا أن أهم ما يميز فكر فوكوياما في باب التاريخ العالمي يكمن في رؤيته بأن الاتجاه نحو الدولة العالمية المتجانسة يؤدي إلى نشأة مجتمع خال من الطبقات، ويعكس آخر مرحلة مرضية من التاريخ الإنساني، منها سيكون الاتجاه نحو نهاية التاريخ.

ولم يفته الإشارة إلى ما ينجم عن التطور التكنولوجي من دمار للبيئة معبرا عن تشاؤمه الشديد في هذا المجال من المجهودات التي تقوم بها الجمعيات ومنظمات من أنصار البيئة. وحول الاقتصاد الاشتراكي، أبرز أوجه قصوره، خاصة من ناحية اعتماد الدول الاشتراكية على فكرة الخطط الاقتصادية التي لم تعد ملائمة في نظره للتغيرات الاقتصادية السريعة وتبدل الأسعار، ومن ثم يعتبرها معيقة للتطور التكنولوجي، ويقرن الثورة العلمية بالديموقراطية الليبرالية الحرة.[8]

ويطرح في مواضع أخرى وجهات نظر تتعلق بفلسفة التاريخ، خاصة آراء هيغل كما فسرها كوجيف حول الحرية والإنسان، معتبرا أن الحرية تظهر عندما يقدر الإنسان على تجاهل وجوده الطبيعي الحيواني وخلق ذات جديدة لنفسه. وفي هذا الإطار يخصص فصلا لمعالجة السيادة والعبودية، فيرى أن خدمة العبد لسيده أصبحت تستفيد من التطور التكنولوجي، مما جعل العبد حرا بفضل تغلبه على صعوبة الخدمات السائدة قبل العصر التكنولوجي، ومطالبا بالمزيد من الحرية والمساواة.[9]

وفي تحليله للكائن البشري، يرى أن انفعالات الإنسان من خلال رغبته في العرفان والتمايز والحفاظ على النفس والكرامة، يؤدي به إلى الدخول في مجتمع مدني حيث الدستور يقر بحقوق كل إنسان، ويقدم شرحا لمفهوم الشهامة اعتمادا على آراء الفلاسفة الأقدمين، منتقدا النظام الشيوعي الذي جعل الجزء الشهواني من النفس ضد الجزء الحيوي فيها، وذلك بإجبار الناس العاديين على جعل العديد من التافهين أكثر اتفاقا من طبائعهم.

ويلاحظ أن فكرة الديموقراطية تأخذ حيزا هاما من اهتمامات المؤلف الذي يرى أن غيابها يسفر عن مشاكل لا حصر لها داخل المجتمع، ويمكن أن تلعب دورها إذا وضعت في الحسبان الخصوصيات الثقافية لشعب أو أمة. ويذهب إلى أن الديموقراطية تتجه نحو وجهة عالمية تتميز بالتجانس، ليخرج بنتيجة قطعية في نظره، وهي أن التاريخ يقود الإنسان بطريق أو بآخر إلى الديموقراطية الحرة.

ويستند فوكوياما في الدفاع عن أطروحة التوجه الكوني نحو الديموقراطية على الثورة الحالية لتكنولوجية الإعلام، فالانفجار التكنولوجي في المجال الإعلامي الذي نجح في غزو أكثر المناطق انزواء في العالم، سيعطي –في نظره- الأفراد مزيدا من القدرات ويسرع من وتيرة الدمقراطية.[10]

وبهذه الأفكار التي أبرزنا خطوطها العريضة كما أوردها فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ وخاتم البشر، يبرر أطروحته حول نهاية التاريخ الذي لن يطرأ في نظره أي مؤشر جديد يغيره أو يؤدي به إلى مسار جديد. فما مدى مصداقية هذه الأطروحة؟

من إنصاف القول أن فوكوياما كان جريئا في أطروحته، ولم يكن يغرب عن باله أنها ستلاقي جيشا من النقاد. كما يحمد له إبحاره في كتابه السالف الذكر عبر مجموعة من العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفلسفة التاريخ والأنتروبولوجيا، ونجاحه في تجييش مجموعة من القرائن التي تدل على صحة وجهات نظره. وبالمثل اتخذ التاريخ بمراحله الشاسعة مرجعية لمجموعة من التصورات، خاصة في تحليله للحرية والديموقراطية، واستطاع بهذا التحليل التاريخي أن يدلل على أبعاد أطروحته.

وقد دعم مقولته حول نهاية التاريخ بمؤلفات وأبحاث ومقالات أخرى دافع فيها دون هوادة عن أفكاره، فضلا عن مقابلات علمية متعددة أجرتها معه مختلف المجلات نذكر من بينها على سبيل المثال مجلة
Construction التي أجرت معه حوارا مطولا أكد فيه تشبثه بنظريته وموقفه من أن اليمين هو القادر الوحيد على تسيير الاقتصاد العالمي، منتقدا بعض النظريات الوسطية كنظرية الطريق الثالث لرئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، بل ذهب بعيدا في حديثه عن نهاية الإنسان الأخير بفعل ثورة الاستنساخ التي جعلت بعض الباحثين يبشرون بعمر إنساني يمتد إلى 200 وحتى 300 سنة؛ ولعل كتابه الأخير: The great discruption : human nature and the reconstruction of social order يعكس هذا التوجه الأخير، فضلا عن آخر مقال صدر له تحت عنوان (الإنسان الأخير في الزجاجة) The last man in a bottle.

والواقع أن أي أطروحة معاصرة لم تثر صخبا وضجة إعلامية مسترسلة مثلما أثارته أطروحة فوكوياما. وربما زاد من تضخيم ردة الفعل تجاهها سوء الفهم الذي وقع في حباله بعض المنتقدين لها؛ لذلك لا غرابة أن نجد صاحب الأطروحة يشكو من قلة إدراك المجادلين لأطروحته بقوله: "لقد نتج قسم كبير من الجدال الأول حول نهاية التاريخ عن سؤال دلالي غبي إذ لم يفهم العديد من القراء أنني استعملت كلمة تاريخ بمعناها الهيغلي الماركسي: التطور التدريجي للمؤسسات الإنسانية والسياسية والاقتصادية".[11] ويوضح المفهوم الذي استعمله للتاريخ بأن هذا الأخير موجه بواسطة قوتين جوهريتين، وهما توسع علوم الطبيعة والتكنولوجيا المعاصرة التي تشكل أساس التحديث الاقتصادي، والنضال من أجل الاعتراف الذي يتطلب في نهاية المطاف نظاما سياسيا يقبل كونية حقوق الإنسان. وعلى عكس الرؤية الماركسية التي ترى أن صيرورة التطور التاريخي تجد نهايتها في الاشتراكية، فإن المفكر الياباني يرى أن هذه النهاية تتجسد في الديموقراطية واقتصاد السوق. ولم يعد ثمة نموذج آخر للتنمية قابل للاستمرار يجعل العالم يتفاءل بنتائج أفضل من اقتصاد السوق، فحتى النموذج الآسيوي التنموي المزعوم، والذي تتبناه دول ما يعرف بنمور آسيا عرف هزة قوية بسبب التعثرات التي شهدها في العقد الأخير بسبب الأزمة الاقتصادية التي عصفت به، مما يؤكد هشاشة نظام الحكم المطلق في البلدان الآسيوية، حيث سعى ذلك النظام إلى كسب شرعيته من خلال الإنجازات الاقتصادية الكبرى.


0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التمهيد.. البحث عن العدل ومنتظري القائم (عج)
غيبة الإمام المهدي في فكر الإمام الصادق (عليه ...
الأدعية والزيارات المهدوية عن المعصومين ( عليهم ...
سيرة الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه)
كيف يكون الإنتظار للإمام المهدي عليه السلام
القسم الثالث. أعمال الإمام المهدي... دولة الخوارق
يا قائم آل محمد (عجل الله تعالى فرجه)
أتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
دور العرب في عصر الظهور
نصوص في التوراة والإنجيل تبشّر بظهور قائم آل ...

 
user comment