عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

الثمرات الأخلاقية للايمان بالقدر

للإيمان بالقدر ثمرات أخلاقية تعود على المؤمن به بحسن الخلق، وطيب النفس، وحسن المعشر، ولين العريكة، وتكسبه عند الله شكوراً، وتزداد بها صحيفة أعماله نوراً، ومن تلك الثمرات ما يلي:
1- الصبر: فالإيمان بالقدر يثمر لصاحبه عبودية الصبر على الأقدار المؤلمة، والصبرُ من جميل الخلال، ومن محمود الخصال، له فوائده الجمة، وعوائده الكريمة، وله عواقبه الجميلة، وآثاره الحميدة.
وكل أحد من الناس لابد له من الصبر على بعض ما يكره، إما اختياراً وإما اضطراراً؛ فالكريم يصبر اختياراً؛ لعلمه بحسن عاقبة الصبر، وأنه يحمد عليه، ويذم على الجزع، وأنه إن لم يصبر لم يردَّ عليه الجزع فائتاً، ولم ينتزع منه مكروهاً؛ فمن لم يصبر صبر الكرام سلا سلوَّ البهائم.
قال أمير المؤمين علي بن أبي طالب عليه السلام الصبر مطية لا تكبو.
وقال الحسن عليه السلام الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده.
وصدق من قال:
والصبر مثل اسمه مرٌّ مذاقتهُ
لكنْ عواقبه أحلى من العسل
ولهذا تجد المؤمن بالقدر صبوراً متجلداً، يتحمل المشاق، ويقوم بالأعباء.
بخلاف ضعيف الإيمان بالقدر، الذي لا يقوى على احتمال، ولا يصبر على أدنى شيء يعترضه؛ بسبب ضعف إيمانه، ورخاوة نفسه، وانزعاجها العظيم للشيء الحقير؛ فما إن يصاب بالتافه من الأمر حتى تراه حَرِجَ الصدر، لهيف القلب، كاسف الوجه، ناكس البصر، تتناجى الهموم في صدره، فتقض مضجعه، وتؤرق جفنه، وهي وأكبر منها لو حدثت لمن هو أقوى منه إيماناً واحتمالاً - لم يُلقِ لها بالاً، ولم تحرك منه نفساً، ولَنَامَ ملء جفونه، رضيَّ البال، قرير العين.
2- التواضع: فالإيمان بالقدر يحمل صاحبه على التواضع مهما أوتي من مال، أو جاه، أو علم، أو شهرة، أو نحو ذلك؛ لعلمه بأن ما أوتيه إنما هو بقدر الله، وأنه - عز وجل - لو شاء لانتزعه منه.
ومن هنا يتواضع لله - عز وجل - ويتواضع لبني جنسه، وينأى بنفسه عن الكبر والخيلاء.
وإذا تواضع الإنسان كمل سؤدده، وعلا قدره، وتناهى فضله، وعظم في القلوب وقاره، وزاده الله شرفاً ورفعة؛ فمن تواضع لله رفعه، وإذا رفع الله عبداً فمن ذا الذي سيخفضه؟
وأحسن أخلاق الفتى وأتمها
تواضعه للناس وهو رفيع
3- الكرم والسخاء: ذلك أن المؤمن بالقدر يعلم علم اليقين بأن الله هو الرزاق، وهو الذي قسم بين الخلق معيشتهم؛ فكلٌ له نصيبه، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، ولن يفتقر أحد إلا بقدر الله -عز وجل -.
وهذا الإيمان يشرح صدر صاحبه للإنفاق في وجوه الخير، فيؤثرها بجانب من ماله ولو كان به خصاصة؛ ثقة بالله، واستجابة لأمره - عز وجل - بالإنفاق، وشعوراً بأن للحياة الفاضلة مطالبَ يبذل في سبيلها المال غير مأسوف عليه، ولعلمه بأن المال مال الله؛ فَتَعَيَّنَ وَضْعُه حيث أمر اللهُ وَضْعَهُ.
ثم إن الإيمان بالقدر يطفئ حِدَّةَ الشَّرَهِ من قلب المؤمن، فلا يتكالب على الدنيا، ولا يتَتَبَّعُها إلا بمقدار الحاجات، فلا يريق ماء وجهه طلباً لها، بل يتكرم ويسخو عما في أيدي الناس؛ فمن أنواع السخاء سخاءُ الإنسان عما في أيدي الناس.
وهذا يثمر له عزة النفس والشجاعة، وإنما يخسر الإنسان الشجاعة وعزة النفس بشدة حرصه على متاع الدنيا.
4- الشجاعة والإقدام، واطراح الخور والجبن: فالإيمان بالقدر يملأ قلب صاحبه شجاعةً وإقداماً، ويُفْرِغهُ من كل خور وجبن؛ لأن المؤمن بالقدر يعلم أنه لن يموت قبل يومه، ولن يصيبه إلا ما كُتب له، وأن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروه لن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله له.
ومما ينسب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قوله:
أي يوميَّ من الموت أفِرْ
يوم لا يُقْدَرُ أو يوم قدِرْ
يوم لا يُقْدَرُ لا أرهبه
وإذا قدِّر لا ينجي الحذر
وفي التسليم - أيضاً - فائدة لطيفة، وهي أنه إذا سلمها لله فقد أودعها عنده، وأحرزها في حرزه، وجعلها تحت كنفه، حيث لا تنالها يدُ عدوٍّ عادٍ، ولا بغيُ باغٍ عاتٍ.
5- علو الهمة: فعلو الهمة يعني استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور، ودنو الهمة بالعكس من ذلك؛ فهو إيثار الدَّعة، والرضا بالدون، والقعود عن معالي الأمور.
والإيمان بالقدر يحمل أهله على علو الهمم، وينأى بهم عن القعود، والإخلاد إلى الأرض، والاستسلام للأقدار.
ولهذا تجد المؤمن بالقدر - حقيقة - عالي الهمة، كبير النفس، متطلباً للكمالات، مترفعاً عن السفاسف والمحقرات، فلا يرضى لنفسه بالدون، ولا يقنع بالواقع المر الأليم، ولا يستسلم للمعائب محتجاً بالقدر على وقوعها.
بل إن إيمانه يُحتِّم عليه أن يسعى سعيه للنهوض بنفسه، ولتغيير الواقع المر الأليم إلى الأفضل بالطرق المشروعة، وإلى التخلص من المعائب والنقائص؛ فالاحتجاج بالقدر إنما يكون عند المصائب لا المعائب.
6- الحزم والجد في الأمور: فالمؤمن بالقدر حازم في أموره، منتهز للفرص التي تمر به، حريص على كل خير ديني أودنيوي؛ إذ الإيمان بالقدر يدعو إلى ذلك؛ فلم يكن داعية إلى البطالة، والإقلال من العمل البتة.
بل لقد كان له عظيم الأثر في إقدام عظماء الرجال على جلائل الأعمال، التي يسبق إلى ظنونهم أن استطاعتهم، وما لديهم من الأسباب الحاضرة يَقْصُران عن إدراكها.
قال النبي صلی الله عليه وآله وسلم :احرص على ما ينفعك، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت ،كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل.
7- السلامة من الحسد والاعتراض: فالإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تفتك بالمجتمعات، وتزرع الأحقاد بينها، وذلك مثل رذيلة الحسد؛ فالمؤمن بالقدر لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ لإيمانه بأن الله هو الذي رزقهم، وقدر لهم أرزاقهم، فأعطى من شاء،ومنع من شاء، ابتلاءً، وامتحاناً، وأنه حين يحسد غيره إنما يعترض على قدر الله.
فإذا آمن بالقدر سَلِمَ من الحسد، وسَلِمَ من الاعتراض على أحكام الله الشرعية، وأقداره الكونية، وسَلَّم لله في جميع أموره.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
تربية أطفالنا في ظلّ الإسلام
الإيمان بالإمام المهدي (عج)
حديث الغدير في مصادر أهل السنة
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
خصال الإمام
أدعية الإمام الرضا ( عليه السلام )
ما هو اسم الحسين عليه السلام
سورة الناس
نقد الذات

 
user comment