عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

زواج المقداد بن الأسود


کان المقداد وعبد الرحمن بن عوف كانا جالسين ، فقال عبد الرحمن للمقداد :
مالك لا تتزوج ؟
قال : زوجني ابنتك.
فغضب عبد الرحمن وأغلظ له ! (١)
قام المقداد من عنده منكسفاً ، يتعثر بأذيال الفشل ، فلم يكن يتوقع من صحابي كعبد الرحمن أن يرده هذا الرد القاسي ويغلظ له في القول ، وشعر في قرارة نفسه أن طلبه هذا قد جرَّ عليه مهانةً كان في غنى عنها ، وان عبد الرحمن الزهري نظر إليه نظرةً قَبليّةً ؛ فبنو زهرة من صميم قريش ، وأنى لحليف لهم من بهراء لاجئ ان يتطاول على هذا البيت العريق يريد مصاهرته ! ومن يكون المقداد في جنب عبد الرحمن ، وابنة عبد الرحمن !!
غضب عبد الرحمن وأغلظ له ، فما كان من المقداد إلا أن يمم قاصداً رحاب الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يجد المؤمن فيض الرحمة والحنان والعطف ، وحيث تجد الإِنسانية المعذبة من يلم جراحها ويمسح آلامها ، مشى نحو النبي فشكا ذلك إليه.
« فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله » : أنا أزوجك ! (2)
محمدٌ ومن مثل محمد صلی الله عليه وآله وسلم!؟ وهبّت في تلك اللحظات نسمةٌ كأنها أتت من الجنة ، هدأت لها نفس المقداد وارتاحت بعد عناء ، وأطرق يفكر في جوٍّ مفعم بالنشوة ، من يا ترى ؟
من تكون هذه التي سيختارها له محمد ؟
وربما خطر على باله أنه سيختار له واحدةً من بنات المهاجرين والأنصار كما فعل مع جويبر وجلبيب رضي الله عنهما ؛ ولا أظن أن تصوره ذهب إلى أبعد من ذلك ؛ وفي ذلك الهناء والسعادة ، ولكن كانت المفاجأة أعظم وأكبر من التصور !!
فقد اختار له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كريمة درجت في أعز بيت من قريش والعرب ، وأعز بيت في الإِسلام ؛ اختار له ابنة عمه « ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ».
وإنما فعل ذلك ، ـ كما ورد عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام ـ « للتتضع المناكح ، وليتأسوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وليعلموا أن اكرمهم عند الله أتقاهم. » (3)
وليعلموا أن اشرف الشرف الإسلام. (4)
« بين الأشعث بن قيس والإمام علي عليه‌السلام »
ثمة رواية تقول : أن الأشعث بن قيس الكندي « دخل على علي بن أبي طالب عليه‌السلام فوجد بين يديه صبّية تدرج ، فقال : من هذه يا أمير المؤمنين ؟
قال هذه زينب بنت أمير المؤمنين !
قال : زوجنيها ـ يا أمير المؤمنين.
قال عليه‌السلام : أعزب ، بفيك الكثكث (5) ، ولك الأَثلب ، أغَرك ابن أبي قحافة حين زوَّجك ام فروة ؟! إنها لم تكن من الفواطم ، ولا العواتك من سُليم !
فقال : قد زوجتم أخمل مني حسباً ، وأوضع مني نسباً ، المقداد بن عمرو ، وإن شئتَ فالمقداد بن الأسود ؟!
قال علي عليه‌السلام : ذلك رسول الله فعله ، وهو أعلم بما فعل ، ولئن عُدَتَ إلى مثلها لأَسؤَنّك (6) !
ورُبَّ معترضٍ على مضمون كلام الإِمام مع الأشعث ، حيث يُستشمُّ منه رائحة التعصيب والمنطق القبلي ـ حاشا الإمام ذلك ـ فيؤخذ بالوهم والتباس الحقيقة. فالإمام علي عليه‌السلام أبعد ما يكون عن هذا التفكير العشائري لو وجد خصمه أهلاً وكفؤاً لزينب ، حسب الموازين الإسلامية.
لقد كان الأشعث بن قيس يرى في نفسه كبراً تظهر آثاره بين الفينة والفينة سيما مع الإمام علي ، فقد كان جريئاً عليه ، وجرأته تلك تنم عن وقاحة وسوء ظن ، وغلظة ، فكان يعترض الإمام في أحرج المواطن وأشدها
وكان ينهج في فيما كان الإمام علي عليه‌السلام يخطب ذات يوم ، إذ اعترض عليه الأشعث بشأن التحكيم ، فكان من جملة ما قاله الإمام له : « ما يدريك ما عليّ مما لي ، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين حائك بن حائك ، منافق بن كافر ، والله لقد أسرك الكفر مرة والإسلام أخرى ، فما فداك من واحدة منهما مالك ولا حسبك ، وإن إمرءً دل على قومه السيف ، وساق إليهم الحتف لحريٌ أن يمقته الأقرب ، ولا يأمنه الأبعد ». (7)
واسم الأشعث : معدي كرب ، وأبوه قيس الأشج ، وكان الأشعث أبداً أشعث الرأس فسمي الأشعث وغلب عليه حتى نُسي إسمُهُ وقد تزوج رسول الله أخته قتيلة ، فتوفي قبل أن تصل إليه. وأما الأسر الذي أشار إليه امير المؤمنين هنا في الجاهلية ، فهو انه حين قتل أبوه خرج يطلب الثأر فأسر ، وفدي بثلاثة آلاف بعير ، لم يفد بها عربي قبله ولا بعده ، وفي ذلك يقول عمرو بن معدي كرب الزبيدي.
فكان فداؤه ألفي بعيرٍ / وألفا من طريفاتٍ وتُلدِ
وأما الأسر الثاني في الإسلام ، فقد كان في عهد أبي بكر ، وذلك أن بني وليعة ارتدوا بعد رسول الله ، وملكوا عليهم الأشعث ، فحاصره المسلمون وكان في حصن ، فاستسلم بعد أن شرط عليهم أن يبعثوا به الى ابي بكر ، ثم فتح لهم الحصن ، فدخلوه واستنزلوا كل من فيه وأخذوا أسلحتهم وقتلوهم وكانوا ثمانمائة ، ! وقيل : أمنوه مع عشرة من أهل بيته فقط ، ثم أخذ موثقاً بالحديد. قال الطبري : وكان المسلمون يلعنون الأشعث ويلعنه الكافرون أيضاً وسبايا قومه ، وسماه نساء قومه عرف النار ـ وهو اسم للغادر عندهم.
وقال ابن أبي الحديد : كان الأشعث من المنافقين في خلافة علي عليه‌السلام ، وهو في أصحاب امير المؤمنين عليه‌السلام كما كان عبدالله بن أبي بن سلول في اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كل واحد منهما رأس النفاق في زمانه ـ (8)
ذلك منهج : خالف تُعرف ! وكان الإِمام عليه‌السلام يعامله بالمثل ، وقد انكشفت حقيقته لديه فيما بعد.
إن هذا الرجل كان بعيداً عن الإيمان وعن مبدأ علي ، فلم يبق له شيءٌ يفتخر فيه أمام عليّ إلا النسب والعشيرة حيث قال : قد زوجتم اخمل مني حسباً !
بيد أن الإمام عليه‌السلام تناوله من حيث بدأ. فأفهمه أنه ليس كفؤاً لزينب ، ولا لواحدة من الفواطم والعواتك ، وأن كندة التي يفتخر بها الأشعث ، ليست كفؤاً لهاشم وسُلَيم ، قرعاً للحجة بالحجة ، وفلاًّ للحديد بالحديد.
وحين ضرب له الأشعث مثلاً بالمقداد ، لم يُطل معه الإمام الشرح ، بل أجابه بقوله : ذاك رسول الله فعله.
جواب مسكتٌ لا يمكن معه رَدٌّ ، أو اعتراض من مسلم ! فهل يفعل الرسول إلا ما فيه المصلحة والرجحان ؟ وهل كان ليزوج المقداد من ابنة عمه ضباعة لو لم يكن كفؤاً لها ؟
زوجة المقداد وأولاده
وضباعة كنيتها أم حكيم وقد ولدت للمقداد عبدالله ، وكريمة.
وكانت تروي عن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)وعن زوجها المقداد. وروى عنها ابن عباس ، وعائشة ، وبنتها كريمة بنت المقداد ، وابن المسيب وعروة ، والأعرج وغيرهم. (9)
وقتل عبدالله بن المقداد في حرب الجمل مع عائشة « سنة ست وثلاثين » فمر به علي بن أبي طالب ، فقال : بئس ابن الأخت أنت. (10) ولم أجد لعبد الله ترجمةً أوسع مما ذكرت. وأما معبد فقد ذكر في « الإصابة ». وأظن أن أمره قد التبس على ابن حجر ، فتارةً يقول : مرت ترجمته في ترجمة والده. وتارةً يذكر : معبد بن المقدام بدل المقداد. وأما في غير هذا الكتاب من الكتب التي بين يدي فإنها لا تتعرض لذلك. والله أعلم.
واليوم ، هناك عائلة واسعة الانتشار تسمى : ( بآل المقداد ) وهم يسكنون في سوريا ولبنان وغيرهما من البلاد العربية.
وقد سألت السيد حسن محمد المقداد عن سبب التسمية ، فأجابني أنهم ينتمون إلى ( المقداد ) وأن هذا أمر توارثه الأبناء عن الآباء ، وقال فيما قال : أن النزوح الأساسي كان إلى الشام قبل مئات السنين بسبب الإضطهاد الديني ، ثم توزعوا بين الشام وجهات بعلبك.
وأخبرني الحاج كاظم المقداد : أن شجرة النسب ( نسبهم ) توجد عند آل المقداد الموجودين في « بصرى الشام » وهم وإياهم ابناء العم ، وذلك : أن إثنين من ابناء المقداد كانوا في قلعة السويداء ، فنزحوا الى منطقة ( حجولا ـ كسروان ) ثم رجع أحدهم فسكن بصرى الشام.
المصادر :
1- الإصابة ٣ / ٤٥٤ ـ ٤٥٥.
2- تتمة رواية الإصابة.
3- راجع الوسائل ١٤ ب ٢٦ ح ١ ص ٤٥.
4- مكارم الأخلاق / ٢٠٧ : قال رسول الله الخ ..
5- الكثكث التراب والحجارة. والأثلب : التراب والحجارة. أو مطلق ما يعاب به الإنسان.
6- العقد الفريد ٦ / ١٣٦.
7- تصنيف نهج البلاغة / ٢٢٢.
8- راجع شرح النهج ١ / من ص ٢٩٢ ـ ٩٢٧.
9- الإصابة ٤ / ٣٥٢.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

علماء السنة يجيزون لعن يزيد بن معاوية
آية اليوم يئس الذين ومسألة الإمام
العقل والروح مسيرة إحيائية واحدة
اليوم الآخر في القرآن الكريم
الرعية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك ...
بغض بعض الصحابة لعلي(عليه السلام)
هل ان عيسی عليه السلام ابن الله جل وعلا
كيف يجزى الانسان بثار عمله في الدنيا
المعاد (1)
الامام علي (ع ) يرفض المبايعة على سيرة الشيخين :

 
user comment