عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

ادوار التشریع

ادوار التشریع


إن التشريع الإسلامي قد مرّ بأدوار متعددة: دور الرسالة النبوية، ودور عصر كبار الصحابة، ثم صغار الصحابة، ثم التابعين وتابعي التابعين... الخ.
وفي عصر تابعي التابعين ظهر بعض أئمة الفقه كأبي حنيفة الذي أخذ عن ابراهيم النخعي والشعبي، وحماد بن سليمان، وعطاء بن أبي رباح وغيرهم من التابعين.
وعلماء التابعين الذين أخذ عنهم أئمة المذاهب هم الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبيد بن الحارث، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت. وقد نقل علم هؤلاء السبعة ابن شهاب الزهري وربيعة الرأي، وهما ممن تتلمذ عليه الإمام مالك.
وحول الاختلاف بين المذاهب، يقول محمد أبو زهرة: "تكونت مذاهب الأمصار، وقد ابتدأ الاختلاف في المدائن بتكوين المدارس الفقهية، فكان بالعراق مدرسة فقهية لها منهاج، ثم بالحجاز، ثم بالشام، ثم كان الشيعة لهم مدرستهم، ثم صار بعد ذلك في كل مدرسة رجل بارز يلتف حوله تلاميذ يمدّهم بالرواية، والدراية الفقهية...
فكان بالكوفة شيخ القياس أبو حنيفة، وكان بالمدينة شيخها مالك، وكان بالشام شيخها الأوزاعي، وكان بمصر الليث ابن سعد، ثم جاءت الطبقة الثانية، فكان الشافعي وأحمد وداود، وتتابع من بعدهم الاجتهاد، ثم الانحياز المذهبي، فأصبح المجتهد لا يجتهد اجتهاداً مطلقاً، بل يجتهد في دائرة مذهبه، ثم انتقل الاجتهاد في دائرة اُصول المذهب الى التقيد بآراء الامام، مع الاجتهاد فيما لم يرو فيه نص في المذهب، ثم صار من بعد ذلك الى التقيد بآراء المجتهدين في المذهب والتخريج عليها، ثم الى الجمود والوقوف عندما انتهى إليه السابقون، إذ يقفون عندها لا يعدونها".
ومن الاُمور المهمة التي أثارت انتباهي، هي أن الفقهاء الكبار لم يكونوا يرون لأقوالهم هذه القدسية التي نراها نحن لهم اليوم من اتباعهم، فأبو حنيفة يقول: "هذا أحسن ما وصلنا اليه، فمن رأى خيراً منه فليتبعه".
وقد سأله البعض: أهذا الذي انتهيت اليه هو الحق الذي لا شك فيه؟
فقال: لا أدري، لعله الباطل الذي لا شك فيهوالشافعي كان يحث أصحابه على مخالفة قوله إذا وجدوا حديثاً يخالفه ويقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وأن مالكاً كان ينهى أصحابه عن كتابة فتاويه، وعندما رأى أحد تلاميذه يدوّن أقواله قال له: ويحك يا يعقوب أتكتب كل ما أقول؟ إني قد أرى رأياً اليوم واُخالفه غداً، وقد أرى الرأي غداً واُخالفه بعد غد. وان الامام أحمد بن حنبل يقرر أن لكل انسان أن يجتهد(1).
فهؤلاء الأئمة الكبار قد اجتهدوا على قدر طاقاتهم، ولم يلزموا أحداً بالجمود الى آرائهم، ولكن الناس جمدوا بعد ذلك على آرائهم، وهكذا أخذ الإتّباع يسود التفكير الفقهي.
ومن وراء الاتّباع كان التقليد; فالتقليد سار من القرن الرابع الهجري ولكنه كان تقليداً جزئياً ابتداءاً، ثم أخذ نطاقه يتسع حتى صار تقليداً كلياً في آخر العصور، كما يقول الشيخ أبو زهرة.
ويلخص الشيخ أبو زهرة أسباب التقليد بعدة نقاط وهي:
1 - إتّباع التلاميذ لشيوخهم.
2 - القضاء
3 - وجود ثروة فقهية انتجتها القرون الثلاثة الاُولى، مما جعل أكثر المسائل توجد لها حلول فقهية.
4 - التعصب المذهبي، وخاصة بين أتباع المذهب الحنفي وأتباع المذهب الشافعي.
مع الصوفية
تعرفت في هذه الأثناء على صديق كان يميل الى التصوف، ومن ثم راح يحدثني عن الصوفية وكراماتهم، وعندما سألني عن رأيي في التصوف، قلت بغير اكتراث:
أعتقد أن التصوف بدعة.
صاح بشيء من التأثر: بدعة!!
قلت: عفواً.. أعني أن السلف الصالح ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ لم يعرفوا هذا الشيء الذي تتحدث عنه.
قال باشفاق: ما رأيك أن يكون أعظم صحابي رائداً للصوفية؟
قلت: أتعني أبا بكر الصديق(رضي الله عنه)؟
لم يتركني في حيرتي، بل أخرج قصاصة من صحيفة قديمة كانت ترجمة عربية لما جاء في احدى الصحف الغربية بُعيد القاء القنبلة الذرية على بعض المدن اليابانية، وكان فحوى المقال: "ان الخليفة المسلم الصوفي علي ابن أبي طالب كان أول من تحدث عن انشطار الذرة...الخ" أو ما أشبه ذلك.
أثارت المقالة دهشتي، وشعرت ببعض الزهو والفخر، عندها قال صاحبي: أليس من العجب أن يعرف الغربيون عن سلفنا الصالح ما نجهله نحن؟!
ثم راح يحدثني عن الصوفية وأصلها ونشأتها بشكل ملخص، والخرقة التي قد توارثوها عن علي بن أبي طالب(كرم الله وجهه)، وعلم الباطن، والفناء في ذات الله...الخ. لكن الشيء الذي استأثر باهتمامي من كلامه هو العلم الذي كان عند علي بن أبي طالب(رضي الله عنه)، وجاءت مسألة الذرة مصداقاً لذلك، فقد كان لعلي من المواهب ما لا يملكه غيره من الصحابة إذاً، وتذكرت أنني طالما قرأت كثيراً من اعترافات الصحابة(رضوان الله عليهم) بتقدم "علي" عليهم في سائر العلوم، ولطالما قرأنا قول عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر. إستغل صاحبي هذه المسألة، وراح يحاول اجتذابي الى الفكرةالجديدة، وأعطاني في أحد الأيام كتاب (إحياء علوم الدين) للامامالغزالي، وقد أعجبتني فكرة الزهد والرياضة الروحية التي يتحدثعنها الكتاب، وبدأت أُحاول تطبيق ذلك على نفسي، لكنني لم أتمكنمن الاندماج مع جماعة الصوفية تماماً، إلاّ أنني بقيت على علاقة طيبة مع بعضهم...
أفكار جديدة
تعرفت بعد سنوات على صديق جديد، التقينا في المسجد، وتحدثنا بعد خروجنا، عن الاسلام وهموم المسلمين ومسألة المذاهب والتقليد، وفوجئت بأن الفتى كان يحمل بعض الأفكار الغريبة والجريئة أيضاً، خصوصاً أنني وجدته متفقاً معي في نبذ تقليد المذاهب، وعندما سألته عن مصدر معلوماته تردد قليلا في البوح بها، ولكنني ألححت عليه، فاعترف بأنه يتلقى هذه المعلومات من شيخه.
أبديت له رغبتي في التعرف على الشيخ، فوعدني خيراً، وبعد أيام طلب مني التهيؤ للقاء الشيخ.
توجهنا الى منزل الشيخ الذي استقبلنا بالترحاب ثم راح يحدثنا في مواضيع مختلفة، وتطرق في حديثه الى موضوع المذاهب واختلاف المسلمين بسببها، وأنحى باللائمة على المسلمين الذين تعلقوا ببعض المعتقدات الفاسدة، وتطرق في حديثه الى الصوفية، فراح يتهكم عليهمخمّنت أثناء الحديث أن يكون الشيخ وهابياً، ولم تكن معلوماتي عن الوهابية واضحة جداً، ولكنني كنت اُلاحظ أن جماعة الصوفية كانوا يذمونهم كثيراً، وكذلك كان إمام مسجدنا من قبل يمقتهم ويحذرنا منهم ومن بدعهم وضلالاتهم...
بقيت ساهراً تلك الليلة، فاللقاء مع الشيخ كان مثيراً الى حد ما، وقفزت الى ذهني تساؤلات كثيرة لم أجد لها جواباً، لذا بكرت بالذهاب الى منزل الشيخ على غير موعد.
استقبلني بحرارة، لكنني أخبرته بأني قد جئت للتحدث معه على انفراد، فأدخلني الى البيت، وعندما استقر بنا المقام، أقبل علي الشيخ بنظرات متسائلة.
قلت بعد تردد: هل أنتم وهابيون؟
قطب حاجبيه قليلا، ثم قال مبتسماً: ماذا تعرف عن الوهابية؟
قلت: ليس كثيراً، ولكن يبدو أن هنالك أوساطاً كثيرة لا ترتاح لسيرتهم.
قال: (وأكثرُهم للحقِّ كارِهون)، ألا ترى أن أكثر الناس كانوا يحاربون الأنبياء؟
أطرقت ساكتاً: فابتدرني بالقول: نحن في الحقيقة سلفيّون، وإن عقيدتنا تقوم على التوحيد ونبذ الشرك ومحاربة البدعة، فهل ترى في ذلك بأساً؟
قلت: كلا، بل أن أساس الدين يقوم على هذه الدعائم.
قال بانشراح: فذلك ما نرمي إليه، أن نعيد الاسلام الى سيرة السلف الصالح، ونحرر المسلمين من الخرافات والبدع وننقذهم من الشرك.
ثم انبرى الشيخ للحديث بالتفصيل عن هذا الأمر مستكثراً من الشواهد القرآنية وداعماً كلامه ببعض الأحاديث النبوية الشريفة أحياناً والسيرة المثلى للصحابة الكرام. حتى خلص الى حقيقة مفادها: أن أكثر المسلمين قد انحرفوا عن الاسلام حين تركوا خط السلف.
قلت: ماذا عن الاُمور المتعارف عليها بين المسلمين، والتي أصبحت في حكم المسلّمات.
قال بحدّة: كلها بدع لا أصل لها، وهي التي قادتهم الى الشرك.
قلت: فمعظم المسلمين اليوم هم في الحقيقة مشركون؟!
قال: نعم، بالتأكيد.
شعرت ببعض الأسى، إلاّ أن الشيخ كان قوي العارضة، وكان يدعم آراءه بالشواهد القرآنية المتتالية، حتى أحسست بالعجز أمام أدلته، ولم أجد بداً من الاستسلام للفكرة الجديدة والاعتراف بصوابها.
المصادر :
1- انظر تاريخ المذاهب الاسلامية، الكتاب الثاني: 265، 301، 303.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ...
الموالي و اعدادهم من قبل الائمة ـ عليهم السلام .
المقال الذي سبب أزمة فى مصر
مناظرة الشيخ المفيد مع أبي القاسم الداركي في حكم ...
الليلة الوحيدة في التأريخ
الحكومة البويهية والتشيع .
تاريخٌ يلازم الناشئة العراقية
ما المقصود بليلة الهرير؟
عید الاضحی المبارك
المحاولات اليهودية لعرقلة انتشار الإسلام

 
user comment