عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

تعيين المرجعية

تعيين المرجعية

ان كل عقيدة الهية على الاطلاق لا بد لها بالضرورة من مرجعية شرعية تتلازم معها وتتكامل . ومن المستحيل ان تكون هنالك عقيدة الهية بدون مرجعية تتولى بيان هذه العقيدة الالهية . وهذا المرجع يجب ان يكون بالضرورة هو الاعلم في هذه العقيدة ، والاكثر فهماً لها ، والاكثر اخلاصا لها ، وخير الموجودين وافضلهم وانسبهم لا على سبيل الافتراض والتخمين ، انما على سبيل الجزم واليقين . وتلك امور خفية لا يعلمها العلم اليقيني الا الله العالم بالسر واخفى . ومن هنا اختص تعالى بتعيين هذه المرجعية واختيارها ، تلك حقيقة لا يجادل فيها الا جاهل .
وهذه الصفات مجتمعة اعلنت العناية الالهية انها متوفرة في كل الانبياء الذين اختارهم الله وحده عبر التاريخ البشري لتبليغ رسالات ربهم . ولم يحفل باعتراضات المعترضين ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) ( هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) لان هذه الاعتراضات على الحكم الالهي تنبع من الافتراض والتخمين ، بينما الحكم الالهي باختيار هؤلاء الانبياء وتعيينهم مراجع قائم على الجزم واليقين بأنهم الاعلم والافهم والاكثر اخلاصاً ، والاخير والافضل والانسب لبيان العقيدة الالهية وقيادة سفينة الاسلام والولاية على الاتباع .
والخلاصة ان الله جلت قدرته هو الذي اختص بتعيين المراجع التي تولت بيان العقائد الالهية طوال التاريخ ، لانه هو وحده الذي يعلم من هو المؤهل لبيان هذه العقائد . ولم يصدف في التاريخ البشري كله ان ترك امر تعيينهم واختيارهم الى اهواء الناس او آرائهم .
ما هي المهام والوظائف المناطة بالمرجع الذي عينه الله ؟
لا خلاف بأن الانبياء الكرام مراجع عينهم الله كلهم بلا استثناء ، واختارهم بنفسه واعلن هذا الاختيار . والسؤال : ما هي المهام والوظائف المناطة بهؤلاء المراجع الكرام ؟
1 ـ البيان :
من المهام المشتركة بين كل الانبياء والموكولة لكل الانبياء كمراجع بيان قواعد العقيدة الالهية ، ومن صميم مهمة كل مرجع توضيح كامل العقيدة الالهية ، توضيحاً كاملاً على الصعيدين النظري والعملي من خلال دعوة بالضرورة تتمخض عن دولة ، كما حدث لمحمد ولدعوة الاسلام .
وقد لا تتمخض هذه الدعوة عن دولة كما حدث للكثير من الانبياء ، فالمرجع يبين القاعدة الالهية نظرياً كما تلقاها من الله بالضبط لا زيادة ولا نقصان ، ثم يقوم بترجمة هذه القاعدة من عالم النظر الى الحركة والتطبيق . فيكون البيان كاملا من الوجهتين النظرية والتطبيقية . فهو الذي يكيف النص على الواقعة بنفس التكييف الالهي ، وهو الذي يتأكد ان النص الالهي قد حقق الغاية من وجوده على هذه الواقعة وعلى كل واقعة .
2 ـ تحديد دائرة الشرعية والمشروعية :
يختص النبي المرجع ببيان حدود دائرة الشرعية والمشروعية ، وقد حددها كل نبي مرجع بـ :
الف ـ عقيدة الهية تشكل مركز دائرة الشرعية والمشروعية ، وهي ما انزله الله على المرجع سواء باللفظ والمعنى معاً كالتوراة والانجيل والقرآن ، او بالمعنى كالحديث القدسي .
ب ـ بيان النبي المرجع لهذه العقيدة الالهية بشقيه النظري والعملي .
ج ـ وحدة العقيدة مع بيان المرجع ، اذ يتعذر الفصل بينهما . فالعقيدة الالهية والبيان وجهان لعملة واحدة ، اذ يتعذر فهم العقيدة بدون بيان ، ويتعذر استيعاب البيان دون الرجوع لاساسه فلما انزل الله هو الاساس وبناء الهدى والبيان هو ابواب هذا البناء .
3 ـ الولاية على الاتباع :
ومن مهام النبي المرجع ان يكون الولي والامام على اتباع العقيدة يصرف امورهم ويسوسهم وفق احكام وقواعد العقيدة الالهية . وهذا ما تأكد بالنسبة العملية . فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم هو المرجع الديني لاتباعه وهو الولي والامام الزمني لهؤلاء الاتباع . فولاية المرجع دينية وزمنية معاً بالشرع والعقل معاً . فهو نفسه الذي قاد الدعوة ، وهو نفسه الذي ترأس الدولة ، وهو نفسه الذي انزل عليه الذكر ، وهو نفسه الذي بين هذا الذكر وطبقه .
4 ـ منع حدوث الضلالة :
في عهد النبي المرجع يتحقق الهدى وتختفي الضلالة بتوفر ركنين :
الف ـ ركن عقائدي حقوقي وهو اتباع قواعد العقيدة الالهية ( المنظومة الحقوقية الالهية ) وبيان النبي المرجع لهذه المنظومة .
ب ـ ركن شخصي وهو الولاية والامامة للنبي المرجع بحيث يسوس هذا النبي المرجع اتباعه ويطبق عليهم العقيدة الالهية بنفس الفهم والكيفية التي يتلقاها من الله ، والمحافظة على وحدة هذين الركنين ضمانة لسيادة الهدى والشرعية ، واي خلل تطبيقي فيهما او بأحدهما يؤدي حتماً الى الضلالة ، لان الركن الشخصي تماماً كالركن العقائدي ، وهما معا صفقة واحدة . فغير ممكن لشخص ان يؤمن بالعقيدة الالهية ويرفض ولاية محمد ، لان الولاية جزء لا يتجزأمن العقيدة ، واي محاولة للتجزئة تدخل صاحبها بالضلالة بحجم تلك المحاولة .
5 ـ سفينة نجاة :
النبي المرجع سفينة نجاة ، من يركب معه فقد نجا ومن يتخلف عنه او يركب بأي سفينة اخرى يغرق لا محالة .
6 ـ النبي المرجع باب للمغفرة :
من دخله غفر الله له ، ومن ابى دخول هذا الباب بقي حاملاً لاوزاره .
7 ـ النبي المرجع يقود اتباعه للهدى :
فمن يتبع النبي ويطعه فكأنما اطاع الله ، لان طاعة النبي طاعة لله ، وطاعة الله هي الهدى ، ومن يعص الله ويتبع سواه فقد عصى الله ، ومن عصى الله فقد ضل ضلالاً بعيداً .
8 ـ النبي المرجع أمان للأمة المؤمنة ومانع للخلاف :
فعندما تتبع الامة المؤمنة النبي المرجع فانها سلك طريق الامان ، لانها تسير على طريق واحد فهمه النبي ووعاه لي قبل ان يسلكه . فالطريق التي يسلكها مأمونة تماماً ولا يتعثر بها احد . وبغياب هذه المرجعية يقع الخلاف ويختفي الامان ويضيع الناس فيتبعون ( كل ناعق ) ، ويميلون مع الريح . فوجود مرجع واحد للامة يفهم فهما مثاليا القواعد الالهية عصمة للامة من الاختلاف وتذكرة امان للجميع .
9 ـ المرجع ثقل لاتباعه يتمسكون به فلا يسقطون ولا يضيعون .
10 ـ المرجع هو القدوة في العلم والتقوى والالتزام والحكم ، وهو النموذج المتحرك للرباني المتمسك بالعقيدة الالهية .
11 ـ تكثيف الجهود وتنسيق الطاقات المؤمنة لتعميم الهداية على الجنس البشري كله .
المرجعية خلال حياة النبي
طاعة الله تتمثل باتباع اوامره واجتناب نواهيه . والذي يعرف كنه الاوامر والنواهي هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فطاعة الرسول عملياً هي طاعة الله ، ومعصية الرسول عملياً هي معصية الله . وقد تكادت هذه الحقيقة في القرآن الكريم تسع مرات ، لان الرسول هو القيم على هذا الدين ، وهو العالم بأسراره ، المطلع على خفاياه ، والقادر على تخصيص العام من احكامه وبيان المعنى المطلوب ان تعددت المعاني في النص الواحد ، وبالتالي فان المرجعية اثناء حياة الرسول محصورة به وبه وحده ، لان الله عصمه واصطفاه لهذه الغاية ، ولايمكن لاحد من اتباعه ان يفهم اوامر الله ونواهيه كما فهمها الرسول بالتمام ، لان الرسول مميز ويجب ان يكون الاعلم والافهم والافضل ليرجع اليه اتباعه . فخلال حياته هو المرجع المختص ببيان الاسلام وبقيادة المسلمين بالاجماع ، ولا احد يخالف هذه الحقيقة لانها ايمانية وعقلية معاً .
المرجعية بعد وفاة النبي ـ قراءة اولية للواقع
حقيقة انه قبل ان ينتقل الرسول الى جوار ربه . اكتمل الدين وتمت النعمة ، وترسخت العقيدة ، وطبعت الاحكام ، وقام نظام الدولة وترأسها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مدة عشر سنوات .
لكن طبيعة الاسلام كآخر دين ، وطبيعة قواعده المتعمقة بالعموم والشمول ، وطبيعة المهمة الملقاة على عاتق المسلمين والمتمثلة بتقليص رقعة الكفر ، وهداية الجنس البشري تقتضي بالضرورة وجود مرجعية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا امر من البداهة بحيث انه لايحتاج الى دليل لولا التقليد الاعمى ، والتسليم بالواقع ، وفطرة اغلبية الناس باطاعة الغالب .
سيقول البعض ـ وخاصة الاحزاب الدينية العربية ـ ان علماء المسلمين هم المرجع بالمعنى الذي تقصده . والخليفة هو مرجع المراجع ايضا . ونحن نجيبهم بأن قولكم الاول غير عملي ، فماذا يكون الموقف لو ان علماء المسلمين ـ على فرض امكانية جمعهم في مكان واحد ـ قد افترقوا على فرقتين او ثلاثة او اكثر ، وكل مجموعة لها وجهة نظر مستندة الى ظاهر من الشرعية ، وكلهم عمالقة بفقههم ، واصر كل فريق على رأيه ، فأي فريق نتبع ؟ واي رأي ننفذ ؟
ستقول الاحزاب الدينية العربية : ان الحاكم يتبنى الرأي الذي يراه مناسباً من هذه الآراء خلال فترة حكمه !! اذن هم يعترفون ان الحاكم هو المرجع او هو الذي يقوم بدور المرجع بوصفه خليفة النبي ، ولكنكم تعلمون انه قد توالى على رئاسة الدولة اعداد لا حصر لها من الخلفاء منهم التقي كعلي وابي بكر ، ومنهم ايضا مروان بن الحكم ومعاوية بن ابي سفيان ويزيد ابنه ، ومنهم ترأس الدولة بالطريقة الشرعية ، ومنهم ترأس الدولة ودانت له الناس لانه الغالب وبحكم الحال والاضطرار . فمروان ليس عالما وغير مؤهل لاختيار الحكم الامثل .
الحاجة لمرجعية بعد وفاة النبي
رأينا ان كل نبي على الاطلاق مرجع بالضرورة ، كلفه الله تعالى بمهام ووظائف وسيد الانبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قاد الدعوة الى الله فنجحت دعوته ، واسفرت عن دولة طبقت قواعد العقيدة الالهية بياناً كاملاً نظرياً وعملياً ، واعلن الله انه قد اكمل للمسلمين دينهم واتم عليهم نعتمه .
وخير النبي فاختار ما عند الله . ولم يفاجئه الموت ، انما مرض ثم انتقل الى جوار ربه تاركاً دعوة قائمة ودولة مائلة ، وديناً يباهي به الدنيا ، انه تبيان لكل شيء ( تبيانا لكل شيء ) على الاطلاق .
من هو المرجع من بعده ؟
ومن الذي سيقوم بالوظائف التي كان يقوم بها ؟
من الذي يبين للناس احكام العقيدة الالهية ؟
ومن الذي يحدد دائرة الشرعية والمشروعية ؟
من هو ولي الامة وركن مجدها القائم مقامه ؟
من هو سفينة النجاة ؟
من هو باب المغفرة ؟
من هو الامان المخلص لهذه الامة ؟
من هو ثقلها ؟
من هو مثلها الاعلى بعده ؟
من الذي يقود موكب المؤمنين لتحرير سكان العالم وانتشالهم من الظلمات الى النور ؟
تساؤلات تحتاج الى أجوبة
فإذا قال المسلمون إنه لم يعين المرجع من بعده ، ولم يحدد من الذي سيقوم بوظائفه ، ولا حدد من سيبين للناس أحكام العقيدة ، ولا من الذي يحدد لهم دائرة الشرعية والمشروعية ولا بين من هو ولي الأمة من بعده ، ولا من هو ركن مجدها القائم مقامة ، ولا من هو ثقلها ؟ ولا من مثلها الأعلى : ولا من هو الذي سيقود معركة تحرير البشرية وإنقاذها .
فإذا قال المسلمون ذلك ، فإن قولهم هذا يناقض كمال الدين وتمام النعمة ، لأن هذه الأمور من صلب الدين ومن صميم النعمة ؟ ومن المحال أن تغفلها العقيدة الإلهية ، ثم إنهم لو أصروا على ذلك لوجدوا أن العقيدة الإلهية تتحدى إصرارهم هذه وتعيبه ولا تقره ، وأن هذا الإصرار يتعارض مع المنطق والعقل وأساسيات الحياة فضلا عن تناقضه الصارخ مع قواعد العقيدة الإلهية .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام الصادق (عليه السلام) يشهر سيف العلم!
قرّاء القرآن و كيفية قراءته
منكروا المهدي من أهل السنة وعلة إنكارهم
مفاتيح الجنان(300_400)
حبيب بن مظاهرو حبه لأهل البيت
حديثٌ حول مصحف فاطمة (ع)
قال الحكيم و المراد بعترته هنا العلماء العاملون ...
الوصايا
تشبيه لطيف من صديق حقيقي‏
خلق الأئمة ( ع ) وشيعتهم من علِّيِّين :

 
user comment