عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

الخمس و ذوي القربی

الخمس و ذوي القربی

أن القرآن الكريم كرم اليتامى من آل بيت محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) بنحو خاص حيث جاء ذلك في آية الخمس من قوله تعالى :
( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ).
ومظاهر التكريم في الآية الكريمة تأتي مستوحاة من التدرج في تقديم اليتامى على المساكين ، وأبناء السبيل في إعطائهم حصة من الخمس وان كان الكل من بني هاشم.
ولا خلاف في عدم إشتراط الفقر في ابن السبيل وهو :
المنقطع به الطريق في غير بلده سواءً بسرقة ماله ، أو غير ذلك مما يجعله محتاجاً ، ولا يمنع غناه في بلده مع عدم تمكنه من الاستغناء في مثل هذا الحال ببيع شيء من ماله ، أو الإِفتراض أو غيرهما فيعطي حصة من الخمس بمقدار ما يليق بحاله من المأكول ، والملبوس ، والمركوب إلى أن يصل الى بلده ، أو إلى بلدٍ يمكنه تحصيل المال فيه فيمنع حينئذٍ من الصرف عليه ولا يختلف فقهاء الشيعة في ذلك.
وأما المسكين فهو الفقير ، أو أنه الاسوأ منه حالاً كما جاء ذلك عن الإِمام الصادق (عليه السلام)في قوله :
« الفقير الذي لا يسأل الناس. والمسكين أجهد منه » (١).
ولكن الضابط في المسكين والفقير هو الذي لا يملك مؤونة سنته فعلاً ، أو قوة له ، ولعياله الواجبي النفقة بحسب حاله في الشرف ، وما دونه ، وليكن المسكين أسوأ حالاً من الفقير ، أو مساوياً له.
وإذا ما وصل الدور إلى اليتيم رأينا الخلاف في فقره من قبل فقهاء الشيعة فهل يعطى حصة من الخمس ، وان كان غنياً أم لا بد من فقره ؟
المشهور بين فقهائنا هو إشتراط فقره ، بينما يقول البعض منهم بعدم إشتراط الفقر فيه.
ولتوضيح وجهة نظر المشهور يقال : بإن العلة في تشريع الخمس هو تأمين احتياجات بني هاشم في قبال غيرهم حيث شرعت لهم الزكاة ، فكما أن الغني يمنع من الزكاة من غير بني هاشم كذلك يمنع بنو هاشم من الخمس لو كانوا أغنياء وغير محتاجين من غير فرق بين يتاماهم ، وغيرهم من المساكين.
أما من يقول بعدم إشتراط الفقر فيهم فيستدل على مدعاه بأن سياق الآية الكريمة والاخبار يقتضي أن يمنح يتامى بني هاشم وان كانوا أغنياء لخصوصية في اليتيم الذي لحقهم ولذلك جاءت الآية الكريمة فجعلتهم في قبال المساكين بل ومقدمين عليهم ، ولو كان الفقر شرطاً فيهم لما كان داع للتنصيص عليهم ، بل يكفي ذكر المساكين لشمول هذا العنوان لليتامى الفقراء ، فان الفقير داخل في المسكين بحسب العنوان وعليه فذكرهم في قبال المساكين دليل على عدم إشتراط الفقر فيهم.
وهكذا جاءت الاخبار لتقابل بينهما.
ومن هنا نرى القرآن الكريم يكرم هؤلاء اليتامى على كل تقدير سواءً إشترط فيهم الفقر ، أم لم يشترط.
أما على القول بعدم إشتراط الفقر ، فان إعطاء هؤلاء اليتامى يعتبرفي غاية التكريم والتجليل حيث أعطوا حصة من الخمس ولو كانوا أغنياء ، فهو حق من حقوقهم يقتضيه مقامهم وإنتسابهم لرسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم).
وأما على القول بإشتراط الفقر في اليتامى ، فان تميزهم عن المساكين ، والتنصيص عليهم بالذكر لهو دليل على إهتمام القرآن ، والسنة بهؤلاء الصغار الضعفاء ، وإلا فان عنوان المساكين يشملهم ، وبه يحصلون على حصه من الخمس.
وإذاً فالتنصيص عليهم هو تكريم لهم على كل حال سواءً أشترط فيهم الفقر أم لا.
إن هذه العملية التكريمية إنما قصد بها أن يصان هذا البيت الرفيع من الالتجاء الى الصدقات ، ومديد الإِستجداء إلى الآخرين فقد عوضهم عن كل ذلك بالخمس يستحقونه في أموال الاغنياء في الموارد الخاصة على نحو الحق ، والإِستحقاق لا على نحو المن من المعطي كما هو الحال في التصدق على الفقير أو الهبة إليه يقول الإِمام موسى بن جعفر (عليه السلام).
وإنما جعل هذا الخمس لهم خاصة دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس تنزيهاً لهم لقرابتهم من رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل ، والمسكنة. ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض ، وهؤلاء الذين ذكرهم الله فقال :
( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم : الذكر منهم ، والأنثى ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ، ولا من العرب أحد » (2).
ويظهر هذا المعنى جلياً في موقف بطلة كربلاء الثانية السيدة الجليلة ( أم كلثوم ) بنت الإِمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام)في الكوفة عندما وصل إليها موكب السبي الحسيني.
فقد ذكرت المصادر التأريخية أن إحدى المتفرجات أشفقت على الأطفال من الذين ضمهم موكب السبي لما رأت عليهم من آثار الجوع ، والإِرهاق فجاءت لهم بطعام وتمر وأخذت تلقيه عليهم وهي تقول : « إن الصدقة حرام علينا أهل البيت » (3).
ويرمي الصبيان ما بأيديهم ، وأفواههم من الطعام ، وهم يرددون مقالة عمتهم :
« إن الصدقة حرام علينا أهل البيت ».
إن يتامى البيت المحمدي أجل من أن يتناولوا الصدقات وهي أوساخ الناس ما بأيدي الناس من المال ، ولذلك جعل الله الخمس لهم خاصة كما يقول الامام الكاظم (عليه السلام)في الحديث المتقدم.
ويذهب فقهائنا إلى أن نصف الخمس لو زاد عن كفاية آل البيت المحمدي يرجع إلى الإِمام ، أو نائبه ، وان حصل العوز ولم يكتفوا بما يصل إليهم من ذلك النصف أكمله الإِمام أو نائبه وأبعد عنهم شبح الفقر.
حصة اليتامى من الفيء :
ولم تقتصر الشريعة الإِسلامية على هذا المقدار من إعطاء بني هاشم نصف الخمس ، وليتاماهم على الخصوص تكريماً لهم ، ووفاءً لنبيه
الكريم في تجليل ذوي قرباه ، بل كرمهم في مجال آخر حيث خصص لهم قسماً من الفيء فقال تعالى :
( مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ).
والفيء هو الرجوع. يقال : فاء يفيء فيئاً إذا رجع ، وأفأته عليه إذا رددته عليه.
أما في المصطلح الفقهي فانه أيضاً لوحظ فيه رجوع ما للكفار إلى المسلمين ، أو إلى النبي خاصة على تفصيل يتعرض إليه الفقهاء ، وملخص ما ورد في هذا الخصوص هو :
أن القرآن الكريم ، تعرض إلى ذكر الفيء في آيتين الأولى قوله تعالى :
( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (4).
والآية الثانية :
( مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ) (5).
والآيتان وردتا في سورة واحدة ، وإحداهما بعد الثانية على نحو الإِتصال ، وبدون عاطف بينهما ، وفي كليهما جاء لفظ الفيء إلا أنه في
الأولى جعل ذلك الفيء وهو المأخوذ من الكفار بغير أن يقاتل عليه بخيل ، وركاب إلى الله ، ورسوله فقط. أما في الآية الثانية فقد جاء الفيء فيها بغير قيد أنه لم يوجف عليه بخيل ، وركاب ، وقد خصص إلى الله ورسوله ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل.
ولا إشكال في أن الآية الأولى وردت في قضية بني النضير وهم اليهود حيث صالحوا رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) في أن يتجنبوا أمر المسلمين فلا يقاتلوا معه ، ولا يقاتلوه فقبل ذلك منهم. ثم أنهم نقضوا العهد ، وتحالفوا مع كفار قريش على أن تكون كلمتهم واحدة على النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وبعد ذلك أرادوا قتل النبي لذلك حاربهم ، وسار إليهم مشياً من غير خيل ، وركاب لان مواقع بني النضير كانت في ناحية من نواحي المدينة فتحصنوا فحاصرهم (صلی الله عليه وآله وسلم) حتى بلغ منهم كل مبلغ ، فصالحهم على أن يحقن دمائهم ، وأن يخرجهم من أرضهم ، وأوطانهم وفعلاً فقد خرجوا وأخذ كلما خلفوه والآن تبين لنا أن ما خلفه اليهود بعد خروجهم من ديارهم من الأموال هي فيء لله ، وللرسول بنص هذه الآية الأولى الكريمة ، ولا يشاركهما أحد من شركائهما في آية الخمس وأما الآية الثانية « فالفيء لم يحكي بظاهره قضية بني النضير بل جاء مطلقاً ومستحقه ـ كما قلنا ـ هو الله. ورسوله ، وشركائهم في آية الخمس ، ومنهم اليتامى.
والتساؤل يقع في أن هاتين الآيتين هل الموضوع فيهما واحد ، وأن الآية الثانية بيان للأولى ، أم أنهما تختلفان من حيث الموضوع فكل منهما أفادت موضوعاً يختلف عن الآخر ؟
قيل بالأول : وان الآية الأولى جاءت لتبين الفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب ، وهو أموال بني النضير ، ويعم الحكم غيرهم من الكفار ، وأنه لله ، وللرسول ، وجاءت الآية الثانية لتبين موارد مصرف الفيء المذكور في الآية الأولى.
ذهبت إلى ذلك الشيخ الطوسي في التبيان ، والفيض في تفسيره ، والفاضل المقداد في كنز العرفان ، والكشاف وغيرهم (6).
وأما القول الثاني : فيذهب إلى أن الموضوع في الآيتين مختلف فموضوع الآية الأولى : الفيء ، وهو الأموال التي تؤخذ من الكفار بغير خيل ، ولا ركاب ، ومعناه بغير قتال ، بل بالصلح ، أو انجلاء أهله قبل أن تقع الحرب بين الطرفين وهذا يرجع إلى النبي خاصة بنص هذه الآية.
أما موضوع الآية الثانية : فهو الفيء أي المال المأخوذ من الكفار بالقتال ، والغلبة ، وهذا يقسم إلى خمسة أقسام ، أو خمسة حصص وحصة واحدة إلى الرسول ، ولذي القربى واليتامى ، والمساكين ، وأبناء السبيل من بني هاشم. أما بقية الحصص فهي تقسم بين المقاتلة ، ومن حضر ، ولو لم يقاتل ، وكذا من اتصل بالمقاتلين من المدد على تفصيل تتعرض اليه المصادر الفقهية في كتاب الجهاد.
ومن الواضح أن هذا القول الثاني يعتمد على دعوى أن الفيء في الآية الثانية : هو المأخوذ بعد القتال ، والغلبة. أما في الأولى : فهو المأخوذ بغير حرب ، ومن يذهب إلى هذا القول لا يحتاج إلى سوق الدليل على أن الآية الأولى مسوقة لبيان كون الفيء فيها هو المأخوذ بغير حرب ، وقتال لان الآية نفسها تصرح بذلك.
نعم : يحتاج هذا القائل لإِقامة الدليل على الفيء الذي جاء في الآية الثانية ـ مع أنه مطلق لم يقيد أنه يؤخذ بحرب ، أو بغير حرب ـ هو الفيء الذي يؤخذ بعد الحرب ، والقتال.
وقد اعتمد القائل بذلك على دليلين :
الأول : ان نفس مقابله الآية الثانية بالأولى يعطينا إعتبار الفيء في الثانية مأخوذاً بعد الحرب ، والقتال لأن موضوعها كما هو صريحها المأخوذ بغير قتال ، فطبيعي أن الثانية تكون قد وردت لبيان حكم ما أخذ بعد الحرب ، والقتال.
الدليل الثاني : ما جاء عن الامام الباقر (عليه السلام)في الخبر الصحيح قوله :
« الفيء : والانفال ما كان من أرضٍ لم يكن فيها هراقة الدماء وقوم صولحوا ، وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرضٍ خربة أو بطون ، أودية فهو كله من الفيء فهذا لله ، ولرسوله وأما قوله : ( مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ).
فهذا بمنزلة المغنم كان أبي يقول ذلك ، وليس لنا فيه غير سهمين سهم الرسول ، وسهم القربى ، ثم نحن شركاء الناس فيما بقي (7).
ولا يخفى الفرق بين هذين القولين :
أما القول الأول : فحيث كان المراد من الفيئين في الآيتين واحداً فمعناه : أن ما يتركه الكفار ، وما يؤخذ منهم كله لرسول الله ، وشركائه الذين ذكرتهم الآية الثانية.
وأما القول الثاني : فانه يعطي الفيء موضوع الآية الأولى الذي لم يؤخذ بقتال كله لرسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) فالمال كله له يصنع به ما يشاء.
أما الفيء الذي يؤخذ بالقتال ، والغلبة ، فان لرسول الله وشركائه الخمس منه أما الاربعة أخماس الباقية ، فهي تقسم على ما فرضه الله في آية الخمس ـ كما سبق أن بينّاه ـ حيث يقسم على المقاتلة على تفصيل في ذلك.
المصادر :
1- وسائل الشيعة : كتاب الزكاة : باب (١) من أبواب أصناف المستحقين للزكاة / حديث (٣).
2- وسائل الشيعة : الباب (١) من أبواب قسمة الخمس / حديث (٨).
3- حياة الامام الحسين بن علي للقرشي : ٣ / ٣٣٤.
4- سورة الحشر : آية (٧).
5- سورة الحشر : الآية : ٦ / ٧.
6- لاحظ لهؤلاء تفاسيرهم لآية الفيء من سورة الحشر.
7- لاحظ للخبر المذكور وسائل الشيعة حديث (١٢) من الباب (١) من الأنفال وهذا القول الثاني ذهب إليه سيدنا الاستاذ الإِمام السيد الخوئي. ( دام ظله ) لاحظ مستند العروة الوثقى / كتاب الخمس ( ٣٥٠ ـ ٣٥٣ ) ه‍ لزيادة التوضيح.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

إتمَام الحجج في تفسير مَدلول ولا جدَال في الحَج
الوقف فـي نقاط
ما قيمة الحركات التي نؤديها أثناء الصلاة؟
سنّة الوضوء
بَابُ حُكْمِ الرِّيقِ
الخمس
الخمس فی زمن علی علیه السلام
الصلاة عبادة وتربية
أَبْوَابُ الْمَاءِ الْمُضَافِ وَ ...
أَبْوَابِ الْأَسْآرِ

 
user comment