عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُون‏

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُون‏

Image result for ‫حسین انصاریان‬‌       

                 قوا انفسكم وأهليكم نار يوم القيامة

في احدى آيات سورة التحريم يُلقي اللَّه سبحانه وتعالى بمسؤولية ثقيلة على كاهل رب الاسرة، وهذه المسؤولية رغم فداحتها إلّاانها زاخرة بالمنافع الدنيوية والاخروية.
ولو التزم الناس جميعهم لا سيما مَنْ بعهدتهم عيالٌ بمضمون هذه الآية لحلّت نسبة عظيمة من المشكلات التي تعاني منها العوائل، وازيحت الفوضى وحالة اللاستقرار واللاأمن من اجواء البيت وحلّت المشاكل، يقول تعالى:
 «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» «1».
نعم، انها مسؤولية عظيمة تقع على عاتق رب الاسرة تتمثل في الأخذ بيد أهل بيته نحو التوحيد والاعتقاد بالمعاد والخشية من العذاب والتزام التقوى، وتأديبهم بالآداب والأخلاق الاسلامية، وتوفير الارضية اللازمة للكمال والرقي وتربيتهم وتعليمهم، وصيانتهم من عذاب يوم القيامة.
ان ما تؤكده الآية الكريمة بأن الانسان هو الذي يسعّر تلك النار لهو أمر في غاية الأهمية والظرافة.
اذ يستفاد من الآيات القرآنية بكل وضوح ان مادة العذاب يوم القيامة واصلة
__________________________________________________
 (1)- التحريم: 6.
                        الاسره و نظامها فی الاسلام، ص: 293
هي الذنوب والمعاصي.
وفي واقع الأمر، فإنّ الجرم والجزاء في الآخرة من سنخ واحدٍ، على العكس منهما في الدنيا ففيهما اختلاف ذاتي وسنخي، فالذي يرتكب ما يخالف قوانين المرور كأن يسير بسيارته في الجانب الأيسر من الطريق، أو يسير في طريق يمنع فيه السير يغرَّم مبلغاً من المال، فالجريمة هنا عملية إنسانية، اما الجزاء فهو مالي، وهنالك اختلاف سنخي بين العمل والمال أما في النظام الكوني فإنّ الجريمة والجزاء من سنخ واحد، بمعنى ان من ارتكب جريمة فإنّ هذه الجريمة تظهر يوم القيامة على شكل نارٍ مندلعة منه.
فعند ما يصدر ذنبٌ عن الإنسان سواء على الصعيد العملي أو الأخلاقي مادياً ومعنوياً فإنّ ذلك يعني دخوله في النار الّا ان ظهور هذه النار مؤجل إلى يوم القيامة.
هنالك الكثير ممن قضوا اعمارهم في شتى المعاصي ولم يبق منهم عضوٌ نزيه، فهؤلاء في الحقيقة قد اختزنوا الكثير من النار في وجودهم حيث تتجلى هذه بهيئتها المادية يوم تنكشف الحجب وحينها تحيق بصاحبها إلى الأبد وفي هذا المجال تأملوا هاتين الآيتين من كتاب اللَّه:
 «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» «1».
 «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‌ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» «2».
__________________________________________________
 (1)- البقرة: 174.
 (2)- النساء: 10.
 
ففي كلتا الآيتين اعتبر تعالى أكل الحرام أكلًا للنار، ورغم انّه يتمثل اليوم بأكل لقمة لذيذة إلّاانّه يتجلى يوم القيامة بصورته الحقيقة بصورة نارٍ ملتهبة.
وهذا حديث ذلك الوجود المقدس الذي يعتبر الوجود والخلق بما فيهم الجن والملائكة والانس والعرش من نفحات ارادته.
فهو الذي يرى الذنب والمعصية ناراً، وإن نظرنا إلى ذلك على انّه عملٌ شيقٌ ولقمة لذيذة، وهو يشهد التهام النار حين ارتكاب المعصية، وان خفي عنا، ويرى لهيباً عجيباً لتلك النار رغم عدم شعورنا به.
غداً عند ما ينصرف الناس من الحساب تتصاعد النيران من أبصار البشر نتيجة نظرة الحرام، ومن آذانهم نتيجة لسماع ما حرَّم اللَّه، ومن السنتهم لما ارتكبوه من غيبةٍ وفحشاء وبهتان، ومن بطونهم لأكلهم الحرام، ومن غرائزهم لما ارتكبوه من زنا ولواط وممارستهم للعادة السرّية، ومن ايديهم لما ارتكبوه من ظلمٍ وجورٍ وتزوير وشهادة زور وما خطت ايديهم من كلام مضلّلٍ ومن ارجلهم لما سعوا إلى مجالس الحرام، ويئن اصحاب تلك الاعضاء والجوارح في العذاب الاليم ولا مفرّ له من ذلك.
فيا الارباب الاسر! حافظوا على انفسكم واهليكم من هذه النار الّتي هي حصيلة الذنب والمعصية، والتزموا التقوى في جميع جوانب حياتكم، ولا توقعوا انفسكم واهليكم في نار وقودها الانسان نفسه طمعاً في دنيا معدودة ايامها ولذةٍ زائلة وثروة فانية.
ومن بين المواد التي تعدّ وقوداً للنار هو الفحم الحجري الذي يعرفه الجميع بالصلابة والقوة وارتفاع الحرارة وطول مدة الاحتراق.
هنالك كميات هائلة من الفحم الحجري والمواد الذائبة والمحترقة تغلي في بطن الارض وعلى مدى ملايين السنين، وقد تخرج هذه المواد الذائبة من قمم‌
 
الجبال على شكل براكين تحرق كل ما يصادفها وتقضي عليه، وتتميز نيران هذه المواد بعدم نفادها بل انها- وكما يصرح القرآن الكريم- ستعم الكرة الارضية جميعها بحيث انها تحرق البحار جميعاً في المستقبل.
 «وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ» «1».
وقد توقع العلماء المعاصرون بهذه الحقيقة ايضاً وهي أن الارض ستتبدل مستقبلًا إلى بركانٍ من نارٍ:
 «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ» «2».
على ضوء ما تستبطنه الارض من بحر عجيب من المواد الذائبة والوقود، ونظراً لما ينتظر الارض من مستقبل تتحول فيه إلى بركانٍ من نار. فإنّنا نذعن للروايات القائلة بأن جهنم وطبقاتها انما تكمن في هذه الارض.
ان وقود النار في ذلك اليوم الناس والحجارة، فالانسان وقوده الذنب والمعصية، والارض وقودها الحجارة المتجمعة في بطن الارض وخارجها ولا يخفى ان حجمها ووزنها ليس بالقليل بالاضافة إلى ديمومتها التي جاءت بناءً على الارادة الالهية، كما ان خلود الانسان في ذلك العالم يأتي وفقاً لارادته جلّ وعلا.
بناءً على ذلك، على رب الاسرة الاستماع أكثر فأكثر إلى هذا النداء الملكوتي:
 «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ» «3».
ان مجادلة خزنة جهنم- وهم ملائكة غلاظ شداد- لا تتيسر لأيٍّ كان، وان‌
__________________________________________________
 (1)- التكوير: 6.
 (2)- ابراهيم: 48.
 (3)- التحريم: 6.
 
اهل النار ضعفاء واذلاء ولا مفر لهم منها ابداً، ومَنْ خفَّ ميزانهم ولحقت بهم الذلّة يكون مستقرهم يوم القيامة مستقراً ذليلًا ومأواهم النار الكامنة تحت هذه الارض، ووقودها الناس والحجارة، وخزنتها غلاظٌ شداد، وعذابها شاملٌ وأليم وابدي، واهلها لاهم من الاحياء ولا هم من الاموات.
 «ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى‌» «1».


source : دارالعرفان/ الاسره و نظامها فی الاسلام، للعلامة انصاریان ص: 293
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الجيش السوري يوقع 37 قتيلا في صفوف "داعش" ...
سجن رجل دين بالبحرین عاماً كاملاً لأدائه الصلاة ...
منارة مسجد للإعلان التجاري
آية الله هاشمي شاهرودي يصدر كتاب «منهاج ...
تنظیم معرض قرآني في مدرسة مدینة "سلاو" ...
تظاهرات واسعة احتجاجاً على صمت الأمم المتحدة ...
بيان ديوان الوقف الشيعي في العراق بمناسبة تحرير ...
الرئيس الايراني يوافق على توظيف 5 آلاف معلم ...
المرجع اليعقوبي يدعو الى تشكيل مجلس الاعيان ...
اصدار كتاب بعنوان "اخلاقيات علم الوراثة في نظر ...

 
user comment