عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

وسوسة الشيطان

وسوسة الشيطان

كان الاختلاف في الدين مقدمة لظهور الأحزاب والفرق التي أخلت بأمر الوحدة الدينية، والاختلاف في الدين سعى إليه الشيطان منذ
اللحظة الأولى بعد أن شملته لعنة الله عندما رفض السجود لآدم، والشيطان قام ببناء منهجه ليعارض به مهمة الإنسان التي خلق من أجلها. وهو قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (1) والمنهج الشيطاني يقوم على عرقلة طريق العبادة. وقد بينه الله تعالى في كتابه فقال: (قال رب بما أغويتني لأزين لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) (2).
فالزينة التي أودعها الله في الكون لتكون مدخلا للإيمان كما في قوله تعالى: (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج. والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب) (3) وقوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) (4) فهذه الزينة وغيرها. قام الشيطان بتزيينها ليكون هذا التزيين مادة للإغواء ثم للاحتناك على طريق عبادة النجوم والكواكب وكافة الأرباب الأرضية.
والزينة والإغواء يخاطبان في الإنسان غرائزه. وعن طريقهما يتم إمداد الفرد بالطاقة العصبية المذمومة للتعبير عن هذه الغرائز، وتتوقف قوة الدفع حسب طبيعة الشئ الذي استمال الغريزة، ومع عملية الدفع تبدأ الاتجاهات. والاتجاهات هي تنظيم مستمر لعمليات الدوافع والانفعالات والإدراك والمعرفة فيما يتعلق بناحية معينة من عالم الفرد، وإذا كان الاتجاه الفطري قد غرست فيه معرفة الله عز وجل ومعرفة الخير والشر، فإن تغيير هذا الاتجاه يكون نتيجة لمعلومات جديدة أفرزتها دائرة التزيين والإغواء. فعلى هذه المعلومات يتغذى الإنسان الضعيف فينقلب مزاجه، ويقصد بالمزاج مجموعة الخصائص الانفعالية. أو بعبارة أخرى مجموعة الصفات التي يتسم بها سلوك الفرد وانفعالاته ودوافعه، ومع هذه الانقلابات تنشأ العواطف التي يقوم عليها صروح الحب في غير الله والعبادة لغير الله. وفوق هذه الصروح تنقسم الحياة الفعلية وفوق هذا الانقسام يكون الاحتناك الشيطاني. وهو قوله تعالى: (قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي، لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلا، قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا) (5) قال في الميزان: والاحتناك في الآية: الالجام. وهو من قولهم: حنك الدابة بحبلها أي جعل في حنكها الأسفل حبلا يقودها به (6). فعلى طريق الاحتناك وهو طريق اللاعبادة واللادعوة واللاشعور.
تبرز القوافل التي على عاتقها يكون تنفيذ البرنامج الشيطاني الذي يعارض به مهمة الإنسان في الأرض. وهو قوله تعالى: (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم) (7) قال في الميزان: أي لأجلسن لأجلهم على صراطك المستقيم وسبيلك السوي الذي يوصلهم إليك وينتهي بهم إلى سعادتهم.. فالقعود على الصراط المستقيم كناية عن التزامه والترصد لعابريه ليخرجهم منه (8).
والشيطان لا يتمكن من إكراه الناس على المعصية. وإنما يدعو الناس إلى الضلال فقط. وهو قوله تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من أتبعك من الغاوين) (9) والشيطان نفسه سيعترف بعدم إكراه الناس على المعصية يوم القيامة. وهو قوله تعالى: (وقال الشيطان لما قضي الأمر أن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم. وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) (10) وكما ذكرنا أن مجال دعوة وعمل الشيطان هو أحاسيس الناس وعواطفهم ومشاعرهم، لإيجاد الدافع الذي يغير الاتجاه بعيدا عن إتجاه الفطرة.
وجحافل الشيطان تكون أشد عنفا عند الذين آمنوا في حياة الأنبياء. قال تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا) (11) قال في الميزان: ومعنى جعل العدو من المجرمين أن الله جزاهم على معاصيهم بالختم على قلوبهم. فعاندوا الحق وأبغضوا الداعي إليه وهو النبي (12) وقال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي. إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم آياته والله عليم حكيم. ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد) (13).
قال في الميزان: ومعنى الآية. وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى وقدر بعض ما يتمناه من توافق الأسباب على تقدم دينه وإقبال الناس عليه وإيمانهم به، ألقى الشيطان في أمنيته ووسوس للناس وهيج الظالمين وأغرى المفسدين ليفسدوا الأمر على ذلك الرسول أو النبي ويبطلوا سعيه، ولكن الله يزيل ما يلقي الشيطان ثم يحكم آياته بإنجاح سعي الرسول أو النبي وإظهار الحق. وقيل: والتمني ربما جاء بمعنى القراءة والتلاوة. فيكون معنى الآية على هذا المعنى:
وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تلا وقرأ آيات الله ألقى الشيطان شبها مضللة على الناس بالوسوسة ليجادلوه بها ويفسدوا على المؤمنين إيمانهم، فيبطل الله ما يلقيه الشيطان من الشبه.

الامتحان والابتلاء

غرس الله تعالى في أعماق الفطرة معرفته تعالى، وحمل النسيج الفطري إلهاما يميز به الإنسان ما هو تقوى مما هو فجور، ويعرف به طريق الخير وطريق الشر، وخلاصة القول أن الإنسان خلقه الله في أحسن تقويم. وهو قوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) (14) قال في الميزان: ومعنى كونه في أحسن تقويم. صلوحه بحسب الخلقة للعروج إلى الأهداف الرفيعة العليا، والفوز بحياة خالدة عند ربه. سعيدة لا شقاوة معها، وذلك بما جهزه الله به من العلم النافع ومكنه من العمل الصالح.
فالإنسان إذا آمن بما عمل وزاول صالح العمل. رفع الله عمله.
كما قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (15) أما إذا وقف الإنسان تحت ولاية الشيطان. فإنه يندرج في أسفل سافلين أي في مقام منحط، والمراد بالسفالة على أي حال. الشقاء والعذاب.
والإنسان ينطلق إلى العلم النافع والعمل الصالح من مخزونه الفطري ومن الدين الذي بعث به الله الأنبياء والرسل عليهم السلام،
فالفطرة تربط الإنسان بغاية وجوده. والدين هو الطريقة الخاصة في الحياة التي تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي، وشجرة الفطرة والدين تنبت في التوحيد. وأسلوب دين الله وقوانينه الجارية قامت على أساس الأخلاق التي تحفظ الإنسان من الخطأ والزلة، وعلى هذا الأساس الأخلاقي يكون العلم النافع. لأن المعارف الحقة والعلوم المفيدة لا تكون في متناول البشر إلا عندما تصلح أخلاقه.
ولما كان الإنسان قد خلقه الله في أحسن تقويم. وذلك بتآلف العناصر التي يتكون منها. بحيث تتجه اتجاها موحدا نحو غرض معين، ولما كان الإنسان قد أنشأه الله مختارا في فعله. بمعنى أنه يعرف ما هو تقوى مما هو فجور. وله أن يميل في كل عمل إلى كل من جانبي الفعل والترك، فإن تعالى أجرى عليه الامتحان والحكمة في إسكان الله تعالى في الأرض بعد أن زينها سبحانه بجميع اللذائذ المادية، هي امتحان النوع الإنساني فردا فردا لإظهار صلاحية الإنسان الباطنية لاستحقاق الثواب والعقاب، والامتحان ناموس إلهي ولا يستثنى منه المؤمن والكافر والمحسن والمسئ، وكل جزء من أجزاء العالم وكل حالة من حالاته التي لها صلة بالإنسان هي من الوسائل والعوامل التي يمتحن الله البشر بها، وتحت سقف الامتحان يوجد إلقاءات شيطانية نفذت من أودية التزيين والإغواء. وتوجد أعلام الأنبياء والرسل عليهم السلام التي تسوق أتباعها نحو صراط الله العزيز الحكيم، وبين هذا وذاك لا يخفى الحق. لأن الحق لا يخفى بأي وجه وعلى أي تقدير. لأن الحق في النسيج الفطري. ولا يمنع الناس من قبوله والخضوع الباطني أمامه. إلا البغي والظلم والجحود والعناد والاستكبار.
فالإنسان يمتحن فردا فردا ليتلبس السعيد بسعادته والشقي بشقائه والله غني عن العالمين، قال تعالى: (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها) (16). وقال: (فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها) (17). وقال: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) (18). وقال: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين) (19). وقال: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) (20) وقال: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) (21).
وإذا كان الإنسان يمتحن داخل وعائه الفردي. فإنه يمتحن أيضا داخل وعائه الاجتماعي، يمتحن شعوبا وقبائل وأمم، قال تعالى: (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات) (22) قال في الميزان: والامتحان يكون فيما أعطى الله وأنعم.
وليست التكاليف الإلهية والأحكام المشرعة إلا امتحانا إلهيا للإنسان في مختلف مواقف الحياة، وفي قوله: (فاستبقوا الخيرات) فتح لأبواب الرحمة، أي فاستبقوا الخيرات وهي الأحكام والتكاليف. ولا تشتغلوا بأمر الاختلافات التي بينكم وبين غيركم (23).
فلما كان على الفرد حجج من الله. كذلك على المجتمعات حجج من الله. لأن لكل أمة حياة اجتماعية وراء الحياة الفردية التي لكل واحد
من أفرادها، ولما كان لكل فرد أجل محدد ومحتوم وله نهاية، فكذلك هناك أجل آخر وميقات أخر للوجود الاجتماعي لهؤلاء الأفراد. للأمة بوصفها مجتمعا ينشئ ما بين أفراده العلاقات والصلات القائمة على أساس من الأفكار والمبادئ، فهذا المجتمع الذي يسمى بالأمة. له أجل وله موت له حياة وله حركة، ولما كان الفرد يتحرك فيكون حيا ثم يموت. فكذلك الأمة تكون حية ثم تموت، وكما أن موت الفرد يخضع لأجل ولقانون ولناموس. كذلك الأمم أيضا لها آجالها المضبوطة، قال تعالى: (لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) (24).
وحركة المجتمع تحت سقف الامتحان. حركة تحكمها سنة الاستخلاف وهي السنة التي يمتحن بها الله الحاكم والمحكوم قال تعالى: (ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) (25) وحركة المجتمعات على امتداد التاريخ الإنساني حركة ناطقة. بمعنى أن الله تعالى جعل الماضي ينطق في الكون ليتدبر الحاضر وهو منطلق نحو المستقبل، قال تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) (26) فالحاضر إذا تدبر الماضي وجد أن الله تعالى يحيي الذين آمنوا وعملوا الصالحات حياة طيبة غير التي يعطيها للآخرين، وأن الحياة الدنيا التي يعتقد الموجود الحي إنها سعادة لنفسه وراحة لذاته.
إنما تكون سعادة فيها الراحة والبهجة إذا جرت على حقيقة مجراها.
ويجد الحاضر أن العذاب الذي رآه الناس هو نتيجة طبيعية لأعمالهم.
وأن الله لم يهلك أمة إلا بعد الانذار والحجة. وما هلكت أمة إلا بشركها بالله والإعراض عن آياته واستكبارهم في مقابل الحق وتكذيبهم
الأنبياء والرسل. فإذا علم الحاضر هذا. استقام تحت مظلة الامتحان.
واستخدم جميع الموجودات واعتبرها وسيلته في الدنيا لبلوغ سعادة الآخرة.
وفي الوقت الذي يدعو فيه القرآن الكريم بتدبر الماضي، فإنه في الوقت نفسه يكشف عن المستقبل عندما يقف كل فرد للحساب أمام ربه. يوم ترى كل أمة جاثية وخشعت الأصوات للرحمن. ففي هذا اليوم يظهر التابع والمتبوع في كل مجتمع على حقيقته. يقول تعالى: (يوم نقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) (27) وفي مشهد آخر يقول تعالى: (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون) (28).
وبالجملة: إن للإنسان هدف واضح ومحدد وهو عبادة الله تعالى. وهذا الهدف الواضح المحدد يملك إمكانية تسمح بتحقيقه. وإن الشيطان لا يملك السلطان الذي يغير هذا الهدف. وإنما يحمل لافتات الزينة والزخرف التي تدعو إلى الضلال. ويوم القيامة يتبرأ الشيطان من الذين اتبعوه.
والخلاصة: قال تعالى: (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وإنكم إلينا لا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) (29) قال في الميزان: " هل تظنون إنما خلقناكم عبثا تحيون وتموتون من غير غاية باقية في خلقكم وإنكم إلينا لا ترجعون " (فتعالى الله...) الآية.
ووصف سبحانه نفسه بأنه ملك وأنه حق وأنه لا إله إلا هو وأنه رب العرش الكريم، فله سبحانه أن يحكم بما شاء من بدء. وعود وحياة وموت ورزق، نافذ حكمه ماضيا أمره لملكه، وما يصدر عنه من حكم فإنه لا يكون إلا حقا فإنه حق ولا يصدر عن الحق بما هو حق إلا حق، ولا يفعل سبحانه إلا حقا. فللأشياء رجوع إليه وبقاء به وإلا كانت عبثا باطلة ولا عبث في الخلق ولا باطل في الصنع (30).
المصادر :
1- سورة الذاريات آية 56
2- سورة الحجر آية 39
3- سورة ق آية 6
4- سورة الأعراف آية 32
5- سورة الإسراء آية 63
6- الميزان 144 / 13
7- سورة الأعراف آية 16
8- الميزان 31 / 8
9- سورة الحجر آية 42
10- سورة إبراهيم آية 22
11- سورة الفرقان آية 31
12- الميزان 205 / 15
13- سورة الحج آية 52 - 53
14- سورة التين 5
15- سورة فاطر آية 15
16- سورة يونس آية 108
17- سورة الأنعام آية 104
18- سورة فصلت آية 46
19- سورة العنكبوت آية 6
20- سورة الإسراء آية 72
21- سورة الإسراء آية 19
22- سورة المائدة آية 48
23- الميزان 352 / 5
24- سورة الأعراف آية 34
25- سورة الأعراف آية 129
26- سورة يوسف آية 109
27- سورة الأحزاب آية 68
28- سورة المؤمنون آية 106
29- سورة المؤمنون 115
30- الميزان 73 / 15

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

خديجة الكبرى (عليها السَّلام) حبيبة رسول الله ...
التقشف في ایطاليا
في الدعاء لأخيك بظهر الغيب
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
تربية أطفالنا في ظلّ الإسلام
الإيمان بالإمام المهدي (عج)
حديث الغدير في مصادر أهل السنة
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عند المذاهب ...
خصال الإمام
أدعية الإمام الرضا ( عليه السلام )

 
user comment