عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

وقف دولة المماليك البحرية

وقف دولة المماليك البحرية

في الدولة المملوكية انتشرت الأوقاف انتشاراً عظيماً، حتى شملت أراضي كثيرة في مصر والشام، وقد اعتنى المماليك بالأوقاف وأكثروا منها، ونتيجة لذلك خففت الأوقاف على الدولة عبئاً كبيراً من مرتبات أئمة المساجد، والمصالح الخاصة بتلك المساجد، والعناية بها، وأصبحت الأوقاف رافداً يمد بيت المال في الدولة المملوكية عند الحاجة إليه(1) حتى أن الدولة أخذت أموال الأوقاف على سبيل القرض في عام (649 هـ) نظراً للحاجة اليها(2).
كذلك أهتم سلاطين المماليك بالوقف على الحرمين اهتماماً كبيراً، ويدل على ذلك ما أنفقوه وأوقفوه على هذه البقاع المقدسة، أو ما يتصل بهما من خدمات، أو أماكن، وكذلك تسهيل الطرق الموصلة إليهما، وما يحتاجانه من خدمات وحماية.
وتتمثل تلك الأوقاف في قرى ومنشآت في كلٍ من مصر والشام، خصصت للصرف والإنفاق على الحرمين، وماله صلة بهما.
وقد ذُكر هذا في بعض المصادر التاريخية المعاصرة للدولة المملوكية، وقد دلت على تلك الأماكن الموقوفة وثائق وقفية مهمة، يُحتفظ بها في دور المخطوطات المهتمة بذلك، وتشتمل تلك الوثائق في مجموعة من الحجج الشرعية التي أوقفها السلاطين والأمراء وغيرهم للصرف على تلك الأماكن المقدسة(3).
ويحدثنا التاريخ كذلك أن الأوقاف في العصر المملوكي في مصر قد ازدهرت وتنوعت وعمت كل شيء تقريباً، وعظم ريعها، مما جعلها مطمعاً للحكام في ذلك الوقت، وساعد الحكام على الاستيلاء عليها وحلها ضعاف النفوس من بعض العلماء والقضاة، حيث أفتوا الحكام بحل أوقاف السلاطين السابقين، وأحياناً كان الحكام ينفذّون رغباتهم بدون الرجوع إلى الفقهاء والقضاة(4).
وقد ذكر المقريزي في خططه: أن الناصر محمد بن قلاوون حاول أن يستولي على النصف من أحباس المساجد التي بلغت (130) ألف فدان، ولكنه قُبض قبل أن يتم له شيء مما أراد(5).
يقول أبو زهرة: كان هذا يجري في القرن السابع والثامن وما يليه، وبذلك صارت الأوقاف نهباً مقسوماً(6).
ومع ذلك فقد وجد من العلماء الربانيين من أنكروا هذا الفعل، وسجل لهم التاريخ بماء من الذهب، مواقف مشهورة للتصدي لهذا العدوان ومن أمثال هؤلاء شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام، والإمام النووي رحهمها الله.
ومن هذه المواقف: أن الظاهر بيبرس اضطر إلى فرض ضرائب كثيرة في مصر والشام بسبب الحروب مع التتار، وقد سلك طرقاً في الإستيلاء على الأراضي كلها والأوقاف من بينها، وقد جرت مساجلات بينه وبين العلماء، وذلك أنه جاء إلى كل مالك لعقار، وطلب منه أن يُقدم المستند الدال على ملكيته، فإن كان المستند مثبتاً تركه، وإن لم يجد مستنداً، وذلك هو السائد، قام الملك بالاستيلاء عليه.
ولكن الإمام النووي ~ تصدى له وخاطبه بقوله: إن ذلك هو غاية الجهل والعناد، وأنه لا يحل عند أحد من علماء المسلمين، ومن في يده شيء فهو ملكه، لا يحل لأحد الإعتراض عليه، ولا يكلف إثباته، فاليد دليل الملك ظاهراً.
ومازال النووي يعظه حتى كف الظاهر عن رغبته في امتلاك أراضي مصر(7).
وقد سجل السيوطي في كتابه حسن المحاضرة طائفة كبيرة من المكاتبات التي جرت في هذا المقام بين العلماء وبين الظاهر بيبرس(8).
وشهد القرن الثامن الهجري أنواعاً متنوعة من ظلم الحكام وتعديهم على الأوقاف وغصبها، حتى ما كان منها على الحرمين الشريفين، ويتم ذلك عن طريق بعض القضاة الجشعين(9).
وكما سجل التاريخ المواقف الحميدة للعلماء الذين تصدوا للحكام، سجل كذلك المواقف السيئة لبعض قضاة ذلك العصر، فقد سجل على قاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم الحنفي ظلمه في الحكم بما يرضي شره الأمير جمال الدين، في اغتصاب الأوقاف(10).
وكذلك سجل على قاضي القضاة شرف الدين الحراني ظلمه في إصدار حكمه إرضاء لشره الملك الناصر محمد بن قلاوون.
يقول المقريزي: وكان هذا الحكم مما شنع عليه فيه، ثم اختلفت الأيدي في الاستيلاء على هذه الدار، واقتدى القضاة بعضهم ببعض في الحكم باستبدالها(11) وكان الاستبدال هو طريق التحايل على الأوقاف، بأن يشهد الشهود بأن هذا القصر يضر بالجار والمار، وأنه مستحق للإزالة والهدم، فيحكم قاضي القضاة باستبداله، وأكثر من تولي كبر ذلك من الولاة: جمال الدين يوسف، والذي عاونه في تحقيق شرهه قاضي القضاة: كمال الدين عمر بن العديم الحنفي، فتظاهرا معاً على نهب الأوقاف، وصار كل من يريد بيع وقف، أو شراء وقف، سعى بهذه الطريقة عند القاضي المذكور بجاه أو مال فيحكم له بما يريـد(12).
وبذلك صارت الأوقاف نهباً مقسوماً باسم الاستبدال للحكام، يعينهم في ذلك فسقة بعض القضاة والشهود، جرى ذلك في القرن السابع والثامن، وكان لهذا الجور، أثره في الفقهاء الذين عاصروا ذلك الأمر وأشباهه،
فلا عجب أن رأينا بعض الفقهاء يتشدد في موضوع الاستبدال أيما تشدد، حتى أنهم اشترطوا أن يكون القاضي الذي يحكم بالاستبدال عالماً عادلاً، وهو الذي يعبر عنه بقاضي الجنة وحاول العلماء الاحتياط،
ولكن ذهب احتياطهم صرخة في واد؛ لأن الأوقاف كغيرها من الأموال لا تحمى بالشروط وإنما تحمى بالعدالة، والعلم في القضاة، والنزاهة في الولاة(13).
المصادر :
1- الموارد المالية بمصر في عهد الدولة المملوكية، رسالة ماجستير لم تنشر في جامعة الإمام بالرياض ص111 (1405هـ).
2- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 7/32 لابن تغري بردي.
3- حسن المحاضرة للسيوطي 2/165، وإتحاف الورى، بأخبار أم القرى 3/87. نشر مركز البحث العلمي بجامعة ام القرى تحقيق فهيم شلتوت،. وأعمال سلاطين المماليك على الحرمين لراشد القحطاني، نشر مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض.
4- الأوقاف والحياة الاجتماعية بمصر ص322.
5- الخطط المقريزية 2/476.
6- محاضرات في الوقف ص18.
7- الخطط المقريزية 2/464، وحاشية ابن عابدين 4/181، ومحاضرات في الوقف لأبي زهرة ص20.
8- حسن المحاضرة للسيوطي 2/120.
9- الخطط المقريزية 2/464.
10- الخطط المقريزية 2/476.
11- المرجع السابق 2/479.
12- الخطط للمقريزي 2/478.
13- الوقف لأبي زهرة ص14 و 19.

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

صلاة ألف ركعة
العلاقة بين المصحف العلوي والقرآن المتداول اليوم
في رحاب نهج البلاغة – الأول
حد الفقر الذی یجوز معه اخذ الزکاة
ومن وصيّة له لولده الحسن (عليهما السلام): [يذكر ...
شبهات حول المهدي
الدفن في البقيع
ليلة القدر خصائصها وأسرارها
آداب الزوجین
مفاتيح الجنان(600_700)

 
user comment