عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

ذاکرة الجسد

ذاکرة الجسد

الذی لفت انتباه بعض الأطباء أن هنالک ظاهرة غریبة تتعلق بأولئک المرضى الذین تمّ لهم زراعة القلب، وزراعة القلب بدأت عام 1967 ثم تطورت هذه العملیة حتى إننا نجد الیوم کل سنة هنالک أکثر من ألف عملیة زراعة قلب تتم فی العالم، والأطباء الذین راقبوا حالة هؤلاء المرضى وجدوا شیئاً غریباً أن هذا المریض بمجرد أن تمّ تغییر قلبه تتغیر أمور عمیقة فی شخصیته، هنالک تغییرات جذریة تحدث فی شخصیة هذا المریض.
هذه العملیات تتم عندما یتعرض إنسان أو یُشرف على الهلاک یکون لدیه خلل فی نظام عمل القلب أو بسبب انسداد شرایین القلب انسداداً کاملاً أو غیرها من الاضطرابات فی نظام عمل القلب فهذه جمیعها تستدعی أن یتم تغییر هذا القلب فیأتون بقلب لإنسان آخر مات مثلاً منتحراً أو مات بسبب حادث أو إصابة مفاجئة ویأخذون هذا القلب ویضعونه فی قلب المریض فیعیش بعد ذلک عدة سنوات بقلب غیر قلبه.
هنالک طفل تم أیضاً استبدال قلبه بسبب خلل وراثی فی عمل القلب، وعندما قام الأطباء باستبدال قلبه بقلب طفل آخر، ماذا حدث؟ حدث لدیه خلل فی الدماغ، فی الجانب الأیسر، وعندما بحث الأطباء عن سبب هذا الأمر وجدوا أن الطفل الأصلی صاحب القلب الأصلی کان لدیه خلل فی الدماغ فی الجهة الیسرى. وهنالک مئات العملیات التی أجراها الأطباء فی زراعة القلوب وجمیعها کانت تحدث معها تغییرات عمیقة فی شخصیة هذا المریض.
وکمثال آخر هنالک طفل أیضاً قتل فی حادث، طبعاً فی حادثة قتل، هنالک شخص قتل هذا الطفل، فأخذوا قلبه ووضعوه لطفل آخر لدیه فشل فی عمل القلب وإذا بهذا الطفل بدأ یرى کوابیس وأحلام مزعجة، وبدأ یحس وکأن هنالک شخصاً یرید أن یقتله وهذه الحالة استدعت انتباه الأطباء فلما سألوه عن أوصاف هذا الشخص الذی یحاول قتله ووصف لهم بدقة ما یراه، وجدوا بأن هذا الشخص هو القاتل الذی قتل ذلک الطفل صاحب القلب الأصلی.
من هنا نستطیع أن نستنتج أن هنالک تغییرات مهمة جداً تحدث لهؤلاء الذین یزرعون القلب. ولکن.. ما هو التفسیر العلمی لهذه الظاهرة؟ هذه الظاهرة المحیرة لم یجد لها العلماء إلا تفسیراً واحداً وهو: أن فی القلب مراکز خاصة بالذاکرة تُشرف على عمل الدماغ، یعنی فی قلب الإنسان (القلب) لیس مجرد مضخة لضخ الدم إنما فی خلایا هذا القلب هنالک برامج أودعها الله تبارک وتعالى تتحکم فی عمل هذا القلب وتستقبل هذه البرامج تستقبل المعلومات وکل ما یسمعه ویراه الإنسان ویتم تخزینه فی القلب ثمّ یصدر القلب أوامره إلى الدماغ لیقوم بأداء مهامه.
إذاً نستطیع أن نقول إن مرکز العقل هو القلب ولیس الدماغ ولذلک قال تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِهَا)(1) وقال فی آیة أخرى: (أَفَلَمْ یَسِیرُوا فِی الأَرْضِ فَتَکُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ یَعْقِلُونَ بِهَا)(2) (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَکِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ).
طبعاً هذه النتائج هی ملامح لظاهرة غریبة یراها الأطباء الیوم فهذا هو الدکتور (جاک کوبلاند) أشرف على أکثر من 700 حالة زراعة قلب فماذا وجد هذا الطبیب؟ الذی وجده أن هؤلاء المرضى یحدث دائماً مع کل تغییر للقلب تغییرات عمیقة فی شخصیتهم ولذلک قال أنا لا أستبعد أن یکون هنالک شیء ما فی هذا القلب نجهله تماماً. وهنالک الکثیر من الأطباء الذین یؤکدون هذه الحقیقة الیوم ولکن لیس لدیهم دلیل مادی ملموس على ذلک سوى الظواهر التی یشاهدونها أمامهم.
وهنا تتجلى أمامنا عظمة القرآن تتجلى أمامنا هذه الآیات العظیمة عندما قال رب العزة تبارک وتعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِهَا)! إذاً هذا سبق قرآنی فی طب القلوب، هذا السبق أکّد لنا أن القلب فیه مراکز کثیرة ویقول کثیر من علماء الغرب الیوم إن خلایا القلب تختزن الذاکرة وتختزن ما یسمعه الإنسان وما یراه.
ومن الأشیاء العجیبة أن خلایا القلب والرئتین تصدر ترددات صوتیة خاصة بها، فقد قام أحد العلماء الباحثین فی جامعة کالیفورنیا ببحث حیث أخذ بعض الخلایا من قلب إنسان وقام بدراستها دراسة معمقة فوجد أن هذه الخلایا تصدر ترددات صوتیة خاصة بها، ولکن هذه الترددات غیر مسموعة، یعنی هی فی المجال غیر المسموع الذی لا یسمعه الإنسان بسبب ضعف هذه الترددات فاستخدم ما یسمى کمبیوتر ذری من أجل التقاط الإشارات الصادرة من هذه الخلایا ووجد بأنها ترددات صوتیة تصدرها خلایا القلب، وهنا ربما نتذکر أن الله تبارک وتعالى: (وَإِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلاَّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ إِنَّهُ کَانَ حَلِیماً غَفُوراً)(3) وقال أیضاً: (الَّذِینَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللَّهِ أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(4).
لذلک دائماً أنصح کل إنسان أن یلجأ فی علاج نفسه من أی خلل أو أی حالة نفسیة أو أی مرض إلى القرآن الکریم لأن هذا القرآن أودع الله فیه تبارک وتعالى قوة شفائیة، أودع فی آیاته لغة تفهمها خلایا القلب، لذلک قال تعالى (أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
ولکن هنالک شیء آخر یتعلق بمحتوى الصدر أو الرئتین فعندما قام العلماء باستبدال الرئتین أیضاً لأشخاص لدیهم خلل کبیر فی عمل هاتین الرئتین استبدلوا هذه الرئة برئة شخص آخر أیضاً شخص مات حدیثاً أخذوا رئتیه ووضعوها لمریض بحاجة لهاتین الرئتین فوجدوا أیضاً أن هنالک تغیرات عمیقة تحدث لهذا المریض أیضاً فی شخصیته وفی تصرفاته وفیما یحب ویکره.
حتى إن أحد المرضى الذین تم استبدال القلب والرئتین له أی محتوى الصدر کاملاً، بقلب ورئتین من شخص آخر بعدما نجحت العملیة وقام هذا الشاب وذهب إلى أهل ذلک الشاب الذی تبرع له بقلبه ورئتیه قبل أن یموت عندما ذهب إلى بیته وهو یحمل قلبه ورئتیه وجد أنه یعرف هذا البیت من قبل مع أنها کانت المرة الأولى التی یدخل فیها هذا البیت ووجد أیضاً أنه یعرف کثیراً عن حیاة هذا الشاب وعندما جاءت والدة ذلک الشاب صاحب القلب والرئتین وأظهرت أمامه بعض أبیات الشعر التی کتبها قبل أن یموت ذلک الشاب استطاع أن یکمل کثیر من العبارات والأبیات مع أنه لم یقرأها من قبل.
وهنا وصل بعض الباحثین إلى نتیجة ثانیة توازی بأهمیتها النتیجة الأولى وهی أن الرئتین أیضاً لدیهما ذاکرة ولدیهما نوع من تخزین الأحداث أو المعلومات وکأن فی الصدر هنالک مستودع للمعلومات والبرامج. والعجیب أننا إذا تأملنا القرآن العظیم نلاحظ أن الله تبارک وتعالى قد أشار بوضوح کامل إلى هذه الحقیقة فکثیر من الآیات تحدثنا عن علم الله تبارک وتعالى وأنه علیم بذات الصدور وقال أیضاً فی آیة أخرى یخاطب المؤمنین: (وَلِیَبْتَلِیَ اللَّهُ مَا فِی صُدُورِکُمْ وَلِیُمَحِّصَ مَا فِی قُلُوبِکُمْ وَاللَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (5)
لذلک نجد أن فی هذه الآیة أیضاً سبقاً علمیاً مع أن العلماء لم یتأکدوا بعد من صدق أبحاثهم مئة بالمائة إلا أن المشاهدات والأحداث التی تتم أمامهم جمیعها تؤکد أن الصدر فیه مستودع للذکریات وفیه مستودع للبرامج التی أودعها الله تبارک وتعالى فی هذا الصدر فی القلب والرئتین وأن القلب یتحکم بعمل الدماغ ولیس العکس. ومن هنا عندما نتأمل کثیر من آیات القرآن نلاحظ أن الله تبارک وتعالى یقول: (یَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْیُنِ وَمَا تُخْفِی الصُّدُورُ)(6) لم یقل وما تخفی الرؤوس مثلاً، بل قال (وَمَا تُخْفِی الصُّدُورُ).
إحدى الفتیات عانت لفترة طویلة من التهاب الرئة المزمن وأکد الأطباء أنها ستموت قریباً، إلا إذا استبدلت رئتیها برئتین سلیمتین، وصدف أن مات شاب بحادث دراجة ناریة وأسرع الأطباء وانتزعوا قلبه ورئتیه بحالة سلیمة وأجروا زراعة القلب والرئتین لهذه الفتاة.
بعد نجاح العملیة التف الصحفیون حول هذه الفتاة وبدأوا بطرح الأسئلة: کیف تشعرین الآن، وتقول لهم إننی أحس أننی أحمل شخصیة أخرى غیر شخصیتی، إن سلوکی قد تغیر بالکامل، أصبحت أفضل بعض المأکولات التی لم أکن أحبها من قبل! وبعد أن زارت هذه الفتاة أهل الشاب صاحب القلب الأصلی، وحدثتهم عن الأشیاء التی أصبحت تحبها، قالوا لها بأن هذا ما کان یحبه ابننا، وأن الأشیاء التی تغیرت فیها تشبه شخصیة هذا الابن .
ویقول الدکتور John Schroeder من جامعة ستانفورد والمختص بدراسة الحالة النفسیة للأشخاص الذین تمت لهم عملیات زرع القلب والرئتین، إنهم یصبحون أکثر حساسیة ویسمعون بعض الأصوات غیر الحقیقیة .
إذا کان الدماغ هو الذی یتحکم بنبضات القلب ونظام عمله کما یقول العلماء الیوم، وأن القلب هو مجرد مضخة، فلماذا تفشل جمیع القلوب الصناعیة فی التحکم بأبسط عمل وهو تنظیم کمیة الدم التی یضخها هذا القلب الصناعی؟ إذن القلب الطبیعی الذی منَّ الله به علینا وضع فیه ذاکرة وقدرة عقلیة لإدارة وتنظیم ضخ الدم، وتحدید الکمیة اللازمة بالضبط، فهل نشکر نعمة الله تعالى .
علماء من جامعة أریزونا بالإضافة إلى بعض الباحثین مثل الدکتورة لیندا راسک یعتقدون أن الذاکرة مخزنة فی کل خلیة من خلایا جسدنا، وهذه الطاقة تظهر تأثیراتها عندما یتم نقل عضو من شخص لآخر، طبعاً تظهر تأثیراتها على الشخص الذی استلم هذا العضو. لکل قلب بصمة خاصة، فلا یوجد قلبین متشابهین أبداً، فکل قلب من قلوب البشر له ترکیب خاص وممیز عن غیره، وفی داخله معلومات تخص صاحب هذا القلب، وتتجلى هذه البصمة من خلال الذبذبات الکهرطیسیة التی یبثها القلب فهی تختلف من شخص لآخر.
للدم ذاکرة أیضاً، فقد لوحظ أن الأشخاص الذین تم تغییر دمهم قد تغیروا بنسبة کبیرة وأصبحوا محبین للأشیاء التی کان یحبها من تبرع لهم بالدم. وهکذا یمکن القول إن القلب یعمل کمضخة ویشرف على ذاکرة الخلایا، فجمیع الخلایا تختزن المعلومات ولدى انتقال الدم عبر الجسم فإنه یمر إلى القلب الذی یقوم بتزوید خلایا الدم بالمعلومات ویتم نقلها إلى الدماغ. أی أن القلب هو الذی یسیطر على الدماغ ویوجهه.
هناک حالات غریبة أیضاً، فبعد إجراء زراعة للرئة تبین أن هناک تغیرات عمیقة فی شخصیة المریض تحدث عقب استبدال رئته. ومن الحالات أن شخصاً لم یکن یحب کرة القدم وبعد زرع رئة له أصبح مولعاً بمراقبة هذه اللعبة.
وصل البروفسور Gary Schwartz إلى نتیجة وهی أن للرئتین تأثیراً کبیراً وعمیقاً على شخصیة المریض، فقد کان لدى إحدى السیدات خوف کبیر من المرتفعات یصل إلى الحالة المرضیة، ولکنها بعد ذلک تعرضت لخلل فی نظام عمل الرئتین، وبعد فترة أُجریت لها عملیة زرع الرئة من شخص تُوفی بنتیجة حادث، وکانت المفاجأة أن أول شیء فعلته هذه المریضة بعد العملیة أنها قامت بتسلق بعض الجبال!
وبعد التدقیق فی سجلات صاحب الرئة الأصلی تبین بأن من هوایاته تسلق الجبال . وهنا نصل إلى نتیجة وهی أن للرئتین تأثیراً على الدماغ، فالمریضة تولدت لدیها عقدة الخوف من المرتفعات، وبعد تغییر رئتیها زالت هذه العقدة فکیف حدث ذلک؟
التفسیر المنطقی هو أن الدماغ یختزن المعلومات ولکن بإشراف الرئتین والقلب، أی أن فی صدر الإنسان (فی قلبه ورئتیه) مستودع من الخفایا والعقد نفسیة والذکریات، هذا المستودع هو الذی یوجه الدماغ فی عمله، أی أن الدماغ تابع لمحتوى الصدر، وبالتالی عندما یتغیر محتوى الصدر بزرع القلب أو الرئتین، فإن الرئة الجدیدة تبدأ بممارسة نشاطها وتأثیرها على الدماغ حتى تحدث فیه التغییر المناسب لها.
لوحظ أن التغیرات أکبر ما یمکن عندما یتم استبدال القلب أو الرئة، ونحن نعلم أن صدر الإنسان یحوی بشکل أساسی القلب والرئتین، وهنا یمکن أن نخلص إلى نتیجة وهی أن محتوى الصدر مسؤول عن الذاکرة لدى الإنسان. یقول تعالى: (یَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْیُنِ وَمَا تُخْفِی الصُّدُورُ) (7).
ولذلک قال تعالى: (أَفَلَمْ یَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَتَکُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ یَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ یَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَکِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ )(8). ویقول أیضاً: (وَلِیَبْتَلِیَ اللَّهُ مَا فِی صُدُورِکُمْ وَلِیُمَحِّصَ مَا فِی قُلُوبِکُمْ وَاللَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (9).ویقول: (إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَیْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(10).
یقول الله تبارک وتعالى متحدثاً عن موقف عظیم من مواقف یوم القیامة، یحدثنا فیه رب العزة جل جلاله عن أولئک البعیدین عن القرآن وعن کتاب الله، یقول تبارک وتعالى: (وَیَوْمَ یُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ یُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَیْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنطَقَ کُلَّ شَیْءٍ وَهُوَ خَلَقَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ)(11).
إنها آیات عظیمة تصور لنا مشهداً سوف یتعرض له کل من فی قلبه شک من هذا القرآن، ومن رسالة الإسلام، ومن هذا الدین الحنیف. هؤلاء سماهم القرآن (أعداء الله) فقال: (وَیَوْمَ یُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ). ولکن الذی یستدعی التوقف والوقوف طویلاً فی هذا النص الکریم قول الله تبارک وتعالى: (قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنطَقَ کُلَّ شَیْءٍ) والسؤال کیف یمکن لهذا الجلد أن ینطلق؟ وکیف یمکن لکل شیء أن ینطق؟ ونحن نظن بأن الجلد المؤلف من خلایا لا یوجد له ذاکرة أو لسان أو شیء یمکن أن یتحدث به، ولکن الله تبارک وتعالى ومع أن هذه الآیة تتحدث عن یوم القیامة إلا أن الله عز وجل أودع فی هذه الدنیا حقائق وبراهین تثبت صدق کلامه، فهو القائل عن نفسه: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِیلاً)(12).
فقد لاحظ العلماء فی السنوات القلیلة الماضیة أن هنالک ذاکرة لخلایا الجلد، ولکن کیف بدأت قصة هذا الاکتشاف؟ هنالک عالم اسمه (الدکتور کلارک أوتلی) هذا العالم قام بمئات العملیات لزراعة الجلد، فکان یأخذ قطعة من جلد شخص ویزرعها لشخص آخر احترق جلده مثلاً، ولکن کانت النتیجة أن هذا المریض الجدید صاحب الجلد المحروق الذی تم استبدال جلده غالباً ما یصاب جلده بالسرطان، لا یتقبل هذا الجلد.
وبعد بحث طویل لعلاج هذه المشکلة تبین أن هنالک ذاکرة طویلة لهذا الجلد، ولذلک قال هذا العالم: ربما یکون أکثر أجزاء الجسم الذی تملک ذاکرة طویلة هو الجلد، فالأحداث التی تمرّ على الإنسان والأشیاء التی یقوم بها الإنسان جمیعها تختزن فی سجلات خاصة داخل خلایا جلد الإنسان، لأن هذا الجهاز (جهاز الجلد) یغطی تقریباً کل مساحة جسم الإنسان، لذلک فهو مثل الرادار یستقبل هذه المعلومات (یستقبل البیانات) ویخزنها، حتى إن الإنسان یموت وتبقى هذه الذاکرة موجودة فی خلایا جلده.
وعندما حلل العلماء هذا الجلد وجدوا أنه یتألف من طبقات، وأن من مهام طبقات الجلد وخلایا الجلد لیس مجرد الحفاظ على الجسد، أو التعرق أو حمایة الجسم من المؤثرات الخارجیة.. لا.. هنالک عمل آخر وهو أن هذا الجلد یقوم بتخزین هذه المعلومات وإبقاءها لفترات طویلة، ووجدوا أیضاً أن هذه الخلایا تتأثر بالترددات الصوتیة، بل إن خلایا الجلد تصدر ترددات صوتیة أیضاً، وهنا ربما ندرک کیف أن الله تبارک وتعالى جعل هذه المیزة فی الجلود لتکون دلیلاً لأولئک المشککین على صدق کلام الله تبارک وتعالى: (وَیَوْمَ یُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ یُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَیْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنطَقَ کُلَّ شَیْءٍ وَهُوَ خَلَقَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ) (13).
فهذه الخلایا (خلایا الجلد) تختزن المعلومات وهی فی حالة اهتزاز دائم، وتتأثر بالأصوات بل وتصدر الترددات الصوتیة ولکن هذه الترددات لا نسمعها، لأنها تحتاج إلى أجهزة حساسة جداً لالتقاط هذه الذبذبات الصوتیة. ولکن لماذا قال الله تبارک وتعالى: (قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنطَقَ کُلَّ شَیْءٍ).
وجد العلماء حدیثاً أن النجوم فی السماء تصدر أیضاً ترددات صوتیة، وفی بحث علمی حدیث بعنوان (السماء تتکلم) اکتشف فیه العلماء أن الکون فی بدایات خلقه عندما کان دخاناً وغاز وغبار أصدر ترددات صوتیة تشبه بکاء الطفل وهذه الترددات لا زالت موجودة تسبح فی الکون، وأمکن التقاطها وتحلیلها وتبین أن هنالک ترددات صوتیة موجودة ولا یزال صداها یتکرر. ولذلک قال تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ)(14) أی أنها ترجع لنا المعلومات المختزنة فیها منذ ملایین السنین.
واکتشفوا أیضاً أن النباتات (الخلایا النباتیة) أیضاً تصدر ترددات صوتیة. واکتشفوا أیضاً أن خلایا القلب تصدر ترددات صوتیة. وهکذا أشیاء کثیرة، حتى وصلوا حدیثاً ومنذ أشهر قلیلة إلى اکتشاف أن (الدی إن إی) فی الخلیة وهذا الشریط الوراثی الموجود داخل کل خلیة حیة، سواء کانت فی إنسان أو حیوان أو نبات، یُصدر ترددات صوتیة. تبین للعلماء أیضاً لیس فقط (DNA) فی الخلیة یصدر أصواتاً، بل حتى الذرات فی اهتزازاتها تصدر هذه الأصوات.
ومن هنا ندرک قول الحق تبارک وتعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِیهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلاَّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ إِنَّهُ کَانَ حَلِیماً غَفُوراً) (15) وأقول دائماً إن هذه الآیة من آیات الإعجاز العلمی لأن الله تبارک وتعالى حدثنا عن تسبیح کل شیء له عز وجل (وَإِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلاَّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ) لم یقل ولکن لا تسمعون تسبیحهم إنما قال (لا تَفْقَهُونَ تَسْبِیحَهُمْ) یعنی نحن یمکن أن نسمع هذه الأصوات هذه التسبیحات ولکننا لا یمکن أن نفقه معناها،
وقد یقول قائل: وما أدراکم أن هذا تسبیح لله تبارک وتعالى؟ أقول: إننا کمؤمنین نعتقد أن الله تبارک وتعالى عندما أخبرنا أن کل شیء یسبح بحمده فهذه عقیدة یقینیة، وهذه الأصوات لا بد أن تکون أصوات تسبیح لله، لأن کل شیء یخضع لله تبارک وتعالى، والله عز وجل أودع فی هذه المخلوقات آیات ومعجزات وبراهین تثبت صدق کلامه لأن الله تبارک وتعالى هو خالق الکون وهو منزل القرآن ولذلک قال عز وجل: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ أَلا لَهُ الْخَلْقُ تَبَارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ)(16) (أَلا لَهُ الْخَلْقُ) الکون (أَلا لَهُ الْخَلْقُ) هو القرآن کلام الله (أَلا لَهُ الْخَلْقُ أَلا لَهُ الْخَلْقُ تَبَارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ) وبما أن الله تبارک وتعالى حدثنا فی القرآن عن هذه المخلوقات فلا بد أن یکون قد وضع فیها ما یثبت صدق کلامه تبارک وتعالى.
کذلک کل صوت نسمعه أو نتکلم به فإن هذه الترددات الصوتیة تنتقل عبر الأذن إلى الدماغ وطیلة هذه الرحلة من الأذن إلى الدماغ هنالک أیضاً بلایین الخلایا تمر علیها وتختزن فی داخلها. إذاً نستطیع أن نستنتج أن خلایا السمع تختزن المعلومات، وخلایا البصر تختزن المعلومات، وربما یکون أطول ذاکرة للخلایا موجودة فی الجلد، ولذلک ماذا قال تبارک وتعالى قال: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا) أی إلى النار فی هذا الموقف الملحد ینکر أنه کان کافراً ویکذب على نفسه ولذلک فإن الله تبارک وتعالى فی هذا الموقف یقیم علیه الحجة من نفسه (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَیْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنطَقَ کُلَّ شَیْءٍ وَهُوَ خَلَقَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَیْهِ تُرْجَعُونَ).
ولذلک فإن هذه الظاهرة (ظاهرة تفاعل خلایا الجلد مع المعلومات التی یتلقاها الإنسان من خلال السمع والبصر) والذی اکتشفها العلماء حدیثاً جداً، ولا زالوا یکتشفونها، حدثنا عنها القرآن أیضاً، یقول تبارک وتعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِیثِ کِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِیَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِکْرِ اللَّهِ ذَلِکَ هُدَى اللَّهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشَاءُ وَمَنْ یُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)(17).
هذه الآیة العظیمة تحدثنا عن تفاعل خلایا الجلد الخاصة بالمؤمنین مع القرآن، کذلک تتفاعل خلایا القلب لدیهم مع کلام الله تبارک وتعالى، وهو القائل: (الَّذِینَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ) تستقر وتهدأ ویصبح عملها منتظماً، ونحن نعلم أن معظم أمراض العصر هی اضطرابات فی نظام عمل القلب (الَّذِینَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللَّهِ أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(18).
فالله تبارک وتعالى حدثنا عن قشعریرة للجلد (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ) یعنی من کلام الله تبارک وتعالى (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِینَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِینُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ) لأن القلب یلین ویقسو قال تبارک وتعالى: (فَوَیْلٌ لِلْقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِکْرِ اللَّهِ أُوْلَئِکَ فِی ضَلالٍ مُبِینٍ) (19) . هذا الأمر الذی حدثنا عنه القرآن لا زال العلماء الیوم یکشفونه شیئاً فشیئاً، وفی خلایا القلب فی عملیات زراعة القلب لاحظوا أیضاً وجود تغیرات عمیقة فی شخصیة هذا المریض الذی تم استبدال قلبه بقلب آخر، وهذا یدل على دور القلب فی العقل والتدبر والفقه. وکذلک عندما یحاول هؤلاء الباحثون أن یزرعوا خلایا الجلد ویلاحظوا ذلک الرفض الکبیر لأنها خلایا غریبة فیقول: إن هذه الخلایا تختزن الذکریات والمعلومات.
لذلک لا بد ونحن نتأمل هذه الحقائق القرآنیة والحقائق العلمیة أن نطرح السؤال الآتی: لماذا حدثنا الله تبارک وتعالى عن هذه الحقائق؟ لماذا حدثنا عن حقیقة ستحدث یوم القیامة؟ الجلد لم ینطق فی الدنیا بل هذا الأمر سیحدث یوم القیامة.
کأن الله تبارک وتعالى یرید أن یعطی رسالة لکل إنسان طبعاً هذه الرسالة سیتفاعل معها المؤمن بینما الملحد لن تزیده إلا إلحاداً. کأن الله عز وجل یرید أن یقول لنا: اعلم أیها الإنسان أن کل حرکة تقوم بها وکل شیء تفعله مسجل فی خلایا جسدک.
وهنا نتذکر آیة من آیات الإعجاز العلمی فی هذه الآیة أیضاً: أن الله عز وجل وضع وسائل الإحساس للحرارة والبرودة وأجهزة الإحساس بالألم وضعها الله تبارک وتعالى فی خلایا الجلد التی اختزنت هذه الفواحش والکبائر والذنوب، لا بد أن تحرق بنار جهنم وبعد أن تحترق وتنضج یبدلها الله تبارک وتعالى جلوداً أخرى لیبقى العذاب قائماً ومستمراً (خَالِدِینَ فِیهَا أَبَداً).
فهل تدرک أن الله تبارک وتعالى ذو علم واسع إذا کانت خلایا نظنها لا تعقل فیها هذه المستودعات الضخمة من المعلومات، فکیف برب العالمین تبارک وتعالى الذی یعلم السرّ وأخفى؟ نسأل الله عز وجل أن یجعلنا من أولئک المؤمنین الذین قال فیهم: (وَإِذَا تُلِیَتْ عَلَیْهِمْ آیاتُهُ زَادَتْهُمْ إِیمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ)(20). ونسأله تبارک وتعالى أن یرینا الحق حقاً ویرزقنا اتباعه، وأن یرینا الباطل باطلاً ویرزقنا اجتنابه.
المصادر :
1- الأعراف: 179
2- الحج: 4
3- الإسراء: 44
4- الرعد: 28
5- آل عمران: 154
6- غافر: 19
7- غافر: 19
8- الحج: 46
9- آل عمران: 156
10- فاطر: 38
11- فصلت: 19-20
12- النساء: 122
13- فصلت: 19-20
14- الطارق: 11
15- الإسراء: 44
16- الأعراف: 54
17- الزمر: 23
18- الرعد: 28
19- الزمر: 22
20- الأنفال: 2

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عاشوراء مِرآة للتاريخ
الارتباط بالمطلق مشكلة ذات حدين
الشخصية القرآنية
أهداف التربية في الإسلام
التبرج والحجاب
العلامات التي تسبق مباشرة ظهور الإمام المهدي
شهر رمضان شهر التوبة والاستغفار
القرآن معجزة خالدة
و العاقبة للمتقین
فلسفة الصوم من منظور علمي

 
user comment