عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

الامويون ومبادئ الدين الاسلامي

الامويون ومبادئ الدين الاسلامي
لقد أعطى الامويون على ما يذكر ابن خلدون : « الملك والترف حقه وانغمسوا في الدنيا وباطلها ونبذوا الدين وراءهم ظهريا. » (١) وكان ذلك برأيه السبب في سلب الله عزهم وتقويض ملكهم. وقد استشهد ابن خلدون على ذلك بقصة عبد الله بن مروان ـ مع ملك النوبة ـ عند هروبه من السفاح :
« قال عبد الله بن مروان أقمت مليا. ثم أتاني ملكهم فقعد على الارض ؛ وقد بسطت لي فرش ذات قيمة. فقلت :
ما منعك عن القعود على ثيابنا. فقال : إني ملك وحق لكل ملك أن يتواضع. ثم قال لي :
لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم؟ فقلت اجترأ على ذلك عبيدنا واتباعنا. قال :
فلم تلبسون الديباج والذهب والحرير وهو محرم عليكم في كتابكم؟ قلت : ذهب منا الملك وانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا.
فأطرق ينكث بيده في الارض ويقول : عبيدنا واتباعنا وأعاجم دخلوا في ديننا. ثم رفع رأسه إلي وقال : ليس الامر كما ذكرت. بل أنتم قوم استحللتم ما حرم الله عليكم وأتيتم ما عنه نهيتم وظلمتم فيما ملكتم. »
فالتحلل من الدين ـ وهو الجانب الايجابي للتكالب على الملذات الدنيوية الرخيصة ـ إذن هو الطابع العام للأخلاق الاموية. وقد اتخذ ذلك التحليل اشكالا عديدة نجملها فيما يلي :
١ ـ قتل النفس
قتل النفس البشرية بشكل لا يجيزه الاسلام جاء في سورة آل عمران « إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم. أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والاخرة ومالهم من ناصرين. » وجاء في سورة النساء « ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه (يلاحظ أن الله لعن هؤلاء فأوجب بذلك على المسلمين لعنهم وقد ورد ذلك في أكثر من موضع في القرآن ، راجع سورة النساء ـ في موضعين ـ ، وسورة المائدة وهود ـ في موضعين وسورة الحجر وسورة ص ، وسورة محمد.) ولعنه وأعد له عذابا أليما. » وجاء في سورة الانعام :
« قل تعالوا أتل عليكم ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ...
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق. ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل أنه كان منصوراً. » وفي سورة الفرقان.
« والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون. ومن يفعل ذلك يلق أثاما. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا. » وذكر مسلم بن الحجاج (2) عن انس بن مالك بأسانيده المختلفة في الكبائر « قال الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وقول الزور. » والتاريخ الاموي ـ كما سنرى ـ يعج بالفحش ، وقتل النفس بغير حق ، وبالظلم ، ونكث العهد ، وقول الزور وغيرها من الكبائر.
لقد كان السير وفق ما حرم الله ـ من الكبائر والموبقات ـ هو القاعدة العامة للاسرة الاموية كلما كان ذلك السير بنظرهم ـ وسيلة من وسائل تثبيت حكمهم الممقوت.
ولم يلتزم الامويون ببعض مظاهر الدين إلا حين استلزمت مصالحهم الاموية ذلك. وبقدر ما يتعلق الامر بقتل النفس التي حرم الله ـ إلا بالحق ـ فإن في تاريخهم عن مثلة على ذلك الشيء الكثير.
فقد ذهبت أرواح الاف من المسلمين ضحايا غدرهم وعدوانهم , ولم يسجل التاريخ الاسلامي ـ على ما فيه من حوادث كثيرة من هذا القبيل ـ إلا جزءاً يسيرا مما ارتكبوه في هذا الباب.
وهنا تتوارد للذهن مأساة حجر بن عدي ، ومصرع الحسين بن علي ، ومقتل مصعب وعبد الله ابني الزبير ، واضحة للعيان.
هذا سوى مئات المسلمين الذين فتك بهم بسر بن أبي أرطاة كما رأينا.
ترى لماذا قتل الامويون هؤلاء؟ لأنهم ثاروا على ظلم الامويين؟
هل الثورة على الظلم خارجة عن نطاق الاسلام؟
هل يجيز الاسلام موبقات الامويين؟
هل الحكم الاموي متفق مع القرآن وسنة الرسول؟
ما حق الامويين في الاستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد الاسلامية؟
هل جاء الامويون للحكم بأسلوب يجيزه الاسلام؟
هل يبرر الاسلام وراثة الحكم في الاسرة الاموية خلفا عن سلف؟
هل يعتبر قتل النفس ـ التي حرم الله ـ حقا
إذا كانت تلك النفس تدعو الناس إلى اتباع الحق؟ وتحاسب السلطان على موبقاته؟ تلك أسئلة تعتبر الاجابة عنها في إدانة الامويين من اسهل الامور.
٢ ـ شرب الخمر
كان ولع الامويين شديدا بتعاطي شرب الخمر ، وما يتصل به من خلاعة وتبذل وغناء.
والخمر ـ كما لا يخفى ـ محرمة من الناحية الشرعية. جاء في سورة المائدة :
« يا ايها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ... رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. »
ولم يكتف الامويون بشرب الخمر بل اسرفوا وأدمنوا وأطلقوا لانفسهم الشريرة العنان في هذا الضرب من ضروب العبث وما يتصل به من موبقات.
وكان ملوكهم ـ في الشام والاندلس « باستثناء عمر بن عبد العزيز » يكثرون من شربه حتى بلغ بعضهم في شربه حدا يفوق الوصف.
فيزيد بن معاوية كان مدمنا ، وكان لا يمسي إلا سكران ولا يصبح إلا مخموراً.
كان عبد الملك بن مروان يسكر في كل شهر مرة حتى لا يعقل في السماء هو أو في الماء.
وكان الوليد بن عبد الملك يشرب يوما ويدع يوما.
وكان سليمان بن عبد الملك يشرب في كل ثلاث ليال ليلة.
وكان هشام يسكر في كل جمعة.
وكان يزيد بن الوليد والوليد بن يزيد يدمنان اللهو والشرب.
فأما يزيد بن الوليد فكان ـ دهره ـ بين حالين : سكر وخمار. ولا يوجد ابدا إلا ومعه إحدى هاتين.
وكان مروان بن محمد يشرب ليلة الثلاثاء وليلة السبت (3). »
للخمر كما لا يخفى مضار يتعدى أثرها شخص من يتعاطاها فينتظم الاخرين من ذوي العلاقة ـ من طرف قريب أو بعيد ، وبصورة مباشرة. ويتسع مجال ذلك الضرر باتساع مجال علاقات ذلك الشخص بغيره من الناس.
فكيف به إذا كان « امير المؤمنين » و « خليفة للمسلمين » !!!
لقد مر بنا القول أن من ملازمات الخمر الغناء والتبذل والخلاعة. والملوك السابقين ـ على يحدثنا الجاحظ ـ : تقاليد خاصة في هذا الباب.
غير أن الامويين قد أدخلوا على بعضها تحويراً استلزمته طبيعة استهتارهم بالدين وبالاخلاق. فمن أخلاق الملك عند الشرب : « أن يجعل ندماءه طبقات ومراتب ، وأن يخص ويعم ويقرب ويباعد ويرفع ويضع .. وليس من حق الملك أن يبرح مجلسه إلا لقضاء حاجة ... وليس له أن يختار كمية ما يشرب ولا كيفيتها. إنما هذا إلى الملك ... فلما ملك يزيد بن عيد الملك ساوى بين الطبقة العليا والسفلى من الندماء وأفسد أقسام المراتب .. وغلب عليه اللهو ... وهو أول من شتم في وجهه من الخلفاء على جهة الهزل والسخف (4). »
ومن المحزن حقا أن يشجع « خليفة المسلمين » المساواة في التبذل والدعارة ويمنعها في المعاملة وتطبيق أسس الشريعة السمحاء. فلم يساو « الخليفة » بين المسلمين في العطاء ، ولكنه ساوى بين ندمائه في الموبقات ليرفع عن نفسه حواجز التبذل والاستهتار.
وروى الجاحظ كذلك ـ في معرض الموازنة بين تبذل الامويين بالنسبة لبعضهم ـ أنه سأل اسحق بن ابراهيم فيما إذا كان ملوك بني أمية يظهرون للندماء والمغنين فقال له اسحق : « أما معاوية بن أبي سفيان ، ومروان بن الحكم ، وعبد الملك بن مروان وسليمان وهشام ، ومروان بن محمد فكان بينهم وبين الندماء ستارة.
وكان لا يظهر أحد من الندماء على ما يفعله الخليفة إذا طرب للمغني والتذه حتى ينقلب ويمشي ويحرك كتفيه ويرقص ويتجرد حتى لا يراه إلا خواص جواريه ...
وأما الباقون ـ من خلفاء بني أمية ـ فلم يكونوا يتحاشون أن يرقصوا ويتجردوا ، ويحضروا عراة بحضرة الندماء والمغنين.
وعلى ذلك لم يكن أحد منهم في مثل حال يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد في المجون والرفث بحضرة الندماء والتجرد ما يباليان ما صنعا (5) »
هذا نموذج من تبذل الامويين في اخلاقهم وفي دينهم ـ وهو شيء يمجه ـ دون شك ـ الذوق السليم ويأباه الخلق الرفيع ولا يجيزه الاسلام. هذا إذا كان المتبذل من عامة الناس.
فكيف به إذا كان « خليفة المسلمين » و « أمير المؤمنين » ونائب رسول الله في تطبيق مبادئ الدين على شئون الحياة !!!
لقد انغمس الامويون ـ باستثناء عمر بن عبد العزيز ـ كما ذكرنا بالموبقات إلى الاذقان « ومع ذلك فقد كان يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد أكثرهم تبذلا ـ على ما تروي كتب التاريخ والادب ـ. وحديث الاول منهما مع سلامة وحبابة معروف لدى الكثيرين.
ذكر المسعودي إنه كان يغلب « على يزيد بن عبد الملك حب جارية يقال لها سلامة القس ، وكانت لسهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري. فاشتراها يزيد بثلاثة آلاف دينار. فأعجب بها وغلبت على أمره. (6)
وفيها يقول عبد الله بن قيس الرقيات :
لقد فتن الدنيا وسلامة القسا / فلم يتركا لقس عقلا ولا نفسا
فاحتالت ام سعيد العثمانية ـ جدته ـ بشراء جارية يقال لها حبابة ـ قد كان في نفس يزيد بن عبد الملك قديما منها شيء. فغلبت عليه ووهب سلامة لام سعيد. فعذله مسلمة بن عبد الملك لما عم الناس من الظلم والجور باحتجابه وإقباله على الشرب واللهو ... فاظهر الاقلاع والندم. فغلظ ذلك على حبابة فبعث إلى الاحوص الشاعر ومبعد المغني : أنظرا ما أنتما صانعان !!
فقال الاحوص : في أبيات له :
ألا لا تلمـه اليــوم إن يتبلــدا / فقد غلب المحــزون ان يتجلــدا
إذا كنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى / فكن حجرا من بابس الصخر جلــدا
فما العيش إلا مـا تلــذ وتشتهي / وإن لام فيـه ذو الشنــان وفنــدا
وغناه معبد وأخذته حبابه فلما دخل عليها يزيد قالت ـ يا أمير المؤمنين ـ اسمع مني صوتا واحدا. ثم افعل ما بدا لك. وغنته. فلما فرغت منه جعل يردد قولها :
فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي / وعاد بعد ذلك إلى لهـوه
ومن طريف ما يروي عن يزيد بن عبد الملك أن حبابة غنته يوما :
بين التراقي واللهاة حرارة / ما تطئن ولا تسوغ فتبرد
وذكر اسحق بن ابراهيم الموصلي قال حدثني ابن سلام قال ذكر يزيد قول الشاعر :
صفحنا عن بني ذهل / وقلنا القوم إخــوان
عسى الايام أن يرجعن / قومـا كالذي كانــوا
فلما صـرح الشـر / فأمسـى وهو عريان
مشينا مشيـة الليث / غـدا والليث غضبان
بضرب فيه توهين / وتخضيع وإقــران
وطعن كفـم الزق / وهـي والـزق ملآن
وفي الشــر منجاة حين لا ينجيك إحسان
وهو شعر قديم يقال أنه للفند في حرب البسوس. فقال لحبابة غني به بحياتي ! فقالت يا أمير المؤمنين هذا شعر لا أعرف أحدا يغني به الا الاحول المكي. فقال نعم قد كنت سمعت ابن عائشة يعمل فيه ويترك.
قالت إنما آخذه عن فلان بن أبي لهب وكان حسن الاداء. فوجه زيد إلى صاحب مكة : إذا أتاك كتابي هذا فادفع إلى فلان بن أبي لهب ألف دينار لنفقه طريقه وأحمله على ما شاء من دواي البريد. ففعل. فلما قدم عليه قال غن بشعر الفند. فغناه فأجاد وأحسن. وقال أعده فأعاده فأجاد وأحسن وأطرب يزيد. فقال له ممن أخذت هذا الغناء؟ فقال يا أمير المؤمنين أخذته عن ابي ، وأخذه فأهوى يزيد ليطير. فقالت يا أمير المؤمنين لنا بك حاجة. فقال والله لأطيرن .. وقد قورن موقفه هذا بموقف أبيه عندما خاطب زوجته عاتكة « لما أرادت منعه من الخروج إلى قتال مصعب بن الزبير » قائلا قاتل الله كثير عزة كأنه شاهد هذا حين قال :
إذا ما أراد الغزو لـم يثن همــه / حصــان عليهـا تظم در يزينها
نهته فلما لم تر النهــي نافعــا / بكت فبكى ـ مما شجاها ـ قطينها
أبي عن أبيه ، فقال لو لم ترث إلا هذا الصوت لكان أبو لهب قد ورثكم خيراً كثيراً.
فقال يا أمير المؤمنين إن أبا لهب مات كافرا مؤذيا لرسول الله.
فقال قد اعلم ما تقول ، ولكن دخلتني له رقة إذ كان مجيد الغناء. ووصله وكساه ورده إلى بلده مكرما ...
واعتلت حبابة فاقام يزيد أياما لا يظهر الناس. ثم ماتت فاقام اياما لا يدفنها جزعا عليها ... فقيل له إن الناس يتحدثون بجزعك وان الخلافة تجل عن ذلك. فدفنها واقام على قبرها فقال :
فان تسل عنك النفس او تدع الهوى / فباليأس تسلوا النفس لا بالتجلد
ثم أقام بعدها أياما قلائل ومات ...
وحدث ابو عبد الله محمد بن ابراهيم عن أبيه عن اسحق الموصلي عن ابي الحويرث الثقفي قال : لما ماتت حبابة حزن عليها يزيد بن عبد الملك حزنا شديدا ، وضم إليه جويرية كانت تحدثها فكانت تخدمه. فشملت الجارية يوما :
كفى حزنا للهائم الصب أن يرى / منــازل لمن يهوي مطلة ففرا
فبكى ... ولم تزل جويرية معه يتذكر بها حبابة حتى مات. »
وفي معرض التحدث عن الوليد بن يزيد يقول صاحب الاغاني أنه كان فاسقا خليعا متهما في دينه مرميا بالزندقة. وشاع ذلك من امره وظهر حتى أنكره الناس فقتل. (7)
وله اشعار تدل على خبثه وكفره.»
وكان الوليد وليا للعهد أثناء خلافة هشام.
وكان مكرما عنده « حتى طمع هشام في خلعه وعقد العهد لابنه مسلمة ... فولاه الحج ليظهر فسقه بالحرمين فيسقط. فحج الوليد وظهر منه فعل كثير مذموم. وتشاغل بالمغنين وبالشراب وأمر مولى له فحج بالناس ...
فدعا هشام الناس إلى خلعه والبيعة لمسلمة ، وكان يكنى أبا شاكر ـ.
وكتب هشام إلى الوليد : إنك ما تدع شيئا من المنكر إلا أتيته وارتكبته غير متحاش ولا مستتر. فليت شعري ما دينك؟ ... فكتب إليه الوليد ـ معرضا بابنه مسلمة ـ
أيهــا السائل عـن ديننــا / نحــن على دين أبي شاكر
نشر بها صرفا وممزوجــة / بالسخن أحيانا وبالفاتر
فغضب هشام على ابنه مسلمة. فأغرى مسلمة شاعرا يمدحه فقال :
أيها السائــل عن ديننا / نحن على دين أبي شاكر
الواهب البـزل بارسانها / ليس بزنديـق ولا كافر
ومن طريف ما يرويه (8) الطبري عن الوليد أثناء توليته الحج ـ كما ذكرنا ـ انه عندما ولاه هشام الحج في عام ١١٩ هـ حمل « معه كلابا في صناديق. فسقط منها صندوق ـ فيما يذكر علي بن محمد عمن سميت من شيوخه ـ عن البعير وفيه كلب ...
وحمل الوليد معه قبة عملها على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة. وحمل معه خمراً. وأراد أن ينصب القبة على الكعبة ويجلس فيها. فخوفه أصحابه وقالوا لا نأمن الناس علينا معك. فلم يحركها. »
ومن أقذر ما يؤثر عن الوليد أنه عندما سمع بنعي هشام ـ على ما يذكر ابن شبة ـ قال « والله لا تلقين هذه النعمة بسكرة قبل الظهر وأنشا يقول :
طاب يومي ولذ شرب السلافـة / إذ أتاني نعـي من بالرصافـة
وأتانا البريد ينعـى هشـامــا / واتانــا بـخــاتـم للخلافة
فاصطحبنا من خمر عانة صرفا / ولهونــا بقيـنـه عزافــة
واقذر من ذلك أنه قال ـ حين سمع صياحا « فسأل عنه فقيل له هذا من دار هشام يبكيه بناته » :
إنــي سمعت بليــل / ـ وراء المصلى ـ برنه
إذ بـنــات هشــام / يندبــن والدهـنــه
بندبــن قرمــا جليلا / قــد كــان يعضدهنه
أنــا المخنـث حقــا / إن لــم أنـيـكـهنـه
ومن مجونه أيضا ـ على شرابه ـ قوله لساقيه :
أسقني يا يزيد بالقرقاره / قد طربنا وحنت الزماره
أسقني أسقني فان ذنوبي / قد أحاطت فما لها كفاره
والخلاصة : فان الوليد ـ في معرض الغرام والتبذل ـ كان كما وصفه ابن عبد ربه عاكفا « على البطالة وحب القيان والملاهي ، والشراب ومعاشقة النساء.
فتعاشق سعدى ابنة سعيد بن عمرو بن عثمان بن عفان فتزوجها.
ثم تعاشق أختها سلمي. فطلق أختها سعدي وتزوج سلمي. فرجعت سعدي إلى المدينة فتزوجت بشر بن الولدي بن عبد الملك.
ثم ندم الوليد على فراقها. وكلف بحبها. فدخل عليه أشعب المضحك. فقال له الوليد :
هل لك على أن بتلغ سعدي مني رسالة ولك عشرون ألف درهم؟ قال هاتها. فدعها إليه. فقبضها وقال ما رسالتك؟ قال : إذا قدمت المدينة فأستأذن على سعدي وقل لها يقول لك الوليد :
أسعـدي ما إليك من سبيل / ولا حتى القيامة من تلاق
بل ولعل دهراً أن يؤاتـى / بموت خليـك أو فـراق
فأتاها أشعب فقال يا سيدتي : أرسلني إليك الوليد برسالة. قالت : هاتها فأنشدها البيتين.
فقالت : ما جرأك على مثل هذه الرسالة !! قال : إنها بعشرين ألفا معجلة مقبوضة. قالت : والله لاجلدنك أو لتبلغنه كما بلغتني !! قال فأجعلي لي جعلا. قالت : بساطي هذا.
قال فقومي عنه. فقامت. فطواه وضمه ، ثم قال هاتي رسالتك فقالت قل له :
أتبكي على سعدي ! وأنت تركتها / فقد ذهبت سعدي فما أنت صانع؟
فلما بلغه الرسالة ـ هدده بالقتل ـ
فقال أشعب : يا سيدي ما كنت لتعذب عينين نظرتا إلى سعدي. فضحك وخلى سبيله. » (9)
أما ـ في معرض الشراب ـ فالوليد كان ـ بالاضافة إلى ذكرناه ـ كما وصفه علي بن عباس حين قال :
« إني عند الوليد بن يزيد في خلافته إذ أتى بابن شراعة من الكوفة. فو الله ما سأله عن نفسه ولا عن مسيره حتى قال له :
يا ابن شراعة أنا والله ما ابعث اليك لاسألك عن كتاب الله وسنة رسوله. قال : لو سألتني عنهما لوجدتني حمارا !! قال : إنما أرسلت إليك لا أسألك عن القهوة.
قال : دهقانها الخبير ولقمانها الحكيم وطبيبها العليم قال :
خبرني عن الشراب !! قال : يسال امير المؤمنين عما بدا له. قال :
ماتقول في الماء؟ قال لا بد لي منه. والحمار شريكي فيه. قال : ما تقول في اللبن؟ قال ما رأيت قط إلا استحييت من أمي لطول ما أرضعتني به.
قال ما تقول في السويق قال : شراب الحزين والمستعجل والمريض. قال:
فنبيذ التمر؟ قال سريع الإمتلاء سريع الانفشاش. قال فنبيذ الزبيب؟ قال : حاموا به على الشراب. قال ما تقول في الخمر؟ قال اواه تلك صديقة روحي.
قال : وأنت ـ والله ـ صديق روحي. »
المصادر :
1- مقدمة ابن خلدون ص ٣٠٧.
2- صحيح مسلم : ١ / ٤٩.
3- الجاحظ « التاج في أخلاق الملوك » ص ١٥١ ـ ١٥٤.
4- المصدر نفسه / ص ٢١ ـ ٣٠.
5- الجاحظ « التاج في أخلاق الملوك » ص ٣٢.
6- مروج الذهب ومعادن الجوهر / ٣ / ١٣١ ـ ١٣٤.
7- الاصبهاني « الأغاني » ٦ / ٩٩ ـ ١٠٦.
8- تاريخ الامم والملوك / ٧ / ٢٨٩.
9- ابن عبد ربه العقد الفريد ٣ / ١٨٤.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حبيب بن مظاهرو حبه لأهل البيت
حديثٌ حول مصحف فاطمة (ع)
قال الحكيم و المراد بعترته هنا العلماء العاملون ...
الوصايا
تشبيه لطيف من صديق حقيقي‏
خلق الأئمة ( ع ) وشيعتهم من علِّيِّين :
فضل شهر رمضان المبارك
الإقطاع في الإسلام
الخوارق و تأثير النفوس
حول قرآن علي (عليه السلام)

 
user comment