عربي
Wednesday 17th of April 2024
0
نفر 0

العقيدة و المرجعية

العقيدة و المرجعية

الرابطة بين العقيدة وبين المرجعية رابطة عضوية . فحيثما وجدت العقيدة يستتبع بالضرورة وجود مرجعية لان التلازم والتكامل حاصل وبالضرورة بين العقيدة والمرجعية ، ولتوضيح المرجعية توضيحا كافياً لا بد من بحث موضوع العقيدة اذ يتعذر فهم احداهما دون فهم الآخر .
ما معنى العقيدة ؟ تعني العقيدة عموماً مجموعة الافكار والقواعد والمبادىء والقيم المترابطة والمتكاملة والتي تقدم تصورا للوجود لما هو كائن ، ولما ينبغي ان يكون او تصورا للحال وللمآل بغض النظر عن صحة هذا التصور او فساده ، عن شموليته او محدوديته ، عن كماله اوقصوره .
فتجتذب هذه العقيدة جماعة معينة تقتنع بهذا التصور ، فتحدد هذه الجماعة قناعاتها واهدافها وطرق بلوغ تلك الاهداف وفق مقاييس تلك العقيدة ، فتكون هذه العقيدة هي القائدة وهي الموجهة ومنبع الشرعية والمشروعية في حياة تلك الجماعة وهي منبع خيرها العام .
ومن الطبيعي ان كل عقيدة بهذا المفهوم تدعي القدرة على سياسة حياة معتنقيها ، والقدرة على تقديم الحلول الناجعة لمشكلاتهم ، واستشراق المستقبل الافضل لهم ، وتزعم انها تمتلك الوسيلة لتحقيق الخير العام لهذه الجماعة .
وما تزال تلك العقيدة تعتمل في نفوس معتنقيها وتحرك ارادتهم حتى يقدموها كمذهب سياسي له الجاهزية على اثبات دعوى القدرة تلك ، او عدم اثباتها من خلال سلطة تسوس الجماعة وفق تصورات تلك العقيدة ، لان المذهب السياسي هو بمثابة البرنامج السياسي المتكامل الذي تقدمه تلك العقيدة .
وهو بمثابة الاعلان عن جاهزية فكر وفلسفة ومبادىء هذه العقيدة لتوضع كلها موضع المحك والتطبيق ، وهو يتناول الاهداف والوسائل اللازمة لتحقيق تلك الاهداف ، وكل ذلك يرتبط عمليا بوجود سلطة دولة او حكم لينقل هذا البرنامج من عالم النظر القانوني الى عالم الواقع القانوني . وبهذا المفهوم فان الرأسمالية التحررية عقيدة وان الماركسية الشيوعية عقيدة .
نوعا العقائد
عرفت البشرية نوعين من العقائد : 1 ـ عقائد الهية من صنع الله . 2 ـ عقائد وضعية من صنع فرد من مجموعة من الافراد او ان شئت فقل من تجميع فرد او مجموعة من الافراد .
صناعة العقائد ولوازم ايجادها
ومن يتعمق بالموضوع يكتشف ان بامكان الانسان ان يفهم عقيدة ـ اي عقيدة صالحة كانت ام طالحة ، ولكن الانسان عاجز عن صنع وايجاد عقيدة صحيحة ، وهو بطبعه غير مؤهل لايجادها ، بل ويمكنك القول بكل ارتياح ان الجنس البشري لو اجتمع كله على صعيد واحد لما استطاع ان يصنع عقيدة صحيحة ويقينية ، مع ان اجتماع الجنس البشري كله على صعيد واحد غير وارد وغير ممكن ، وبالتالي فايجاد العقيدة الصحيحة امر فوق مستوى البشر ، وفوق طاقتهم لان هذا يتطلب معرفة يقينية بماضي الجنس البشري وبتفاصيل تجاربه ، وهذا ركن اساسي يبنى فوقه ، ويتطلب ايجاد العقيدة الصحيحة معرفة يقينية بالفطرة الانسانية وحاجات الانسان ودوافعه وميوله ، بالاضافة الى معرفة يقينية بالمستقبل لانه هو الذي سيشهد زمنيا نجاح او فشل هذه العقيدة او تلك ، ويتطلب اخيراً معرفة بالكون المحيط بالانسان معرفة يقينية وهذه المعارف لا يدعيها فرد ولا تدعيها جماعة ولا يدعيها الجنس البشري كله .
فالعقيدة التي يضعها بشر ستنهار عاجلاً ام آجلاً لسبب بسيط هو ان الانسان غير مؤهل بطبعه لايجاد عقيدة . والعقيدة اليقينية التي تصلح ان تكون اساساً دائماً للسلطة هي العقيدة التي وضعها الله الخالق وهي عقيدة الاسلام التي كانت بالفعل هي اساس السلطة لدولة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ملامح عقيدة الاسلام
1 ـ على الصعيد العملي :
الاسلام هو الانقياد التام لله جل وعلا في كل شأن من شؤون الحياتين الدنيا والآخرة ، بحيث يكون عمل الانسان وعمل الجماعة المسلمة وعمل الدولة المسلمة ـ وعلى كافة الاصعدة ـ خاضعا لموازين الاوامر والنواهي الالهية المحددة بالرسالة الالهية ( العقيدة ) النافذة المفعول وهي رسالة الاسلام ، ومتجها لتحقيق غاياتها الشرعية ، ونعني بالعمل : الحركة المضبوطة بالفكرة الشرعية والنية الشرعية .
2 ـ على الصعيد النظري :
تعني العقيدة الاسلامية مجموعة القواعد والاحكام والمبادىء والاوامر والنواهي والمعلومات العامة والتفصيلية التي انزلها الله تبارك وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقام هذا النبي ببيانها للناس نظرياً عبر دعوة وعبر دولة . ثم وضعها موضع التطبيق من خلال دعوة قادها بنفسه ومن خلال دولة ترأسها بنفسه .
فالعقيدة تشمل ما انزله الله واوحاه الى نبيه ، وتشمل قول النبي وفعله وتقريره . وهذه العقيدة بمجموعها تبين كيف وجدت الحياة ؟ ولماذا ؟ وكيف تنتهي ؟ ومتى ؟ وما هي مآلاتها ؟ وتنظم العلاقات بين الاحياء على الاطلاق ، علاقات الكائنات الحية مع الخالق ومع بعضها ومع الكون الضروري لوجودها والمسخر لخدمتها ، وتبين كيفية انتهاء دورة الحياة كلها ، وكيف تنتهي الدورة الحياتية لكل كائن حي مخلوق ، وتكشف عن وجود حياة اخرى هي بمثابة قاعدة محاكمة لكل الذين مروا بدورة الحياة الدنيا على ما قدموه ، وهي بمثابة نتيجة فيأخذ المصيب اجره كاملاً ويلقى المخطىء عقابه .
وهذه العقيدة سجل حافل لتاريخ الخلق عامة والجنس البشري خاصة حفظت تجاربهم بصدق وموضوعية تصل الى درجة التصوير الفني المشاهد صوتاً وشكلاً وحركة ، ظاهراً وباطناً .
وهي نظام للفرد كفرد ، وللمجتمع كمجتمع ، وللسلطة كسلطة ، وللجنس البشري كله ، تنظم حياة كل واحد منهم على انفراد ، وتنظم علاقاتهم مع بعضهم وعلاقاتهم مع خالقهم ، وعلاقاتهم مع العالم المحيط بهم ، وترفدهم جميعا بدعوة ، وتعزز الدعوة بدولة ، وتعزز الدولة بأهداف ومثل عليا .
وهذه العقيدة غائية ، بمعنى انها تحدد الاهداف . فلكل قاعدة من قواعدها هدف وجدت من اجله ورصدت عليه ، وللفرد هدف وللمجتمع هدف ، وللسلطة هدف ، وللجنس البشري هدف . وهذه الاهداف كلها تصب في مكان واحد هو نفس الهدف العالم للاسلام . وهذه الاهداف محددة و ( معيرة ) بشكل تعكس طوعياً كامل الطاقة الكامنة في ذات الفرد وذات الجماعة وذات السلطة وذات الجنس البشري وذات الكائنات المحيطة بهم والمسخرة لخدمتهم ، كامل الطاقة لا زيادة ولانقصان ، لان الشيء لا يملك الا طاقته ولم تكتف العقيدة الاسلامية بتحديد الاهداف ، انما حددت الوسائل والسبل والطرق اللازمة لتحقيق هذه الاهداف وبينتها على وجه يزيل كل غموض .
التصور اليقيني
بمعنى ان الاسلام كعقيدة يقدم تصوراً يقينياً شاملاً وكاملاً ويقيناً يقوم على الجزم واليقين . وهذا التصور اليقيني يغطي بالكامل ساحة الاهداف والوسائل العامة والخاصة وفي كافة نواحي الحياة وعلى كافة الاصعدة الفردية والجماعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية ... الخ .
وهذا التصور اليقيني هو بمثابة مخططات عامة وتفصيلية دقيقة لواقع ما هو كائن ومستقبل هذا الكائن في دائرة الواقع ، وما ينبغي ان يكون عليه هذا الكائن في دائرة المنى الذي سيتحول الى واقع بحيث تتودك هذه المخططات درجة درجة وخطوة خطوة حتى تصل بك الى الغاية الشرعية من اقصر الطرق وبأقل التكاليف ، وفي كل امر من الامور .
عندئذ تكون العقيدة هي القائدة والموجهة ، وهي منبع الشرعية ، وتستقر كبنية فكرية كاملة ، وتدعم هذا الاستقرار القناعة الذاتية والرضا بهذه العقيدة القائمة على الجزم واليقين ، بعكس العقائد الوضعية التي تقوم على الافتراض والتخمين والتي ستنهار في النهاية عاجلاً ام آجلاً .
المنظومة الحقوقية الالهية
بمعنى ان العقيدة الاسلامية هي مجموعة القواعد والاحكام والمبادىء والاوامر والنواهي والمعلومات العامة والتفصيلية التي انزلها الله تبارك وتعالى على عبده محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقام هذا النبي ببيانها للناس عبر دعوة قادها بنفسه ، وعبر دولة ترأسها بنفسه . فالمنزل من عند الله والمبين من رسول الله بالقول والفعل والتقرير يشكل منظومة حقوقية الهية هي بمثابة القانون النافذ ، الصالح لكل زمان . ومنظر هذه المجموعة ومبينها بعد وفاة النبي هو المرجع الشرعي .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

في رحاب نهج البلاغة (الإسلام والإمام علي عليه ...
أسباب فشل الحياة الزوجية
برّ الوالدين خلق إسلامي كريم
أنت من تضيئين عتمة ليله
الشاي الأخضر قد يقي من أمراض العيون الشائعة
وقفة تضامنية "علماء تحت القضبان" في مدينة قم ...
ما سر الدبلوماسية العاطفية؟؟
السيد أحمد الصفائي الخونساري
الفتيات النيجيريات المختطفات تعرضن لغسيل دماغ ...
الطب في القرنين الاول والثاني الهجريين

 
user comment