الابتعاد عن التشيع .
استقرت القبائل العربية في نقاط مختلفة من بلاد فارس بعد رسوخ الاسلام فيها,و فتح الري و كان حـكام الحواضر الفارسية ينصبون من قبل حكومة المدينة , ثم العراق ,والشام و نقرا في التاريخ ان الولاة الذين حكموا خلال تسعين سنة من العهد الاموي (41 ـ132 هـ) كانوا ذوي نزعات اموية , و جهدوا في تربية الناس على اساس معتقداتهم الدينية و يستشف من اخبار متعددة ان عملهم التبليغي ذلك قد ترك بصماته على الري .
و نـصـب كثير بن شهاب حاكما على الري من قبل المغيرة بن شعبة والي الكوفة و كان هذا الحاكم يـسي الادب الى اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ على المنبر عملا ببدعة معاوية التي طبقت في جميع الامصار يومذاك .
و قـال ابـن الاثير فيه : كان يكثر من سب علي على منبر الري ((745)) و عرف عن هذاالرجل سـوابـقـه الـسـيـئة فـي نـزعـتـه الـنـاصـبـيـة , فـهو احد الذين شهدوا على حجر بن عدي في الكوفة ((746)) , و استشهد حجر على يد معاوية بشهادة الزور التي ادلى بها هو وامثاله و هو الـذي صـعد على سطح قصر الامارة عندما حوصر القصر من قبل مسلم بن عقيل , و خذل الناس عن مسلم حتى تفرقوا عنه ((747)) وهو الذي حرض اهل الكوفة على الذهاب لقتال الامام الحسين ـ عـليه السلام ((748)) فان وجود امثال هؤلا الحكام في الري ادى الى طغيان الروح المعادية لاهل البيت ـ عليهم السلام ـ فيها.
و نقرا خبرا آخر نقله ابو دلف , و ذكره ياقوت , وهو يحكي لنا بنحو من الانحامساهمة بعض الناس مـن مـنـاطق الري في قمع انتفاضة يحيى بن زيد سنة 126 ه , قال ابو دلف في القرن الرابع : كانت هـناك مدينة (الري ) تدعى سورين و رايت بنفسي ان اهل الري يتكرهونها, و يتطيرون منها, و لا يـقـربونها فسالت عن السبب , فاجابني شيخ من تلك الارجا : ان السيف الذي قتل به يحيى بن زيد قد غسل بمائها ((749)) و هذا الخبر ذوبعدين فهو يدل ـ من جهة ـ على ميول غير شيعية لقسم من اهالي الري في القرن الثاني الهجري , و يشير ـ من جهة اخرى ـ الى حساسية اهاليها و ركونهم الى اهل البيت ـ عليهم السلام ـ في القرن الرابع .
و ثـمـة خبر آخر يحوم حول النزعة الناصبية في الري , و يعود الى عصر سقوط الدولة الاموية عـلى يد قوات ابي مسلم الخراساني ففي هذا العصر زعم العباسيون و داعيتهم ابومسلم زورا ا نهم يدافعون عن اهل البيت ـ عليهم السلام , و يدعون الى ((الرضا من آل محمد)), بينما كانوا يضمرون الدعوة الى انفسهم .
تـوجـه حـسـن بن قحطبة من قبل ابي مسلم لاحتلال الري و قال ابن الاثير: و لما استقرامر بني الـعـبـاس بالري , هرب اكثر اهلها لميلهم الى بني امية , لا نهم كانوا سفيانية و سلب جنود خراسان امـوال الـنـاس فذهب اهل الري سنة 132 هـ الى الكوفة عند السفاح ,و تظلموا من ابي مسلم فامر الـسفاح برد اموالهم فاعاد ابو مسلم الجواب مذكرا ا نهم اشدالاعدا, فلم يسمع قوله , و عزم على ابي مسلم برد اموالهم ((750)) .
و يدل هذا الخبر بوضوح على الميول الاموية لاهل الري .
و نقرا خبرا آخر يعضد ما ذكرناه ـ بشان قسم عظيم من اهل المدينة في الاقل ـ وهوالخبر الذي نـقـلـه ابـن الاسكافي عنها فقد ذكر ثلاث مدن بوصفها مدنا ناصبية قائلا : ((بلدان النصب : الشام والري و البصرة ((751)) )) و من الضروري الالتفات الى ان ابن الاسكافي كان معتزليا شيعيا.
و يـدل وجـود عـدد من الروايات الماثورة عن آل محمد في ذم اهل الري على الاتجاهات والميول غير الشيعية القائمة هناك .
يقول ابن الفقيه الهمداني : ورد في اخبار آل محمد ان الري ملعونة , و هي على بحرعجاج و تربتها تربة ديلمية تابى ان نقبل الحق ((752)) .
و ذكر المقدسي ذلك من غير ان يشير الى القائل ((753)) و روى ياقوت عن الامام الصادق عليه السلام ا نه قال : ((الري و قزوين و ساوه ملعونات مشؤومات ((754)) )) و كانت هذه الحواضر الـثـلاث مـتـعـصـبـة فـي التسنن لا سيما ساوه التي كانت في صراع مع مدينة آوه التي كان فيها شيعة ((755)) .
و جا في رواية اخرى عن الامام الصادق عليه السلام في اهل الري : و اهل مدينة تدعى الري , و هم اعدا اللّه و اعدا رسوله و اعدا اهل بيته , يرون حرب اهل بيت رسول اللّه جهادا ((756)) و اثر في رواية اخرى ان الايمان لا يدخل قلوب اهل الري ((757)) .
و يمكن ان يشير قول الامام : ((يرون حرب اهل بيت رسول اللّه )) بنحو من الانحا الى مشاركة ثلة مـن اهل الري في قمع انتفاضة يحيى بن زيد, كما مر بنا و كذلك يمكن ان يعود ذم الري الى دورها فـي واقـعـة كربلا, و قد وافق عمر بن سعد على قيادة الحرب ضداهل بيت رسول اللّه طمعا في حكومتها ((758)) .
و اذا وضـعـنـا هذه الروايات الى جانب روايات اخرى اثرت عن الامام الصادق ـعليه السلام ـ في فضيلة اهل قم و آوه , لاستبانت لنا بدقة الهوية المعادية للتشيع في الري .
و في الوقت نفسه ينبغي ان لا نغفل ان عددا من محبي اهل البيت كانوا موجودين في هذه المدينة ابان العصر الاموي ايضا و قيل ان منهم من كان في صفوف انصار زيد بن علي و مبايعيه ((759)) .
و نـقـل لـنـا الـتاريخ ان عبداللّه بن معاوية بن عبداللّه بن جعفر سيطر على الجبل ((الري )),و اصفهان , و فارس , و الدينور, و نهاوند سنة 127 هـ ((760)) , بيد ان حكومته لم تستمرطويلا.