عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

الاعتراض على الأقدار

الاعتراض على الأقدار
من صور الاعتراض على الأقدار قول بعضهم إذا أصيب بمصيبة: ماذا فعلتُ يا ربي؟ أو أنا لا أستحق ذلك!
وكذلك ما يقال إذا أصيب شخص بمصيبة: فلان مسكين لا يستحق ما جرى له، لقد ظلمته الأقدار، وجارت في حقه، وقست عليه!
فمثل تلك الأقوال مما يكثر على الألسنة، وذلك من الاعتراض على قدر الله، ومن الجهل بحكمته عز وجل فلا يجوز إطلاقها؛ لأن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وله الحكمة البالغة في شرعه، وخلقه، وفعله (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (1)
قول كلمة لو عندما تحل المصيبة: وذلك إذا كان الحامل عليها الحزن، والضجر، والجزع، وضعف الإيمان بالقدر كحال من يقول إذا نزلت به مصيبة كخسارة مالٍ، أو تلف زرع، أو فقد أنفس، أو غير ذلك: لو أني فعلت كذا وكذا لما كان كذا وكذا، أو لكان كذا وكذا.
فهذه المقولة خطأ وخطل، وسفه وجهل، ونقص في العقل، ذلك أن العبد مأمور عند المصائب بالصبرِ، والاسترجاعِ، والتوبةِ، وقولُ لو لا يجدي عليه إلا الحزن والتحسر، مع ما يخاف على توحيده من نوع المعاندة للقدر، الذي لا يكاد يسلم منها من وقع منه هذا، إلا ما شاء الله.
ولهذا نعى الله عز وجل على المنافقين مقولتهم: (لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا) (2)
ومقولة: (الَذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا) (3)
فرد الله عليهم وعلى أمثالهم بقوله: (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (4)
هذا وقد أرشدنا النبي "إذا أخذنا بالأسباب، وحرصنا على ما ينفعنا، وأتت الأمور على خلاف ما نريد ألا يقول أحدنا: لو أني فعلت كذا وكذا ولكن يقول: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان.
ففي هذا الحديث ملمح من ملامح الكمال في الشريعة؛ فالإسلام ينأى بالمسلم أن يسترسل مع أحزانه، وَيَرْبَأ به أن يعيش على اجترار ماضيه؛ لأن ذلك لا يجدي عليه شيئاً، كما أنه يرشده إلى ما هو أنفع وأولى وهو التعزِّي بالقدر، والسعي فيما ينفع مستقبلاً.
قول كلمة ليت كذلك: وهي من جنس كلمة لو فهما لا يجديان بعد حصول الأمر المقدر، بل حينئذ التسليم لله، والإيمان به، والتعزي بقدره، مع حسن الظن به، والرغبة في ثوابه؛ فذلك عين الفلاح في الدنيا والآخرة.
وصدق من قال:
ليت شعري وأين مني ليت / إن ليتاً وإن لوّاً عناء
وما أجمل قول نابغة جعدة:
خليليَّ عوجا ساعةً وتَهَجَّرا / ولُومَا على ما أحدث الدهرُ أو ذرا
ولا تجزعا إن الحياة قصيرةٌ / فَخِفَّا لروعات الحوادث أو قِرا
وإن جاء أمرٌ لا تطيقان دفْعَه / فلا تجزعا مما قضى الله واصبرا
ألَمْ تريا أن الملامة نَفْعُها / قليلٌ إذا ما الشيءُ ولى وأدبرا
تهيج البكاء والندامةَ ثم لا / تُغَيِّر شيئاً غير ما كان قُدِّرا
القيام بفعل ما يشعر بالاعتراض على الأقدار: كفعل بعض الجهال عند المصيبة من شق الجيوب، ولطم الخدود، والنياحة، وحلق الشعر، والدعاء بالويل والثبور، وغير ذلك من أعمال الجاهلية الأولى التي تنافي الإيمان بالقدر، والتسليم لله عز وجل .
جاء في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال النبي ": ليس منَّا من لطم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية.
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: قوله (لطم الخدود) خص الخد بذلك لكونه الغالب في ذلك، وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك.
قوله: (وشق الجيوب) جمع جيب بالجيم الموحدة وهي ما يُفتح من الثوب؛ ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه: إكمال فتحه إلى آخره وهو من علامات التسخط.
وقال ابن حجر : أي من النياحة ونحوها، وكذا الندبة كقولهم: وا جبلاه، وكذا الدعاء بالويل والثبور.
الحسد: فالحسد داء عضال، وسمٌّ قتَّال، لا يسلم منه إلا من سلَّمه الكبير المتعال؛ ولهذا قيل: لا يخلو جسد من حسد؛ ولكن اللئيم يبديه، والكريم يخفيه.
والحسد هو تمني الحاسد زوال نعمة المحسود، أو هو كراهة الحاسد وصول النعمة إلى المحسود.
والحسد في حقيقته إنما هو اعتراض على قدر الله؛ لأن الحاسد لم يرض بقضاء الله، ولم يُسلِّم لقدره.
فلسان حال الحاسد يقول: إن فلاناً أُعطي وهو لا يستحق، وفلاناً منع وهو يستحق العطاء.
فكأنه بحسده هذا يقسم رحمة ربه بين العباد، وكأنه يقترح على ربه ما يراه ملائماً في نظره! فهو بصنيعه هذا يقدح في حكمة الله عز وجل وَوَضْعِهِ الأشياء في مواضعها اللائقة بها؛ فمن تمام الإيمان تركُ الحسدِ، والتسليمُ لله في جميع الأمور، فالمؤمن الحق لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، لإيمانه بأن الله هو الذي رزقهم، وقدر لهم معايشهم؛ فأعطى من شاء لحكمة، ومنع من شاء لحكمة، وأنه حين يحسد غيره إنما يعترض على قدر الله، ويقدح في حكمته.
ولهذا قيل: من رضي بقضاء الله لم يسخطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يَدْخُلْهُ حسد.
تمني الموت: فهناك من إذا ابتلي ببلاء، واشتدت به اللأواء تمنى الموت؛ ليتخلص بزعمه مما ألمَّ به! كما قال أحدهم:
ألا موت يباع فأشتريه / فهذا العيش ما لا خير فيه
فهذا خطأ؛ فلا يجوز للمؤمن أن يتمنى الموت؛ فإن كان لابد متمنياً للموت فليدعُ بالدعاء المأثور في ذلك.
قال ": لا يتمنين أحدكم الموت؛ لضرٍّ نزل به، فإن كان لابد متمنياً للموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي.
قال ابن حجر في شرح الحديث: لأنَّ في التمني المطلق نوعَ اعتراض، ومراغمة للقدر المحتوم، وفي هذه الصورة المأمور بها نوع تفويض وتسليم للقضاء.
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في شرح هذا الحديث: هذا نهي عن تمني الموت للضر الذي ينزل بالعبد، من مرض، أو فقر، أو خوف، أو وقوع في شدة ومهلكة، أو نحوها من الأشياء؛ فإن في تمني الموت لذلك مفاسدَ، ومنها: أنه يؤذن بالتسخط والتضجر من الحالة التي أصيب بها، وهو مأمور بالصبر، والقيام بوظيفته، ومعلوم أن تمني الموت ينافي ذلك.
ومنها: أنه يضعف النفس ويحدث الخور، والكسل، ويوقع في اليأس.
والمطلوب من العبد مقاومة هذه الأمور، والسعي في إضعافها، وتخفيفها بحسب اقتداره، وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به، وذلك موجب لأمرين: اللطف الإلهي لمن أتى بالأسباب المأمور بها، والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجاؤه.
ومنها: أن تمني الموت جهل وحمق؛ فإنه لا يدري ما يكون بعد الموت؛ فربما كان كالمستجير من الضر إلى ما هو أفظع منه، من عذاب البرزخ وأهواله.
ومنها: أن الموت يقطع على العبد الأعمال الصالحة التي هو بصدد فعلها والقيامِ بها، وبقيةُ عُمُرِ المؤمن لا قيمة له، فكيف يتمنى انقطاعَ عملٍ الذَّرَّةُ منه خيرٌ من الدنيا وما عليها؟.
الإقدام على قتل النفس الانتحار : فهناك من إذا ضافته الغموم، وحضرت رحلَه الهمومُ، ولم يجد من كُرَبِه متنفساً، ولا من مضايقه مخرجاً أقدم على قتل نفسه؛ رغبة في الخلاص من الدنيا، والراحة من عنائها ولأوائها.
فهذا الصنيع منافٍ للإيمان بالقدر، والتسليم لله عز وجل في كل أمر، وهو من الأمور التي حرمها الله، وحذَّر من فعلها، وتوعد مرتكبها بالوعيد الشديد، قال تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) (5)
ثم إن الذي يقدم على هذه الفعلة إنما أقدم عليها؛ رغبة في الراحة والخلاص من العناء بزعمه !.
فمن أوحى إليه أنه سيجد الراحة وسيتخلص من العناء، وهذا الوعيد الشديد بانتظاره إذا هو أقدم على تلك الفعلة؟
التسخط بالبنات: فبعض المسلمين هداه الله إذا رزقه الله بنتاً تسخط بها، وضاق ذرعاً بمقدمها.
فهذا الصنيع ولا شك من أعمال الجاهلية الأولى، وأخلاق أهلها الأجلاف، الذين ورد ذمهم، والتشنيع عليهم في الكتاب والسنة.
وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فلو زرت مستشفى للولادة في بلاد المسلمين، وقلبت طرفك في وجوه الحاضرين ممن ولد لهم بنات، وراقبت كلامهم، وسبرت أحوالهم لرأيت توافقاً عجيباً، وتطابقاً غريباً بين حال كثير من هؤلاء وحال أهل الجاهلية الذين قص الله تبارك وتعالى علينا خبرهم، وأنهم (إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)(6).
ومن مظاهر التسخط بالبنات أن يُكتَشفَ في بعض المستشفيات ما برحم المرأة من ذكر أو أنثى، وذلك عبر الأشعة الصوتية، فإن كان ذكراً بَشَّرُوا، وإن كان أنثى أقصروا، بل ربما عزَّوا !
وهذا الأمر جد خطير، ويترتب عليه عدة محاذير، منها:
ألف - أنه اعتراض على قدر الله عز وجل .
ب - أنه ردٌّ لهبته سبحانه وتعالى بدلاً من شكرها، وكفى بذلك مقتاً وتعرضاً للعقوبة.
ت - أن فيه إهانةً للمرأة، وحطَّاً من قدرها، وتحميلاً لها ما لا تطيق.
ث - أنه دليل على السفاهة والجهل، والحماقة، وقلة العقل.
جـ - أن فيه تشبهاً بأخلاق أهل الجاهلية.
فما أحرى بالمسلم أن يتجنب هذه المسالك، وأن ينجو بنفسه من تلك المهالك؛ فالتسليم لقدر الله أمر واجب، والرضا به من صفات المؤمنين.
ثم إن فضل البنات لا يخفى؛ فهن الأمهات، وهن الأخوات، وهن الزوجات، وهن نصف المجتمع، ويلدن النصف الآخر؛ فكأنهن المجتمع بأكمله.
ومما يدل على فضلهن أن الله عز وجل سمى إيتاءهن هبةً، وقدمهن على الذكور في قوله: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) (7)
وكذلك الرسول " بَيَّنَ فضلهن، وحث على الإحسان إليهن، كما في قوله: من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار.
ولقد أحسن من قال:
حبذا من نعمة اللـ ـه البناتُ الصالحاتُ
هن للأُنس وللنسـ ــل وهن الشجراتُ
وبإحسان إليهـ ـن تكون البركاتُ
قول بعضهم إذا سمع بوفاة شخص: هل مات بسبب أو قضاءً وقدراً؟: فهذا خطأ، ذلك أن الموت بسبب أو بغير سبب كله بقضاء الله وقدره.
وكان الأولى أن يقال: هل مات بسبب أو بغير سبب؟ أو هل مات بسبب ظاهر أو بسبب غير ظاهر؟
قول بعضهم عند التعزية: البقية في حياتك: فمن الناس من إذا أراد التعزية في الميت قال: البقية في حياتك، أو ما شابه ذلك.
وهذا خطأ؛ فأي بقية بقيت، والله عز وجل يقول: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (8)
فالميت يموت وقد استوفى أجله تماماً، ولم يتقدم ولم يتأخر فأين تلك البقية؟!.
ثم إن في ذلك مخالفةً للسنَّة في التعزية، فالسنة أن يقال: لله ما أخذ ولله ما أعطى،أوأعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وغفر لميتك، وهكذا.
المصادر:
1- سورة الأنبياء: 23.
2- سورة آل عمران: 154
3- سورة آل عمران: 168
4- سورة آل عمران: 168.
5- سورة النساء:2930.
6- سورة النحل: 5859
7- سورة الشورى: 49.
8- سورة الأعراف: 34.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ما حدث في مولد الرسول الأعظم (ص)
في خصائص صفاته واخلاقه وعباداته يوم عاشوراء
الإمام الصادق (عليه السلام) يشهر سيف العلم!
قرّاء القرآن و كيفية قراءته
منكروا المهدي من أهل السنة وعلة إنكارهم
مفاتيح الجنان(300_400)
حبيب بن مظاهرو حبه لأهل البيت
حديثٌ حول مصحف فاطمة (ع)
قال الحكيم و المراد بعترته هنا العلماء العاملون ...
الوصايا

 
user comment