عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

حكومة العلويين في طبرستان .

حكومة العلويين في طبرستان .

تـعـرضـت الـمناطق الشمالية في ايران للهجوم منذ اواخر عهد عثمان و تصالح اهالي مازندران مع الـمـسـلمين على دفع الجزية طيلة القرن الاول والثاني اما اهالي جيلان والديلم فقد صمدوا امامهم ردحـا مـن الـزمـن و مـا استسلموا الا بقبول الاسلام الزيدي فحسب و ظلوا على عدائهم الشديد لـلـمـسلمين حتى العصر الذي حكم فيه العلويون مناطقهم و كانوا يقومون بهجماتهم المستمرة ضد الـمـنـاطـق الجنوبية , لا سيما قزوين التي كانت حصنا حصينا للمسلمين , والحد الفاصل بين الكفار والمسلمين يومئذ و راينا قبل ذلك ان يحيى بن عبداللّه ثار فيها, ثم استسلم بعد حين .
و تـكشف لنا هذه الحركة نقطتين : الاولى : وجود عدد من العلويين في طبرستان والاخرى : العناية الخاصة التي كان يوليها اهل الديلم بهم و من المحتمل ان احدالبواعث الرئيسة على هذه الوحدة (مع ان الاسلام لم يتغلغل في تلك المنطقة بعد) هووجود العدو المشترك المتمثل بالعباسيين و كان لجؤ العلويين الى هذه المنطقة بسبب عجز الجيوش العباسية من التسرب فيها يضاف الى ذلك , وجود العدا بـيـن اهـلـهـا و بـيـن حـكـامهم و كانت منطقة طبرستان خاضعة لنفوذ الطاهريين و عندما ظفر مـحمدبن عبداللّه بن طاهر بيحيى بن عمر الطالبي , اقطعه المستعين شالوس و كلار و وجه محمد الـيـهـمـانـائبـه جـابـر بـن هـارون النصراني و حينما كان سليمان بن عبداللّه بن طاهر حاكما عـلـى طـبـرسـتـان , فـان عـامـله فيها هو محمد بن اوس البلخي الذي كان مستحوذا عليه ففرق اولاده الاحـداث في مدن طبرستان المختلفة , فاساؤوا الى اهلها مما ادى الى تشويه سمعة آل طاهر و لم تقف اعتداات محمد بن اوس عند طبرستان فحسب , بل هاجم الديلم ايضا وآذى اهلها بالضرب والشتم و سبى منهم جماعة
((700)) .
و تـوجه عدد من الناس الى احد العلويين في طبرستان و يدعى : محمد بن ابراهيم ,و طلبوا منه ان يقودهم بيد ا نه ارشدهم الى الحسن بن زيد الذي لقب بالداعي الكبير فيمابعد.
و يـمـكن ان تكون هناك بواعث عديدة ورا التوجه الى العلويين و اولها ان العلويين كانوا معروفين بـالـنـزاهـة والعفة و في ضؤ ما نقله ابن اسفنديار فان الناس عندما كانوا يرون السادة المقيمين في مـنـاطـقهم , يعتقدون بزهدهم و علمهم و ورعهم و كانوا يقولون : السادة هم الذين يمثلون السيرة الاسـلامـية
((701)) ثانيا: كان العلويون يعارضون العباسيين ,والطاهريين على نحو خاص و قبل ذلـك , كان محمد بن عبداللّه بن طاهر الحاكم الحقيقي لطبرستان , و ينظر اليه على ا نه قاتل يحيى بـن عـمـر العلوي الذي خرج في الكوفة و من هذا المنطلق , كان الطالبية يشناون اولاد طاهر بن الحسين دائما ((702)) و طبيعيا ان هؤلايستطيعون ان يخلصوا اهالي طبرستان من شرهم بالنظر الى هذا الشنن .
و كان الحسن بن زيد يعيش في الري التي تمثل مركزا آخر من مراكز العلويين و قد تحسنت كثيرا آنـذاك , و نـفـضـت عـنـهـا غـبـار الـنـصب (نصب العدا لاهل البيت ـعليهم السلام ) و مالت الى العلويين
((703)) .
و رحـل الـحسن بن زيد الى طبرستان بعد دعوة اهلها اياه فاتخذت طابعا جديدابدخوله فيها و في ضؤ ما قاله ابن اسفنديار, فان اهل طبرستان بجملتهم قبلوابيعته
((704)) .
و افلح في السيطرة على هذه المنطقة بعد اشتباكات و اصطدامات متكررة مع حكامهاالطاهريين .
و كـانـت آمل , و ساري , و حتى جرجان , و جيلان , والديلم من المناطق التي حكمهاالعلويون طيلة عـشرين سنة , و قد تخللتها اصطدامات متفرقة مع الطاهريين حينا, و مع يعقوب بن الليث الصفاري حـيـنـا آخـر, فـانـهزموا و تراجعوا بعد مدة بيد ان هذه المنطقة الوعرة ـ التي لم يتمكن احد من السيطرة عليها الا الديالمة ـ ظلت بيد العلويين الذين كانوايتحببون الى الناس
((705)) .
و تـعـتـبر حكومة العلويين في طبرستان اول حكومة تاسست في الشرق الاسلامي بعيدة عن دعم العباسيين لذلك لم ترقهم , فحرضوا يعقوب بن الليث الصفاري على الاطاحة بها
((706)) .
و كـان اضـطـراب الاوضـاع في العراق و جنوب ايران بسبب ثورة الزنج سنة 255 ه ,و كذلك تـخلخل الوضع في خراسان نتيجة الاصطدامات القائمة بين الصفاريين و الطاهريين , كل ذلك ساعد طـبـرسـتـان عـلى ان تعيش الهدؤ و الاستقرار و على حد تعبيرالمرعشي ((فان الداعي استقل بالحكومة في طبرستان خلال تلك الفترة
((707)) )).
و اسـتطاع الداعي طيلة حكومته التي امتدت من سنة 250 حتى سنة 270 هـ ان يتغلب على مناطق الري , و زنجان , و قزوين عدة مرات
((708)) و بعث في تلك السنة احدالعلويين , و هو محمد بن جـعفر, الى المناطق المذكورة بيد ا نه وقع في فخ الطاهريين بعدحين ((709)) و نهض الحسين بن احمد العلوي في قزوين سنة 251 ه , و طرد ولاة الطاهريين منها ((710)) كما ان الحسين بن زيد, و هو اخو الحسن بن زيد, بويع في لاريجان , و قصران (شمال طهران الحالية ) و ذلك عندما استولى اخوه على ساري آنذاك ((711)) .
هـذه الانتفاضات قامت ـ في الحقيقة ـ مع تحرك العلويين في شمال ايران و فجرالعلويون عشرات الانتفاضات في مصر, والعراق , والحجاز, و ايران خلال تلك الفترة و ذكرها الطبري , و ابن الاثير في كتابيهما.
و كان الحكام العباسيون يرون في طبرستان قاعدة لجميع هذه التحركات بخاصة ان حكومة العلويين لم تعترف بالحكومة العباسية في بغداد و يمكن ان يشكل هذا التوجه انذارا بظهور حكومات مستقلة اخـرى لا سيما ا نهم كانوا يشتبكون مع انصار الحكم العباسي بكل عنف كما نقل ابن اسفنديار ((ان الـحـسن بن زيد كان يقتل كل متعاطف مع المسودة (العباسيين ), و ينحي باللائمة على كل واحد من هؤلا حتى وجفت قلوب الناس , فلم يفكروا الا بطاعته و استرضائه
((712)) )).
مـن هـذا الـمـنـطلق كان العباسيون يرغبون كثيرا في قمع هذا التحرك و على الرغم من ا نهم لم يعتبروا يعقوب بن الليث عنصرا صالحا, بيد ا نهم شجعوه و دعموه في تحركه نحو طبرستان لكنه هـزم و رجـع خـائبا بعد ان قصدها في سنة 260 ه و قد سبق ان بعثواموسى بن بغا, و مفلحا قبله لـلـقـضـا على الحكومة العلوية , و نجحا نوعا ما لولا موت المعتز الذي سبب رجوعهما الى بغداد, فاستولى الحسن بن زيد مرة اخرى على طبرستان .
و يـرى الـبـعض ان الحسن بن زيد كان زيدي الاتجاه بينما يرى آخرون ا نه من سادات الشيعة و علمائهم , و احد ولاة الامامية
((713)) .
طـبـيعيا, اذا كان الحسن زيديا, فان فقهه فقه حنفي و بغض النظر عن تشابه الفقه الحنفي والزيدي فـان لـلفقه الزيدي قواسم مشتركة مع الفقه الاثني عشري ايضا, لا تمت بصلة الى الفقه السني حتى عـصـر زيد بن علي , بل هي مختصة بالشيعة و ظلت هذه القواسم وحدهاللزيدية من الفقه الشيعي , ولم يزيدوا عليها شيئا, و تمسكوا بالفقه الحنفي لاسباب مختلفة .
و نـقـل عـن عمر بن ابراهيم بن محمد ابي البركات الحسيني الزيدي الكوفي الذي كان احد علما الـزيدية الكبار في القرن الخامس والسادس (م 539) ا نه قال : ((انا زيدي لكني افتي على مذهب ابي حنيفة
((714)) )).
و نـلـحـظ هـذه الـقواسم في التعليمات الدينية للحسن بن زيد فقد ذكر ولاته كافة بعددمن النقاط لـيـعـمـلـوا فـي ضوئها منها: العمل بكتاب اللّه و سنة رسوله ـ صلى اللّه عليه وآله ـ وما نقل عن امـيـرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ في الاصول والفروع بطريق صحيح , و تفضيل علي ـعليه السلام ـ على جميع الامة الا رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه و آله , و نهي الناس عن القول بالجبر و التشبيه , و مـخـالـفة الموحدين الذين يعتقدون بالعدل والتوحيد, و كذلك نهيهم عن نقل الحديث في تفضيل اعدا اللّه
((715)) و اعدا علي ـ عليه السلام و تكليفهم باجهار البسملة في الصلاة , و الاتيان بالقنوت في الـصـلوات الخمس كلها (على عكس اهل السنة ((716))), والتكبير خمسا في صلاة الميت (عند الـسـنة اربع تكبيرات ), و نهي الناس عن المسح على الجورب , و الزامهم باضافة ((حي على خير الـعـمـل )) فـي الاذان والاقـامة , وتثنية الاذكار في الاقامة و اعلن في ختام تعليماته ان من خالف امرهم , فهو ليس منهم ((717)) .
تـتـفق هذه الاحكام ـ كما مر بنا ـ مع فقه الشيعة الامامية لكنها لا تدل على تشيع امامي ,لان الزيدية يعتقدون بهذه الاحكام نفسها في نطاق محدود و قال المرحوم الامين في الحسن بن زيد: اظهر مذهب اهـل الـبـيت في الاصول والفروع , و دعا الى الرضا من آل محمد
((718)) و عندما نقوم بدراسة دقـيـقـة لاحـدى رسائله المسماة بالحسبة , و كذلك لكتاب الابانة , فاننا نفهم منهما ا نه مؤلف الكتب المهمة للزيدية ((719)) و بغض النظر عن نشاطاته الشيعية , فقد نقل ابن حوقل ا نه كان واسطة لاسـلام جـمـاعة من الديالمة , في وقت كان الناس ما زالوا على كفرهم حتى تلك الفترة ((720)) يضاف الى ذلك , ا نه جاهد الكفار,و قتل منهم الفين , و وقعت غنائم كثيرة في يده قسمها على الديالمة و بـذل جـهـوده لـرفـع الظلم عن طبرستان و محاربة الفساد فيها و عندما سمع ان بعض الديالمة سـرقـوا, نـصـحـهـم فـي بـادئ الامـر و لما لم يقبلوا نصيحته , قطع ايدي و ارجل الف شخص مـنـهـم ((721)) وفـي الـيـوم الاول الـذي بويع فيه , جعل اساس بيعته العمل بكتاب اللّه و سنة رسوله ـصلى اللّه عليه و آله ـ والامر بالمعروف , والنهي عن المنكر ((722)) .
و قال ابن الاثير : ((الحسن بن زيد كان متواضعا للّه
((723)) )).
ان حـكـومـة العلويين في طبرستان شجعت كثيرا من السادة على التجمع فيها, و من ثم ارسا دعائم التشيع هناك يقول المرعشي : ((لما كان الداعي رؤوفا بالسادة عطوفا عليهم ,التف حوله كثير منهم فكان اذا ركب , ركب معه ثلاثمائة سيد مقاتل و هم يحملون سيوفهم
((724)) )).
و يـقول ابن اسفنديار ايضا : (( والتحق به يومئذ السادة العلويون و بنو هاشم من الحجازو اطراف الشام والعراق , و عددهم عدد اوراق الاشجار, فبرهم و اكرمهم جميعا و كان كلما ركب , احاط به ثلاثمائة علوي شاهرين سيوفهم
((725)) )).
و اسـتحكم الاساس العلمي للفقه و العقائد الشيعية في طبرستان من خلال كتب الحسن بن زيد نفسه و نـسـب الـيـه ابـن النديم عددا من الكتب , منها: الجامع في الفقه , و كتاب البيان , و كتاب الحجة في الامامة
((726)) .
و يـسـتشف من كتابه الاخير, بخاصة , نوعا من التشيع الذي يرى ان الامامة من اللّه و هذا التشيع لا يـمـكـن ان يـكـون تـشيعا زيديا, اذ ان الزيدية لا يقرون بهذه الرؤية الصريحة في الامامة و لعل الـمـقصود هو التشيع الاثنا عشري و يستخلص من رواية اخرى ا نه كان يناهض العقائد المضادة للشيعة في طبرستان بكل قوة
((727)) .
و يـبـدو ان الـشيعة ذوي العقائد الامامية كانوا موجودين في بعض المدن و منها جرجان ,قبل قيام حكومة العلويين في تلك الارجا
((728)) .
و كـان نـائب الـحـسن بن زيد اخاه محمد بن زيد الذي نصبه اخوه واليا على جرجان و اخذ الداعي الكبير البيعة لاخيه عند دنو اجله بيد ان صهره ابا الحسين خرج بعد وفاته , و بايعه جماعة و لكنه هرب الى شالوس بعد قدوم محمد من جرجان .
و كـانـت المناطق الشمالية في ايران يومذاك تعيش صراعا بين ثلاث قوى , يمثلها كل من عمرو بن الـلـيث الصفاري , و رافع بن هرثمة , و محمد بن زيد و كانت بغداد من جانب آخر تحاول ان تستغل الـخـلافـات الناشبة بين هؤلا الثلاثة لمصلحتها فتنصب احدهم والياعلى احدى المدن , و تحرض الاخـر ضده ليخرج المدينة من قبضته علما ا نهم كانواانفسهم يتطلعون الى خراسان , والري ايضا لذلك كانت الحروب قائمة بينهم باستمرارللسيطرة على المنطقتين المشار اليهما.
و اخـيرا, فر رافع بن هرثمة في احدى الحروب , ثم قتل و اما عمرو بن الليث فقد وقع في قبضة السامانيين بخراسان و هكذا خلت طبرستان لمحمد بن زيد.
يقول المرعشي في هذا المجال : (( وصل في سنة 282 ه خبر مفاده ان اسماعيل بن احمد الساماني قبض على عمرو بن الليث و قتله فتفرغ السيد من كل الجهات تماما, و ذاع صيته في الافاق ا نه ذو هـمـة و مـرؤة و رغـب الـعرب , والعجم , والروم , والهنود, و الملوك ,و العلما في استرضائه و مؤاخاته , فاشتهر بسمعته الطيبة
((729)) )).
و نـستنتج من هذا التعبير ا نه كان متواضعا مع الناس و ان حكومته كانت من الحكومات التي جسدت العدل العلوي في ايران .
و نـقـل ابـن الاثـيـر روايـة تشعر ا نه كان يدعم العلويين الرازحين تحت نير الظلم في العراق , والحجاز, عبر ارساله المساعدات المالية اليهم
((730)) .
و عـنـدمـا احـكـم الـسـامانيون قبضتهم على منطقة ماوراالنهر, و تغلبوا على عمرو بن الليث في خـراسـان , تـطـلعوا الى حكومة طبرستان فوجه اسماعيل بن احمد الساماني جيشا اليها, و حدثت مـواجـهـة خطيرة بين الطرفين استشهد الداعي فيها من فوره و هكذااستولى السامانيون على هذه المنطقة ايضا و سنتحدث عن استمرار الحكومة العلوية في القرن الرابع بعد.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

افتتح البخاري صحيحه بالطعن في النبي صلى الله ...
فاطمة بنت أسد عليها السّلام
في رحاب نهج البلاغة (الإمام علي عليه السلام ...
المأساة والتأسي
محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ...
الموالي و اعدادهم من قبل الائمة ـ عليهم السلام .
المقال الذي سبب أزمة فى مصر
مناظرة الشيخ المفيد مع أبي القاسم الداركي في حكم ...
الليلة الوحيدة في التأريخ
الحكومة البويهية والتشيع .

 
user comment