سماحة الاستاذ العلامة انصاریان:إنّ هؤلاء ينأون بأنسفهم عن علماء الدين ويفرون من المسجد

النهي عن معاشرة المعرضين عن الحق‌

إن آيات القرآن الكريم في ذلك تتضمن ارشادات في غاية الأهمية بحيث لو أنّ الناس اهتموا بتلك الارشادات لأدّى‌ ذلك إلى‌ سعادة دنياهم وآخرتهم:
__________________________________________________
 (1)- الكافى: 2/ 640، باب من تكره مجالسته، حديث 5؛ وسائل الشيعة: 12/ 30، باب 16، حديث 15561.
 (2)- قرب الإسناد: 25؛ بحار الأنوار: 71/ 191، باب 14، حديث 5.
 (3)- بحار الأنوار: 71/ 191، باب 14، حديث 34؛ مستدرك الوسائل 12/ 312، باب 36، حديث 14173.

                        نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 88

 [وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى‌ بِجانِبِهِ...] «1».
هناك من الافراد من انساه المال والثراء والرفاهية والتقدم في الحياة الدنيا عن ذكر اللَّه فغفل عن أوامره، وظن أنّ المال والثراء مفتاح لكل معضلة وطريق لبلوغ كل شي‌ء فيحسبون أنّ ثروتهم أصل وأساس ويظنون بأنهم يجب أن يحكموا على‌ كل أحد وكل شي‌ء، والجميع يلبّوا رغباتهم ويحترمونهم في كل موقع؛ حينذاك يمتلؤ ظرف وجودهم بالغرور وترتفع السنة نيران جهنم الاستكبار من داخلتهم فيبتلون بسلوك وخلق وتصرفات لا تزيدهم الا بعداً من اللَّه وعصياناً لأوامره.
إنّ هؤلاء ينأون بأنسفهم عن علماء الدين ويفرون من المسجد والمحراب والوعظ والموعظة ولا يعتنون بالدين والمتدينين ويختارون طريقاً غير طريق اللَّه ونظام الوجود ويُقبلون على المتع التافهة واللذات الحيوانية، ولا يبدون أدنى‌ استعدادٍ لاستماع الحقائق الالهية، وكل من وقف إلى‌ جانبهم يريدونه مثلهم مستهتراً ومارداً وخارجاً على الحق.
هؤلاء القوم يُعرفون في جميع المدن وبين كافة الأوساط وفي كل حيٍّ وزُقاق، إنّ القرآن الكريم يوصي الناس جميعاً بالاعراض عنهم وترك مصاحبتهم وعِشرتهم، فيقول:
 [وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ...] «2».
 [وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ‌] «3».
__________________________________________________
 (1)- الاسراء (17): 83.
 (2)- انعام (6): 68.
 (3)- سجده (32): 22.

                        نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 89

هناك من الناس من يجب انذارهم بالآيات القرآنية وأمرهم بالمعروف ونهيم عن المنكر وأن تتم الحجة عليهم لكي تنفتح عليهم أبواب السعادة، ولكن عند ما يعطف عليهم بهذه الطريقة؛ تثور ثائرتهم ويعرضون عن آيات اللَّه غاضبين ويتمسكون بعروة الشقاء والتعاسة ولا يرغبون في أن يتحلّون بالاخلاق الفاضلة والأعمال اللائقة والعقائد الصالحة.
اولئك، في هذه الحال يجدر أنّ يعتزلهم الناس ويجتنبون صحبتهم ومعاشرتهم حذراً من أن يلقون بالانسان في بئر الضلالة وان يسدون أبواب رحمة المولى الحق عليه وأنْ يحرمونه من سعادة الدارين، يقول الكتاب العزيز:
 [فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا* ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ...] «1».
وهناك من الناس من يعرض بعلم وعمد عن ذكر اللَّه والآيات القرآنية وحلال المولى الحق وحرامه والحقائق الأصيلة؛ ولا يفكر إلّابالشهوات الجنسية والثروة، المنصب والرياسة والهوى‌ وإتّباعه.
إنّ هذا الصنف يريد أن توظف جميع شؤون الحياة وحتى‌ كدح الناس في خدمة شهواتهم وأميالهم ورغباتهم الجامحة ويُقصون كل من لا يكون في مسار رغباتهم فينصبون له العداء ويكنّون له البغضاء.
هؤلاء لا يريدون هداية الرب سبحانه وليست لهم رغبة في الآخرة ولا يُقدّرون ما تحمّله الأنبياء من أتعاب ولذلك فان الرب الرحيم أمر بحزم‌
__________________________________________________
 (1)- نجم (53): 29- 30.

                        نظام العشره فى المنظور الاسلامى، ص: 90

 «أن اعرضوا عن هذا النوع من الناس حفظاً لقيم الانسان واجتنبوا مخالطة ومعاشرة وصحبة هؤلاء الغافلون الجهلاء بالحقائق الالهية».
في الأخبار أيضاً وجّهت تحذيرات بليغة، وقد وردت الروايات التالية الهامة للغاية في هذا المعترك وهي أفضل مرشد.