عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

رساليّة المعركة

رساليّة المعركة

الذهنيّة العامّة للمسلمين -باستثناء الشام- بدأت الأمر وهي تفسّر هذا الخلاف بين علي (عليه الصلاة والسلام) ومعاوية بأنّه خلافٌ بين خطّ خلافةٍ راشدةٍ وبين شخصٍ يحاول الخروج على هذه الخلافة الراشدة. كانوا ينظرون إلى عليٍّ -بشكل عام- [على‌] أنّه هو الخليفة الراشد الذي يريد أن يحافظ على الإسلام، ويحافظ على خطّ القرآن، وأنّ معاوية بن أبي سفيان يحاول أن يتآمر.
هذا المفهوم استطاع أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) أن [يحقنه‌] بالرغم من كلّ تلك الظروف الموضوعيّة، استطاع أن [يحقنه‌] في ذهن القاعدة الشعبيّة الواسعة في كلّ أرجاء العالم الإسلامي، عدا القطر الذي كان يرتبط بمعاويةبن‌أبي سفيان.
وهذه الذهنيّة هي التي كانت تصبغ على المعركة بين عليٍّ ومعاوية طابعَ الرسالة، كانت تعطيه هذه المعركة معنىً رساليّاً، وكانت تفسّر هذه المعركة بأنّها معركة بين اتّجاهين، بين فكرين، بين هدفين، وليست بين شخصين أو بين زعامتين شخصيّتين، إلّا أنّ الاُمور تطوّرت بعد هذا.
ظهور الشكّ في رساليّة المعركة عند احتدامها وتناميه:
من الصعب جدّاً أن نقول اليوم بأنّ المسلمين بدؤوا يشكّون شكّاً واسعَ النطاق في أنّ هذه المعركة بين أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) وبين معاوية بن أبي سفيان كانت معركة رساليّة، من الصعب هذا.
الآن نتصوّر أنّه كيف يمكن للمسلمين أن يشكّوا في أنّ المعركة التي كانت قائمةً بين إمام الورع والتقوى والعدالة وبين الشخص الخائن المنحرف الجاهلي -عدوِّ رسول الله وابنِ عدوِّه- كانت معركةً رساليّة؟ كيف يمكن أن يُشكّ في أنّها لم تكن معركة رساليّة؟! إلّا أنّي لا أشكّ في أنّ عدداً كبيراً من المسلمين -ومتنامياً على مرّ الزمن في عهد خلافة أمير المؤمنين- بدأ يشكّ في أنّ هذه المعركة: أَهي رساليّة حقيقيّة أو ليست رساليّة.
أسباب الشكّ في رساليّة المعركة بين الإمام عليٍّ (عليه السلام) ومعاوية:
ولنمسك الآن بأسباب هذا الشكّ:
السبب الأوّل: تضاؤل الطاقة الحراريّة وتبدّد صبابة الوعي:
أوّلاً: يجب أن نعرف أنّ المسلمين الذين نتحدّث عنهم: من هم هؤلاء؟
هم اُولئك الذين عرّفناهم عقيب وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، هم اُولئك المسلمون الذين خلّفهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكانوا خير اُمّةٍ اُخرجت للناس على مستوى إيمانهم وطاقتهم الحراريّة واشتعالهم وكهربتهم بشخص النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والمبادئ التي طرحها النبيّ، ولكن لم يكن لهم من الوعي العقائدي الراسخ إلّا شي‌ءٌ قليل.
هذا المعنى نحن شرحناه وبرهنّا عليه في ما سبق‌، وقلنا بأنّ الاُمّة لم تكن على مستوى الوعي، وإنّما كانت على مستوى الطاقة الحراريّة.
إذاً، فنحن سوف لن نتوقّع من هذه الاُمّة -التي هي على مستوى الطاقة الحراريّة، لا على مستوى الوعي- نقاشاً رساليّاً منطقيّاً في حساب هذه المعركة.
كما أنّ هذه الطاقة الحراريّة سوف لن نترقّب فيها أن تبقى مشتعلة، وتبقى على جذوتها وحرارتها بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وانطفاءِ الشمس عن هذا المجتمع الإسلامي بعشرين سنة،أن‌ تبقى هذه الطاقة الحراريّة، هذا أيضاً ليس منطقيّاًوليس
إذاً، فيجب أن نفكّر في أنّ هذه الطاقة الحراريّة قد تضاءلت إلى درجةٍ كبيرة، وحتّى تلك الصبابة من الوعي، أو تلك البذور من الوعي التي كان رسول الله قد بدأ بها لكي يواصل بعد هذا خلفاؤه المعصومون عمليّة توعية الاُمّة، حتّى تلك البذور قد فُتّتت، وقد اُضعفت، وقد مُنع بعضُها من الإثمار، وبقي بعضها الآخر بذوراً لم تثمر .
إذاً، يجب أن نتصوّر الاُمّة الإسلاميّة بهذا الشكل.
السبب الثاني: نظرة المسلمين إلى معاوية قبل تكشّف أوراقه:
حينما نتصوّر الاُمّة الإسلاميّة بهذا الشكل، من ناحية اُخرى أيضاً يجب أن نتصوّر مفهوم المسلمين عن معاوية: هؤلاء المسلمون ما هو مفهومهم عن معاوية؟
نحن الآن ننظر إلى معاوية بعد أن استكمل حظّه من الدنيا وذهب إلى جهنّم، بعد أن دخل الكوفة وصعد على منبر أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) وقال بلسانه: «إنّي لم اُحاربكم لكي تصوموا وتصلّوا، وإنّما حاربتكم لأتأمّر عليكم»(1)، بعد أن أعلن بكلّ صراحةٍ ووقاحةٍ عن هدفه، وبعد أن طرح بكلّ برود شعارَ الخليفة المظلوم، وشعار الخليفة القتيل.
دخل عليه أولاد عثمان‌بن‌عفّان‌( بل دخل هو دار عثمان عندما قدم المدينة كما نُصَّ عليه في المصادر الآتية، وكلّم عائشة بنت عثمان.)، قالوا له«: لقد ملكنا هذا الأمر وتمّ الأمر لك يا أمير المؤمنين، فما بالُك لا تقبض على قتلة أبينا؟»، قال: «أَلا يكفيكم أن نكون حكّام المسلمين وسادة المسلمين»(2)؟!
نحن ننظر إلى معاوية بعد أن ارتكب الفظائع وغيّر الأحكام وأبدع في السنن، ننظر إلى معاوية بعد أن استخلف يزيد بن معاوية على أمر المسلمين، بعد أن قتل عشرات -بل مئاتٍ- من الأبرار ومن خيار المسلمين وقتئذٍ، نحن ننظر إلى معاوية بعد أن تكشّفت أوراقه.
لكن فلنفترض أنّ شخصاً يريد أن ينظر إلى معاوية قبل أن تتكشّف هذه الأوراق، فلنفترض اُولئك الأشخاص الذين كانوا يعيشون في إطار الاُمّة الإسلاميّة وقتئذٍ قبل أن تتكشّف أوراق معاوية.
معاوية ماذا [كان‌] من أوراقه [مكشوفاً] وقتئذٍ على مستوى المسلمين الذين كانوا يدورون في فلك حكومات السقيفة، ماذا كان من أوراق معاوية مكشوفاً وقتئذٍ؟!
أ- معاوية كان شخصاً قد مارس عمله الإداري والسياسي بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأقلّ من سنة. خرج من المدينة، ذهب إلى الشام، ذهب إلى هناك كعاملٍ على مدينةٍ في الشام‌، حتّى إذا مات أخوه اُسندت إليه ولاية الشام كلّها، وبقي معاوية هناك‌.(3)
بـ- وكان معاوية مدلّلاً محترماً معزَّزاً من قبل عمر بن الخطّاب‌ الذي كان يُنظَرُ إليه بشكل عام في المجتمع الإسلامي بنظرة الاحترام والتقدير، حتّى إنّ عمر بن الخطّاب حينما أراد أن يؤدّب ولاته تعلمون أنّه استثنى معاوية من هذا التأديب‌! حينما أراد أن يقاسم ولاته أموالَهم استثنى معاوية من ذلك‌(4)!
معاوية كان والياً معتمداً موثوقاً به، منزّهاً من الناحية الإسلاميّة عند عمربن الخطّاب‌.
جـ- وبعد هذا جاء عثمان فوسّع من نطاق ولاية معاوية بن أبي سفيان، وضمّ إليه أيضاً عدّة بلاد اُخرى إضافة إلى الشام‌، ولم يطرأ أيّ تغيّر في وضع معاوية بن أبي سفيان.
فمعاوية بن أبي سفيان لم يكن شخصاً مكشوفاً، بل كان شخصاً عنوانه الاجتماعي في الدولة الإسلاميّة أنّه والٍ حريصٌ على كرامة الإسلام، وأنّه هو الشخص الذي استطاع أن يدخل إلى قلب الخليفة الخشن الفظّ الغليظ الذي كان يحاسب وكان يعاقب‌، كان يضرب ابنه بحدّ الخمر حتّى يموت‌، هذا الخليفة لم يحدّ معاوية، ولم يظلم معاوية، ولم يعاتب معاوية بن أبي سفيان. هذا هو المنظور إليه، هذا هو المفهوم الذي كان...
معاوية بن أبي سفيان كان نتيجةً لهذه الترويجات من الحكّام المنحرفين، الذين كانوا مقدَّرين -بالرغم من كونهم منحرفين- من [قِبَل‌] أفراد الاُمّة الإسلاميّة، كان يتمتّع بسمعة طيّبة وبمفهوم طيّب.
د- هنا دخل لأوّل مرّة الصراع، دخل الصراعَ بشعار، هذا الشعار الذي حمله معاوية بن أبي سفيان كان يبدو -على مستوى البسطاء والسذّج من الناس وكثير من المغفّلين- شعاراً له وجهة شرعيّة.
كان يقول بأنّ عثمان قُتل مظلوماً، بأنّه لم يقتُل أحداً؛ إذ في القرآن لا يوجد هناك نصٌّ صريحٌ بأنّ الخليفة إذا استهتر بكرامة المسلمين وخان الإسلام واستهان بالمسلمين، هذا يستحقُّ أن يُقتل. مثل هذا النصّ الصريح غير موجود في القرآن، وإنّما النصُّ الصريح الموجود في القرآن أنّ من قتل مؤمناً فجزاؤه أن يُقتل‌.
وعثمان، بالرغم من أنّه خان الأمانة، وبالرغم من أنّه استهتر بالإسلام، وبالرغم من أنّه صيّر الدولة الإسلامية دولةَ عشيرةٍ وقبيلة، بالرغم من أنّه ارتكب هذه الجرائم التي أدنى عقابِها القتلُ، بالرغم من هذا، معاوية بن‌أبي سفيان يقول: هل هناك آية تقول بأنّ عثمان يستحقّ القتل، كثيرٌ من المغفّلين والهمج الرعاع أيضاً يقولون [إنّه لا يستحقّ القتل‌]، إذاً [فقد] قتل مظلوماً، فلا بدّ إذاً من القصاص من قاتله.
فيا علي بن أبي طالب! أَأنت قادرٌ على أن تعطي القاتل لي ولابن عمّي حتّى نقتله أو لا؟!
إن كنت قادراً فاعطِه؛ تطبيقاً لأحكام الإسلام. وإن كنت عاجزاً، إذاً فأنت عاجزٌ عن تطبيق أحكام الإسلام، فلا يجوز لك أن تتولّى حكومة الإسلام؛ لأنّ الخليفة يُشترط فيه القدرة على تطبيق أحكام الإسلام‌.
هذا هو الشعار اللئيم الخبيث الذي أعلنه معاوية بن أبي سفيان.
وأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في مقابل هذا الشعار لم يكن أيضاً يريد أن يصرّح بكلّ وضوح بأنّ عثمان كان جديراً بأن يقتل، كان يجب أن يقتل‌(1)؛ لأنّه لو صرّح بهذا إذاً لتعمّق اتّهام معاوية بن أبي سفيان له بأنّه هو القاتل، لطوّر التهمة من أنّه: «أعطني قتلة عثمان» إلى «أنّك أنت قتلت عثمان».
عليُّ بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) لم يكن يريد أن يصرّح على المكشوف وبالحرف الواحد أنّ عثمان بن عفّان كان يستحقّ أن يُقتل، فبقي هذا الشعار الذي قذفه معاوية وأطلقه شعاراً مضلّلاً إلى حدٍّ كبير. هذا من ناحية.
المصادر :
1- «إنّي والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا؛ إنّكم لَتفعلون ذلك، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون» مقاتل الطالبيّين: 77؛ شرح نهج البلاغة 16:15؛ البداية والنهاية 131 :8.
2- «لَأَنْ تكوني بنت عمّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني امرأةً من عرض المسلمين» البيان والتبيين 201 :3؛ عيون الأخبار 14 :1؛ أنساب الأشراف 125 :5؛ العقد الفريد 113 :5؛ التذكرة الحمدونيّة 174 :7. تاريخ مدينة دمشق 155 :59، وفي الأخير اختلاف.
3- تنقّل بين عدّة مدن، منها: قيساريّة والاُردن، فراجع: فتوح البلدان: 142؛ تاريخ الاُمم والملوك (الطبري) 67 :4.
4- الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1416 :3؛ البداية والنهاية 118 :8.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

وتسلّط‌ ارباب‌ السوء
اليقين والقناعة والصبر والشکر
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
أقوال أهل البيت عليهم السلام في شهر رمضان
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام
التميميّون من أصحاب الحسين (عليه السّلام)

 
user comment