عربي
Tuesday 19th of March 2024
0
نفر 0

یوم القدس العالمی

یوم القدس العالمی
 
حدث انتصار الثورة الإسلامیة هزة سیاسیة اجتماعیة وفکریة غیرت المعادلات الدولیة والتوازنات الاستراتیجیة فی العالم الذی تحکمه کتلتان الشرقیة والغربیة, لقد جاء هذا الانتصار بمنافس جدید لهما. حمل فکرا ثوریا إسلامیا شکل خطراً على مصالحهما ونفوذهما ظهرت معه متغیرات جدیدة بإطلاق الامام الخمینی (قدس) لیوم القدس العالمی فی آخر جمعة من شهر رمضان .
مع اطلالة الجمعة الاخیرة من شهر رمضان الکریم من کل عام، یستعد المسلمون على امتداد العالم بآذان صاغیة، وقلوب والهة، وعقول مستجیبة لتلبیة النداء الذی اطلقه امام القدس والامة روح الله الموسوی الخمینی الراحل (قدس سره)، حین دعا الى اعتبار هذا الیوم یوما عالمیا للقدس .
یلتقی فیه المسلمون المؤمنون من شتى البقاع والاصقاع لیجددوا الولاء والوفاء لقضیتهم المرکزیة وللقدس الشریف التی بقی الامام الخمینی الراحل یوصیهم بها طول حیاته لیخرجها من دائرة النسیان والاهمال التی اراد لها بعض الحکام فی عالمنا العربی والاسلامی.
بدایة لا بد من الاشارة الی أن الامام الخمینی (قدس سره) بدعوته هذه وضع القدس فی إطار نموذجها الکلی الشمولی وغایاتها المعرفیة، مما قدم الوعی المستنیر والفهم الواضح لها، وجاءت خطاب لدعوة الآخر إلى مراجعة أطروحاته من سائر النماذج الثقافیة الأخرى فی العالم . إذ قدم رؤیة جدیدة للقدس تنطلق من الإطار المعرفی الإسلامی بعد تحدید الإشکالیات المثارة. ووضعها داخل إطارها الدینی والتاریخی والإنسانی لتصویب مسارها .وخلق مضامین جدیدة و معانی مستحدثة والفاظ ثابتة لا تقبل التغییر و ان مرت علیها السنین.
 
فی السابع من آب عام 1979وبعد بضعة شهور من انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران، أطلق الإمام الخمینی الراحل (قدس سره) نداءه التاریخی باعلان آخر جمعة من شهر رمضان المبارک یوما عالمیا للقدس. وبعد مرور اکثر من 34 عاما على ذلک النداء ما زال صدى صوت الامام الراحل یتردد فی الامة الاسلامیة، وما زالت الجماهیر تلبی نداءه کل عام عبر احیاء مراسم یوم القدس العالمی بتظاهرات ومسیرات تظهر قوة المسلمین وغضبهم على الکیان الاسرائیلی الغاصب، ونصرتهم للشعب الفلسطینی المظلوم.
ما زال صدى صوت امام القدس یتردد حین قال: أدعو جمیع مسلمی العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارک، التی هی من أیام القدر ویمکن ان تکون حاسمة أیضا، فی تعیین مصیر الشعب الفلسطینی، یوما للقدس، وان یعلنوا من خلال مراسم الاتحاد العالمی للمسلمین، دفاعهم عن الحقوق القانونیة للشعب الفلسطینی المسلم.
جاءت هذه الدعوة، حضا للمسلمین، على القیام بخطوة عملیة تجاه القدس، وتوجیها لعملهم وأفئدتهم نحو بیت المقدس، لتتحول الجمعة الأخیرة من شهر رمضان المبارک، إلى یوم عالمی للقدس، هو فی الوقت نفسه، یوم مواجهة المستضعفین مع المستکبرین، حیث قال الإمام الراحل فی ندائه:
یوم القدس یوم عالمی، لیس فقط یوما خاصا بالقدس، انه یوم مواجهة المستضعفین مع المستکبرین، انه یوم مواجهة الشعوب التی عانت من ظلم أمیرکا وغیرها، للقوى الکبرى، وانه الیوم الذی سیکون ممیزا بین المنافقین والملتزمین، فالملتزمون یعتبرون هذا الیوم، یوما للقدس، ویعملون ما ینبغی علیهم، أما المنافقون، هؤلاء الذین یقیمون العلاقات مع القوى الکبرى خلف الکوالیس، والذین هم أصدقاء (لإسرائیل)، فانهم فی هذا الیوم غیر آبهین، أو انهم یمنعون الشعوب من إقامة التظاهرات.
لقد بین الإمام الخمینی الراحل (قدس سره) موقع الجهاد من أجل القدس، فی تحدید معالم المعرکة بین المستضعفین والمستکبرین، وهو ما تتکشف معانیه فی یوم القدس، الذی اعتبره یوما یجب ان تتحدد فیه مصائر الشعوب المستضعفة، یوما یجب ان تعلن فیه الشعوب المستضعفة عن وجودها فی مقابل المستکبرین.
وهو کما رآه الامام الراحل یوم إحیاء الإسلام، ویوم حیاة الإسلام، حیث یجب على المسلمین ان یصحوا ، وان یدرکوا مدى القدرة التی یتملکونها سواء المادیة منها أم المعنویة، کما قال الامام: ملیار مسلم وهم یملکون دعما إلهیا، والإسلام سندهم، والإیمان سندهم، فمن أی شیء یخافون ؟.
لقد أکد الإمام الخمینی الراحل ( قدس سره) على متابعة إحیاء یوم القدس، لما رآه فیه من معان عظیمة تتعلق بالوحدة الإسلامیة التی دعا إلیها على الدوام، وبالجهاد من أجل القدس، التی احتلت حیزا واسعا من تفکیره واهتمامه. وهو الذی کان یقول دائما: القدس ملک المسلمین، ویجب ان تعود إلیهم، معتبرا ان واجب المسلمین ان یهبوا لتحریر القدس، والقضاء على شر جرثومة الفساد هذه عن بلاد المسلمین.
وهو القائل ایضا: نسأل الله ان یوفقنا یوما للذهاب إلى القدس، والصلاة فیها ان شاء الله، وآمل ان یعتبر المسلمون یوم القدس، یوما کبیرا، وان یقیموا التظاهرات فی کل الدول الإسلامیة، فی یوم القدس، وان یعقدوا المجالس والمحافل، ویرددوا النداء فی المساجد. وعندما یصرخ ملیار مسلم، فان إسرائیل ستشعر بالعجز، وتخاف من مجرد ذلک النداء.
وعلى مدى اکثر من ثلاث عقود استجاب المسلمون فی مختلف أنحاء العالم لنداء الإمام الخمینی الراحل ( قدس سره) لإحیاء یوم القدس، حیث تشهد الجمعة الأخیرة من شهر رمضان المبارک، فی کل عام تظاهرات حاشدة تهتف للقدس وتدعو الى تحریرها فی مشهد یکرس الوحدة الإسلامیة التی أرادها الامام، ویبقی القدس حاضرة فی عقول المسلمین وفی توجهاتهم، وتطلعهم إلى تحریرها، وهو أیضا ما رمى إلیه الإمام من خلال الدعوة إلى یوم القدس العالمی.
ومن الممکن القول أن یوم القدس منح فرصة کبیرة لترشید الشعوب إلى القیام بعملیة تغییر حقیقیة ظهرت ملامحها فی الوقت الراهن فی الثورات والتی من أهدافها رفض الارتباط بالکیان الصهیونی.
وتأکیدا على المکانة التی أرادها الإمام الخمینی الراحل ( قدس سره) لیوم القدس العالمی، فان قائد الثورة الاسلامیة فی ایران آیة الله السید علی خامنئی، یشدد دوما على إحیاء یوم القدس العالمی، وتکریس معانیه، وقد خاطب المسلمین عام 2000 قائلا: ان واجب الدول الإسلامیة تقدیم المعونات لهذا الشعب، مؤکدا انه عاجلا أو آجلا ستعود فلسطین إلى الفلسطینیین، مکرسا بذلک ما کان یقوله الإمام الخمینی:حین یتعرض الإسلام والأماکن المقدسة للتهدید بالاعتداء، فلا یمکن لأی فرد مسلم أم یقف موقف المتفرج إزاء ذلک.
ان یوم القدس العالمی یرسم معالم الموقف الحقیقی للامة الاسلامیة التی یجب علیها ان تعتبر قضیة القدس والعمل على تحریرها القضیة الاولى والمعرکة الفاصلة فی حیاتها اذا ارادت ان تعیش حرة کریمة.
فالقدس ستبقى فی قلب الامة وذاکرتها ووجدانها کما کانت فی الماضی قبلة للصلاة والامل و رمزا لعزها وعنوان کرامتها وعنفوانها.
وتأتی المناسبة هذا العام وفلسطین تشهد ظروفا صعبة وحصارا من قبل الکیان الاسرائیلی والمجتمع الدولی، لان الشعب الفلسطینی اختار عبر انتخابات دیمقراطیة شهد العالم کله بنزاهتها اختار الاسلام والمقاومة وخط الجهاد ضد المحتل، وفی ظل مخاطر الفتنة التی تحدق فی فلسطین والامة، ولذلک فان ابناء فلسطین هم بحاجة اکثر من ای وقت مضى لدعم الامة الاسلامیة، وهذا ما یجعل المناسبة هذا العام ذات اهمیة قصوى، فالامة بلا قدس لا کرامة ولا وجود لها، ولذلک یجب على المسلمین الاهتمام بهذه المناسبة بجمیع الامکانیات المتاحة، لتعود فلسطین الى احضان ابنائها الحقیقیین.
إن إطلاق یوم القدس فی الجمعة الأخیرة من شهر رمضان هو دعوة إلى العودة إلى الاسلام وما یتضمنه من رؤیة للکون ومسالک التفاعل الاجتماعی وجعل القدس محوراً أساسیاً لوحدة الأمة ونبذ الخلافات لما لها من مکانة سامیة فی الاسلام والأدیان السماویة وهی الأمل والمستقبل الموعود والمحتم لدولة العدالة وظهور الامام المهدی (عجل الله فرجه الشریف) والمسیح (علیه السلام).
ان اتخاذ یوم القدس شعارا للمستضعفین یتضمن الهویة الأنسانیة وبما تحتویه من مضامین القیم ومحاربة الظلم ونصرة المظلوم بعیدا عن الهویة والانتماء، وفهو یحمل هموم جمیع المستضعفین لیعلن عن رفع الآلام عنهم. فالصراع على القدس هو صراع بین هویتها بکل ما تحمله من معان وقیم واهداف، وبین الهویة الصهیونیة بکل ما تحمله من نظرة فوقیة ونزعه للسیطرة وإلغاء للاخر . فالعالم یعیش حالة تحت نیر التسلط الأستکباری ویفرض ثقافته وقوته على الآخر،من ضمنها العالم الاسلامی حیث زرع فیه حالة القهر وحالة الاستلاب، العام لها سواء کان اقتصادیا أو عقائدیا،وهو دعوة لاعادة الثقة للأمة وتسخیر طاقاتها لیتم تحریرها من السیطرة الاستعماریة والتبعیة و تنحیة کل المشاریع والطروحات الاستسلامیة مهما تغیرت وتبدلت أسماؤها.
جاء یوم القدس لیحمل فی طیاته دعوة لتحقیق التکامل بین الجهاد والمقاومة من جهة وبین أفکار الإصلاح والحداثة والتطور، بنشر ثقافة الاستعداد للتضحیة والمبادرة إلى العمل والفاعلیة والإبداع. مقابل براثن الأنظمة التی حولت بلادنا إلى مصانع للاستبداد وانتهاک الحقوق ومصادرة الحریات. خاصة وأن الامام الخمینی أعلن عن بدایة التاریخ الذی یصنعه الشعوب لا الحکام، وانطلقت بذلک نماذج من منظومة القیمیة والأخلاقیة الاسلامیة المعاصرة أثبتت على قدرة الشعوب فی عملیة التغییر تجسدت فی الشارع الاسلامی .

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

المعتصم
ورود جيش عمر بن سعد أرض كربلاء
عقاب الكفار و الفجار في الدنيا
الاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة هو الذي أوجد ...
واجب المبلغ الاسلامي
صلاة كل ليلة من ليالي شهر رمضان
التفسيرالموضوعي
ثقافة الرجعة
توحيد العبودية للّه
فضائل أهل البیت علیهم السلام فی القرآن الکریم

 
user comment