عربي
Wednesday 24th of April 2024
0
نفر 0

التزاور في الله

التزاور في الله

إن كان الله عز وجل وعد الرحم أنَّ من وصلها وصله ، ومن قطعها قطعه فإنَّ رحم الإسلام موصولة دائمًا .
رحم الإسلام هي الأخوة في الله ، هذه الوشيجة التي لا تنقطع ولا تنفصل ، هذه الرابطة التي لا تزول أبدا حتى بعد الممات ؛ فإنكما يوم القيامة تتلاقيان فتتعارفان ، قال تعالى " الْأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ "(1)
لابد للأخوة من صلة ،وعلينا أن نلفت النظر هنا لضياع صلة الأرحام في زماننا ، وهذه المسألة لا نفتأ نذكرها ونلح عليها ؛ لأن الأخوة فرطوا كثيرا في هذا الشأن ، صلوا أرحامكم ، فإنَّ الرحم متعلقة على الصراط يوم القيامة ومعها الأمانة ، فمن أدى الأمانة ووصل الرحم نجا وإلا هويا به في النار وطلب أن يأتي بهما من قعر النار ؛ لذلك آمركم وأشدد عليكم بصلة الأرحام .
قد يتعلل بعض الأخوة بأنَّ بعض أرحامه من العصاة فنقول:إنَّ رسول الله - .صلى الله عليه وآله وسلم - قال : " ألا إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي ، إنَّما وليي الله وصالح المؤمنين ، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها " (2)
" إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ " (3) هؤلاء أولياؤك حزب الله المفلحون ، وقد يكون هؤلاء الذين تبرأ منهم رسول الله - .صلى الله عليه وآله وسلم - فيهم بعض معصية لكن فرق بين الولاية وصلة الرحم " لهم رحم أبلها ببلالها " .
قال العلماء : أي أصلها بقدرها ، فإن كان والدك أو أخوك أو عمك مثلاً على معصية ما كالتدخين أو شرب الخمور أو إدمان التلفاز أو أنَّه يسخر ـ دائماً ـ من الملتزمين فهذا لا يمنع من أن تصله ، تذهب إليه وتلقي السلام وتبش في وجهه ، ثم تقول: تأمرني بشيء ،وإن وجدت سبيلا للدعوة فبها ونعمت ، وإلا فانطلق راشداً ، وقد أديت ما عليك .
واحذروا ـ إخوتاه ـ من عقوق الوالدين فإنَّه كبيرة عظيمة من الكبائر ، وقد أمرك الله بخفض الجناح لهما ، ودوام الدعاء لهما بالرحمة ، وأنْ تظل عارفاً لجميلهما حتى وإن كانا على الكفرـ والعياذ بالله ـ
" وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " (4)
هذه هي الحالة الوحيدة التي تفارقهما فيها ، إذا أمراك بمعصية ، فإنَّما الطاعة في المعروف ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
وقال تعالى: " وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " (5)
ومن مسيس الحاجة أن أنبه هنا إلى ضرورة اتخاذ المواقف الحاسمة في مثل هذه الأحوال ، ينبغي أن تكون لك قضايا لا تقبل المناقشة تمثل قاعدة الارتكاز والأصول الأصيلة في حياتك، فأن تعين أحدا ـ كائنا من كان ـ على معصية الله فلا وألف لا ، أن تفاوض على حلق اللحية أو تفاوضين في خلع النقاب فلا ، لكن هذا برفق ولين ـ كما تقدم معناه ـ
فاحذروا التلون والتردد والتخبط والتخوف ؛ فإنَّها دركات حتى تزل قدمك بعد ثبوتها وتذوق السوء بما صددت عن سبيل الله.
إذا وصلنا أرحامنا فلنزر إخواننا أولياءنا أحبتنا في الله ، قال الله تعالى في الحديث القدسي : "وجبت محبتي للمتحابين فيَّ ، والمتجالسين فيَّ ، والمتباذلين فيَّ ، والمتزاورين في"(6)
هذا وعد الله ، ولا يخلف الله وعده ، أن يمن عليك بمحبته إذا زرت أخاك في الله .
والحديث مشهور أن رجلاً زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال:أين تريد ؟ قال:أريد أخاً لي في هذه القرية ، قال: هل لك عليه من نعمة تربها، قال: لا غير أني أحببته في الله عز وجل.
قال : فإنِّي رسول الله إليك بأنَّ الله قد أحبك كما أحببته فيه ".(7)
لا تنشغلوا عن إخوانكم ،لماذا صارت البيوت مهجورة ؟ لماذا هذا الانهماك والانكباب والتشاغل بالدنيا ؟ أسأل الله لنا ولكم العافية.
علينا أن نضع في برنامجنا الأسبوعي يوما لصلة الرحم ، ويوما لزيارة الإخوة ،يوما لزيارة الدعاة ، يوما لزيارة المستشفيات ، يوما لزيارة القبور فإنْ كان ذلك لا يصلح في أسبوع ففي كل شهر ،هذه هي التربية التي تثمر زيادة الإيمان.
فضل الزيارة في الله عظيم ، فكما أنَّ الله يحب العبد بها ، فإنَّه يرضى عنه ويدخله الجنة بسببها.
قال - .صلى الله عليه وآله وسلم - " ألا أخبركم برجالكم في الجنة، النبي في الجنة ،والشهيد في الجنة ، والصِّدِّيق في الجنة ، والمولود في الجنة ، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الله في الجنة "(8)
فالزيارة داعية لتقارب المؤمنين وتجانسهم وتعارفهم ، فإنَّها تزيد المحبة والمودة في القلوب فيكونون إخوانا حقاً كما أمرهم الله جل وعلا.
إياكم والقطيعة والخصومة والتنافر فإنَّها تميت قلوبكم .
قال - .صلى الله عليه وآله وسلم - : "لا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، وكونوا إخوانا كما أمركم الله " (9)
" لا تقاطعوا " أي لا يقطع بعضكم بعضاً بل تواصلوا.
" لا تدابروا " أي لا يعطي أحدكم ظهره لأخيه ،بل كونوا إخوانا متقابلين ، فلا بد من تواصل وتلاقٍ وتزاور.
كان الإمام أحمد إذا بلغه عن شخص صلاحاً أو زهداً أو قياماً بالحق أو اتباعاً للأمر سأل عنه ، وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة ، وأحب أن يعرف أحواله ، وينطلق ليزوره ، ولو بينهما مسافات شاسعة ثم يديم السؤال عليه.
وهكذا ـ أخي ـ كن على تعارف بالصالحين ، وتلاق بأهل الإيمان ، أدم السؤال على أهل الصلاح ، فهؤلاء قد يشفعون لك .
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
المؤمن يشفع في أخيه ، وهذه من أعظم ثمرات الأخوة ، ومعرفة الصالحين المتقين ترقق القلوب.

آداب الزيارة:

وللزيارة في الله آداب ، منها :
رفع الكلفة بين الأخوين ، فليس يلزم أن تذهب بهدية ، وأن يعد لك صاحب البيت طعاما في المقابل ، ليس هذا بشرط ولا ينبغي أن يكون .
من المواقف الطريفة التي تذكر في هذا الصدد ، أنَّ رجلين ذهبا ليزورا سلمان الفارسي فقدم لهما خبزاً وملحاً ، فلما أرادا أن يأكلا قالا : لو كان مع الخبز شيء من الزعتر.
فأخرج سلمان إناءً كان عنده يتوضأ فيه (مطهرته) فرهنها عند البقال ، وأتى لهما بشيء من الزعتر فبعد أن أكلا قالا : الحمد لله رضينا بما رزقنا.
قال سلمان : لو رضيتم ما كانت مطهرتي مرهونة عند البقال.
ومن الأدب أيضا أن
تحسن الضيافة لأخيك ، فليس معنى أن تكون غير متكلف ،أن تصطنع خلاف الحقيقة ، فتكون في سعة وتظهر الضيق ، هذا ليس من الجود ولا الكرم ، بل هي صفات البخلاء الأشحاء ، بعض الإخوة سمع أنني دعوت إخوة لي وقدمت لهم خبزا وملحا ، فقال :لأصنعن صنيعه ، قلت:لا ،أصنعها تربية أما أنت فلماذا تصنع ذلك ؟!!
الشاهد أنَّك ينبغي أن تطعمه مما تطعم ، جُدْ بما جاد الله به عليك.
وينبغي أن تتبادلا أطراف الحديث فيما يرضي الله تعالى ، تذكره ويذكرك ، تقابله بابتسامة جميلة ، وكلمات عذبة ، وتجلسه في أفضل مكان في بيتك ، ولا يمل منه فإنَّه في عبادة إذا أصلح نيته.
أما الزائر فعليه بداية أن يصدق الله ويخلص النية في الزيارة ، وعليه أن يراعي حرمات الدار فيغض الطرف والسمع ، ولا بأس أن يصطحب هدية لمن يزوره إن استطاع ، ويبش في وجهه ، ويظهر اهتمامه به ، ولا يطيل المكث بحيث يذهب الوقت سدى ..إلى غير ذلك من الآداب الحسنة.
الزيارة في الله تدخل البهجة في القلوب ، فتزاوروا ولا يستعظمن أحدكم أن يزور أخاه صغيرا كان أم كبيرا.
لما خرج الإمام أحمد من السجن ، وأطلق سراحه بعد المحنة خشي أن يأتيه إسحاق بن راهويه فرحل إليه هو.
إنه يعرف قدر الزيارة في الله ، وينزل الناس منازلهم ، ويرى أن لقاءه به يبعث على السرور والبهجة ، وأنَّ الشوق بلغ كل مبلغ فلتقطع الفيافي والفلوات ، ولتجتاز الدروب الوعرة من أجل حبيبي في الله .
على هذا الأمر اثبتوا ، فإن دوام الوصال يداوي المرض العضال ، وإنَّ الزيارة لحقٌ للرجل المفضال ، ولا تقعدن عن وصل أخيك وإن عانيت حر الفلاة وبرد الظلال ، فإن لقاءه أحلى من السلسال وأعذب من الماء الزلال.
ينبغي أن نتجاوز سفاسف الأمور ، علينا أن نعلو بهممنا ، وأن ندرأ بالحسنة السيئة.
تجد بعض الإخوة يقاطع أخاه لأنَّه لما مرض لم يزره ،أو لما سافر لم يأت لتوديعه ، ولم يكن في استقباله عندما عاد ، أو أنَّه لم يجده بجانبه في محنة ألمت به ،أو..أو..الخ.
هذا كله لا يهتم به إلا أصحاب الهمم السفلية ، بل عليك أن تلتمس العذر لأخيك وتذكر مواطن إحسانه .
سبيلك لصلات قوية يتلخص في كلمتين " كف الأذى وبذل الندى " فعليك أن تكون كريما في صفاتك وأخلاقك ومعاملاتك ، وأفضل ما تقوم به تجاه الناس أن تتقي الوقوع فيما يضرك، وأن تقابل أذاهم لك بالإحسان إليهم " فَإِذَاْ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌ حَمِيمٌ " (10)
لابد من نية صادقة ، لابد من ابتغاء وجه الله في كل تحركاتك ، فإذا خرجت لزيارة أخيك في الله ، وكان ذلك هو كل ما يدور بذهنك فاعلم أنَّ الله لن يضيعك.
خرج الإمام أحمد لزيارة إسحاق بن راهويه فلما بلغ الري دخل إلى المسجد فجاء مطر كأفواه القرب ، فلما كان بعد العشاء ، قالوا : "اخرج من المسجد إننا نريد أن نغلقه ، فقال لهم : هذا بيت الله ، وأنا عبد الله ، فقيل :أيهما أحب إليك أن تخرج أو تجر رجلك " .
فقال الإمام أحمد: سلام.
يقول : فخرجت من المسجد والمطر والرعد والبرق فلا أدري أين أضع رجلي ، ولا أين أتوجه ، فإذا برجل قد خرج من داره ، فقال : يا هذا أين تمر في هذا الوقت ؟
قلت : والله لا أدري أين أمر.
فقال لي : أدخل ، فدخلت ، فأدخلني دارا ، ونزع ثيابي ، وأعطاني ثيابا جافة ، فتطهرت للصلاة ، وأدخلوني إلى بيت فيه كانون ولبود ومائدة منصوبة.
قالوا: كل ، فأكلت معهم ، فلما أكلنا ورفع الطعام قال لي الرجل :من أين أتيت ؟
قلت : أنا من بغداد. قال : تعرف رجلا يقال له أحمد بن حنبل؟
فقلت: أنا أحمد بن حنبل . قال : وأنا إسحاق بن راهويه.
إنها قصة عجيبة ، انظر لما صدق الله في نيته ، وأخلص لله طويته ، يسر الله أمره ، ورزقه من حيث لم يحتسب ، وجمع بينه وبين مطلوبه بلا كلفة ولا مشقة ، فاللهم ارزقنا الإخلاص واجعلنا من أهله .
حين تخرج لأخيك فانوِ أن تدخل السعادة عليه ؛ فيسعد الله بذلك قلبك ، نسأل الله أن يسعد قلوبنا.
والقسم الثاني : اجتماع على التعاون على أسباب النجاة والتواصي على الحق والصبر ، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها "
ولذلك كانت مجالس السلف مجالس ذكر وموعظة ،مجالس يزداد فيها الإيمان ، وتتصل القلوب بالرحمن ، انظر كيف كان السلف يلتقون لنحاكيهم:
" جاء سفيان الثوري إلى الفضيل بن عياض فتذاكرا وبكيا ، وهذا هو الشاهد ، جلس كل واحد يذكر الآخر حتى فاضت عيناهما.
فقال سفيان للفضيل :إنِّي لأرجو ألاَّ نكون جلسنا مجلسا أعظم بركة من هذا المجلس .
فقال الفضيل :ولكني أخاف أن لا نكون جلسنا مجلسا أضر علينا منه.
فقال سفيان :ولِمَ يا أبا علي ؟‍
قال : ألست قصدت إلى أحسن حديث فحدثتني به ، وقصدت أنا إلى أحسن حديث فحدثتك به ، فتزينت لي وتزينت لك .
فبكى سفيان أشد من بكائه الأول ، وقال:أحييتني أحياك الله " . أسأل الله تعالى أن يحيي قلوبنا.
كن على فطرتك وسليقتك وأنت تلاقي أخاك.
قال بعض السلف :خير أصحابي من لا يتكلف لي ، ولا أتحشم معه فأكون معه كما أكون وحدي .
فلا شك أنَّ التكلف سيورث نوعا من الرياء والتصنع ، بل كن على سجيتك، تذاكرا شيئا في الله ، واغتنما الأوقات.
الزيارة تحفة النفس للنفس فلا تجعلها تافهة ، لا تجعل بيتك مناخاً للبطالين الفارغين ، لا تجعل لقاءك ملجأ المتعطلين ،بل هي مجالس الفائدة والعلم وزيادة الإيمان والعمل الصالح ، بل هي مجالس قدسية لا يعرفها القوم المسرفون.
قال - .صلى الله عليه وآله وسلم - : " لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي "(11)
ومما جاء في حفظ الصالحين لمجالسهم في الله ما روي عن عطاء السلمي أنَّه قال: كنت مع سفيان الثوري بمكة في المسجد الحرام ، ونحن نتحدث ، إذ قال لي سفيان : يا عطاء نحن جلوس والنَّهار يعمل عمله ، قلت: إنَّا لفي خير إن شاء الله.
قال :أجل ولكننا نتلذذ به.
أفضل الإخوان الذي ينبغي أن تحرص على مجالستهم ، رجل مكَّنَك من نفسه حتى تزرع فيه خيرا ، أو تصنع إليه معروفا ، أو علمك حرفا ، أو ساق إليك ما ينفعك في آخرتك .
فمثل هؤلاء هم خير عون لك على منفعتك وكمالك ، فانتفاعك به في الحقيقة مثل انتفاعه بك وربما أكثر.
فإن نعم الهدية ونعم العطية ، الكلمة من الخير يسمعها الرجل المؤمن فيهديها لأخيه المؤمن.
فحين تسمع كلمة من الخير فلا تحتفظ بها لنفسك ، انفع غيرك بها ، بلغها له، إنَّك أن تذكر أخاك بآية أو بكلمة صالحة أو بحديث أو بمقولة طيبة خير له من أن تعطيه من مالك الشيء الكثير ، فهذا لا يقدر بمال .
أضر الناس عليك من مكنك نفسه حتى تعصي الله فيه ، فهذا يفتح باب الغيبة والنميمة ، وهذا يدور بالأكاذيب والأباطيل ، وهذا يعلمك الرياء والنفاق ، وهذا يفتعل الكلام ..وهذا ..وذاك
هؤلاء هم الثقلاء ، ومثل هؤلاء ينبغي أن تقطع صلتك به ، إذا رأيته رده فإنَّهم أذى لك ولدينك .
يقول ابن القيم : ويمر الرجل بمجلس قوم على خير فيسوؤه ما هم فيه من خير فيدخل بينهم ، وحالهم يقول : " أميطوا أذى الطريق " .
هؤلاء عون للشيطان عليك ، هؤلاء يساعدونك على العصيان ، هؤلاء سيجرونك إلى وادي الخذلان ، فعياذا بالله من هؤلاء الخلان.
لا تضع وقتك مع أهل البطالة والفراغ ، فإنَّهم لا يدركون أنَّ الوقت رأس مال السائرين إلى الله .
كان ابن الجوزي يستعد لأهل الفراغ المتلذذين بالزيارة ، فيقول: أرصد لهم عند زيارتهم أعمالاً.
يقول في صيد الخاطر : إنَّ ناساً يحضرون لزيارتي وهم فارغون وبطالون ، فإذا رددتهم أوغرت صدورهم ، فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد (من الأوراق) وبري الأقلام ، وحزم الدفاتر.
فهذه الأشياء لابد منها ، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب ، فيرصد مثل هذه الأعمال لأوقات زيارتهم حتى لا يضيع شيء من الوقت.
أريدك إذا جاءك أخوك الذي تحبه في الله أن تصحبه إلى عالم تذكرون الله فيه، تقول له : اسمع هذه الآية ، استمع لهذا الحديث ، تعال بنا نتصفح سوياً هذا الكتاب..الخ.
نسأل الله تعال أن يعلمنا ويرزقنا اغتنام أوقاتنا في مرضاته ؛ فإنَّه لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم .
عودوا أنفسكم أن تنووا خيرا ولا ترددوا في عمله مهما كانت الصعوبات.
فهذا صاحب لأبي جعفر المقرئ أتاه في يوم وحل وطين ، ولم يمنعه ذلك من إتمام الزيارة ، فقام الإمام وغسل عن رجليه الوحل والطين إكراماً .
وهذا آخر ذهب إلى الإمام أحمد فجلسا إلى ما شاء الله ثم انصرف ، فما إنْ بلغ داره حتى وجد الإمام أحمد يدق عليه الباب .
فقال الرجل : خيرا يا أبا عبد الله ،أليس كنت معك الساعة ؟
قال : نعم ولكن قبل أن تأتيني كنت نويت أن آتيك ، وإنِّي لا أحب أن أعود نفسي أن تنوي شيئا ثم لا تفي به.
زوروا إخوانكم ، واغتنموا هدي السلف ، فلا تخرجوا من عند إخوانكم إلا وقد ازددتم علما أو خلقا أو إيمانا .
قال أبو عبيد القاسم بن سلام زرت أحمد بن حنبل في بيته فأجلسني في صدر بيته وجلس دوني .
فقلت : يا أبا عبد الله ، أليس يقال :صاحب البيت أحق بصدر بيته ؟
فقال الإمام أحمد : نعم يقعد ويقعد من يريد.
قال : فقلت في نفسي خذ إليك يا أبا عبيدة فائدة .
قال : ثم قلت له : يا أبا عبد الله لو كنت آتيك على نحو ما تستحق لأتيتك كل يوم.
فقال الإمام أحمد : لا تقل هكذا ،إنَّ لي إخواناً لا ألقاهم إلا في كل سنة مرة، أنا أوثق بمودتهم ممن يلقاني كل يوم .
فقلت : هذه أخرى يا أبا عبيد.
تعلموا هذه الفائدة جيدا ، ليس من شرط الزيارة أن أزورك كل يوم ، فربما تكون أنت أحب إلي ممن أراه كل يوم ، ومع ذلك أراك من السنة إلى السنة.....
نعم إن دوام الوصال مطلوب ،لكن إن تقطعت السبل وناءت الديار واستحكمت الظروف وشغل كل واحد بأمور آخرته على وجه ما ، فإن عدم التلاقي لا ينبغي أن يفهم على أنه دليل عدم المحبة والمودة .
نعم ينبغي أنْ يكون هذا الأدب عند التزاور ، فكل ذلك يشرح الصدر ، ويسعد القلب ، ويلقي بذور المحبة والوئام.
أريد أن أوصيكم ونفسي بشأن نوع خاص من الزيارة ، ألا وهو زيارة المريض ، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين.
إنَّ أخوف ما يخيفني ـ والله ـ هذا الحديث الذي يقشعر له جسدي ، وهو قول الله تعالى في الحديث القدسي : " يا ابن آدم ! مرضت فلم تعدني. قال: يا رب! كيف أعودك ؟ وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده. أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟ " .(12)
كيف يكون الوجه أمام هذا العتاب ؟ كيف يكون الجواب عند هذا اللوم؟
انتبه فإنَّ التكاسل عن زيارة المريض تفريط في حق من حقوق الله ، قال - .صلى الله عليه وآله وسلم - "ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح ، وكان له خريف في الجنة ، ومن أتاه مصبحاً أتاه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي ، وكان له خريف في الجنة "(13) فهل بعد ذلك تستغني عن أن تخوض في رحمة الله بعيادة المريض ، ليكون ذلك سببا لغفران ذنوبك .
وعن علي بن أبي طالب موقوفا عليه قال: " إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرافة الجنة حتى يجلس ،فإذا جلس غمرته الرحمة " (14)
احرصوا على عيادة المرضى ولا تتكلفوا في ذلك .
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : جاءني رسول الله - .صلى الله عليه وآله وسلم - يعودني ليس براكب بغل ولا برذون.(15)
أي ذهب إليه - .صلى الله عليه وآله وسلم - ماشيا ، والزيارة حق المسلم على أخيه المسلم ، تكون كيفما اتفق لكل مريض فقيرا كان أو غنيا .
بزيارة شيخه واستقبله قائلا: " إنْ زرناك فلفضلك ، وإن زرتنا فلك الفضل زائرًا ومزورًا " .
في مناقب الإمام أحمد أنَّ الإمام قال مرة لأبي بكر المروزي عن رجل فقير مريض : اذهب إليه وقل له :أي شيء تشتهي حتى نعمل لك ، ودفع إليه طيبا وقال لي : طيبه . نسأل الله تعالى أن يطيب قلوبنا بالخير.
المصادر:
1- الزخرف/67
2- متفق عليه أخرجه البخاري(5990 )
3- المائدة/55
4- لقمان/15
5- الإسراء/24
6- أخرجه الإمام أحمد (5/233/247) ، والطبراني في الكبير(20/80،81)، والحاكم في المستدرك(4/186) /وابن حبان في صحيحه(2/335) برقم(575) .
7- أخرجه مسلم (2567) ك البر والصلة والآداب ، باب في فضل الحب في الله.
8- أخرجه الطبراني في الكبير (12/59) ،(19/140) ،وفي الأوسط (2/441).
9- أخرجه مسلم (2563)ك البر والصلة والآداب ،باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها.
10- فصلت/34
11- أخرجه الترمذي(2395)
12- أخرجه مسلم (2569)
13- أخرجه أبو داود (3098) / والترمذي (969) / وابن ماجه (1442) /والإمام أحمد في مسنده (1/97)
14- أخرجه الإمام أحمد (1/81) ـ واللفظ له ـ ، والحاكم في المستدرك (1/349)، وابن ماجه (1442)
15- أخرجه البخاري (5664)

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أهداف التربية في الإسلام
التبرج والحجاب
العلامات التي تسبق مباشرة ظهور الإمام المهدي
شهر رمضان شهر التوبة والاستغفار
القرآن معجزة خالدة
و العاقبة للمتقین
فلسفة الصوم من منظور علمي
سمات الغضب عند المراھقین والشباب
القرائن المفيدة لمعنى الحاكمية في حديث الغدير
حجّ الإمام عليّ(عليه السلام)

 
user comment