عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

حول تغلغل التشيع في ايران خلال القرن الثالث .

حول تغلغل التشيع في ايران خلال القرن الثالث .

لا نملك معلومات خاصة عن مساهمة الفرس في التيارات الشيعية حتى اواخر القرن الثاني الهجري , الا مـا نـقل من وجود علاقة تربط عددا من الفرس الذين كانوا من اصحاب الائمة بتلك التيارات و عـنـدمـا كـانـوا يذهبون لادا فريضة الحج , فانهم لم يمروا بالعراق فحسب , بل و يتصلون بائمتهم مـبـاشـرة فـي الـمـدينة و خلال تلك الفترة تعامل العباسيون مع العلويين بعنف و قمعوا ثوراتهم و شـخـصياتهم و بدا قتل العلويين منذ عهدالمنصورو قلما كان عامل او وزير من العباسيين لم تتلطخ يـده بدم احد العلويين و شاع القتل الى درجة ان المهدي حينما اراد ان يقتل احدهم , قال له وزيره : انك لم تقتل علوياحتى الان , و هذه مفخرة عظيمة لك ((605)) و عندما ثار الحسين بن علي شهيد فـخ ايام موسى الهادي , ارسل العباسيون راسه من مكة الى خراسان و هذا معلم على تغلغل التشيع فيها و طبيعيا ان ما قام به العباسيون كانت له نتائج معكوسة عليهم .
و كان الناس ينظرون الى هذه المقاتل و المذابح بوصفها اصطداما بابنا رسول اللّه ـصلى اللّه عليه و آله لذلك اكسبت العلويين تاييدا شعبيا كبيرا بين الناس و كان هذا التاييدالشعبي ملموسا في الحجاز, والعراق , و ايران و لهذا السبب كان العباسيون يخافون العلويين اكثر من غيرهم
((606)) .
و استمرت تلك الثورات والحركات المضادة طوال حكم المنصور, والمهدي ,والهادي , و هارون .
و كـان الـمـامون ـ بالنظر الى هذه الحقيقة ـ اول من حاول ان يزيل الفجوة الموجودة بين العلويين والـعباسيين و بعبارة اخرى , او ل من فصل العلويين عن الناس , و ربطهم بالعباسيين ليتمكن من قطع دابر هذه الثورات و الانتفاضات
((607)) فبعث ورا الامام الرضاـ عليه السلام ـ ليهيئ المناخ اجل تحقيق هدفه عبر استمالة الامام و اجتذابه الى البلاط العباسي .

الامام الرضا (ع ) و التشيع في ايران .

عـنـدمـا انـتـصـر الـمامون على اخيه الامين , فانه اضفى على الحكم العباسي المتوكئ اساسا على الـخـراسـانيين طابعا خراسانيا اكثر من ذي قبل و كانت حكومة الامين تقوم على العناصر العربية الـمـرغـوبـة عند البيت العباسي اما حكومة المامون فليست كذلك ,و هذا سر ضعفها, مما دفعها الى الـتفكير بالحصول على قاعدة اخرى , تستطيع من خلالهاان تكسب ود الناس الذين كانوا يميلون الى العلويين , و تستخدمها وسيلة لاخمادالصيحات التي تعالت من اناس ثاروا الى جانب العلويين .
يقول ابن خلدون : و كان سواد الشيعة موجبا لدعوة علي بن موسى الرضا لولاية العهد
((608)) من هـذا المنطلق دعا المامون الامام الى خراسان و كان قدوم الامام و قبوله دعوة المامون الى الخلافة او ولاية العهد يمثلان تاييدا للمامون و هذا احد الاهداف الخطيرة التي كان يتوخاها المامون من ورا هذه الخطوة .
امـا الامـام ـ عـلـيه السلام ـ فقد رفض دعوة المامون لذلك تحول الحاح المامون الى تهديد و اخيرا ارغـم الامـام عـلـى التوجه تلقا مرو بعد تهديدات كثيرة
((609)) تلا ذلك قبوله ولاية العهد بعد شـروط اشـتـرطـهـا عـلـى المامون , اهمها ان لا يتحمل اي مسؤولية حيال الاعمال المختلفة في الدولة ((610)) و قال في بعضها: ((اني داخل في ولاية العهد على ان لا آمر و لا انهى , و لا افتي و لا اقضي , و لا اولي و لا اعزل , و لا اغير شيئا مما هو قائم وتعفيني من ذلك كله ((611)) )) و هـذا الموقف الذي سجله الامام ـ عليه السلام ـ افضى الى بقا الانتفاضات العلوية في جذوتها و لذلك صرح البعض ((ان ولاية العهد لم تثمر في اطفا لهيب الانتفاضات العلوية ((612)) )).
ان دعوة الامام الى مرو عاصمة الحكم العباسي آنذاك دليل على ميل تلك الحاضرة الى التشيع .
و اصـدر الـمـامون اوامره بجلب الامام عن طريق البصرة , فالاهواز, ففارس , و منها الى خراسان , لـئلا يـمر بالمناطق الشيعية فيتصل بشيعته فيها و تلقى رجا بن ابي الضحاك امراان لا يجلب الامام عـن طـريق الكوفة
((613)) و جا في بعض المصادر ان الامام اتي به عن طريق قم ((614)) و هـذا غير صحيح , اذ ورد في كتاب عيون اخبار الرضا ان المامون كتب الى الرجا بصراحة قائلا : ((لا تاخذ على طريق الكوفة و قم ((615)) )).
و اسـتطاع الامام ـ عليه السلام ـ ان يتصل بمحبي اهل البيت ـ عليهم السلام ـ في طريقه الى مرو و كانت نيسابور اكثر المناطق ازدحاما اذ اجتمع فيها من الناس ما لم يجتمع في غيرها لاستقبال الامام و كان بينهم عدد من علما السنة مثل ابي زرعة الرازي , و طلبوا من الامام ان يحدثهم و جا في ينابيع المودة ان الامام اقام بنيسابور اياما, ثم خرج يريد بلدة مروشاهجان , فعرض له ابو زرعة الرازي , و محمد بن اسلم الطوسي و معهم من طلبة العلم والحديث ما لا يحصى فتضرعا اليه ان يريهم وجهه الـشريف المكرم المبارك ويروي لهم حديثا عن آبائه الكرام فاستوقف البغلة , و امر غلمانه بكشف الـمظلة فاقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة , والناس بين صارخ و باك , فصاحت العلما : مـعاشرالناس , انصتوا فحدثهم عن آبائه قائلا ((كلمة لا اله الا اللّه حصني فمن دخل حصني امن مـن عـذابـي )) فـشـرع الـنـاس كـلـهـم يـكـتبون , فقال لهم بعد هنيئة : ((الا بشروطها, و انا من شروطها
((616)) )).
اي : ان الاقرار بامامتي من شروطها و هذا الموضوع هو قوام الفكر الشيعي فقبول امامته و الانقياد الى ولايته بعد التوحيد شرطان للنجاح و الفلاح من منظار التشيع .
و كـانت غاية الامام ـ عليه السلام ـ من عمله هذا ان يجعل الحب الذي يبديه الناس للعلويين هادفا, و يستبدل التشيع العقيدي بالتشيع الناتج عن حب اهل البيت حبا سطحيامجردا.
و بعد ذلك , كان وجود الامام في خراسان باعثا على معرفة الناس شخصيته اكثر فاكثربوصفه امام الـشـيـعـة و لذلك كان عدد انصار التشيع يزداد على كرور الايام
((617)) و كانت منزلة الامام العلمية اهم باعث على اتساع نطاق التشيع لا سيما ان الاسس الفكرية للشيعة قد تميزت عن غيرها آنذاك و طبيعيا فان مرجعية الامام العلمية كانت تحمل في تضاعيفهااتساعا لدائرة الفكر الشيعي ينقل رجا بن ابي الضحاك ـ الذي تولى اشخاص الامام ـ عماحدث لهم في الطريق فيقول في بعض كلامه : ((و كان ـ عليه السلام ـ لا ينزل بلدا الا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم و يحدثهم الـكـثـيـر عـن ابـيـه , عـن آبـائه , عـن عـلي ـعليه السلام ـ عن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه و آله ((618)) )).
و كـل من كان عارفا بنقل الرواية عن طريق الائمة ـ عليهم السلام ـ يعلم ان تركيزهم على طريق آبـائهـم افضل معلم لاتساع الفكر الشيعي اذ هو الطريق الذي تنقل فيه الاحاديث عبر اهل البيت ـ عـليهم السلام ـ و لا يستعان باحد الرواة في سلسلة السند
((619)) و هذا السند مشهور بين رواة الحديث بسلسلة الذهب .
و كـان الـمـامـون يظهر رغبته في المسائل العلمية , لذلك كان يعقد مجالس النظر بحضورالامام و يـجـمـع المخالفين للبحث و المناظرة حول الامامة
((620)) , و كذلك حول النبوة ((621)) و لا يستبعد ان يكون هدفه ادانة الامام ((622)) و لما كان الناس ينظرون الى اهل البيت ـ عليهم السلام ـ بوصفهم العلما المتفوقين على غيرهم في العلم , و حتى انهم يعتقدون بعلمهم اللدني , لذلك يمكن ان تـفـضـي ادانـة الامام الى الحط من شانهم عندالناس بيد ان تلك المجالس استطاعت ان تعرف الناس الـشـخصية الحقيقية للامام الرضا ـعليه السلام و طالما ختمت لمصلحة الامام ((623)) و هذا ما كـان يـسـبـب مـتاعب كثيرة للمامون ينقل عبدالسلام بن صالح الهروي قائلا : رفع الى المامون ان ابـاالـحـسـن عـلي بن موسى الرضا ـ عليه السلام ـ يعقد مجالس الكلام , والناس يفتتنون بعلمه فامر المامون محمد بن عمرو الطوسي ان يطردالناس من مجلسه , و لما سمع الامام ذلك , دعا عليه وقال : (( و انتقم لي ممن ظلمني و استخف بي , و طرد الشيعة من بابي ((624)) )).
تـدل هـذه الـرواية على ان هؤلا الناس كانوا شيعة الامام ـ عليه السلام فحضوره في خراسان اذن لـتـنـظيم الشيعة و توسيع نطاق الفكر الشيعي و كان الناس يسالونه عن مختلف المسائل الكلامية و عـندما ترجمت الكتب اليونانية منذ اواخر عهد المنصور, فان شيئا من المذهب العقلي قد دخل نطاق الافـكـار الاسـلامـيـة و كان ضروريا ـ طبعا ـ ان يحدد الشيعة افكارهم حيال الظروف الفكرية الـجـديـدة و كـان ائمـة الـشيعة بخاصة الامام الصادق ,والامام الرضا ـ عليهما السلام ـ بمستوى الـمـواجـهة في حل الرموز المستعصية للحقائق المعروضة و طرح مرة سؤال عن رؤية اللّه يوم الـقـيامة , فرد الامام ذلك
((625)) و سئل عن الحديث : ((ان اللّه خلق آدم على صورته )) فذكر الامام ان الرواة حذفوا قسما من هذاالحديث , و هذا القسم هو الذي يبين معناه الحقيقي ((626)) و سـئل كذلك عن قول الامام الصادق ـ عليه السلام : (( امر بين الامرين ((627)) )) و غير ذلك من الاسئلة .
و كـان الامام ـ عليه السلام ـ يهتم باحيا السنة النبوية في ادا العبادات , و عندما طلب منه المامون ان يـقـيم صلاة العيد فانه عزم على ان يخرج اليها كما كان يفعل النبي ـصلى اللّه عليه و آله ـ لا كما يفعل الملوك اذ يخرجون بابهة ملوكية و كان ما عزم عليه , فبلغ ‌تاثير خروجه في الناس حدا ارغم فـيه المامون ان يرجع الامام من منتصف الطريق
((628)) و لعل التشدد على الامام و شيعته بدا بعد هذه الواقعة و كان المامون يحاول ان يقطع علاقات الامام بالشيعة او يخضعها لرقابته باساليب مختلفة و اخيرا وجد نفسه مرغما على قتل الامام ليقضي بذلك على محور الشيعة ((629)) بيد ان طبيعة الامـور كـانـت تفرض اتساع نطاق التشيع في خراسان , و حتى في اطرافها من خلال وجود الامام ـعليه السلام ـ فيها.
ان الرسائل التي بعثها الامام الى مختلف الاشخاص و فيها توضيح الاسس والدعائم الشيعية تدلنا على اتـسـاع قـاعـدة التشيع و تحوم هذه الرسائل حول منزلة اهل البيت ـعليهم السلام ـ في الكتاب و الـسـنة
((630)) , و سائر المسائل الكلامية ((631)) , والمسائل الخلافية الاخرى بين الشيعة والـسـنـة , مـثـل : ايمان ابي طالب ((632)) , توضيح مصداق الشيعة ((633)) , توضيح مصداق الصحابي ((634)) , و اولي الامر ((635)) , و غيرها من هذه المسائل .
و تطرح هذه المسائل وفقا للعلوم و المعارف التي تقرها الشيعة و كان الامام يعرضهاللناس نقلا عن آبائه و هكذا اتسعت قواعد التشيع العقيدي في خراسان والمناطق المتصلة بها.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

رد الشمس لعلي عليه السلام
الإمام (عليه السلام) والسلطة العباسيّة
بيع الأصنام
هل صحّ حديث (لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة) من طرق ...
افتتح البخاري صحيحه بالطعن في النبي صلى الله ...
فاطمة بنت أسد عليها السّلام
في رحاب نهج البلاغة (الإمام علي عليه السلام ...
المأساة والتأسي
محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ...
الموالي و اعدادهم من قبل الائمة ـ عليهم السلام .

 
user comment