عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

اللیبرالیة الراسمالیة

اللیبرالیة الراسمالیة

فی السنوات الأخیرة وبشکل غیر متوقع ظهر من ینتصر للیبرالیة الرأسمالیة ویدّعی أنها أرقى مراحل الصراع الأیدیولوجی: لقد حدث ذلک سنة 1989 حین کتب فوکایاما فرنسیس مقالاته حول (نهایة التاریخ نهایة العالم)(1) وهو لا یقصد نهایة الأحداث بل یقصد أن منتهى التطور الایدیولوجی هی اللیبرالیة وأن البشریة بلغت أوج الأنظمة السیاسیة: الرأسمالیة (فعدد الخیارات التی تواجهها البلدان فی تحدید کیفیة تنظیمها السیاسی والإقتصادی قد قلّ کثیراً مع الزمن ومن بین النماذج المختلفة التی ظهرت فی تاریخ الانسان بدءاً بالأنظمة الملکیة والارستقراطیة وصولا إلى الانظمة الثیوقراطیة والدکتاتوریة الفاشیة والشیوعیة فی عصرنا فان الشکل الوحید الذی استمر صامداً حتى نهایة القرن العشرین کان الدیمقراطیة اللیبرالیة.. وبعبارة أخرى (لیست المحاولة اللیبرالیة هی التی تبدو منتصرة بقدر ما هی الفکرة اللیبرالیة أی أنه بالنسبة لقسم کبیر جداً من العالم لیست هناک ایدیولوجیا تدعی الشمولیة حالیاً تکون فی موقع یمکنها من منافسة الدیمقراطیة اللیبرالیة)(2) حتى الإسلام الذی یقرّ بأنه نظاماً ایدیولوجیاً متماسکاً ولکنه لا یعترف له بالقدرة على المنافسة خارج الحدود الجغرافیة والتاریخیة للعالم الإسلامی یقول: (صحیح ان الإسلام یشکل ایدیولوجیة متماسکة شأن اللیبرالیة والشیوعیة وله نظامه الأخلاقی الخاص وعقیدته الخاصة فی العدالة السیاسیة والاجتماعیة فدعوة الإسلام هی ذات طابع شمولی وهی تتوجه إلى جمیع الناس.. وبالرغم من القوة التی أبداها الإسلام فی تجدده الحالی إلاّ أن هذا الدین لا یبدو أنه یمارس أیة جاذبیة خارج الأصقاع التی کانت إسلامیة ثقافیاً منذ بدایاتها فقد ولّى زمن الغزو الثقافی للإسلام کما یبدو انه یستطیع استعادة بلدان فلتت منه لفترة لکنه لا یقدم أبداً الاغراءات لشبیبة برلین وطوکیو وموسکو إذا کان هناک ملیار من الناس تقریباً ینتمون للثقافة الإسلامیة (أی خمس سکان العالم) فانهم لن یتمکّنوا من منافسة الدیمقراطیة اللیبرالیة فی عقر دارها فی مجال الافکار)(3).. لقد غاب عن فوکایاما.. وهو یعلن عن نهایة (تاریخهم) ویناقش النظریة الإسلامیة من منظور وضعی أنّه غیر قادر على تفهّم ما لهذه المدرسة من عمق وامتداد وتأصل فی النفوس والآفاق.. غاب عنه إن وفی نفس اللحظة التاریخیة ذاتها (مع مطلع القرن الخامس عشر للهجرة) یولد التاریخ ویبدأ من المنظور الإسلامی فی دورة حضاریة جدیدة مع قیام الثورة الإسلامیة المبارکة فی إیران وبلوغ الفکر الإسلامی مرحلة متقدّمة من النضج والتکامل. لقد غاب عن فوکایاما ان (المدرسة الإسلامیة) لا تنطلق کاللیبرالیة من معطیات ظرفیة ولا تضخع فی أصولها الفکریة الاعتقادیة إلى التاریخ... بل هی تستوعب التاریخ لأنها تستند إلى مرجعیة خارج التاریخ (الوحی الإلهی) وإن کانت فی نضالها الیومی وصراعها الاجتماعی تخضع لنوامیس التاریخ وقوانین الحرکة... ان مضامین المدرسة الإسلامیة فوق التاریخ لکنها تاریخیة فی حرکتها ومسیرتها... لقد غاب عنه ان الارتباط بالمطلق یعطی لهذه المدرسة قدرة على التجدید والتکیف فی کل لحظة زمنیة وفی کل فضاء تاریخی وفی کل موقع جغرافی فلا... تأخذه الطمأنینة.. ولا یغرّنه... واقع المسلمین الراکد...
إن نهایة التاریخ التی یتنبأ بها (مسیلمة) اللیبرالیة الجدیدة... هی نهایة التاریخ المنقطع عن الله عزوجل ولکنها بدایة للتاریخ الذی یندمج فیه الإنسان من جدید فی الکون مع الله وبالله جل جلاله...
بدأ التاریخ فی المشرق... وأذن التاریخ بنهایته فی الغرب نهایة تمخّضت فی تحولات سیاسیة خطیرة عرفها المعسکر الاشتراکی... ولا نزال نترقّب تمثلاتها فی المعسکر الرأسمالی... بدأ التاریخ فی المشرق بعودة الوعی وعودة الإسلام یقود الحیاة إلى آفاق مستقبلیة رحبة... ویؤسس لنظم فکریة وثقافیة وحضاریة شاملة... تخلّص الإنسان والمجتمع... وتبشّر بحیاة سعیدة عادلة.
لقد ساهم فی صنع هذه اللحظة التاریخیة العظیمة من فجر هذه الأمة رجالات کثر... یشمخ على رأس قائمتهم... (محمد باقر الصدرقدس سره) الذی استشهد لیمْنَحَ کیان الأمة الإسلامیة نفخة من روحه الطاهرة.. فیشارک إلى جانب آخرین فی بعث الحیاة فی هذا الکیان.
لقد مثّل باقر الصدر نموذجاً متمیزاً من منظری الساحة وعلماً بارزاً فی سماء نهضتها الفکریة وانبعاثها الحضاری.
وبعد عقدین من رحیله لا یزال انتاج باقر الصدر یشکّل نسیجاً متماسکاً مدرسة إسلامیة متکاملة الابعاد.. وبالرغم من التطورات الثقافیة والفکریة التی عرفها العالم منذ استشهاده إلاّ أن مشروعه الفکری لا یزال یمثّل من عناصر القوة والجدیة ما یبقیه حاجة مستمرة إلى قراءة جدیدة... حتى نحسن تمثله وتشیید البناء التام لهذه الدراسة استناداً إلى الاسس التی ارساها...
وقع فکر باقر الصدر موضوعاً للعدید من البحوث والدراسات التی حاولت استکشاف مناحی التجدید ونقاط القوة والإبداع فی هذا العطاء... إلاّ أن هذه الدراسات بقیت تعانی من نقائص عدة أهمها:
1- تمرکزها حول بعض القضایا والمسائل دون غیرها.
2- انشداد هذه البحوث منهجیاً إلى آلیات ومناهج تجاوزها الشهید السد محمد باقر الصدر وطرح آلیات بدیلة لها فإلى متى ندرس فکر السید الشهید محمد باقر الصدر تجزیئیاً فی الوقت الذی اکتشف هو المنهج الترابطی الموضوعی؟ وإلى متى نبقى مشدودین إلى المنطق الأرسطی فی تحلیل افکاره.. متغافلین عن نظریته فی المعرفة والمذهب الذاتی؟...
موضوع التجدید الکلامی عند السید الشهید محمد باقر الصدر قدس سره الشریف دراسة مستوفیة تستوعب البحث العقائدی عند الشهید الصدر وان تعرّضت بعض البحوث لبعض کتابات الصدر العقائدیة.. لکن التجدید الکلامی بهذا العنوان لا یمکن الإحاطة به إلاّ من خلال دراسة موضوعیة لجمیع اصول الدین. ارجو مراجعة کتاب التجدید الکلامی عند الشهید الصدر ، تالیف الاسعد بن علی
وهذا الکتاب: "التجدید الکلامی عند الشهید الصدر(قدس سره)" هو واحد من مصادیق هذا المدّعى، حیث أبدى فیه مؤلّفه ما توصّل إلیه عبر بحثه الموضوعی حول علم الکلام عند التشیّع، ثم بیّن رأیه الذی توصّل إلیه بعد قیامه بالدراسة التحلیلیة التی استهدفت الکشف عن أوجه التجدید والابداع منهجیاً ومفاهیمیاً فی دراسة أصول الدین عند الشهید الصدر(قدس سره).
ومن هذا المنطلق ذکر المؤلف بکل صراحة ومن دون تهیّب أنه توصل إلى هذه النتیجة بأنّ ما ذهب إلیه الشهید الصدر فی علم الکلام یعتبر فکراً یتّسم بالقوّة والمتانة والشمولیة، وأن آراءه فی علم الکلام أفضل بکثیر من سائر المدارس والمذاهب الکلامیة.
وقد حاول المؤلّف فی دراسته هذه أیضاً أن یبیّن بصورة غیر مباشرة عن أسباب رحلته إلى مذهب أهل البیت(علیهم السلام)، وذلک ببیانه العذب ودراسته المعمّقة فی تسلیط الضوء على واحد من مراجع مذهب أهل البیت(علیهم السلام).

 

المصادر : مرکز الابحاث العقائدیة

1- ظهر کتابه (نهایة التاریخ) فیما بعد سنة 1992
2- فرنسیس فوکایا: نهایة التاریخ والانسان الأخیر، مرکز الانماء القومی 1993 ص71.
3- فرنسیس فوکایا: نهایة التاریخ والانسان الأخیر، مرکز الانماء القومی 1993 ص71.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مواقف في کربلاء
مظاهر من شخصيّة الإمام الرضا (علیه السلام)
الاجتماع في الدعاء و التأمين على دعاء الغير
أحداث سنة الظهور حسب التسلسل الزمني
شبهات حول المتشابه في القرآن، وتفنيدها
الإستراتيجية العسكرية في معارك الإمام علي (عليه ...
النجاة في العقل
السيدة زينب في عهد والدها أمير المؤمنين(عليه ...
دعاء في آخر ليلة من شعبان
أسند عنه

 
user comment