وما أسرع أن ينتهي به الترحال إلى حفرة مظلمة تضج بالديدان تستقبل جسده، أما روحه فتنطلق بعيداً إلى عالم البرزخ حيث يجد هناك انعكاسات تجربته في الحياة الدنيا.
هؤلاء المخدوعون يتصورون الدنيا حقيقة والآخرة أوهام وخيال، من أجل هذا يتهافتون على لذائذ الحياة، يكرعون منها ويطلبون المزيد، فتراهم غارقين في المعاصي والذنوب،
معرضين عن الاخلاق الكريمة والتحلّي بالصفات الحسنة الجميلة.
انهم في غفلة عن الحقيقة الكبرى وهي أن الدنيا مزرعة الآخرة، بل انهما عالمان متجاوران وما أسرع المرء أن يجد ما كسبت يداه مائلًا أمامه وحينئذ يعض على أصابعه ندماً
وأسفاً.
والجهال من أهل الايمان يخدعون أنفسهم أيضاً، بأن اللَّه عزوجل واسع الرحمة، ولا حاجة للَّهبعبادتهم وأن رحمته عزوجل تغمرهم غمراً وأن اللَّه غفور رحيم، فلم هذا الحرمان
من اللذائذ وإن كانت في معصية؟! وأن ذنوبنا مهما عظمت لا تساوي ذرّة في بحار رحمته جلّ شأنه!
أنهم في غفلة عن هذه الحقيقة وهي أن الشيطان وهوى النفس للانسان بالمرصاد وأنه يزوّق لهم القول فترى ظاهره برّاقاً خادعاً وباطنه اسم الزعاف.
يقول سيدنا محمّد صلى الله عليه و آله:
«الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالأحْمَقُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَواهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللّهِ» «1»
. انهم يرون نصف الحقيقة إذا صح التعبير فاللَّه غفور رحيم، رحمان كريم يقبل
__________________________________________________
(1)- مجموعة الورّام: 1/ 243، باب محاسبة النفس
التوبة من عباده ويعفو عن السيئات ولكن اللَّه أيضاً شديد العقاب عزيز ذوانتقام يمهل ولا يمهل.
رحلة فى الآفاق والأعماق شرح دعاء كميل، للعلامة انصاريان ص: 146
source : دار العرفان