عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

الموالي والنزعة الشيعية للغلاة .

الموالي والنزعة الشيعية للغلاة .

ان الـمـوضوعات التي ذكرناها حول النزعة الشيعية للموالي كشفت لنا ان الموالي ليس لهم اي دور فـي الـتـشـيـع ابان عصره الاول , اي : عصر النبي ـ صلى اللّه عليه و آله ـ و الامام اميرالمؤمنين ـ عـليه السلام , و ما تلاهما من عصور حتى عصر التوابين و من البديهي ان الموالي لم يتمتعوا بموقع اجتماعي خاص في تلك الظروف حتى يسجلوا مساهمة في الحركات الفكرية و السياسية يومئذ كما لا يمكن ان نتصور لهم ذلك بيد ا نهم دخلوا حلبة الصراع السياسي بعد ثورة المختار, المطالبة بثار الامـام الحسين ـ عليه السلام ـ فنشات الميول الشيعية في اوساطهم تدريجا, و برزوا بين اصحاب الائمـة الـطاهرين ـ عليهم السلام ـ و بعض الحركات الزيدية و هكذا دخلوا في ميدان الكفاح شيئا فـشـيـئا مـع سائر العرب الشيعة لذلك لا يخامرنا الشك ان العرب هم الذين وضعوا اللبنات الاولى لـلـتـشـيع في المدينة والعراق , ثم جا الموالي فساهموا فيه , كما نقرا ان نزعة شيعية مستقيمة و متزنة قد ظهرت بين العرب الاشاعرة في قم بعد مضي مدة من الزمان و ظلت هذه المدينة شامخة في ايران بوصفها اهم و اعرق مركز شيعي .
و لا بـد ان نـشـيـر هـنا الى قضية سبق ان ذكرناها, و هي ظهور ثلاث نزعات رئيسة في الفكر الشيعي , علما ا نها لم تظهر في وقت واحد, بل تدرجت في الظهور مع التقلبات السياسية والطائفية و لا نـنوي هنا التحدث عن الهوية العقيدية والفكرية لتلك النزعات , بل نركز على علاقة الموالي بها فـحـسب بيد ا ننا سنشير ـ كتمهيد ـ الى هذه النزعات الفكرية في سياق البحث , بوصفها تمثل اهم الفرق الشيعية .
نـطالع في البداية النزعة الشيعية المعتدلة التي تنامت باشراف متواصل من الائمة ,و اخذت عقائدها من كلام الامام اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ و توجيهات سائرالائمة و يمثلها الشيعة الذين قال عنهم ابان بن تغلب : الشيعة الذين اذا اختلف الناس عن رسول اللّه اخذوا بقول علي , و اذا اختلف الناس عن عـلـي , اخـذوا بـقـول جعفر بن محمد
((352)) و نقرا ان النص على امامة علي و ابنائه من اهم عـقـائدهم و ان الامامة عندهم ذات صبغة دينية مضافا الى صبغتها السياسية , و ا نها تعرض بوصفها مـكـمـلـة لـلـديـن و لـهـذاالـسبب اصبح الاعتقاد بالامامة محورا للخلافات الدينية التي تجسدت فـي الـمناقشات العقيدية و الفقهية , و كذلك محورا للخلافات السياسية و نجمت النزعة المغالية الى جانب النزعة المذكورة و دعامتها الاعتقاد بالوهية الائمة الطاهرين ـعليهم السلام ـ و على راسهم اميرالمؤمنين ـ عليه السلام .
فالشرائح المعتقدة بهذه النزعة هي من غلاة الشيعة و نقل ان هذا التوجه بدا من عبداللّه بن سبا الذي كـان يـنحدر من اليمن و كل ما نسب اليه من دور سياسي و ديني نقل عن طريق سيف بن عمر الذي قـال عـنـه الـبـاحـث الشهير العلا مة العسكري : انه يمثل المصدر الذي نقل عنه جميع المؤرخين والـمـحـدثـيـن اخـبار عبداللّه بن سبا
((353)) و عبرالشهرستاني عنه قائلا: ((منه انشعبت الغلاة ((354)) )).
و نـسبت الى الغلاة عقائد مختلفة , اهمها: الهية الائمة , و غيرهم من الذين اوجدواهذه النزعات و من العقائد التي نسبت اليهم ايضا: عقيدة الحلول
((355)) , والتناسخ ,و التشبيه , والغيبة , والرجعة , و غـيـرهـا و يـمـكـن ان نقف على كثير من هذه العقائد بالرجوع الى كتب متنوعة مثل : المقالات والفرق , فرق الشيعة , الملل والنحل .
و مـن الـجـدير ذكره هنا هو ان فرق المسلمين الاخرى تؤمن ببعض هذه العقائد فالغيبة ـنظرياـ عـقـيـدة مشتركة بين اهل السنة و الشيعة الامامية كما ان بعض الشخصيات الشيعة الامامية اقرت بـمسالة الرجعة
((356)) و نقرا ان عقيدة التشبيه كانت و مازالت موجودة بين بعض اهل السنة و مثالنا على ذلك ابن تيمية الذي كان يؤمن بعقيدة التشبيه ((357)) و كثيرمن متقدميهم كان يرى هذا الـراي كما نطالع في صحاح اهل السنة احاديث حول التشبيه ((358)) اما الالوهية , والتناسخ فلم تـعـتـقـد بهما فرقة من فرق المسلمين و لعل الغلاة هم الفرقة الوحيدة التي تذهب الى ذلك و هناك فـرقة من فرق الشيعة المشهورة ((359)) , وهي الاسماعيلية تحسب في عداد الغلاة نوعا ما و برزت الاسماعيلية باشكال مختلفة ذات طابع باطني بمجملها, و يلاحظ شبه كبير بينها و بين الغلاة بخاصة في تاويل كثير من المفاهيم الدينية اما من الوجهة الظاهرية , فانها تؤمن بالشريعة و تعمل بها مـع مـا تـختلف به عن الاخرين فقهيا و كتاب دعائم الاسلام نموذج لكتاب حديثي فقهي متماسك من كتب الاسماعيلية .
و سـنتحدث في بحوثنا القادمة عن حركات الاسماعيلية في ايران , و نتطرق الى التقارب الملحوظ بـيـن عـقـائد الغلاة والباطنية و ذكرت موضوعات كثيرة حول البواعث التي ادت الى ظهور فرق الـغـلاة , و يـمكن ان تطرح موضوعات اخرى ايضا, بيد ان هذاالمجال لا يناسب الحديث عنها و ما ينبغي ان نتحدث عنه هنا هو علاقة الموالي الفرس بالغلاة .
الـنـزعة الشيعية الثالثة هي النزعة الزيدية التي سبق ان تحدثنا عنها بايجاز, و قلنا انهاكانت ذات طابع حنفي من الوجهة الفقهية , و اعتزالي من الوجهة العقيدية والمسالة الوحيدة للزيدية هي الامامة التي تمثل فيها رايا وسطا بين النظرة السنية و الشيعية , مع اقتراب الى النظرة الشيعية .
لقد ذكرنا سابقا نبذة يسيرة عن الموالي الفرس , و هل كان لهم دور في ظهور الغلاة او لا و اذا كان لهم دور, فما هو الدليل ؟ و ما هي طبيعة هذا الدور ؟ من الضروري ان نعرض هذا الموضوع هنا, و نبين راينا فيه .
و بـغـض النظر عن السؤال المثار حول تاثير الموالي في ظهور عقائد الغلاة او عدم تاثيرهم , فان مـسالة اخرى مطروحة على بساط البحث ايضا, و هي : هل آمن الموالي بالاتجاه الشيعي للغلاة , او لا ؟ اذن , نلحظ نقطتين ينبغي ان تخضعا للدراسة والتقويم :.
الاولى : حجم التاثير الذي كان للموالي في ظهور عقائد الغلاة .
الثانية : حجم ركون الموالي الى الغلاة .
و هـاتان المسالتان مترابطتان تماما والجواب عن احداهما ـ طبيعيا ـ يمكن ان يوضح الاخرى ايضا لذلك لا نفرد لكل منهما حديثا, بل نتحدث ـ جملة ـ عن العلاقة بين الغلاة والموالي .
قـد ذكـر ان للموالي الفرس دورا رئيسا في ظهور الغلاة , كما جا على لسان احدهم اذقال : و كان جل الموالي الذين انضموا الى التشيع خلال المراحل الاولى من تاريخه هم من الغلاة
((360)) )) و قـال هـذا الكاتب ايضا : اما الجماعات الايرانية التي انضمت الى التشيع بشكله الغالي , فقد ورثت من بـيـئاتها القديمة فكرة عبادة الملوك و اتصافهم بصفات الاله واصبح الائمة في نظر الموالي الغلاة يحتلون المراكز الروحية التي يحتلها الملوك الايرانيون في عهد الوثنية ((361)) )).
و يـرى احمد امين ان الموالي يشكلون احد اركان الغلو والغلاة
((362)) و قد ناقشناسابقا بعض الـمـسائل التي تحوم حول صلة التشيع بالموالي , و ذلك في كتاب صدر لناتحت عنوان [بحث موجز حول العلاقة بين التشيع و ايران ] ((363)) بيد ا ننا لم نتحدث عن العلاقة بين عقائد غلاة الشيعة , والموالي .

دراسة العلاقة بين الغلاة والموالي .

كان عبداللّه بن سبا اول مصدر للعقائد الغالية على حد تعبير الشهرستاني و ثمة احتمالان في نسبه : الاول : يقول انه يهودي ينحدر من اليمن و يذهب الاشعري في المقالات والفرق الى ا نه عبداللّه بن وهـب الراسبي الهمداني ((364)) الثاني : ينسج له محتداعربيا و نلحظ ان الاحتمال الاول لا يدل على ارومة عربية لو ثبت ا نه احد المهاجرين الفلسطينيين الى اليمن .
و اذا سلمنا بهذين الاحتمالين , فلا نستطيع ان نثبت اي علاقة بين الغلاة والموالي ,لعدم وجود صلة بين الهوية اليهودية و العربية , و بين موضوعنا الذي يحوم حول علاقة الغلاة بالموالي , كما ا نه لا يبرهن لنا على شي , بل بالعكس لو فرضنا وجود شخص بهذاالاسم والمواصفات
((365)) , فليس للموالي دور في ظهور هذا التيار.
و لـو تـركـنـا عـبـداللّه بن سبا جانبا, فان الفرقة الكيسانية نالت نصيبها من البحث في كتب الفرق والـمـذاهب بوصفها اول فرقة غالية و ليس هناك اتفاق في الارا حول تسمية هذه الفرقة , فقد قيل : عرف الكيسانية بهذا الاسم لانهم اصحاب كيسان مولى اميرالمؤمنين ـعليه السلام
((366)) و ثمة راي آخـر لـلـشهرستاني يري فيه ان كيسان كان تلميذ محمد بن الحنفية , و يصرح بان الكيسانية يـعـتـقـدون فيه اعتقادا فوق حده و درجته [المقصودكيسان ]و يذهب الى ان كيسان اخذ علمه من الـسـيـديـن : عـلي ـ عليه السلام , و محمد بن الحنفية و بلغ درجة رفيعة من احاطته بالعلوم كلها و اقتباسه من السيدين الاسرار بجملتها,من علم التاويل والباطن و علم الافاق والانفس ((367)) .

بينما يرى غيره ا نه لقب المختار ((368)) و يذهب الاشعري الى ان كيسان لقب محمد بن الحنفية نـفـسه ((369)) و يعتقد آخرون ا نه لقب المختار, و ماخوذ من عنوان ابي عمرة رئيس شرطة المختار ((370)) و جملة القول : ان هويته غامضة .
يـقول البغدادي : الكيسانية اتباع المختار بن ابي عبيدة الثقفي ((371)) و اذا صح ذلك ,فالموضوع يـرتـبـط بـالموالي و ينسب الشهرستاني الى الكيسانية عقائد مختلفة اما في مجال اصحاب المختار الـمعروفين بالمختارية , فيعرض الشهرستاني معلومات ارى من الضروري ان اشير اليها فهو يذكر ان المختار كان يؤمن بامامة محمد بن الحنفية , فيشترك مع الكيسانية في هذه العقيدة و من الطبيعي ان القول بامامة محمد بن الحنفية لا يمكن ان يمثل عقيدة غالية مضافا الى ذلك عدم وجود الدليل على ان المختار كان يرى له نوعا من الامامة كنص من اللّه .
و كـان الـمـختار يقول : جئت من قبل محمد بن الحنفية , و ذلك لجمع الشيعة و عرض نفسه بوصفه شخصية سياسية و لما كان موضوع ثورته الثار من قتلة الامام الحسين ـعليه السلام ـ و اصحابه , و صـاحـب هذا الثار هو محمد بن الحنفية , لذلك كان يعتزم ان يظهر نفسه محقا في توجهاته و الراي الـقائل ان المختار كان مقرا بامامة ابن الحنفية مرفوض , لان محمد بن الحنفية لم يدع الامامة , فكيف يمكن قوله بامامته ؟ والموضوع الاخر الذي يعرضه الشهرستاني هو ان المختار كان يجوز البدا على اللّه ـتعالى و يقول : و انـمـا صار المختار الى اختيار القول بالبدا, لانه كان يدعي علم ما يحدث من الاحوال اما بوحي يوحى اليه , و اما برسالة من قبل الامام ((372)) .
و يقول البغدادي : كان المختار قد وعد ابراهيم الاشتر بان الظفر يكون له فلما هزم ,قال : ان اللّه ـ تعالى ـ كان قد وعدني ذلك , لكنه بدا له ((373)) بينما نقرا ان الطبري نقل القول بالبدا عن عبداللّه بـن نـوف , و اضاف ا نه هو الذي اظهر هذه العقيدة ((374)) وعقيدة الشيعة ان البدا من المسائل الجوهرية في مذهب اهل البيت ـ عليهم السلام ـ ومصدره القرآن و السنة ((375)) .
لـقـد اشرنا سابقا الى موضوع ادعا المختار النبوة , و قلنا انه لا نصيب له من الصحة و كان المختار عـرضـة لطعون المؤرخين و تقولاتهم , بخاصة الامويين و الزبيريين ,حتى ان الادعا بالنبوة نسب اليه في حياته و كان هدفهم من ورا ذلك الحط من شانه ,وهو الذي ثار من اجل الدفاع عن اهل البيت ـ عـلـيهم السلام و هل يستطيع احد ان يحكم الناس , و هو يدعي النبوة , في تلك الظروف التي كانت تعيشها الكوفة ؟ غـيـر صحيح , لان محمدبن الحنفية ـ كما مر بنا ـ لم يؤيد المختار ضمنيا فحسب , بل واستنصره عندما تعرض لمضايقات عبداللّه بن الزبير في مكة ((376)) و هذه نقطة ذكرها كافة المؤرخين الذين نقلوا تلك الوقائع و من الطريف ان الشهرستاني نفسه هنا يكشف لنا عن عقائده الغالية فيقول : و انما حمل المختار على الانتساب الى محمد بن الحنفية حسن اعتقاد الناس فيه و كان محمدبن الحنفية كثيرالعلم , وقاد الفكر, مصيب الخاطر في العواقب قد اخبره الامام علي ـ عليه السلام ـ عن احوال ((377)) فهذاهو تصريح الشهرستاني نفسه بعلم امـيـرالـمؤمنين ـ عليه السلام ـ و نجله ابن الحنفية بالغيب و معرفة ما سيجري في المستقبل , فهل ينسجم هذا التوجه مع نهج اهل السنة ؟.
و جـا فـي احدى المقالات ان الشهرستاني ـ كما يبدو من تفسيره ـ كان من الذين يعتقدون ان العلوم الدينية الواقعية , بخاصة علم التفسير, ينبغي ان تؤخذ من اهل بيت النبوة فحسب ((378)) و حينئذ لا نستبعد منه ان يصرح بمثل هذه الارا في الملل والنحل .
و ا لـف احـد الـبـاحـثين كتابا تنيف صفحاته على مائتي صفحة حول الفرقة الكيسانية ,و هل كانت موجودة في التاريخ او لا؟ و عرض فيه ادلة وافية اثبت من خلالها ان هذه الفرقة مختلقة , و ا نها لم تـرد فـي التاريخ بهذا الاسم و هذه المواصفات كفرقة مستقلة ((379)) و ذهب هذا الباحث الى ان لـبـنـي العباس ضلعا في اختلاق هذه الفرقة , اذكانوا يطمحون الى انتقال الامر اليهم عبر الاعتقاد بوصية محمدبن حنفية و وصية ابنه ابي هاشم بعده , زاعمين ان ابا هاشم جعل الوصية عند دنو اجله في محمد بن علي بن عبداللّه بن عباس فانتقلت الامامة الى العباسيين عن هذا الطريق .
و مـا يـهمنا هنا هو ان نعرف هل كان للموالي دور في هذا الموضوع و نحن نرى ان مساهمتهم في التحرك السياسي الذي قام به المختار كانت نابعة من حبهم اهل البيت ـعليهم السلام و ثمة دافع آخر كان يعتمل في نفوسهم ـ سبق ان اشرنا اليه ـ و هو طموحهم الى رد الاعتبار و ليس لهم اي علاقة تـذكـر مـن الـوجهة الفكرية بالعقائد التي عرضتها تلك الكتب المعنية بدراسة الفرق والمذاهب , و ابتدعتها تكيفا مع الافكار السائدة في القرن الرابع و الخامس .
و نـسبت العقيدة المهدوية الى المختار ايضا و نقل ا نه كتب رسالة الى محمد بن الحنفية خاطبه فيها بـالـمهدي مما حدا البعض على القول ا نه هو الذي طرح العقيدة المهدوية بيد ان هذا الموضوع واه لاسباب مختلفة يضاف الى ذلك ا ننا نحتمل احتمالاكبيرا ان المختار نظر الى المعنى اللغوي للمهدي و يمكننا ان نقول :.
ان الـعـقـيـدة الـمهدوية ـ جوهريا ـ لا تقتصر على الشيعة , بل يشاركهم فيها اهل السنة ايضا, اذ يعتقدون بانتظار المهدي و ظهوره , و لكن بشكل آخر كما ان غير المسلمين لهم ارا خاصة في هذه الـعقيدة , كالنصارى واليهود, و ليس هؤلا فحسب , بل غيرهم يؤمن ايضا بظهور منج ينقذ البشرية , كما جا ذلك في الثقافات الاسطورية ((380)) .
مـن هـذا المنطلق يمكننا ان نحصل على نتيجة قيمة للغاية تتمثل في ان العقيدة المهدوية عريقة في التاريخ لا نها وردت في كافة الثقافات الاسطورية والدينية اواكثرهاو لابد ان ننتبه الى ان وجود هـذه الـعـقـيدة عند اليهود ينبغي ان لا يدفعنا الى التصوران المسلمين اخذوها منهم بل ان اشتراك الـثـقـافـات والـحضارات في هذه العقيدة دليل على عراقتها و اصالتها لذلك لا تنحصر هذه العقيدة بـالـغـلاة , كـما يروق للبعض ان يعنى بهاباشكال مختلفة و من الطريف ان الخليفة الثاني هو اول من طـرح مضمون العقيدة المهدوية عندما توفي النبي الاعظم ـ صلى اللّه عليه و آله ـ اذ لم يصدق , و قال : انه لم يمت ثم اقتنع بعد ذلك , فسلم بموته ((381)) .
و يـبـدو مـن الضروري ان نعرض نبذة موجزة عن الفرق التي انشعبت من الكيسانية ,و نقلتها كتب الفرق او ابتدعتها للتشويش بكثرة الاسما.
ان احدى الفرق التي كانت تقول بامامة ابي هاشم بعد موت محمد بن الحنفية تعتقدان وصي ابي هاشم هـو عـبداللّه بن عمرو بن حرب الكندي و ترى هذه الفرقة ان روح الاله تناسخت في عبداللّه بن عـمـرو بـن حـرب الـكندي ((382)) و مهما كان من امر هذا الشخص ,ان كان من اتباع بيان بن سمعان , او كان صاحب فرقة مستقلة به , فما هي علاقته بالموالي ؟اذ كان عربيا من كندة مضافا الى عدم وجود معلومات تدل على ارتباط الموالي به علما ان البيانية عدت من فرق الكيسانية ((383)) و يعتقد هؤلا بالهية الامام علي ـ عليه السلام ـ كمايعتقدون بالتناسخ ايضا.
و كـتب بيان بن سمعان رسالة الى الامام الباقرـ عليه السلام ـ يدعوه فيها الى نفسه و لماوصلت الى الامام امر الرسول ان ياكلها, فاكلها, فمات في الحال ((384)) .
مـا هو موقف الموالي من دعوة بيان بن سمعان ؟ والجواب هو ان الكتب المعنية لم تتطرق الى ذلك و يـضاف اليه ان هذا الشخص كان من قبيلة بني تميم , فهو ـ اذن ـ من العرب الخالصة , و قبيلته كانت تـنـتـهـج سـبـيـلا غـيـر سبيل التشيع و للوقوف على عقائده , تنظرالمصادر المبينة في الهامش ادناه ((385)) .
و نـسبت العقائد الغالية ايضا الى عبداللّه بن معاوية بن عبداللّه بن جعفر ((386)) كماعد مؤسسا لـفرقة تدعى الجناحية و من المؤسف حقا ان تنسب اليه هذه العقائد التي لاتليق بشانه ((387)) و لا يمكن التسليم بها على اساس ما نقله الشهرستاني و لو نظرنا انفسنافي هذه العقائد ايضا, فسوف لا نـصـدق بما قيل عنه منها : ا نه كان يعتقد بتناسخ الارواح ((388)) و لو فـرضنا ان هذه هي عقائده , و ا نه كان من اقطاب الغلاة , فمن الثابت ا ننا لا نستطيع ان نسجل دورا للموالي في تكوين هذه العقائد.
و لـنـا ان نـقـول بـكل اطمئنان ا نه لما كان قد قتل على يد ابي مسلم داعية العباسيين , فلاجرم ان العباسيين هم الذين قاموا بتشويه سمعته ((389)) .
و مـن الـطـريـف ان نعلم ان دعوى النبوة كما نسبت الى المختار, فقد نسبت الى عبداللّه بن معاوية ايـضـا ((390)) عـلـى اي حال , لا يمكن ان نعثر على اثر للموالي في مانقله هؤلاالمؤرخون من مـعـلومات عن الفرق و ما قيل فيهم هو كلام واه لا يقوم على دليل ((391)) ولما كان عبداللّه بن معاوية قد ذهب الى المدائن , و منها اتجه شرقا, فقد حاول البعض ان يختلق صلة بين الغلاة والفرس من جهة , و بين نصرته والتعاطف معه من جهة اخرى ((392)) .
بـيد ان حكم المؤلف العراقي المشهور الدكتور الشيبي في هذا الموضوع يزيل كل شبهة فهو يقول : و يـزيـد الامـر وضـوحـا ان الـمدائن التي نزلها اولا, و اصطخر التي صارت عاصمة ملكه كانتا مهجرين لقبيلة عبدالقيس الشيعية التي خرج الغلو من بطونها و تلك امارة على ان الغلو لم يكن فارسيا فـي جوهره و انما كان للعرب من الشيعة المتعصبين الممتلئين بالغيظ والحقد على الامويين دورهم الاساسي في تبنيه عقيدة ((393)) .
و يـذهـب الـبـلاذري ايـضـا الـى ان شـيـعـة الـمـدائن كـانـوا مـن الـناس الذين هاجروا اليها من الكوفة ((394)) .
و اما ما قاله صاحب كتاب تاريخ الامامية و اسلافهم من الشيعة حول الفرس ا نهم كانوايرون ملوكهم فـي جـو روحـي , و انـهم اعتقدوا بالائمة نفس الاعتقاد فينبغي ان نجيب عنه قائلين : ان الفرس لم يعتقدوا يوما بالهية ملوكهم , او بحلول روح الاله فيهم , و انما كانوايرون ان حكومتهم تفويض الهي لـذلـك لا يـمكن ان نقيم علاقة تذكر بين الغلاة وعقائدالفرس حتى اننا لو تصورنا هذا الموضوع تـصـورا بـسـيطا, فلا نجد علاقة بين الحكومة حسب نظرية التفويض الالهي و بين الامامة عند الشيعة .
و قد اثبتنا زيف هذه الا مور في احد كتبنا, و قلنا: هذه هي ايضا عقيدة المسلمين بالانبيا, و لو كانت ثمة مؤاخذة على عقيدة الشيعة , فانها ستسجل ايضا على كافة المسلمين و عقيدتهم في نبيهم العظيم ـ صلى اللّه عليه و آله ((395)) .
و اشـار الدكتور سامي النشار الى هذه النقطة , وهو الذي يرمي الى الكشف عن المصدر الذي انبثق مـنه تيار الغلاة , و ذكر ان الكوفة شهدت امراتين كانتا تعتبران من رؤسا الغلاة و نقل عن الطبري ان غلاة الشيعة كلهم كانوا يجتمعون في بيت هند بنت المتكلفة الناعطية , و يتباحثون و كذلك كانوا في بيت ليلى بنت قمامة المزنية ((396)) .
و لو سلمنا ـ فرضا ـ ان هاتين المراتين كانتا من الغلاة ((397)) , فانهما عربيتان , و ليس للموالي علاقة بهما.
و قـال الـجاحظ : ان الناعطيين كانوا من اصحاب علي ـ عليه السلام ـ في الكوفة , و من افراد جيشه في اليمن ((398)) .
و حـيـنئذ يمكن ان يكون تشيع هؤلا فحسب باعثا على اتهامهم بالغلو و هذا الضرب من الحكم يكثر في الكتب الرجالية لاهل السنة .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير
الاسرة والحقوق الزوجية
الملهوف على قَتلى الطفوف
نساء يأكلن من خبز النفايات لإشباع بطونهن ، في ...
بعث الإسلام مجدداً وتعميم نوره على العالم:
خروج الحسين: سؤال الحرية؟
اليهود ودورهم في عصر الظهور:

 
user comment