عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

العقل والاجماع

الإجماع أداة كاشفة عن وجود دليل متين وقويم كآية من كتاب الله عز وجل أو حديث شريف ينطق بالحكم المجمع عليه ، وإن اعتبره فريق منهم دليلا قائما بنفسه تماما كالكتاب والسنة ، وهو بهذا المعنى يستحيل في حقه الخطأ ويكون معصوما كعصمة الكتاب والسنة المطهرة ، وأن من رد عليه هو كمن رد قول الله عز وجل وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
العقل والاجماع

الإجماع أداة كاشفة عن وجود دليل متين وقويم كآية من كتاب الله عز وجل أو حديث شريف ينطق بالحكم المجمع عليه ، وإن اعتبره فريق منهم دليلا قائما بنفسه تماما كالكتاب والسنة ، وهو بهذا المعنى يستحيل في حقه الخطأ ويكون معصوما كعصمة الكتاب والسنة المطهرة ، وأن من رد عليه هو كمن رد قول الله عز وجل وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
ومع هذا فلم يختلف اثنان من المسلمين في أن أهم مصادر التشريع في الإسلام هما : القرآن الكريم ، والسنة المطهرة القطعية ، وأنه لا يوجد مصدر تشريعي آخر يبلغ شأنهما في الحجية .
والحق ، أن ما تقدم من أدلة التقية يغني عما سواه ، خصوصا مع اتفاق المفسرين والمحدثين على عدم وجود الناسخ لتلك الأدلة ، مع انعدام الشك في ما دلت عليه من جواز التقية عند الخوف الشخصي أو النوعي ، ولهذا لم يناقش أحد منهم في ذلك ، وعليه سيكون الحديث عن الإجماع على مشروعية التقية حديثا زائدا عند من لا يراه دليلا مستقلا وقائما بنفسه .
ولهذا سنكتفي بقول من يراه دليلا مستقلا كالكتاب والسنة ، إذ سيكون ذلك أبلغ في دحض حجة كون التقية نفاقا كما يزعم بعض أتباع القول باستقلالية الإجماع الذي ادعاه غير واحد من علماء العامة كما يفهم من أقوالهم وإليك نموذجا منها :

1- قال أبو بكر الجصاص الحنفي ( ت / 370 ه‍ ) : ( ومن امتنع من المباح كان قاتلا نفسه متلفا لها عند جميع أهل العلم )(1).
2- ابن العربي المالكي ( ت / 543 ه‍ ) ذكر في كلامه عن حديث الرفع - كما مر - اتفاق العلماء على صحة معناه ، وأنهم حملوا فروع الشريعة عليه وهذا يكشف عن إجماعهم على أن ما استكره عليه الإنسان فهو له ، وهذا هو معنى التقية (2)
3- عبد الرحمن المقدسي الحنبلي ( ت / 624 ه‍ ) قال : ( أجمع العلماء على إباحة الأكل من الميتة للمضطر وكذلك سائر المحرمات التي لا تزيل العقل )(3)
والإكراه داخل في المفهوم العام للضرورة كما سبق التأكيد عليه ، كما أن الاضطرار إلى أكل الميتة كما قد يكون بسبب المخمصة ، فقد يكون بسبب الإكراه من ظالم أيضا .
4- القرطبي المالكي ( ت / 671 ه‍ ) قال : ( أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ) (4)
5- ابن كثير الشافعي ( ت / 774 ه‍ ) قال : ( اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي أيضا لمهجته ، ويجوز له أن يأبى ) (5)
6- ابن حجر العسقلاني الشافعي ( ت / 852 ه‍ ) قال : ( قال ابن بطال - تبعا لابن المنذر - : أجمعوا على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، أنه لا يحكم عليه بالكفر ) (6)
7- الشوكاني ( ت / 1250 ه‍ ) قال : ( أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل ، إنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا تبين منه زوجته ، ولا يحكم عليه بحكم الكفر ) (7)
8- جمال الدين القاسمي الشامي ( ت / 1332 ه‍ ) قال : ومن هذه الآية : ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) استنبط الأئمة مشروعية التقية عند الخوف ، وقد نقل الإجماع على جوازها عند ذلك الإمام مرتضى اليماني ) (8)

وأما عن الدليل العقلي ، فالواقع إنه لم يكن للعقل البشري صلاحية الاستقلال بالحكم عند جميع المسلمين بما في ذلك المعتزلة ، إذ لم يثبت عنهم اعتبار العقل حاكما في المقام وتقديمه على حكم الشرع (9)
والصحيح من الأقوال : إنه الطريق الموصل إلى العلم القطعي ، والسبيل إلى معرفة حجية القرآن ودلائل الأخبار (10)
فالعقول وإن كان لها قابلية الادراك ، إلا أن إدراكها يتناول الكليات ولا يتعدى إلى الجزيئات والفروع التي تحتاج إلى نص خاص بها ، وهذا لا يمنع من أن يدرك العقل السليم خصائص كثيرة في تفسير النصوص بشرط أن لا يكون خاضعا لتأثيرات أخرى تصده عن الوصول إلى الواقع ، كما لو ناقش في الأوليات والبديهيات ولم يفرق بين قبح الظلم وحسن العدل مثلا .
كما لا يمنع أيضا من أن يستقل ببعض الأحكام ، إذ لو عزل العقل عن الحكم لهدم أساس الشريعة ، غير أنه لا يتعرض للتفاصيل والأشياء الخارجية ولا يتخذ منها موضوعات لأحكامه ، وإنما يحكم بأمور كلية عامة كما مر . فهو مثلا لا يحكم بوجوب الصوم والصلاة ، وإنما يحكم بإطاعة الشارع المقدس وامتثال أوامره التي منها الأمر بالصوم والصلاة .
وهو لا يتعرض للبيع والإجارة والزواج والطلاق ، بل يقر كل ما يصلح الجميع ويحفظ النظام العام . وهو لا يحلل هذا أو يحرم ذاك ، وإنما يحكم بقبح العقاب بلا بيان ، وبوجوب دفع الضرر عن النفس ، وبحرمة إدخاله على الغير .
فالعقل له القدرة في أن يحكم بهذه الكليات العامة وما إليها حكما مستقلا ، حتى وإن لم يرد فيها نص شرعي ، ونحن نكتشفها ونطبقها على مواردها دون أية واسطة . وأما ما جاء في لسان الشارع من الأحكام في الموارد التي استقل العقل بها فمحمول على الإرشاد والتأكيد لحكم العقل ، لا على التأسيس والتجديد ، ومن هذه الموارد :
1- حكم العقل بالاحتياط : كما لو كان لديك إناءان : أحدهما طاهر ، والآخر نجس ، ولم تستطع التمييز بينهما ، أو تيقنت أنه قد فاتك فرض العشاء أو المغرب ولم تميز أحدهما . ففي مثل هذا الحال يحكم العقل بوجوب الاحتياط باجتناب الإنائين في المثال الأول ، وبأداء الصلاتين في المثال الثاني . ولهذا اشتهر عن الفقهاء قولهم : ( العلم باشتغال الذمة يستدعي العلم بفراغها ) .
2- حكم العقل البراءة : كما لو كانت هناك قضية لدى الفقيه لا يعرف حكمها هل هو الفعل أو الترك ؟ بعد أن استفرغ ما في وسعه للبحث عنها في جميع أدلة الأحكام ، ومع هذا لم يجد شيئا في خصوص تلك القضية .
فهنا يلجأ الفقيه إلى العقل الذي يحكم في مثل هذه الحالة التي لم يصل بها بيان من الشارع بقبح العقاب بلا بيان ، وبناء على هذه القاعدة العقلية يحكم الفقيه بجواز الأمرين : الفعل والترك .
ومن هنا يتضح أن الفرق بين الاحتياط والبراءة العقليين ، هو أن مورد الاحتياط هو الشك في المكلف به بعد العلم بوجود التكليف ، ومورد البراءة هو الشك في أصل وجود التكليف .
حكم العقل بدفع الضرر : قسم الفقهاء الضرر على قسمين ، وهما : الضرر الدنيوي كالمتعلق بالنفس والعرض والمال ، والضرر الأخروي كالعقاب على مخالفة الشارع .
والواقع ، إن وجوب دفع الضرر لا ينكره إلا الجاهل الغبي ، لأنه من أحكام الفطرة التي فطرت عليها النفوس ، ومن ينكر ذلك فهو أقل رتبة من الحيوانات التي تعرف ذلك بفطرتها ، ألا ترى أنها تنفر من الضرر وتسعى إلى النفع بفطرتها دون توسط حكم العقل بالحسن والقبح ؟
إن هذه القاعدة قاعدة التحسين والتقبيح العقليين اعتنى بها المتكلمون كثيرا ، وأما علماء الأصول فهم وإن لم يخصصوا لها بابا مستقلا ، إلا أنهم تكلموا عنها استطرادا في مباحث الظن والاحتياط والبراءة ، وتتلخص أقوالهم بأن الضرر إما أن يكون دنيويا ، أو أخرويا ، وكل منهما إما أن يكون معلوم الوقوع أو مظنونا أو محتملا .
أما الضرر المعلوم ، فإن العقل يحكم بوجوب دفعه مهما كان نوعه . وأما المظنون والمحتمل ، فإن كان أخرويا ، وكان ناشئا عن العلم بوجود التكليف والشك في المكلف به ، فهو واجب الدفع ، لأنه يعود إلى وجوب الإطاعة فيدخل في باب الاحتياط .
وإن كان الخوف من الضرر الأخروي ناشئا من الشك في أصل وجود التكليف ، فالعقل لا يحكم بوجوب الدفع ، لوجود المؤمن العقلي وهو قاعدة ( قبح العقاب بلا بيان ) أي : إن عدم البيان أمان من العقاب ، كما في قوله تعالى : ( وما كنامعذبين حتى نبعث رسولا )(11) زيادة على حديث الرفع المشهور كما تقدم ، وحديث السعة في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، أنه قال : . . هم في سعة حتى يعلموا (12) وقول الإمام الصادق عليه السلام :
كل شئ مطلق حتى يرد فيه نهي (13 ) ، وقوله عليه السلام : كل شئ مطلق حتى يرد فيه نص (14 ) ، وهذا يعني دخوله في باب البراءة .
أما الضرر الدنيوي المظنون والمحتمل ، فإن العقل يحكم بوجوب دفعه ولا فرق بينه وبين الضرر المعلوم من هذه الجهة ، لأن الإقدام على ما لا يؤمن معه الضرر قبيح عقلا .
فأي منا مثلا إذا تردد عنده سائل موجود في إناء بين كونه سما أو ماء ولا يحكم عقله بوجوب اجتناب ذلك السائل ؟ والخلاصة : إن الضرر الدنيوي يحكم العقل بوجوب الابتعاد عنه معلوما كان أو مظنونا أو محتملا (15)
وواضح أن الاستدلال بالعقل على مشروعية التقية ، إنما هو من جهة حرص العاقل على حفظ نفسه من التلف ، بل ومن كل ما يهدد كيانه بالخطر ، أو يعرض شرفه إلى الانتهاك ، أو أمواله إلى الضياع .
والتقية ما هي إلا وسيلة وقائية لحفظ هذه الأمور وصيانتها عندما يستوجب الأمر ذلك ، على أن لا يؤدي استخدامها إلى فساد في الدين أو المجتمع كما لو أبيحت في الدماء مثلا .
المصادر :
1- أحكام القرآن / الجصاص 1 : 127
2- أحكام القرآن / ابن العربي 3 : 1179
3- العدة في شرح العمدة / عبد الرحمن المقدسي : 464
4- الجامع لأحكام القرآن / القرطبي 10 : 180
5- تفسير القرآن العظيم / ابن كثير 2 : 609
6- فتح الباري / ابن حجر العسقلاني 12 : 264
7- فتح القدير / الشوكاني 3 : 197
8- محاسن التأويل / القاسمي 4 : 197 ، كتاب واقع التقية / السيد ثامر هاشم العميدي : 93 - 96 ، ط 1
9- راجع مباحث الحكم عند الأصوليين / محمد سلام مدكور 1 : 162
10- التذكرة بأصول الفقه / الشيخ المفيد : 28 ، المجلد التاسع ، ط 2 ، دار المفيد ، بيروت / 1414 ه‍ . وقد نقله عنه الكراجكي في كنز الفوائد 2 : 15 ، دار الأضواء ، بيروت / 1405 ه‍
11- سورة الإسراء : 17 / 15
12- فروع الكافي 6 : 297 / 2 باب 48
13- من لا يحضره الفقيه 1 : 208 / 937 باب 45
14- عوالي الآلي 2 : 44 / 111 .
15- الشيخ محمد جواد مغنية : 250 - 253 ، ط 2 ، دار ومكتبة الهلال ، بيروت / 1993 م


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الوهابية ومجزرة الحرم الشريف
السيد أبو الحسن جلوة الزواري
الاسرة والغزو الثقافي
هل يمكن أن نكون سعداء في حياتنا؟
الإمام الصادق عليه السلام والتفسير العرفاني
تكوين الأسرة المسلمة
ماذا يحب الرجل في المرأه ..
كلامه عليه السلام في النساء – الثاني
الغناء والرقص زمن الدولة الاموية
قصة مريم في القرآن

 
user comment