عربي
Tuesday 16th of April 2024
0
نفر 0

الشعار والعبادة في الاذان والشهادة

الشعار هو العلامة المميزة لكل دين أو طائفة أو معتقد ، بل لكل حزب وشريحة اجتماعية أو وطنية ، ولاجل هذا نرى لكل دولة ، ومؤسسة ثقافية ، أو اجتماعية ، أو خيرية ، أو وطنية شعارا خاصا بها يحمل هويتها ويميزها عن غيرها ، وقد يلحظ هذا داخل الدين الواحد أو الحزب الواحد أو المؤسسة الواحدة. فهنا سؤال يطرح نفسه : هل الإسلام غير التشيع والتشيع غير الإسلام ، فما يعني التفريق بين الامرين والقول هذا من شعائر الايمان وذاك من شعائر الإسلام؟
الشعار والعبادة في الاذان والشهادة

الشعار هو العلامة المميزة لكل دين أو طائفة أو معتقد ، بل لكل حزب وشريحة اجتماعية أو وطنية ، ولاجل هذا نرى لكل دولة ، ومؤسسة ثقافية ، أو اجتماعية ، أو خيرية ، أو وطنية شعارا خاصا بها يحمل هويتها ويميزها عن غيرها ، وقد يلحظ هذا داخل الدين الواحد أو الحزب الواحد أو المؤسسة الواحدة.
فهنا سؤال يطرح نفسه : هل الإسلام غير التشيع والتشيع غير الإسلام ، فما يعني التفريق بين الامرين والقول هذا من شعائر الايمان وذاك من شعائر الإسلام؟
كلا ، التشيع هو الإسلام الصحيح الناصع ، وشعارنا هو شعار الإسلام ، لكن القوم اردوا تحريفه بغضا لعلي الذي جعله اللّه‌ علما لهذا الدين ، وان دعوتنا ـ بل دعوة رب العالمين ـ الزمتنا إلى أن نميز انفسنا عن الذين حرفوا هذا الدين ، بدعوى انهم خلفاء الرسول والامناء على الشريعة والأمة.
فعن الصادق عليه السلام أنّه قال : أتدري لم أُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة؟ فقلت: لا أدري فقال : إن عليا لم يكن يدين اللّه‌ بدين إلاّ خالفت عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره ، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء الذي لا يعلمونه ، فإذا افتاهم ، جعلوا له ضدا من عندهم ، ليلبسوا على الناس (1).
وعن الباقر عليه السلام : الحكم حكمان حكم اللّه‌ عزّوجلّ وحكم أهل الجاهلية ، وقد قال اللّه‌ عزّوجلّ ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْما لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) وأشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية.
وعن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر [الباقر] يقول : ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب ولا أحد من الناس يقضي بقضاء حق إلاّ ما خرج من عندنا أهل البيت ، وإذا تشعبت بهم الأمور كان الخطا منهم والصواب من علي (2).
بلى إن القوم سعوا إلى تحريف كل ما يمت إلى علي وآله بصلة ، فحذف عمر الحيعلة الثالثة ، وادّعوا أن تشريع الأذان كان مناميا لا سماويا للتشكيك فيما نقل به من مشاهدات لرسول اللّه‌ عند الاسراء والمعراج ، وقالوا بأن اسم أبي بكر موجود على ساق العرش بدل اسم الإمام علي ، كل هذه التحريفات والاحقاد دعتنا للاصرار على ما حذفوه ، والاتيان بكل ما يمت إلى الدين بصلة.
ومن ذلك أنّهم جعلوا شعارهم لختمة القران : « صدق اللّه‌ العظيم » حصرا دون غيره ، متناسين ما قاله اللّه‌ عن نفسه ( لَهُ مَا فِي السَّماوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) وقوله تعالى ( وَلاَ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) كل ذلك بغضا لعلي ، أو اعتقادا منهم بأن الشيعة تعتقد بالوهية الإمام علي بن أبي طالب إلى غيرها من الترهات ، مع أن جملة (العلي العظيم) موسعة على المسلم وواردة في الذكر الحكيم رفضوها بغضا له عليه السلام ليس إلاّ ، وإليك الآن بعض النصوص على ترك العامّة للسنة النبوية مخالفة لعلي ولنهجه :
عن سعيد بن جبير ، قال : كنت مع ابن عباس بعرفات فقال لي : مالي لا اسمع الناس يلبون؟
قلت : يخافون من معاوية.
فخرج ابن عباس من فسطاطه ، فقال : لبيك اللهم لبيك لبيك فإنهم تركوا السنة من بغض علي (3).
وقال الإمام الرازي في تفسيره : أن عليا كان يبالغ في الجهر بالتسمية في الصلاة ، فلما وصلت الدولة إلى بني امية بالغوا في المنع من الجهر ، سعيا في ابطال آثار علي.
قال ابن أبي هريرة : أن الجهر بالتسمية [أي البسملة] إذا صار في موضع شعارا للشيعة فالمستحب هو الاسرار بها ، مخالفة لهم.
قال المناوي ـ عند شرحه خطبة السيوطي في الجامع الصغير والتي فيها الصلاة على محمد وعلى آل محمد ـ : قلت : نعم ، وهي الإشارة إلى مخالفة الرافضة والشيعة ؛ فإنّهم مطبقون على كراهة الفصل بين النبي وآله بلفظ «على» وينقلون في ذلك حديثا ... (4).
وعليه فشعائر الإيمان هو ما يعتبر شاخصا ومميزا للمؤمن عن غيره ، وهذا ما يطلبه كل مسلم خصوصا في المسائل الخلافية والحاكيه عن العقائد الحقة.
أمّا شعائر الإسلام فهي متعبدات اللّه‌ ، وهي كل ما نصبه اللّه‌ للعبادة كالصفا والمروة.
إذن بيان شعائر الإيمان يرتبط بنحو وآخر بعلم الكلام والعقائد ، وهو يبحث في الفقه الكلامي.
أمّا شعائر الإسلام فهو ما يبحث في الفقه الخاص بكل مذهب وتدور مدار الفروع وما يترتّب عليها من أحكام عبادية.
وقد خلط بعض الكتاب بين الأمرين ، فبحثوا ما هو أمر اعتقادي إيماني في أمر أذانيّ شرعيّ ، واتخذوه كدليل مستقل لاثبات جزئية الشهادة الثالثة في الأذان مثلاً ، وهذا غير صحيح. نعم ان تلك النصوص لها دلالة على المحبوبية والشعارية.
ومثال شعائر الإسلام : الفرائض والسنن الشرعيّة ، كالصّلاة ، والصّوم ، ودفع الزّكاة ، وأداء الحج ، وأمثال ذلك.
ومثال شعائر الإيمان : كأصول العقائد الأساس من قبيل ما يتعلّق بالاعتقاد بالإمامة ـ عندنا ـ وما يستتبعها من الطّاعة للمعصوم ، بل كلّ أمر حَبَّذَهُ الشارع ودعا إليه ، مثل : الجهر بالبسملة في الفرائض ، والصلاة إحدى وخمسين ، والتختّم باليمين ، وتعفير الجبين ، وزيارة الأربعين ، وهي الخمس اللاتي عُدَّت من علامات المؤمن ، وكذا المسح على القدمين وعدم جواز غسلهما ، وعدم الاتّقاء في المسح على الخفين ، والقول بجواز المتعتين والقول بحرمة الفقّاع ، وجعل يوم الغدير ـ وهو الثامن عشر من ذي الحجة ـ عيدا ، وجعل يوم عاشوراء يوم حزن ، إلى غيرها من الأمور التي تختص بها الشيعة الإمامية.
وقد اعتبرت العامة صلاة التراو يح جماعة ، وتسنيم القبور ، والتختم باليسار ، من شعائر الإيمان والإسلام.
ولا يخفى عليك بأنّ الشعائر ممّا يجب الحفاظ عليها وإقامتها ، لقوله تعالى : ( لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) ومثله الحج ؛ لقوله تعالى : ( يَا أيُّهَا ألَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ ، وَلاَ الشَّهْرَ ألْحَرَامَ وَلاَ ألْهَدْيَ وَلاَ ألْقَلاَئِدَ وَلاَ ءَآ مِّينَ ألْبَيْتَ ألْحَرَامَ ) ، ولقوله تعالى : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْ تُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأَتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) إلى قوله تعالى ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رّبِّهِ ) لأنّ الدين لا يزال قائما ما قامت الكعبة.
والأذان والإقامة ـ حسب النصّ السابق ـ هما من شعائر اللّه‌ ، وممّا يجب الحفاظ عليهما بأيّ شكل من الأشكال ، لكنّ الكلام في مطلوبية الإتيان بالشهادة الثالثة أو جوازه فيها من باب الشعارية في هذه الأعصار ، هل يجوز ذلك أم لا؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال لابدّ من توضيح المرحلة الثالثة من مراحل البحث ، وهو كون ولاية الإمام علي من أهمّ الشعائر الدينية ، وأنّ القوم سعوا لطمس ذكره وذكر آله حقدا وحسدا وحاولوا محوه ، ولأجل ذلك ترحّم الإمام عليه السلام على من أَحْيا أمرهم ، وأنّ الحوراء زينب خاطبت يزيد بقولها « فواللّه‌ لا تمحو ذكرنا » موضحة أهداف القوم وأنّهم يريدون طمس ذكر محمدٍ وآله صلی الله عليه وآله وسلم.
وعليه فإنّ كلّ ما يؤدِّي لطاعة اللّه‌ ويكون إعلاما لدينه فهو من شعائر اللّه‌ ، وإنّ الشهادة بالتوحيد للّه‌ وبالنبوة لرسوله في الأذان من أسمى أنواع الاظهار والإقرار بالعبودية للّه‌ والإقرار برسالة رسوله محمد ، فسؤالنا هو : هل يمكن ذكر ما هو أمرٌ إيمانيّ كالشهادة بالولاية لعلي في أمرٍ عباديّ كالأذان جنبا إلى جنبِ ذكرِ التوحيد والشهادة بالرسالة أم لا؟
نحن لا ننكر أنّ ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام وأولاده المعصومين أولى الشعائر الإيمانية لمذهب الحقّ وعصابة الصدق ؛ الإمامية الاثني عشرية ، وأنّ هذه الولاية الشريفة هي عنوان كامل لحقيقة مذهب الحق ؛ وشعار عظيم له ؛ وأنّ المذهب متوقّف عليها كتوقف الأربعة على الزوجية بنص النبي صلی الله عليه وآله وسلم المتواتر في حديث الثقلين وغيره.
ولا كلام في ذلك ؛ إذ الكلام في كيفية جعله شعارا عباديا للمذهب بعد الاعتقاد بكونه أمرا إيمانيّا له ؛ وهو ما نريد أن نبيّن وجه مشروعيته ، والمسوّغ الشرعيّ لذكره في الإذان.
فهل تكفي الشّعارية الإيمانيّة للولاية للقول بأنّها شعار عباديّ يسوغ ذكره في الأذان شرعا؟ أم إننّا بحاجة لدليل شرعيّ يثبت هذه الشّعارية في الأذان على وجه الخصوص؟
بالطبع لا تكفي الأدلّة الإيمانية وحدها لإثبات الأحكام الشرعية العبادية ، لأنّ الشهادة الثالثة هي من لوازم الإيمان لا من أحكام الإسلام الظاهرية ، كما قال بعض الأعاظم.
نعم دلّت الأدلّة على رجحان الشهادة بالولاية ـ رجحانا ذاتيا في نفسه ـ وكذا محبوبية التعبّد بها مطلقا سواء في الأذان أو في غيره من دون اعتقاد الجزئية ، نظرا للأدلّة التي تقدمت.
وبعض الفقهاء لم يكتفوا في إثبات جواز الشهادة بالولاية في الأذان من خلال المحبوبيّة والعمومات ، بل أضافوا إليها دليلاً آخر أطلقوا عليه اسم «الشعار ية» ، وهو ما تمسك به السيّد الحكيم في المستمسك ، والسيّد الخوئي قدس اللّه‌ سِرَّيْهما في مستند العروة ، إذ قال السيّد الحكيم :
... بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ، ورمزٌ إلى التشيع ، فيكون من هذه الجهة راجحا ، بل قد يكون واجبا ، لكن لا بعنوان الجزئية من الأذان.
وقال السيّد الخوئي قدس‌سره : وممّا يهوّن الخطب أنّنا في غنىً عن ورود النص ؛ إذ لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة بعد أن كانت الولاية من متمِّمات الرسالة ومقوِّمات الإيمان ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى : ( ألْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ... ) ، بل من الخَمْس التي بني عليها الإسلام لا سيّما وقد أصبحت في هذه الأعصار من أجلى أنحاء الشعائر ، وأبرز رُموز التشيع ، وشعار مذهب الفرقة الناجية ؛ فهي إذن أمرٌ مرغوب فيه شرعا وراجح قطعا في الأذان وفي غيره (5).
لكن قد يقال ـ على سبيل التوهّم ـ بأنّ هذا الاستدلال من قبل فقهاء كبارٍ كالسيّد الحكيم والسيّد الخوئي قُدِّس سِرَّهما غريب ؛ إذ ما هو الدليل الشرعيّ الذي يسوّغ أن يقال أَنَّ الشهادةَ الثالثة أمرٌ مرغوبٌ فيه شرعا وراجحُ قطعا ، في الأذان وفي غيره كما جزم به السيّد الخوئي ; ، أو : « قد يكون واجبا » كما احتمله السيّد الحكيم ; ، انطلاقا من الشعارية؟
والأغرب من ذلك أنّ السيّد الخوئي قدس‌سره يقول : « نحن في غنىً عن ورود النص » ؛ إذ ما الذي سوّغ له الإفتاء بجواز الشهادة الثالثة في الأذان بلا نصّ ؛ انطلاقا من الشعارية فقط؟ بل ماذا تعني الشعارية عندهم بحيث تأخذ هذه القيمة الشرعية في هذه الأزمان؟
يبدو أنّ الامامين الحكيم والخوئي ، ومن قبلهما ومن بعدهما من فقهاء الطائفة ـ قدّس اللّه‌ أسرارهم ـ قد جعلوا من الشعارية دليلاً أقوى للفتوى بالجواز بل الاستحباب.
لكن من أين تأَ تَّت شرعية الشعارية عندهم حتى يجعل منها دليلاً أقوى من مرسلة الاحتجاج ، وحسنة ابن أبي عمير المتقدّمتين ، وسيرة المتشرعة؟
الحقيقة هي أنّ السيّد الخوئي قدس‌سره أجاب عن كلّ ذلك إجابة مجملة بما يلائم مقام بحثه ، في قوله : « لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة باعتبارها من متمِّمات الرسالة ... » ، وهذا هو ما نريد توضيحه ، لأنّ الاجابة الإجمالية لا تغني غير العلماء ولا تُشبِع إلاّ الفقهاء ، وهو الذي دعانا لتفصيل الكلام في هذا الإجمال ، لتعمّ الفائدة لكل القرّاء.
وكذا لوجود شبهة مفادها : أن الاستدلال بالشعار ية لإثبات الشهادة الثالثة في الأذان هو مصداق من مصاديق الرأي المذموم والظنّ الذي لا يغني من الحق شيئا ، وهو كإثبات عمر بن الخطاب لجملة « الصلاة خير من النوم » في الأذان ؛ إذ ما الفرق بين الإثباتين ، ولماذا تنكرون على عمر فعله وتعملون بعمله؟!
لكن يجاب عن هذا الإشكال والتوهّم بافتراق الأمر كليا بين الأمرين ، لانّ عمر بن الخطاب حينما أمر المؤذّن أن يضعها في الأذان كان يعني بعمله التشريع في الدين وإدخاله كجزء لقوله : « اجعلها في الأذان » ، وهو الذي دعا ابن رشد أن يشكّ في كون « الصلاة خير من النوم » سنة رسول اللّه‌ ، لقوله في بداية المجتهد : وسبب اختلافهم : هل ذلك قيل في زمان النبي صلی الله عليه وآله وسلم أو إنّما قيل في زمان عمر ؟
وهذا يختلف عما تأتي به الإمامية ، فإنّهم حينما يأتون بالشهادة الثالثة يؤكّدون على عدم جواز الاتيان بها على نحو الجزئيّة ، والفرق واضح بين الأمرين ، فذاك إدخال في الدين ما ليس فيه بلا دليل شرعي اتباعا للرأي ، وهذا بيان لوجه مشروعيّة جواز الإتيان بالشهادة الثالثة من منطلق القربة المطلقة والمحبوبية الذاتية وأدلّة الاقتران ، والعمومات ، والأخبار الشاذّة ، وأخيرا الشعارية مع التأكيد على عدم جزئيّتها وعدم كونها من أصل الأذان.
والآن مع أدلّة جواز الإتيان بها من باب الشعارية ، والبحث فيه يقع في مقامين :
الأول : إثبات كونها شعارا من شعائر المذهب والدين الحنيف.
والثاني : التخريج الفقهي لجواز الإتيان بها في الأذان لا بقصد الجزئية.
وإليك أمّهات الأدلّة على كون الشهادة بالولاية لعلي هي من أسمى الشعائر الإسلامية الإيمانية :
ما أخرجه الكليني قدس‌سره عن علي بن إبراهيم ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الربيع القزاز ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : لمَّ سمي أمير المؤمنين؟ قال : « اللّه‌ سمّاه وهكذا أنزل في كتابه ( وَإِذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيء ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّ يَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) وأنّ محمدا رسولي وأنّ عليا أمير المؤمنين » (6).
والرواة ثقات إلاّ أبا ربيع القزاز فهو مجهول الحال ، لكنّ الرواية مع ذلك صحيحة عندنا من وجهين ؛ فهي أوّلاً من رواية ابن أبي عمير الذي لا يحكي إلاّ عن ثقة بالاتّفاق ، وثانيا أنّ ابن أبي عمير ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، والحاصل : لا ريب في صحّة هذه الرواية. ثمّ إنّ دلالتها واضحة على أنّ هناك غرضا عظيما لأَِنْ يُشهِدَ اللّه‌ُ سبحانه وتعالى عمومَ بني آدم ، ومنهم الأنبياء والمرسلين والأولياء والصدّيقين والملائكة أجمعين بأ نّه ـ جلّت قدرته ـ لا إله إلاّ هو ربّ العالمين ، وأنّ محمدا رسول اللّه‌ ، وأنّ عليا وليّ اللّه‌.
وقد كان هذا الإشهاد في عالم الذرّ ، وهو العالم الذي كان بعد عالم الأنوار الذي خلق فيه نور محمدٍ وعليٍ من نوره لمّا كان آدم بين الروح والجسد. وقد جاء هذا صريحا في قول الرسول صلی الله عليه وآله وسلم : خُلِقتُ أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد قبل أن يخلق اللّه‌ آدم ، فلما خلق اللّه‌ آدم أَسْكَنَ ذلك النور في صلبه إلى أن افترقنا في صلب عبدالمطلب ، فجزء في صلب عبداللّه‌ وجزء في صلب أبي طالب (7).
وعليه فنور رسول اللّه‌ خُلِقَ قبل خَلق آدم ، ولم يولد عليه السلام بشرا إلاّ بعد انقضاء 124 ألف نبي ، فإنّ مجيء رسول اللّه‌ خاتما للأنبياء وعلي خاتما للأوصياء وهما الأوّلان في عالم الأنوار يرشدنا إلى عظيم مكانتهما في المنظومة الإلهيّة والسنّة الربانية.
ولا ريب في أنّ الإشهاد لا معنى له إلاّ الجزم بأنّ جملة « أشهد أنّ عليا ولي اللّه‌ » هي الشعار للصراط الصحيح المطوي في جملة « أشهد ان لا إله إلاّ اللّه‌ » ، والتي لا يمكن الاهتداء إليها إلاّ بواسطة « أشهد أنّ محمدا رسول اللّه‌ » والشهادة الثانية ترشدنا إلى عظم مرتبة الإشهاد بالشهادة الثالثة.
وهذا الترتيب بين الشهادات الثلاث في ذلك اليوم ؛ يوم الميثاق العظيم ، بمحضر الأنبياء والمرسلين والأولياء والصدّيقين والملائكة والناس أجمعين ، يدلّ دلالة واضحة على أنّ اللّه‌ سبحانه وتعالى جعل من الشهادة الثالثة شعارا ومفتاحا وعلامة لأخذ الميثاق من المخلوقات المكلّفة.
وإذا ثبت هذا فلا يمكن الارتياب في إمكانية اتّخاذه شعارا وعلامة في الأمور الدينية الأُخرى على مستوى العقيدة وعلى مستوى التشريع بسواء بل من باب أولى.
وعدم الارتياب هذا هو الذي دعا السيّد الخوئي قدس‌سره للجزم بأنّ شعار الشهادة بالولاية : « راجح قطعا في الأذان وفي غيره » ، لأن الشهادة بالولاية اعتقادا من الضروريّات عندنا ، وأنّها كالصلاة والحج ـ أو قل إنّها أَهم من تلك ـ لتوقف قبول الأعمال عليها ، وهذا المعنى يغنينا عن ورود نص جديد في ذلك.
وبعبارة أُخرى : إنّ القطع الذي جزم السيّد الخوئي قدس‌سره من خلاله برجحان الشهادة الثالثة في الأذان وفي غيره إنّما حصل عليه من مجموعة الأخبار المعبترة بل المتواترة التي ولّدت عنده وعند باقي الأصحاب القطع بالرجحان.
ومن تلك الأدلة المعتبرة موثّقة سنان بن طريف التي تقدم الحديث عنها في الدليل الكنائي ، فقد ورد فيها ..
أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال : « إنّا أوّل أهل بيت نَوَّه اللّه‌ بأسمائنا ، إنّه لما خلق السماوات والأرض أمر مناديا فنادى :
أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه‌ ، ثلاثا.
أشهد أنّ محمدا رسول اللّه‌ ، ثلاثا.
أشهد أنّ عليا أمير المؤمنين حقّا ، ثلاثا» (8).
وتقريب الاستدلال من هذه الموثّقة يكون على نحو ما تقدّم في صحيحة أو مصححة ابن أبي عمير السابقة ، لأنّ اللّه‌ سبحانه وتعالى ـ بعد أن فرغ من خلق السماوات والأرض ـ أمر مناديا ينادي بالشهادات الثلاث بمحضر كلّ من الملائكة ، ومَنْ خلق مِنْ خلقه ، وهذا النداء لا معنى له إلاّ أن يفترض منطقيا بأنّ الشهادة الثالثة تنطوي على ما يريده اللّه‌ ، وأنّها شعار وعلامة لدينه القويم ومنهجه الصحيح المنطوية في : « أشهد ان محمدا رسول اللّه‌ » ، وأنّ الشهادة الثانية لا تتحقق إلاّ من خلال الإتيان بالشهادة الثالثة ، كما أنّ الأُولى متوقّفة على الثانية ، وبعبارة أخرى : إنّ غرض اللّه‌ سبحانه وتعالى من خلق السماوات والأرض لا يتحقّق إلاّ بمثل هذا النداء الثلاثيّ ، كما في قوله تعالى ( أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاْءَمْرِ مِنكُمْ ) وقوله ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ ).
وإذا ثبت هذا فلا يمكن الشك في ضرورة اتّخاذه شعارا لما يريده اللّه‌ سبحانه وتعالى ـ فيما دون خلق السماوات والأرض ـ وبدون افتراض ذلك نقع في محذور اللَّغْوِ يّة من قبل رب العالمين ـ والعياذ باللّه‌ ـ وصدور الكلام الخالي من المعنى عنه جل شانه ؛ أي نقع في محذور لغو ية النداء بالشهادات الثلاث ، لأ نّه لا فائدة من هذا الإشهاد ، إذا لم يترتب عليه شيء في عالم الدُّنيا.
لا يقال : بأ نّه يكفي أن تترتّب عليه فائدة توكيد الولاية ، لأنّ ذلك يردّه : أنّه ما فائدة ذكر الشهادتين بالتوحيد وبالرسالة إذا كان المقصود توكيد الولاية فقط؟
ولماذا لم ينتظر اللّه‌ سبحانه وتعالى عالم الدنيا فيؤكّده؟ ولماذا الإمام عليٌّ دون بقيّة البشر؟!!
ولا يتوهّم متوهِّمُ بأننا نريد اثبات جزئية الشهادة الثالثة في الأذان من خلال هذا الاستدلال!!! لوضوح أنّ ما نقدّمه لا يثبت أكثر من كونها شعارا شرعيّا عند المولى ، وهو لا ينهض لاثبات الجزئية.
بلى ، إنّ رجحان الإتيان بها في الأذان وفي غيره يمكن اعتباره من منطلق : « الندائية » أو قل « الإشهادية » وذلك لمّا امر اللّه‌ سبحانه المنادي أن يشهد بالولاية لعلي ؛ استنادا للموثّقة الآنفة ولغيرها من الأدلّة الصحيحة والمعتبرة ، وهذا ما ذهب إليه الأصحاب الذين جعلوا من الشعارية أو الندائية أو الاشهادية دليلاً لجواز الإتيان بها في الأذان ومنهم السيّد الخوئي قدس‌سره.
ومنه يمكننا الجواب عن شبهة قد ترد على بعض الأذهان مفادها : إذا ثبت أنّ الشهادة بالولاية عندكم غير واجبة ، فلماذا لا تخفتون التلفظ بها ، كي تُمَيَّزَ عن غيرها.
قلنا : إنّ أدلّة الشعارية ـ ومنها موثّقة سنان بن طريف الآنفة ـ قد ساوت بالجهر في كلّ من الشهادات الثلاث بسواء ؛ لقوله : « امر مناديا أن فنادى » ، والنداء معناه الجهر بلا خلاف ، على أنّ إطلاقات أدلّة الاقتران بين الشهادات الثلاث آبية عن التقييد بإخفات خصوص الشهادة الثالثة ؛ إذن نحن نجهر في أذاننا بالولاية لعليّ كما نجهر بالشهادة للّه‌ ولرسوله انطلاقا من موثقة سنان بن طريف ، لكن بفارق أنّ فقهاءنا يؤكّدون على جزئية الشهادتين وعدم جزئية الشهادة بالولاية في رسائلهم العملية ، وهو كافٍ لرفع تَوَهُّم من يتوهّم جزئيّتها.
ومن الجدير بالذكر هنا الإجابة عن إشكالين طرحهما البعض على ما تقوله الشيعة.
اشكالان :
أورد بعض الكتّاب إشكالين على خبر الاحتجاج.
احدهما : إذا صحّ الالتزام بخبر الاحتجاج فعليكم التقيد بالنص الوارد فيه : « من قال : محمد رسول اللّه‌ ، فليقل : علي أمير المؤمنين » ، فلماذا تقولون : «أشهد أن عليّا ولي اللّه‌» وتضيفون إليه : «وأولاده المعصومين حجج اللّه‌» ، أليست هذه الإضافة وهذا التغيير عدم تَعَبُّدٍ بالنص؟!
ثانيهما : إذا اخذتم بخبر الاحتجاج فعليكم أن تقولوها مرّة واحدة ، لأنّ التكليف يسقط به ، فما السرّ في الإتيان بها مرّتين في الأذان.
أما الجواب عن الإشكال الأول ، فيكون من عدة وُجُوه :
الأوّل : قد يصحّ ما قلتموه إذا اعتبرنا ذلك من أجزاء الأذان ، لكنّنا أثبتنا في الصفحات السابقة أنّا لا نأتي بها على نحو الجزئية والأخذ بها من باب التوقيفيّة ، بل كُلّ ما في الأمر هو الإشارة إلى محبوبيّتها عند الشارع ورجحانها عنده.
الثاني : إنّ الصفة الغالبة في الروايات التي جاءت في عليّ تحمل كلمة « ولي اللّه‌ » ، فنحن نأتي بهذا القيد تعبدا بتلك النصوص.
الثالث : إنّ حسنة ابن أبي عمير ، عن الكاظم عليه السلام ، سمحت لنا بفتح جملة « حيّ علي خير العمل » بأيّ شكل كان مع حفظ المضمون ، وقد فتحت بصيغ مختلفة ، فأهل الموصل كانوا يقولون « محمد وعلي خير البشر »، وهو عمل الشيعة في مصر أيّام الدولة الفاطمية ، وأهل حلب أيّام الدولة الحمدانية ، أما أهل القطيعة في بغداد ـ كما حكاه التنوخي عن أبي الفرج الأصفهاني ـ فكانوا يقولون «أشهد ان عليّا ولي اللّه‌» ، و «محمد وعلي خير البشر» وقد افتى ابن البراج لمن يقلده من أهل حلب باستحباب القول مرتين « آل محمد خير البرية »
الرابع : إنّ النصوص الصادرة عن المعصومين في معنى الحيعلة الثالثة وفي غيرها لم تختص بـ « أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين » حتى يلزمنا التعبّد بها ، بل جاءت الصـيغ الثلاث الآنفة في شواذّ الأخبار التي حكاها الشيخ الطوسي ويحيى بن سعيد ، وهي الموجودة في مرسلة الصـدوق كذلك.
وأمّا الجواب عن الإشكال الثاني : فإنّ العدد مرتبط بالإشهاد ، فإن شهد للرسول بالرسالة مرّة فعليه أن يشهد لعلي بالولاية مرة ، ومن شهد للّه‌ وللرسول مرتين فله أن يشهد لعلي بالولاية مرتين ، لقوله عليه السلام : « من قال : محمد رسول اللّه‌ ، فليقل : علي أمير المؤمنين » ، أي أنّ المثلية في العدد ملحوظة في النصّ ، ومن هذا الباب ترى الإشهاد للّه‌ ولرسوله ولعلي ثلاثا في موثقة سنان بن طريف الانفة.
إذن المثليّة ملحوظة بين فعل الشرط وجزائه ، كما هو ملحوظ في الترتيب بين الشهادات الثلاث ، فتكون الشهادة للّه‌ بالوحدانية أوّلاً ، ثم الشهادة للرسول بالنبوة ثم الشهادة لعلي بالولاية ، ومن هنا تعرف معنى ما جاء في تفسير القمي « إلى ها هنا التوحيد ».
وبهذا البيان ارتفع ما أشكله البعض بهذا الصدد.
ولنرجع إلى أصل الموضوع.
ومما يدلّ على الشعارية كذلك مرسلة الحسين بن سعيد ، عن حنان بن سدير ، عن سالم الحنّاط ، قال : قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام : أخبرني عن قول اللّه‌ سبحانه وتعالى : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ألْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) فقال عليه السلام : هي الولاية.(9)
إذ من المعلوم أنّ ما نزل على قلب النبي هو القرآن وشريعة الإسلام ، فلا معنى للتفسير بالولاية إلاّ إذا اعتقدنا بأنّ الولاية هي اكمال للدين ، والعلامَةُ للتعريف بذلك المُنْزَل ، وهذا ما نعني به من الشعارية ، وهي تدعونا إلى النداء بها ، والدعوة إليها ، والإجهار بألفاظها ، حسبما يستفاد من موثقة سنان بن طريف ، وحسنة ابن أبي عمير ، وصحيحة أبي الربيع القزاز ..
لقد تقدّم الكلام فيما يخصّ حسنة ابن أبي عمير عن الكاظم عليه السلام في الدليل الكنائي ، وأنّ : « حيّ على خير العمل » تعني الولاية ، وأنّ عمر بن الخطاب حذفها من الأذان كي لا يكون حثٌّ عليها ودعاءٌ إليها ، وأنّ الإمام الكاظم عليه السلام لم يكن بصدد بيان الأمر المولوي بها في الأذان على نحو الوجوب والجزم ، بل أراد الإشارة إلى جذورها ومعناها الكامن فيها ، وأنّ هناك دورا تخريبيا من النهج الحاكم لها ، وهذا الكلام بلا شكّ ينطوي على رجحان الدعوة لشعاريّتها ، والدعاء إليها ، والحثّ عليها في الأذان خاصّة ، وفي غيره عامّة ، لكن لمّا لم يصلح هذا لإثبات الجزئية ، لعدم صدور النص عنه عليه السلام مولويا بل كان إخباريّا وإرشاديا لم يبق إلاّ الاعتقاد بأنّ الإمام يريد اتّخاذها شعارا على المستو يَيْن العقائدي الكلامي والفقهي العبادي.
أي يريد اعلامنا بامكان ذكرها في الأذان بحكمها الثانوي ، وخصوصا في هذه الازمان التي كثرت فيها الشبهات على الشيعة ، ووقوفنا على هم الاعداء في اماتة الحق لكن ( َاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ).
وإليك خبر آخر في هذا السياق : أخرج علي بن إبراهيم القمي 2 في تفسيره بسنده عن الرضا ، عن جده الباقر عليه السلام في قوله : ( فِطْرَتَ اللَّهِ ألَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) فقال : هو لا إله إلاّ اللّه‌ ، محمد رسول اللّه‌ ، علي أمير المؤمنين ، إلى ها هنا التوحيد (1).
هذه الرواية لها دلالة واضحة على أنّ إقامة الدين لا تتم إلاّ بهذه الاصول الثلاثة ، كما أنّ التوحيد لا يمكن تحقّقه أفعاليا في الخارج ـ كما أراده اللّه‌ ـ إلاّ من خلال هذه الشهادات الثلاث التي نصّت عليها الرواية.
لكن نتساءل : ما علاقة التوحيد بولاية علي؟ وكيف تكون ولاية عليّ هي نهاية التوحيد والمعنى المتمّم له ، مع أنّهما حقيقتان متغايرتان؟!
الجواب على ذلك : أنّهما حقيقتان دالّتان على أمرٍ واحد ، لأنّ ولاية الإمام علي والاقرار له بالولاية هو اقرار للّه‌ بالتوحيد وللرسول بالرسالة ، إذ أنّ طاعة علي من طاعة اللّه‌ ، ولا يوجد من تفسير وتوجيه للخبر الآنف إلاّ التزام الشعارية ، إذ المعني من الشعارية هنا هو الإقرار بعد الاعتقاد ، لأنّ المسلم وبعد أن اعتقد بوحدانية اللّه‌ ورسالة النبي محمد صلی الله عليه وآله وسلم وولاية علي ابن أبي طالب عليه السلام عليه أن يحمد اللّه‌ وأن يسبحه وأن يصلي على النبي وآله ، أي عليه أن يذكر اللّه‌ ذكر قلب واعتقاد لا لقلقة لسان ، فالاذكار والتسبيحات هي أقرار بالمعتقد الذي آمن به.

العقيدة والهوية في النفس.

ولو تأملت في الاحاديث الواردة عن المعصومين لرايتها مفعمة بهذه الشهادات الثلاث وكذا الشهادة بغيرها من المعتقدات ، اذن الإقرار هو «الاشهاد» و «النداء» و «الشعار» ، وإليك فقرة من دعاء العشرات ، والذي يستحب أن يقرأه المؤمن في كل صباح ومساء نأتي به توضيحا لما نقوله ، وفيه :
اللّهُمَّ إنّي اُشهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهيدا وَأشهِدُ مَلآئكَتَكَ وَاَنْبِيائَكَ وَرُسُلَكَ وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ وَسُكّانَ سَماواتك وَأرضك وَجَميَع خَلْقِكَ بِآنَّكَ اَنْتَ اللّه‌ُ لا اِلهَ إلاّ اَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرَيكَ لَكَ وَاَنَّ مُحمَّدا 9 عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَاَنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ تُحيْي وَتُميِتُ وَتُمِيتُ وَتُحيْي وَاَشْهَدُ اَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النّارَ حَقٌّ ، وَالنُّشُورَ حَقٌّ ، وَالسّاعَةَ اتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَاَنَّ اللّه‌ يَبْعَثُ مَنْ في القُبُورِ وَاَشْهَدُ اَنَّ عَلِيَّ بْنَ أبي طالب اَميرُ المُؤْمِنينَ حَقّا حَقّا وَاَنَّ الأَئِمَةَ مِنْ وُلْدِهِ هُمُ الأَئِمَّةُ الهُداةُ الْمَهْدِيّونَ غَيْرُ الضَّالينَ وَلاّ الْمُضِلِّيْنَ وَاَنَّهُمْ اَوْلِيائُكَ المُصْطفَوْنَ وَحِزْبُكَ الغالِبُونَ وَصِفْوَتُكَ وَخِيَرتُكَ مِنْ خَلْقِكَ وَنُجَبآئُكَ الّذَينَ اَنتَجَبْتَهُمْ لِدينِكَ وَاخْتَصَصْتَهُمْ مِنْ خَلْقِكَ واصْطَفَيْتَهُمْ عَلى عِبادِكَ وَجَعَلْتَهمْ حُجَّةً عَلَى العالَمينَ صَلَواتُكَ عَلَيَّهِمْ والسَّلامُ وَرَحْمَةُ اللّه‌ِ وَبَرَكاتُهُ اَللّهُمَّ اكْتُب لي هذِهِ الشَّهادَةَ عِنْدَكَ حَتّى تُلَقِّنيها يَوْمَ القيامَةِ وَاَنْتَ عَنّي راضٍ اِنَّكَ عَلى ما تَشآءُ قَديرٌ.
هذا هو الإقرار بالمعتقد والذي يسمى بالاشهاد كذلك وهو الذي يجدر بالمؤمن تكراره كل يوم لان فيه ترجمان عقائدنا وهويتنا ، وان التاكيد على الصلاة على آل محمد ، وعدم ارتضاء الرسول الصلاة البتراء عليهم هو معنى اخر للشعارية كل ذلك للحفاظ على الهوية في مسائل الفقه والعقيدة ، وبه تكون ولاية عليّ الشعار الذي يعرّفنا بالتوحيد الصحيح النقيّ من الشوائب ؛ ذلك التوحيد الذي عرَّفنا به سيد الأنبياء محمد صلی الله عليه وآله وسلم ، كما أنّ التوحيد الخالص يظهر جليا من خطب الإمام ورسائله وكلماته عليه السلام ، لأ نّه الوحيد ـ من أصحاب رسول اللّه‌ ـ الذي لم يسجد لصنم قط. وهو الذي ولد في الكعبة ، واستشهد في المحراب ، وفي هاتين النكتتين ـ الولادة والشهادة ـ معنى لطيف وظريف ، ويترتب عليه محبوبية تعاطي الشهادة بالولاية شعاريا في غالب الأمور المعرفية باعتبارها مفتاح رسالة النبيّ صلی الله عليه وآله وسلم ومفتاح معرفة التوحيد الصحيح ، فمع ثبوت هذه الحقيقة لا مناص من القول برجحانها في كلّ عبادةٍ لدليل الإباحة وخلّو المعارض.
وممّا يدلّ على ذلك أيضا ما أخرجه الكليني بسند صحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : بُني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية ، فقلت : أيّ شيء من ذلك أفضل؟ قال عليه السلام : « الولاية أفضل لأ نّها مفتاحهنّ ؛ والوالي هو الدليل عليهنَّ ... » (10).
فقوله عليه السلام : «الولاية مفتاح الصلاة والصوم ...» ، وقوله عليه السلام الآخر : « الوالي هو الدليل عليهنّ » ظاهر في الشعارية بلا أدنى كلام ؛ لأنّ الإمام الباقر عليه السلام جعل الولاية مفتاحا لغالب الأمور العبادية وعلى رأسها الصلاة والصوم والزكاة والحج ، ومعنى كلامه عليه السلام أنّ الولاية تنطوي على ملاك عباديّ وتشريعي ؛ إذ لا معنى لكون الولاية دليلاً ومفتاحا للعبادات إلاّ أن يكون معنى من معانيها عبادة.
وقد جاء في تفسير القمّي في قوله تعالى ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ ألْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) ، قال : كلمة الإخلاص والإقرار بما جاء من عند اللّه‌ من الفرائض ، والولايةُ ترفع العمل الصالح إلى اللّه‌.
وعن الصادق عليه السلام أنّه قال : الكلم الطيب قول المؤمن « لا إله إلاّ اللّه‌ ، محمد رسول اللّه‌ ، علي ولي اللّه‌ وخليفة رسول اللّه‌ » وقال : والعمل الصالح الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من عند اللّه‌ لا شك فيه من رب العالمين (11).
فلو كان مصداق الكلم الطيب هو كلمة التوحيد ، والإيمان بما جاء به رسوله ، ومنها لزوم الولاية لعلي عليه السلام ، ألا يحق أن تصعد هذه الولاية إلى السماء كما نزلت إلينا عن طريق الروايات الكثيرة المتواترة؟
فكلامه ليؤكّد بأنّ بيتهما هو امتداد لبيوت اللّه‌ وبيوت الأنبياء ، وأنّ الشهادة بالولاية لعلي هي امتداد لطاعة اللّه‌ ، لأنّ المؤذّن بشهادته في الأذان يبيّن الصلة بين علي وبين اللّه‌ ورسوله ، وأنّ الإمام عليّا ما هو إلاّ وليٌّ للّه‌ تعالى ، لا أنّه يريد أن يقول أنّ عليا هو الخالق والرازق والمحيي والمييت. حتّى يقال أنّه من الشرك والتفو يض وأمثال ذلك ، وقد قلنا مرارا بأن ما تشهد به الشيعة في الأذان ليس أجنبيّا عن الأخبار والآيات.
هذا ، وقد أخرج الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، والحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث ، وابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ، والخوارزمي في مناقبه ، في تفسير قوله تعالى ، ( وَاسْأَلْ مَنْ أرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ) عن الأسود ، عن عبداللّه‌ بن مسعود ، قال ، قال النبي : يا عبداللّه‌ أتاني الملك فقال : يا محمّد ( وَاسْأَلْ مَنْ أرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ) على ما بعثوا؟ قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.
فتنزيل الآية في التوحيد وفي تقرير الرسل على أنّهم بعثوا للدعوة إلى وحدانية اللّه‌ وعبادته ، وأنّه لا معبود سواه ، وتأو يلها في تقرير الرسل على رسالة المصطفى وولاية المرتضى.
وبعد كلّ هذا لابدّ من توضيح حقيقة أخرى في هذا السياق ، وهي : أنّ كثيرا من النصوص الثابتة الصادرة عن ساحة النبوة والعصمة لا يمكن فهمها وقرائتها علميا إلاّ من خلال الإيمان بأنّ للقرآن والسنة المطهرة ظهرا وبطنا ، وأنّ القراءة السطحية للأمور عند البعض غير قادرة للوقوف على الكنوز المعرفية الكامنة في القرآن الحكيم والسنّة المطهرة ، ولأجل ذلك جاء عن المعصومين « إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبدٌ امتحن اللّه‌ قلبه للايمان » لأنّ معرفة كلامهم أو ما جاء في مقاماتهم من الصعب المستصعب على عامة الناس ، ولعلّ من هذا المنطلق نُسِب البعض إلى الغلوّ ولم يكن غاليا في الحقيقة.
نعم ، وظيفة المسلم التعبّد بهذه النصوص الصحيحة والانقياد والتسليم لها ، لكن مع ذلك ينبغي تفسيرها بما يتلائم مع ثوابت الدين الأخرى لكي لا يتصوّر أنّها غلو أو تفويض وخروج عن الدين ؛ وقد تقدّم عليك أنّ حدّ التوحيد هو ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام ـ كما جاء في تفسير القمي ـ ولا ريب في أنّ فهم هكذا أمور ليس بسهلٍ ، خصوصا إذا قرأناها طبقا للمنهج البسيط الذي لا يرى أبعد من قدميه ؛ إذ يبدو للمطالع العادي عدم وجود علاقة بين التوحيد وولاية علي؟
في حين أنّ المعرفة الأصيلة الكاملة ـ حسب أخبارنا ـ جازمة بأ نّه ليس من أحد على وجه الأرض يعرف اللّه‌ حق معرفته غير رسول اللّه‌ والإمام علي وأولاده المعصومين ، وليس هناك منهج صحيح يعرّفنا باللّه‌ ورسوله غير منهج أهل البيت الذين طهّرهم اللّه‌ من الرجس ، ولأجل ذلك جاء في بعض مصادرنا كمختصر بصائر الدرجات : عن النبي قوله : يا علي ما عرف اللّه‌ إلاّ أنا وأنت ، وما عرفني إلاّ اللّه‌ وأنت ، وما عرفك إلاّ اللّه‌ وأنا. وفي كتاب سليم بن قيس : يا علي ، ما عُرف اللّه‌ إلاّ بي ثم بك ، من جحد ولايتك جحد اللّه‌ ربوبيته.
وجاء في الزيارة الجامعة الكبيرة : « بموالاتكم علَّمنا اللّه‌ معالمَ ديننا ».
وعليه فالتوحيد الصحيح لا يتحقق إلاّ عن طريق أهل البيت ، كما لا يمكن الاهتداء إليه إلاّ بواسطة هذا السراج والشعار والعلامة.
وبهذا نقول : إنّ معنى الشعارية ، والإشهادية ، والندائية ليس بكلام جديد كما قد يتوهّمه البعض ، بل هو منهج علمي استُظهِر واتُّخِذ من الأخبار المتواترة ، فلا يوجد أحد من المؤمنين ـ يؤمن باللّه‌ حق الإيمان ـ يمكنه أن ينكر مقام الإمام علي ، وأنّه سيّد عباد اللّه‌ الصالحين ، وأنّ اسمه موجود في السماء وفي الأرض ، وفي عالم الذر ، والبرزخ ، وفي تلقين الميت وامثالها ، وأنّ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أكّد على هذه الكلية وأنه هو الشعار لهذا الدين ، بقوله عليه السلام : « نحن الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، لا تُؤتى البيوت إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سُمّي سارقا» (12).
محبوبا صار عباديا يمكن الإتيان به في الأذان لا على نحو الجزئية بل على نحو الإشهاد ، والشعارية ، والندائية.
والعلماء كانوا قد عرفوا معنى قوله تعالى : ( يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنَ رَّبِّكَ وَإِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) لكنّهم تساءلوا لكي يفهموننا ما مغزى هذه الآية ، وهو : كيف يتساوى تبليغ الرسالة بأجمعها ـ خلال ثلاث وعشرين سنة ـ بتبليغ ولاية علي خلال ساعة من نهار ، إلى درجةِ أنّ تبليغ الرسالة لا قيمة له من دون تبليغ هذه الولاية؟
إنْ العلماء كلّهم على اختلاف ألفاظهم وتعدّد صياغاتهم مجمعون على تعاطي الشعارية لحلّ أمثال هكذا أمور في الشريعة والعقيدة ، لأنّ اللّه‌ جعل الأئمّة من أهل البيت : معيارا للإيمان وميزانا لقبول الأعمال ، وسفنَ نجاة للبرية ومعالم للدين.
وهذا المنهج يدعونا لإثبات بعض الأحكام العبادية علاوة على الإيمانية ، لأنّ هناك نصوصا عبادية كثيرة ترى ذكر عليّ فيها ، كخطبة الجمعة ، وقنوت الجمعة ، وقنوت الوتر ، والتشهد في الصلاة ، ودعاء التوجّه قبل تكبيرة الإحرام ، وقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن تسمية الائمة في الصلاة؟ فقال عليه السلام : أجْملِهْم (13) ، وهو يؤكّد بأن لا رسالة بلا ولاية ، بنص الآية.
وعليه فلا يمكن تعظيم الرسالة إلاّ بتعظيم الولاية ، كما لا يتحقّق الغرض من النداء بالشهادة الثانية إلاّ بالنداء بالشهادة الثالثة ، كما أوضحت موثقة سنان بن طريف وغيرها ، وأنّ اللّه‌ لا يكتفِ بالشهادة لنفسه حتى أردفها بالشهادة لرسوله ، ولم يكتف بالشهادة لرسوله حتى أردفها بالشهادة لوليه.
مفهما ـ جلّ شانه ـ بأنّ الشهادة بالنبوّة لمحمد لا تكفي إلاّ إذا اتّبعوه واخذو عنه امور دينهم ، وهكذا الأمر بالنسبة إلى الشهادة بالولاية لعليّ فهو لم يكن لغوا بل فيه اشارة إلى امتداد خلافة اللّه‌ في الأرض عبر أولاد عليّ المعصومين ووجود بقية اللّه‌ في الارضين وهو الإمام الحجة المهدي المنتظر عجل اللّه‌ فرجه بين ظهرانينا اليوم.
وعليه فالشهادة لعلي يحمل مفهوما إيمانيا وفقهيا.
أمّا إيمانيا وعقائديا فلا شك في لزوم الاعتقاد بأ نّه الوصي والخليفة ، وأمّا عباديا وفقهيا ، فقد ورد اسمه واسم الأئمة من ولده في كثير من الأمور العبادية ـ كخطبة الجمعة ـ وهذا يدعونا لعدم الشك في ان ذكر علي عبادة وخصوصا بعد أن أضحت الولاية أهمّ من الصلاة والزكاة والحج ، وأنّ الأعمال لا تقبل إلاّ بها ، وبعد أن أضحى تبليغ الولاية والإعلان عنها خلال ساعة من نهار يعدل تبليغ الرسالة برمّتها خلال ثلاث وعشرين سنة ، ولمناداة الملائكة بأمر من اللّه‌ بـ « أشهد ان عليّا ولي اللّه‌ ».
فالمسلم لو أراد أن يشهد بالولاية مع أذانه لا على أنّها جزءا منه ، بل لعلمه بأنّها دعوة ربانية ومحبوبة عند الشارع ، فقد أتى بعبادة ترضي اللّه‌ ، لأنّ اللّه‌ لم يكتف بالدعوة إلى ولاية علي في السماوات حتى ألزم رسوله أن يبلغها في ذلك الحر الشديد ، وهو يعني أنّه يريدها شعارا للمسلمين في جميع مجالات الحياة إلاّ أنّه لا يجوز إدخالها الماهويّ الجزئي في الأذان ، ولا الاستحباب الخاصّ ـ عند البعض ـ وذلك لعدم ورود النص الخاصّ فيها.
وبعبارة أخرى : يمكن لحاظ الشعارية في كلّ مفاصل الدين الإسلامي ومفرداته شريطة عدم وجود دليل واضح على المنع من قبل الشارع ، ومع عدم الدليل يكفي دليل الجواز على أقل التقادير. أمّا في خصوص الأذان فليس لدينا دليل شرعي يمنع من الإتيان بالشهادة الثالثة شعاريا ، نعم التوقيفية تمنع من إدخالها الماهوي والجزئي ، وأمّا الشعاري فيكفيه دليل الجواز ، والندائية في السماوات ، وأخذ الميثاق عليها.
وقد تقدم ما رواه فرات الكوفي بسنده عن فاطمة الزهراء 3 أنّها قالت : قال رسول اللّه‌ صلی الله عليه وآله وسلم : لمّا عرج بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى ... ، فسمعت مناديا ينادي : يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي ، اشهدو أني لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي ، قالوا : شهدنا وأقررنا.
قال : اشهدوا يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ محمدا عبدي ورسولي ، قالوا : شهدنا وأقررنا.
قال : اشهدوا يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ عليّا وليّي ووليّ رسولي ، وولي المؤمنين بعد رسولي ، قالوا : شهدنا وأقررنا (14).
فلو تأملنا قليلاً في هذا النص فإننا بين خيارين ؛ فإمّا أن نطرحه جانبا ونقول أنّه مجرد ذكر فضيلة لأمير المؤمنين علي ، وإما أن نقول بأ نّه لا يقتصر على بيان الفضيلة فحسب ، بل يعني الولاية للأئمة على الأموال والأنفس ولزوم اتباع أقوالهم فقها واعتقادا لمجيء كلمة « وليّي وولي رسوليّ وولي المؤمنين بعد رسولي ».
وعلى الأول تأتي إشكالية اللَّغوية ؛ إذ ما معنى أن ينادي اللّه‌ ـ عزت أسماؤه ـ بنفسه ويقول : اشهدوا يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ عليا وليي ... ، ثم إجابة الملائكة : شهدنا وأقررنا؟ فلو كان الأمر مجرّد ذكر فضيلة لاكتفى اللّه‌ سبحانه بالقول : بأنّ عليا وليي فقط ، لكنّ نداء اللّه‌ وإشهاد الملائكة بأنّ عليا وليه وولي رسوله وولي المؤمنين بعد رسوله يعني شيئا آخر غير بيان الفضيلة ، وهو أنّ لعلي دورا في التشريع لاحقا ، وأنّه امتداد لتوحيد اللّه‌ وسنة نبيّه ، كما هو الاخر يعني أن الشعارية لعلي محبوبة عند اللّه‌ وإلاّ لما امر لأمره بالاشهاد إذ أنّ الإشهاد والإقرار والإظهار وما يماثلها تحمل مفاهيم أكثر من المحبوبية ، بل حتّى لو قلنا بأنّها بيان للفضائل ، فبيان الفضائل بهذا النحو هو مقدمة للأخذ بأقوال هؤلاء المعصومين ، لأ نّهم معالم الدين وأعلامه.
وعليه فذكر الفضائل فيه طريقية للانقياد لهم ورفع ذكرهم ، لكن الأمة لم تعمل بوصايا الرسول وانكرت مكانة أهل البيت الذين اقرهم اللّه‌ فيها وقد عاتب الإمام علي عليه السلام الناس بقوله : أَلا وإنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة ، وثلمتم حصن اللّه‌ ـ المضروب عليكم ـ بأحكام الجاهلية ، فإن اللّه‌ سبحانه قد امتنَّ على جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه الأُلفة التي ينتقلون في ظلها ، ويأوون إلى كنفها ، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة ، لأ نّها أرجح من كلّ ثمن ، وأجلّ من كلّ خطر ... إلى أن يقول : أَلاَ وقد قطعتم قيد الإسـلام وعطّلتم حدوده وأمتّم أحكامه ... (15)
وقال علي بن الحسين 8 : إلى من يفزع خلف هذه الأمة ، وقد درست أعلام الملّة ، ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف ، يكفّر بعضهم بعضا .. فمن الموثوق به على ابلاغ الحجّة؟ وتأويل الحكمة؟ إلاّ أهل الكتاب وأبناء ائمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتجّ اللّه‌ بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدىً من غير حجة.
هل تعرفونهم أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا الصفوة الذين أذهب اللّه‌ عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وبرّأهم من الآفات ، وافترض مودّتهم في الكتاب (16).
إذن لا يوجد طريق علمي وشرعي لقراءة مثل هذه النصوص إلاّ القول بالشعارية ، وهو المعنيُّ بالنداء والإشهاد والشعارية ، إذ ما يعني أمر اللّه‌ بالمناداة لو لم يكن ما قلناه ، ولماذا يشهد بها الملائكة أمام الخلائق أجمعين ، لو لم تكن العلامة الوحيدة لمعرفة اللّه‌ ورسوله؟
وعلى غرار الروايات الآنفة آية البلاغ في قوله سبحانه : ( بَلِّغْ ) والتي تنطوي على معنى الشعارية كذلك ؛ إذ الملاحظ أنّ القرآن قد وصف وظيفة النبي صلی الله عليه وآله وسلم بالبيان والتبيين كما في قوله تعالى : ( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهُمْ ) ، لكن لمّا وصلت النوبة إلى إعلان ولاية علي عليه السلام قال سبحانه وتعالى ( بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِنّ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ، ولم يقل بيّن. ولا يخفى عليك بأن معنى الشعارية منطوية في كلمة ( بَلِّغْ ) اكثر وأعمق من لفظة : ( لِتُبَيِّنَ ) ، إذ البيان للعقيدة والتشريع قد فعله النبي صلی الله عليه وآله وسلم للناس ونشره للأمّة على أحسن وجه ، ولم يبق إلاّ التأكيد على المعنى المطوي في لفظ ( بَلِّغْ ) وهو إعلانه أنّ عليا وليّ اللّه‌ ووليّ رسوله ، وأنّه الشعار والنور الذي تهتدي به الأمّة من خلاله.
لنأخذ دليلاً آخر على الشعارية من القرآن ، وهو في سورة المائدة ـ بعد أن ذكر الكافرين وأهل الكتاب ـ مخاطبا المؤمنين بقوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ ألَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ ألْغَالِبُونَ * يَا أيُّهَا ألَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَتَّخِذُواْ ألَّذِينَ أتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوا وَلَعِبا مِّنَ ألَّذِينَ أُوتُواْ ألْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أوْلِيَآءَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ أتَّخَذُوهَا هُزُوا وَلَعِبا ذَلِكَ بِأَ نَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ).
فالآية الأُولى نزلت في الإمام عليّ حين تصدّق بخاتمه وهو راكع ، وهي ترشدنا إلى الترابط بين الشهادات الثلاث في الولاية الإلهية ، ومن أراد التأكد من كلامنا فليراجع كتب التفاسير في ذيل الآية الآنفة.
أمّا الآية الثانية فهي تعني لزوم موالاة اللّه‌ ورسوله والذين آمنوا ، أي أنّ الآية الأُولى جاءت للإخبار بأنّ الولاية إنما هي للّه‌ ولرسوله وللذين آمنوا ، ثمّ اتت بمصداق للذين آمنوا ـ وهو الإمام علي ـ وفي الآية الثانية أكّد سبحانه على لزوم موالاة اللّه‌ ورسوله والذين آمنوا ، مخبرا بأنّ من تولى هذه الولايات الثلاث معا فهو من حزب اللّه‌ ( ألا انَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ ألْمُفْلِحُونَ ).
فقد جاء عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال : قال لي رسول اللّه‌ : يا علي أنت وصيّي ، وخليفتي ، ووزيري ، ووارثي ، وأبو ولدي ، شيعتك شيعتي ، وأنصارك أنصاري ، وأولياؤك أوليائي ، وأعداؤكَ أعدائي ... قولك قولي ، وأمرك أمري ، وطاعتك طاعتي ، وزجرك زجري ، ونهيك نهي ، ومعصيتك معصيتي ، وحزبك حزبي ، وحزبي حزب اللّه‌ ( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ ألْغَالِبُونَ ).
ومن خطبة للإمام الحسن عليه السلام أيام خلافته : نحن حزب اللّه‌ الغالبون ، وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بيته الطيبون الطاهرون ، وأحد الثقلين الذين خلفهما رسول اللّه‌ ... ، وجاء قريب منه عن الإمام الحسين عليه السلام. وقد سئل زيد بن علي بن الحسين عن قول رسول اللّه‌ صلی الله عليه وآله وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، قال : نصبه علما ليعلم به حزب اللّه‌ عند الفُرْقة.
وعليه فاللّه‌ ـ سبحانه وتعالى ـ بعد ان ذكّر المؤمنين ـ في الآيتين الأولى والثانية ـ بأن الولاية للّه‌ ولرسوله وللذين آمنوا جاء في الآية الثالثة ليحذّرهم بأن لا يتخذوا الكفّار وأهل الكتاب أولياء ، لأ نّهم اتخذوا دين اللّه‌ هزوا ولعبا أي أنّه جلّ وعلا لحظ الولاء والبراءة معاً.
ومن الطريف أن ترى ذكر الأذان يأتي في القرآن بعد الآيتين السابقتين ـ أي بعد ذكر التولّي والتبري ـ موكدا سبحانه بأنّ الكفار وأهل الكتاب اتّخذوا هذه الشعيرة هزوا ولعبا ، فعن ابن عباس : إن الذين اتّخذوا الأذان هزوا : المنافقون والكفّار ، وقيل : اليهود والنصارى.
وفي مسند أحمد : قال أبو محذورة : خرجت في عشرة فتيان مع النبي ، وهو [ يعني النبي ] ابغض الناس إلينا ، فأذّنوا فقمنا نؤذن نستهزي بهم ، فقال النبي : ائتوني بهؤلاء الفتيان ، فقال : أذنوا ، فأذنوا ، فكنت أحدهم ، فقال النبي : نعم ، هذا الذي سمعت صوته اذهب فأذّن لأهل مكة ....
قال ابن حبان : قدم النبي صلی الله عليه وآله وسلم مكة يوم الفتح فراه يلعب مع الصبيان يؤذن ويقيم ويسخر بالإسلام ....
وفي سنن الدار قطني عن أبي محذورة ، قال : لمّا خرج النبي إلى حنين خرجتُ عاشر عشرةٍ من أهل مكة أطلبهم ، قال : فسمعناهم يؤذّنون للصلاة فقمنا نؤذن نستهزئُ بهم ، فقال النبي : لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت ، فأرسل إلينا فأذنا رجلاً ... (17)
ولا يخفى عليك بأن الأذان المحرّف هو الذي فيهما « الصلاة خير من النوم » والترجيع ، وهما مما رواه أبو محذورة ، ومنه وقع الاختلاف بين المسلمين في هذين الأمرين ؛ هل أنّهما سنة أم لا.
بلى ان القوم قد حرفوا خبر المعراج المرتبط بالأذان ـ كما في رواية عمرو بن أذينه ـ وجعلوا اسم أبا بكر الصدّيق على ساق العرش بدل « علي أمير المؤمنين ». ولو أردنا استقراءه هذه الموارد لصار مجلدا ، مكتفين بما مر وما جاء في كتب القوم أنّهم جعلوا ابن أمّ مكتوم الأعمى يؤذن لصلاة الفجر ، وبلالاً يؤذّن الأذان الأوّل ـ أي قبل الفجر ـ كل ذلك لأنّ بلالاً لم يصح عنه أنّه قال في صلاة الصبح : « الصلاة خير من النوم ».
قال أبو محذورة : كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت ، فجاء النبي فأخذ بعضادتي الباب ، فقال : آخركم موتا في النار ، قال أوس بن خالد : فمات أبو هريرة ثم مات سمرة (18) ، وقيل بأن أبا محذورة كان آخر الثلاثة موتا.
هذا بعض ما يمكن أن يستدل به على الشعارية ، نترك باقي الكلام عنه إلى البحوث الكلامية المطروحة في كتب أعلامنا ، ولنأتِ إلى بيان التخريج الفقهي للشعارية في خصوص الأذان ، معتذرين سلفا مما نقوله في بيان وجهة نظر الفقهاء ، لأ نّه لم يبحث بالشكل المطلوب في مصنّفاتهم ، وأنّ ما نقوم به هو فهمناه لفحوى كلامهم قدس اللّه‌ اسرارهم ، وهي محاولة بسيطة منا في هذا السياق نأمل تطويرها وتشييدها من قبل الفضلاء والأساتذة.

التخريج الفقهي للشّعاريّة

لقد تقدم بين ثنايا الكتاب بعض الأدلّة على جواز الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان من دون اعتقاد الجزئية ، أبرزها الدليل الكنائي ودليل الاقتران. وفي هذا الفصل نريد البحث في التخريج الفقهي الذي أفتى على أساسه أكثر الفقهاء بجواز أو استحباب الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان.
فقد يقول القائل : إنّ الشهادة بالولاية من اللّه‌ سبحانه تعالى يوم الميثاق ، ومرورا بالملائكة ، وانتهاءً ببني آدم في عالم الذر ... ، لا ينهض لجواز الفتوى بدخول الشهادة الثالثة في الأذان ؛ فما هو التخريج الفقهي إذن؟
هناك ثلاثة أو أربعة تخاريج يمكن للفقيه أن يستند إليها للإفتاء بجواز أو استحباب الشهادة الثالثة في الأذان بالخصوص.
التخريج الأول : أصالة الجواز ؛ ومجرى هذا الاصل لو شك المكلف في الحكم هل هو الجواز أم المنع ، فمقتضى الاصل جواز الفعل في مورد فقدان الدليل على حرمته ، وفيما نحن فيه لم يقم دليل معتبر على حرمة الشهادة الثالثة بدون قصد الجزئية ، فيكون مجرى اصالة الجواز.
وقد يرد هنا سؤال وهو : لا يمكنكم التعبد باصالة الجواز هنا وذلك لخلو الروايات البيانية الواردة عن المعصومين من وجود الشهادة بالولاية لعلي فيها ، فكيف تجيزونها في الأذان؟
الجواب : هذا صحيح في الجملة وهو تام لو كان ذكرنا للشهادة الثالثة في الأذان ذكرا جزئيّا وماهو يّا ، لكن إذا كان إتياننا لها شعار يا فالأمر مختلف تماما ؛ توضيح ذلك : أنّ « أشهد أن عليّا ولي اللّه‌ » ليست من فصول الأذان ولا من أجزائه ولا من مقوّمات ماهيته المتوقّفة على نص الشارع ، غاية ما في الأمر أنّا نأتي بها على أنّها شعار للحقِّ ، وعَلَمُ للإيمان الكامل الصحيح ، وترجمة للنبوة والتوحيد كما هو مفاد النصوص المارّة.
وحيث لا يوجد دليل شرعي يمنعنا من الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان من باب الشعارية جاز فعله ، لأنّ دليل التوقيفية لا يمنع إلاّ الإدخال الماهويّ الجزئيّ في الأذان ، وعليه فلا مانع من الإتيان بها شعار يا بمعونة أصالة الجواز.
وهذه هي الشريعة بين أيدينا ليس فيها ما يمنع من الإتيان بها شعاريا ، بل إنّ الإمام عليه السلام ـ كما في حسنة ابن أبي عمير المتقدّمة ـ أمرنا بالدعاء إليها والحثّ عليها بحي على خير العمل ، لأنّ الذي أمر بحذفها ـ أي عمر ـ أراد أن لا يكون حَثٌّ عليها ودعاء إليها ، ومقتضى الإطلاق في الدعوة إليها هو جوازها في الأذان وفي غيره جوازا شعاريا ، أما الدخول الماهويّ فلا يجوز لمانع التوقيفية كما اتضح.
وهناك نصوص شرعية أخرى أكّدت على محبوبيّة النداء بالولاية كما جاء صريحا في كلام الإمام الباقر عليه السلام بقوله : « ما نودي بشيء مثل ما نودي بالولاية » ولا ريب في أنّ مقتضى الاطلاق في قوله عليه السلام : « ما نودي » يصحّح ذكره في الأذان وفي غيره شعاريا.
لكن قد يقال بأنّ هذا التخريج يوصل للقول بجواز ذكر الشهادة الثالثة في الأذان لا استحبابه ، فما هو مستند فتاوى أمثال السيّد الخوئي قدس اللّه‌ أسرارهم بالاستحباب إذن؟
قلنا : المستند هو أنّ الدليل مركّب من أمرين :
الأول : هو أنّ نفس جواز الذكر تم بمعونة أصالة الجواز بعد فقدان المانع ، والمسألة بناء على ذلك من صغريات الشك في التكليف ؛ فهي مجرى لأصالة الجواز بلا شبهة.
والأمر الثاني : إنّ الشهادة بالولاية مستحبّة نفسيّا ومطلوبة ذاتيا.
ومن مجموع الأمرين أمكن القول باستحبابها في الأذان عند امثال السيّد الخوئي قدس‌سره ؛ لاستحبابها النفسي ؛ غاية ما في الأمر هو أنّ ذكرها في الأذان يحتاج إلى دليل ، وأصالة الجواز تجيز ذكرها بحسب البيان المتقدم. فإذا نهض دليل الجواز لإتيان ما هو مستحب في عبادة ما ، أمكن الفتوى بالاستحباب فيه كذلك ، مع الالتفات إلى أنّ الاستحباب هنا هو الاستحباب الشعاري دون التكليفي الخاصّ كاستحباب القنوت في الصلاة ؛ فالثاني يحتاج إلى دليل خاصّ وهو مفقود ، أمّا الأول فأدلته هي المارة من قبيل : « ما نودي بشيء مثل ما نودي بالولاية » وغيرها من النصوص الصحيحة التي سردنا بعضها في هذا الفصل.
ولابد هنا من الإشارة إلى نقطة مهمّة أخرى ، وهي : هل أنّ الإتيان بالذكر الشعاري للشهادة الثالثة في العبادات الأخرى غير الأذان يكفيه الاستدلال المتقدم. كأنْ ندخل جملة « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه‌ » في الصلاة الواجبة ، بين آيات الفاتحة أثناء القراءة للصلاة ـ أكثر من مرة ـ فهل تسوّغ أصالة الجواز مثل هذا الذكر الشعاري؟
الجواب : لا يسوغ ذلك على الأشبه في مثل المثال الآنف ؛ لانعدام هيئة الصلاة ، ومحو صورتها حينئذ ، وهذا مانع قويّ من التمسك بأصالة الجواز في هذا الفرض ، ولا يقاس هذا بالذكر الشعاري في الأذان ؛ إذ المسلمون جلّهم أو كلّهم ـ مَنْ منع الشهادة الثالثة ومن لم يمنع ـ سواء كانوا من السنة أم من الشيعة ، لم يروا أنّ الذكر الشعاري يمحو صورة الأذان ، أمّا السنّة فواضح ؛ إذ أنّ جمهورهم لم يقل بمحو صورة الأذان حتى مع إدخال جزء بدعي فيها وهو « الصلاة خير من النوم ».
وأمّا الشيعة فمشهورهم الأعظم لا يرى في الذكر الشعاري مَحْوا لصورة الأذان الشرعية كما ترى ذلك واضحا في سيرة الفقهاء ، وقد تقدمت كلماتهم في ذلك.
نعم يمكن افتراض محو صورة الأذان الشرعي لو كان ادخال الشهادة الثالثة في الأذان ماهو يّا ، لكنّا وفاقا للمشهور لا نأتي بها على أنها جزء داخل في الأذان بل ناتي به على أنّه كلام خارج يذكر مع الأذان تحت عنوان الشعارية دفعا لاتهامات المتهمين ورفعة لشأن أمير المؤمنين.
والحاصل : فالذكر الشعاري دون الماهوي للشهادة الثالثة في خصوص الأذان لا مانع منه ، ودليل التوقيفية يمنع من الإدخال الماهوي فيه فقط ؛ ولا دليل على منع الذكر الشعاري في خصوص الأذان لا عند السنة ولا عند الشيعة ، وبالتالي أمكن للسيّد الخوئي وأمثاله من الأعاظم الفتوى باستحبابها الشعاري ؛ للجزم باستحبابها النفسي ورجحانها الذاتي بمعونة اصالة الجواز على ما اتّضح.
التخريج الثاني : تنقيح المناط
لا ريب ـ بالنظر للأخبار الصحيحة بل المتواترة التي أوردنا بعضها في هذا الفصل ـ في وجود تلازم غير منفك بين الشهادات الثلاث
1 ـ الشهادة بالتوحيد
2 ـ والشهادة بالرسالة
3 ـ والشهادة بالولاية.
فالتوحيد مفهوما غير الرسالة ، والرسالة غير الولاية ؛ لكن يبدو من خلال النصوص الصحيحة أنّه لا توجد مصداقية للايمان بالتوحيد من دون رسالة سيّد الخلق محمد صلی الله عليه وآله وسلم ، كما لا يمكن تصوّر وجود مصداقية للايمان بالرسالة المحمدية من دون ولاية أمير المؤمنين علي ، وخبر الغدير المتواتر خير شاهد على ذلك وكذلك آية الولاية وغيرها.
وهنا نتساءل : كيف يمكن تحقيق المصداقية الخارجية لولاية علي عليه السلام ؟
أعلنت النصوص الشرعية بأ نّه لا يمكن تحقيق هذه المصداقية عملاً وإيمانا إلاّ من خلال الشعارية ؛ لأ نّه السبيل الوحيد لتوفير المصداقية الخارجية للايمان بولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام. وإذا تمّ ما قلناه تحقّق الغرض الإلهيّ من التلازم غير المنفكّ بين الشهادات الثلاث.
نعم ، لقد تقدمت بعض الأدلّة الصحيحة على هذا المقدار من ضرورة التلازم بين الشهادات الثلاث : التوحيد ، النبوة ، الولاية ، لكن كيف يمكن جعلها شعارا ، بناء على التلازم غير المنفك؟ وبالتالي كيف تتحقق لها مصداقية خارجية؟!
فالإشهاد الثلاثي اذن ينطوي على ملاك إلهي عظيم ، وغرض ربّاني كبير ، كما هو ملاحظ في كتب الادعية ، وإلاّ لا معنى لأن يعلن اللّه‌ بنفسه تقدّست أسماؤه الشهادة الثالثة بعد الشهادتين لولا تعلق ارادته سبحانه وتعالى استمرار الاستخلاف في الأرض بولاية علي عليه السلام.
وما ينبغي أن نتساءل عنه هنا هو القول بوجود ملاك تشريعها في الأذان ؛ إذ ما دخل اعلان اللّه‌ سبحانه وتعالى للشهادة الثالثة في ذلك العالم ؛ الذي ليس هو بعالم تكليف وتشريع وأحكام ... ، ومقايسته بعالمنا عالم التكليف؟
فقد يقال بأنّ هذا من القياس الباطل الذي لا يغني من الحق شيئا؟
لكن يجاب عنه أنّ هذا وان كان صحيحا ، لكنّ العبرة ليست بمجرد شهادة اللّه‌ سبحانه وتعالى بالولاية فيما هو خارج عن عالم التكليف حتى نقول ببطلان القياس وبعدم وجود الملاك في عالم التكليف بناء على ذلك ..
إذ العبرة كل العبرة بالنصوص الشرعية المعتبرة الصادرة في عالم التكليف ؛ بمعنى أنّ الإمام الصادق أخبرنا في عالمنا هذا ـ عالم التكليف ـ أنّ اللّه‌ شهد لعلي بالولاية يوم الميثاق العظيم ..
وهنا نتساءل لماذا يخبرنا الإمام بذلك وما يعني اخباره هذا؟ لا جواب إلاّ أن نعتقد بوجود ملاكا عظيما فيما فعله اللّه‌ سبحانه وتعالى حتى في عالم التكليف ، وإلاّ لا معنى لأن يخبرنا الإمام والنبي والقرآن في الروايات المتواترة والآيات الواضحة وفي حسنة بن أبي عمير بذلك ، لولا أنّ في المجموع ملاكا له مدخلية في كثير من التشريعات ولو في الجملة!!
ولا يقال : بأنّ غاية اخبار الإمام والنبي والقرآن هو بيان فضيلة أمير المؤمنين علي فقط؟
فلقد قلنا سابقا أنّ هذا لا يصار إليه لاستلزام اللغوية ؛ فلو كان المقصود هو هذا لاكتفى المعصوم بالقول : أنّ عليّا أمير المؤمنين فقط ، ولا حاجة به لان يفصل الكلام ويخبر عن ملابسات ذلك اليوم وغير ذلك مما هو لغو في ظاهره ، وكلام المعصوم منزّه عن ذلك.
وزبدة القول : هو أنّ في شهادة اللّه‌ سبحانه وتعالى بالولاية ملاكا عظيما ، وهذا الملاك تراه ملحوظا في كلام الإمام في عالم التكليف ، وإلاّ لما أخبر به المعصوم في أكثر من مناسبة ، ويكفي مثل هذا الملاك للقول بجواز ذكر الشهادة في الأذان شعاريا.
إذ قد أجمع فقهاء الأمّة على إمكانية الفتوى فيما لا نصّ فيه بعد إحراز الملاك إحرازا معتبرا يسوغ التعبد به ، ولا ريب بالنظر للرواية الآنفة وغيرها من الروايات والآيات من وجود هذا الملاك وإلاّ كان الإشهاد الإلهي يوم الميثاق لغوا ، ولا يلتزم به مسلم.
لكن سؤالنا : هل يكفي مثل هذا الملاك لإدخالها الماهويّ والجزئي في الأذان ، أم ما يدل عليه إنّما هو الشعار ية لا غير؟
شذّ البعض وقال بالجزئية بناء على تلك النصوص وغيرها ، وهو مشكل بنظرنا ؛ إذ الصحيحة الآنفة وخبر الغدير وأمثالها يكشف عن ملاك الشعار ية فقط ولا يكشف عن ملاك القول بالجزئية.
وبعبارة اُخرى : إنّ قوله : « ما نودي بشيء مثل ما نودي بالولاية » يكشف عن شرعية شعار ية النداء بالولاية ، وهو القدر المتيقّن منه ، ولا يكشف عن شرعية جزئيتها إلاّ من باب الظن الذي لا يغني من الحق شيئا ، هذا علاوة على أنّ دليل التوقيفية مانع من القول بالجزئية حسبما تقدّم.
وعليه فكل ما في تلك النصوص يدلنا على إمكان اتخذها شعارا عمليا في الخارج وليس اعتقادا نظريا في القلب فقط ، أي أن للشهادة بالولاية في الجملة ملاكا قطعيا للقول بأنّها من الاحكام العبادية بشرط عدم المانع وليست من أحكامه الإيمانية فقط.
والذي يدعونا لهذا القول علاوة على الملاك القطعي في الشعارية وأنّ ولاية علي من أعظم شعائر اللّه‌ بل أعظم شعائر اللّه‌ على الاطلاق من بعد الرسالة ـ بشهادة آية البلاغ ـ هو ضرورة توفير المصداقية الخارجية لها في الأذان وفي غيره ، وهذا هو ما يريده اللّه‌ سبحانه وتعالى من الإشهاد بها بعد الشهادتين يوم الميثاق العظيم ، وإلاّ لا معنى لان يخبرنا المعصوم بما لا دخل له بعالم التكليف كما عرفت.
وبعبارة ثالثة :
نحن نعلم بأن المنظومة المعرفية الالهية مترابطة كمال الارتباط ، إذ شاهدت التلازم بين الشهادات الثلاث في القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين ، والآن لنطبق ما نريد قوله في شعيرة الأذان.
فالأذان لم يكن إعلاما لوقت الصلاة فحسب ، بل هو بيان لكليات الإسلام وأُصول العقيدة والعقائد الحقة من التوحيد والنبوة والإمامة ـ بنظر الإمامية ـ فلو كان الأذان إعلاما لوقت الصلاة فقط لاكتفى الشارع بتشريع علامة لأداء هذا الفرض الإلهي ، كما هو المشاهد في الناقوس عند النصارى ، والشبّور عند اليهود ، وإشعال النار عند المجوس.
في حين أنّا لا نرى أمثال هذه العلائم في هذه الشعيرة ، بل نرى الإسلام اسمى من كل ذلك فهو يشير في إعلامه إلى كليّات الشريعة وأصول الدين الأساسية قولاً وعملاً ، وهذا ما لا نشاهده عند الأديان الأخرى ، فهو الدين السماوي الوحيد الذي يلخّص أصول عقيدته كلّ يوم عدة مرات ـ في هذه الشعيرة ـ لتكون تذكرة لمتّبعيه ، وإعلاما للآخرين بأصول هذا الدين.
فالأذان إذن يحمل في طيّاته معاني سامية ، وله آثار كثيرة في الحياة الاجتماعيةغير الإعلام بوقت الصلاة ، كالتأذين في أُذن الصبي عند ولادته ، ولإِبعاد المرض عن المبتلين ، ولطرد الجنّ ، ولرفع عسر الولادة والسقم ، ولسعة الرزق ، ولرفع وجع الراس ، وسوء الخلق ، ولمشايعة المسافر .. إلى غيرها من عشرات المسائل التي ورد فيها نصّ خاص بالتأذين فيها.
وبما أنّ تشريع الأذان سماويّ وليس بمناميٍّ وأنّه ليس إعلاما لوقت الصلاة فقط ، فلابدّ أن يحمل بين فقراته معاني سامية واُصولاً سماو ية لا يرقى إليها شكٌّ قد أقرّها النبي وأهل بيته والقرآن ، ولأجل ذلك ترى منظومة العقائد الإلهيّة مترابطة في الأذان ترابطا وثيقا في المفاهيم والأعداد.
وكذا بين فصوله ترى تصويرا بلاغيا رائعا ، فالمؤذّن بعد أن يشهد للّه‌ بالوحدانية مرتين : « أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‌ ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‌ » تقابلها الدعوة له بالصلاة لربه مرتين : « حي على الصلاة ، حي على الصلاة » معلما الشارع المكلّف في الفقرة الثانية بأن الشهادة للّه‌ لا تكفي إلاّ من خلال عبادته وطاعته ، لأنّ الصلاة لا تؤدَّى إلاّ للّه‌.
وانّ اللفّ والنشر الملحوظ بين الشهادة الأولى والصلاة للّه‌ يعلمنا بأنّ اللّه‌ هو الأول والآخر في كل شيء ، تشريعا وتكو ينا ، لأنّ بدء الأذان بكلمة « اللّه‌ » وختمه بكلمة « اللّه‌ » ليؤكّد بأنّ كل الأمور مرجعها إلى اللّه‌ ، وأنّ كل ما أُعطي لرسوله محمد أو لغيره إنّما هو من عنده جل وعلا.
وبعد الإقرار بالوحدانية للّه‌ يأتي دور الشهادة لرسوله الأمين مرتين : « أشهد أنّ محمدا رسول اللّه‌ ، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه‌ » وقبال هذه الشهادة توجد حيعلتان « حي على الفلاح ، حي على الفلاح » والتي تدعو إلى لزوم اتّباع الرسول.
ومن المعلوم أنّ الفلاح اسم جنس يشمل الصلاة ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطاعة اللّه‌ ، وطاعة رسوله ، بل إنّ كل ما أتى به الرسول هو الفلاح وفيه الفوز والنجاح.
لأنّ رسول اللّه‌ بَدَأَ دعوته بقوله : « قولوا لا إله إلاّ اللّه‌ تفلحوا » ، ثم جاءت النصوص الواحدة تلو الأُخرى معلنة بأن ما أتى به الرسول هو الفلاح كما في قوله تعالى ( قَدْ أفْلَحَ مَن تَزَكَّى ) ، و ( قَدْ أفْلَحَ ألْمُؤمِنُونَ * ألَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ) ، و ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلُ ألْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ ألْمُفْلِحُونَ ) ، و ( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالاْءَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ألْمُفْلِحُونَ ) وقوله تعالى ( ألِّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ألَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبا عِنَدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِأْلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ألْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاْءَغْلاَلَ ألَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَآلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ ألَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ ألْمُفْلِحونَ ) إلى غيرها من عشرات الآيات.
وعليه فالفلاح هو كُلُّ ما جاء به الرسول من فرائض أو سنن ، وبذلك يكون معنى الحيعلة الثانية في الواقع ، هو : هلمّوا إلى اتّباع الرسول وعدم الأخذ عن غيره.
ففي معاني الأخبار عن أبي عبداللّه‌ عليه السلام ، قال : لما أُسري برسول اللّه‌ وحضرت الصلاة فاذن جبرئيل عليه السلام ، فلمّا قال : اللّه‌ اكبر ، اللّه‌ أكبر ، قالت الملائكة : اللّه‌ اكبر ، اللّه‌ اكبر ، فلمّا قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‌ ، قالت الملائكة : خلع الأنداد ، فلما قال : أشهد أنّ محمدا رسول اللّه‌ ، قالت الملائكة : نبي بُعِث ، فلما قال : حي على الصلاة ، قالت الملائكة : حثّ على عبادة ربه ، فلما قال حي على الفلاح قالت الملائكة : قد أفلح من اتّبعه.
وفي التوحيد عن الإمام الحسين عليه السلام عن أبيه الإمام علي عليه السلام في تفسير فصول الأذان : ( حي على الفلاح ) فانه يقول : سابقوا إلى ما دَعَوْتُكُم إليه وإلى جزيل الكرامة وعظيم المنة وسَنِيِّ النعمة والفوز العظيم ونعيم الأبد في جوار محمّد في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وفي الكافي عن علي بن إبراهيم ، بإسناده عن أبي عبداللّه‌ عليه السلام في معنى قوله تعالى ( وَاتَّبَعُواْ النُّورَ ألَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ) ـ والذي مر قبل قليل ـ قال : النور في هذا الموضع عليٌّ أمير المؤمنين والأئمة :.
وفي علل الشرائع عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لعمر بن أُذينة : ما ترى هذه الناصبة في اذانهم ـ إلى أن يقول ـ فقال جبرئيل : حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، فقالت الملائكة : صوتين مقرونين ، بمحمّد تقوم الصلاة وبعلي الفلاح ، فقال جبرئيل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، فقالت الملائكة : هي لشيعته أقاموها إلى يوم القيامة.
وجاء في النصوص الحديثية والتاريخية بأنّ الشيعة كانوا يُعرَفُون بكثرة صلاتهم ، وأنّ القوم كانوا يتعرّفون عليهم من خلال الصلاة ، وعن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال : ... وما كانوا يعرفون يا جابر إلاّ بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر اللّه‌ والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعهّد للجيران من الفقراء ....
وبهذا فقد اتّضح لنا معنى الحيعلتين الأُوليين ، فالحيعلة الأُولى فيها إشارة إلى طاعة اللّه‌ ، والحيعلة الثانية إشارة إلى لزوم اتّباع سنة رسوله ، فما معنى الحيعلة الثالثة إذن؟
مرّ عليك سابقا ما جاء عن الأئمة : الباقر والصادق والكاظم بأنّ معناها الولاية ، وأنَّ هناك ارتباطا وثيقا بين القول بإمامة الإمام علي والقول بشرعية الحيعلة الثالثة ، وبين رفض إمامة أمير المؤمنين والقول برفع الحيعلة ، بل هناك ترابط بين حذف الحيعلة ووضع « الصلاة خير من النوم » مكانه ، فالذي يقول بشرعية « الصلاة خير من النوم » لا يرتضي القول بالحيعلة الثالثة ، والعكس بالعكس.
وعليه فالمنظومة المعرفيّة في الأذان مترابطة كمال الارتباط ، وإنّ بَتْرَ حلقة منها يخلّ بأصل المنظومة ، وذلك للارتباط الوثيق بين الشهادات الثلاث ( أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي ألاْءَمْرِ مِنكُمْ ) ، و ( أنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ألْقُرْبَى ) ، و ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وِالْمُؤمِنُونَ ).
نعم ، إنّ المشرع فيما هو محتمل ـ ولظروف التقية ـ اكتفى بالبيان الكنائي للولاية في الحيعلة الثالثة مع الإشارة إلى وجود الأهليّة والملاك لتشريعها كشهادة ثالثة وان لم تشرّع على أنّها جزء بعد الشهادتين رحمة للعالمين. أو قل : شرعت في اللوح المحفوظ ولم تصلنا لأي سبب كان ؛ التقية أو غيرها.
ومن هذا المجموع المنظّم نصل إلى أنّ أصول الإسلام بكامله متجسدة في الأذان ، وإنّ تكرار الحيعلات توحي لنا بأنّ المراد من الأذان هو بيان كلّيات العقيدة ، إذ النظرة البدوية الأوليّة تنبئُ عن أنّها دعوة للصلاة ، ولكن بما بيّنّاه عرفنا أنّ الأمر أسمى من ذلك بكثير ، وهو إشارة إلى الأصول الأساسية في الشريعة من التوحيد والنبوة والإمامة ـ بنظر الإمامية ـ ومن هنا تعرف معنى قول المعصوم : « إلى ها هنا التوحيد ».
إذن في الأذان معاني ومفاهيم كثيرة سامية تَلْحَظ بين أجزائها ارتباطا فكريا عقائديا منسجما يتكون من مجموع الشهادات الثلاث ، أما الشهادتان الاولى والثانية فلا كلام فيهما ، وأما الشهادة الثالثة ، فلما مر في الدليل الكنائي وأنّ الإمام اراد حث عليها ودعا إليها بعامة ، وفي الأذان بخاصة.
وهذا هو الذي دعانا للقول بأنّ هناك مناطا صحيحا لذكر الولاية في الأذان من باب الشعارية.
التخريج الثالث : وجود المصلحة
قبل البحث في هذه المسألة لابد من القول بأنّ دعوى المصلحة لتأسيس حكم شرعي ليست صالحة في كل الفروض ؛ فما لم يُقطع بوجود المصلحة قطعا حقيقيا أو تعبديا لا يجوز تأسيس حكم عليها ونسبته إلى الشارع ؛ لأ نّه حينئذ من التشريع المحرّم الذي يدور مدار الظنّ الذي لا يغني من الحق شيئا ؛ وعلى هذا الأساس رفض مذهبنا العمل بالاستحسان ، وكذلك الشافعي في قوله : « من استحسن فقد شرّع ».
والتاريخ أنبأنا أنّ الاستحسان أبدعه عمر بن الخطاب ؛ وإنّما صار الاستحسان أحد مصادر التشريع الإسلامي عند بعض العامة اتباعا لعمر وانقيادا لما فعل ـ وان استندوا عليه بآيات وروايات ـ في حين ان تلك الآيات والروايات لا تصحح ما يقولون به ، وعلى سبيل المثال فإنّ نافلة ليالي شهر رمضان قد صلاّها رسول اللّه‌ صلی الله عليه وآله وسلم والصحابة فُرادى ، لكنّ عمر استحسن أن تُصلّى جماعة واستقبح أن تكون فرادى ، والأخبارُ الصحيحة في جامع البخاري وغيره جزمت بأنّ النبيّ خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا لکنه صلی الله عليه وآله وسلم نهاهم عن ذلك ، لكن لمّا وصلت الخلافة إلى عمر أصرّ على الجماعة مستحسنا إيّاها حتى قال : نِعْمَ البدعة هذه ؛ فعمر قد استحسن ما قبّحه النبي ، وقبّح ما جاء عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم.
وفي الحقيقة فهذه المرتبة أقبح مراتب البدعية في الدين ؛ لوجود نهي نبوي في ذلك. بل حتى مع عدم وجود مثل هذا النهي ، فالشريعة لا تجيز لنا الاستحسان ولا ما يسمّى بالمصالح المرسلة والرأي بنحو عامّ ، لوجود نهيٍّ فوقانيّ قرآني يمنعنا من العمل بالظن لأ نّه لا يغني من الحق شيئا.
وفيما نحن فيه ، فقد يقال بأنّ إدخال الشهادة الثالثة في الأذان هو تشريع قام على أساس الاستحسان أو المصالح المرسلة أو الرأي ... ، ممّا هو باطل بأصل الشرع ، بل إنّ بطلانه من ضروريات المعرفة الإسلامية المستقاة عن النبيّ صلی الله عليه وآله وسلم وأهل البيت :.
وتقريب ذلك : أنّ الأذان اُصوله معروفة ، وأجزاؤه معدودة معينة ، وروايات الأذان التي عليها العمل وإن اختلفت في عدد الفصول ـ كما ذكر الشيخ الطوسي ـ إلاّ أنّها متّفقة على عدم دخول الشهادة الثالثة في أجزائه ، وإذا كان الأمر كذلك ـ وهو كذلك ـ لم يبق من مسوّغ للإتيان بها إلاّ المصلحة الظنية ، وهو باطل ؛ لما عرفنا من أنّ كلّ هذه العملية تدور مدار الظن غير الشرعي الذي لا يغني من الحقّ شيئا. وبناء على ذلك لا يجوز ذكر الشهادة الثالثة في الأذان!!
ويجاب عن ذلك بأنّ أصل الإشكال صحيح ، لكنّه مجمل ، إذ لم يفرق الإشكال بين الذكرين الشّعاري والماهويّ ، ومعنى ذلك أنّ الإدخال الماهوي قد قام على أساس المصلحة فيه ، ويكفي أنّها ظنّية لتندرج فيما هو محرم ؛ إذ ليست المصلحة هنا ناهضة لتشريع جزئية الشهادة الثالثة في الأذان وأنّها داخلة في ماهيته ، وحتى مَن استقرب الجزئية من الأصحاب لم يقبل بنهوض هذه المصلحة للقول بالجزئية إلاّ أن يستدل على ذلك بشيء آخر غير المصلحة كالأخبار وغيرها ، وهو أيضا غير مقبول كما مرّ من قبل.
فتحصل أنّ دعوى وجود المصلحة في تشريع الشهادة الثالثة في الأذان على أنّها جزء منه وداخلة في ماهيته من الباطل بمكان ؛ إذ لم يدّع أحد من الأصحاب ذلك اكتفاءً بالمصلحة الظنية ، وقد يكفي هذا للقول بالبطلان.
إذا تمّ هذا نقول : هل تعدم المصلحة في ذكر الشهادة الثالثة ذكرا شعاريا؟
وهل أنّ التشريع الشعاري يقوم على أساس الاستحسان والمصالح المرسلة والرأي المحرَّم على غرار التشريع الماهوي آنف الذكر أَم لا؟
وقبل ذلك ما هي الأدلّة على وجود المصلحة الشعارية في الأذان للشهادة بالولاية؟
للجواب عن السؤال الثالث نقول : حسبنا الأدلة الصحيحة المارة ، بل حسبنا حديث الغدير النبوي الظاهر في وجود المصلحة الشعارية للشهادة بالولاية ؛
فكلنا يعلم بأنّ النبي جمع كل المسلمين ممّن حضر معه صلی الله عليه وآله وسلم حجّة الوداع أثناء عودته إلى المدينة وهم 000 ,120 ألفا ، ثمّ رفع يد علي بن أبي طالب حتى بان بياض إبطيهما صلی الله عليهما وآله وسلم ، وكان الجوّ حارا قاسيا ثم قال : « ألست أولى بكم من أنفسكم »؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه‌ ، قال صلی الله عليه وآله وسلم : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله » (19).
وهنا نتساءل : ما معنى أن يجمع النبي صلی الله عليه وآله وسلم المسلمين لإخبارهم بذلك؟ ولماذا يرفع بضُبْع علي بن أبي طالب حتى يبين بياض إبطيهما عليهما السلام ؟
أما كان له صلی الله عليه وآله وسلم أن ينتظر حتى يصل المدينة ويخبرهم بذلك بدل أن يجمعهم في ذلك الجوّ القاسي؟ وعدا هذا وذاك ما معنى أن تنزل آية قبل وصوله صلی الله عليه وآله وسلم إلى الغدير تتوعّد النبي صلی الله عليه وآله وسلم إن لم يبلّغ ويعلن ويُشْهِدْ بولاية عليّ فإنّه ما بلّغ الرسالة التي ناءَ بكاهلها ثلاث وعشرين سنة؟ إذ ما معنى حصر نزول قوله تعالى : ( يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنَ رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) بالتبليغ بولاية علي إعلانا وإشهادا بمحضر كلّ من كان مع النبي آنذاك؟
وما معنى نزول قوله تعالى : ( ألْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا ) بمجرّد أن بلّغ النبي المسلمين بولاية علي في غدير خم؟
بل ما معنى أن ينزل قوله تعالى : ( سَأَلَ سَآئِلُ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) في الفهري الذي شكّك واعترض على عملية تبليغ النبي بولاية علي حتى ورد في الأخبار الصحيحة أنّ اللّه‌ رماه بحجر بسبب اعتراضه؟ كل ذلك يلفت النظر إلى أنّ اللّه‌ سبحانه وتعالى لم يرض لنا دين الإسلام ـ كما هو صريح آية إكمال الدين وإتمام النعمة ـ إلاّ بولاية عليّ ، فما معنى هذا؟
بل يظهر أنّ دين الإسلام ـ طبق آية البلاغ ـ ناقص لا يكمل إلاّ بالتبليغ بولاية علي والإعلان عنها ، فما معنى كلّ ذلك؟
يستحيل أن يجاب عن هذه الاسئلة وعشرات غيرها من دون الجزم بوجود مصلحة قطعية في عملية التبليغ النبوية والقرآنية للولاية ، كما يستحيل أن يجاب بوجود هذه المصلحة من دون الالتزام بأنّها ذات مصلحة شعار ية ؛ إذ هذا هو معنى الأمر بالتبليغ بها ، بحبس الصحابة في ذلك الجو القاسي في غدير خم ، وهذا هو معنى بروز بياض إبطي النبي صلی الله عليه وآله وسلم لما رفع بضبعي عليّ عليه السلام ، وهذا هو معنى أنّ اللّه‌ لا يرتضي الإسلام من أحد من دون التبليغ بالولاية والإعلان عنها ، وهذا معنى أنّ الدين كمل بالنظر لذلك ، وأنّه ناقص لولا أنّ النبيّ بلّغ بها بأحسن وجه وأتمّ بيان في طول تبليغ الشريعة المقدّسة.
إنّ كل هذا يكشـف عن وجود مصلحة شعارية قطعية ، لا شك فيها ولا شبهة ، ناهضة للفتوى باستحباب أو جواز ذكر الشهادة بالولاية مع الأذان ومع غيره بشرط عدم المانع الشرعي ؛ من منطلق الجزم بوجودها يوم الغدير ، ومن منطلق أنّ اللّه‌ لا يرتضي إسلام المسلم كاملاً من دونها ، بل من منطلق التبليغ بها والإعلان عنها أسوة بالنبي صلی الله عليه وآله وسلم في يوم الغدير ؛ ولا ريب في أنّ التأسي بالنبيّ صلی الله عليه وآله وسلم في عملية
التبليغ بالولاية انطلاقا من وجود المصلحة من أعظم الأعمال وأشرف الطاعات.
مع ملاحظة أنّ التأسي بالنبي صلی الله عليه وآله وسلم فيما نحن فيه إنّما هو التأسي الشعاري بدليل وجود المصلحة المقطوع بها ، على ما تبيّن من محبوبية الإعلان والتبليغ والإشهاد بالولاية ، وليس هو التأسي به صلی الله عليه وآله وسلم في الأحكام والماهيّات العبادية المنصوص عليها بأدلّة خاصّة ؛ إذ يكفي لإثبات التأسي الشعاري أمثال نص الغدير ، وموثّقة سنان بن طريف ، وحسنة ابن أبي عمير ، وأضراب ذلك من الروايات.
وبهذا يندفع الإشكال القائل : بأنّ النبيّ صلی الله عليه وآله وسلم لم يؤذّن بالشهادة الثالثة في الأذان ، فعلينا التأسـي به صلی الله عليه وآله وسلم وترك الشهادة الثالثة في الأذان!!
نعم ، هذا صحيح إذا أتينا بالشهادة الثالثة في الأذان على نحو الجزئية فلكم القول بلزوم تركه تأسّيا برسول اللّه‌ ، أمّا فيما نحن فيه فإنّا نتأسى بالرسول شعاريا لأ نّه اكد عليها واجازها وإن لم يأت بها ، فلا ينبغي خلط هذا بذاك.
أضف إلى ذلك ما قد ثبت في النصوص الصحيحة التي رواها الفريقان من أنّ النبي كان لا يأتي ببعض المباحات بل ببعض المستحبات خوفا على الأ مّة من الفتنة أو خوفا من أن يؤاخذ اللّه‌ الأ مّة بذلك ، فعلى سبيل المثال ترك النبي صلاة نافلة شهر رمضان في مسجده الشريف خوفا عليهم من أن تفرض ، ومن هذا القبيل ما مر عليك قوله صلی الله عليه وآله وسلم : لولا قومك حديثو عهد بالجاهلية. فقد ترك صلی الله عليه وآله وسلم ارجاع مقام إبراهيم إلى البيت خوفا من الاختلاف وعدم قبولهم حكمه.
والحاصل : فكما أنّ النبي صلی الله عليه وآله وسلم بلّغ بولاية علي وإمامته يوم غدير خمّ ، وترك النصّ عليها في رزيّة يوم الخميس خوفا على الأ مّة من الهلاك والسقوط ، فهذا بعينه يجري فيما نحن فيه حذو القذة بالقذة ؛ فالنبي صلی الله عليه وآله وسلم قد أشهد الصحابة في غدير خمّ بولاية عليّ وأعلن عنها وبلغ بها ، لكنّه لم يؤذِّن بها شعاريّا لنفس المانع من النص بها في رزية يوم الخميس ، لأ نّه لو أذّن بها لاستظهر منها الوجوب ، وعدم عملهم يدعو إلى الهلاك والسقوط ، وقد استمرّ عدم تأذين الأئمة لنفس الشروط والظروف والأسباب ، فالأئمة وقبلهم النبيّ صلی الله عليه وآله وسلم اكتفوا بالتأكيد على ولاية علي وأنّها شعار يجب الأخذ به في كلّ الأمور.
وبهذا يتضح جواب إشكال القائل بضرورة التأسي بالنبيّ صلی الله عليه وآله وسلم فيما لم يفعله ؛ أي أنّه صلی الله عليه وآله وسلم لم يؤذّن بالشهادة الثالثة وينبغي على المسلمين اتّباعه ؛ ولنضيف على ذلك امورا اخرى :
أولاً : بأ نّه ليس كلّ ما ترك فعله النبيّ صلی الله عليه وآله وسلم كان واجبَ الترك ؛ فهناك ما هو جائز الترك أيضا ، وما كان كذلك يجوز الإتيان به ؛ لأنّ سبيله سبيل المباحات كما هو معلوم ، والأمثلة على ذلك لا تحصى ، ولقد تقدّم أنّ النبي ترك التنفّل جماعةُ في بعض ليالي شهر رمضان كما في صحيح البخاري خشيةً على الأمة من الهلاك ، وليس معنى ذلك إسقاط النافلة من التشريع بالإجماع.
وثانيا : إنّ ترك النبي للشهادة الثالثة في الأذان تجري مجرى العلّة التي دفعت به صلی الله عليه وآله وسلم لأن لا يكتب كتابه في عليّ في رزية يوم الخميس ، إذ نص صلی الله عليه وآله وسلم بقوله : « قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع » ، وهي خاصة بشأنه المقدس فيما يلوح من النص « عندي التنازع ».
وكلّنا يعلم بأنّ النبي قد ترك قتل من حاول اغتياله ليلة العقبة خوفا على الأمة من الهلاك ، مع أنّ الشرع جازم باستحقاقهم القتل ، وكذلك الفرار من الزحف في يوم أحد ؛ فالنبي صلی الله عليه وآله وسلم ترك معاقبتهم ؛ مع أنّهم يستحقونها بالإجماع ، وعلة الترك هي الحفاظ على بيضة الدين ، ترك الإتيان بهذا مع التنبيه على أنّ سكوته حجّة في التأسي به في عدم التأذين بالشهادة الثالثة من باب أنّها جزء فقط ، أمّا غير ذلك فلا ، أي ان سكوته وتركه لها ينفي جزئيتها لا مشروعيتها ومحبوبيتها ، كما سيتوضح في النقطة الاتية.
وثالثا : لا يستقيم الإشكال من الأساس ؛ فليس معيار التأسي بالنبي صلی الله عليه وآله وسلم أنّه ترك العمل بشعارية الشهادة الثالثة في خصوص الأذان ؛ ولا أنّه ترك التبليغ بولاية علي في رزية يوم الخميس ؛ إذ الأصل ليس هذا بعد الجزم بأنّه صلی الله عليه وآله وسلم بلّغ بولاية علي وأشهد الناس عليها يوم غدير خم ؛ فالمعيار هو أصل التبليغ والإعلان والإشهاد ؛ وهذا قد حصل قطعا وجزما ، والقطع بوجود الملاك والمصلحة بذلك التبليغ والإشهاد حاصل لكل المسلمين بلا شبهة ولا كلام وإلاّ استلزم لغويّة ما فعله النبيّ ولا يقول به مسلمٌ.
والحاصل : فنحن نتأسى بالنبي صلی الله عليه وآله وسلم في أصل التبليغ والإشهاد والإعلان مما هو معلوم بالضرورة عنه صلی الله عليه وآله وسلم ، ونشهد بالولاية لعلي مع الأذان لا على أنّها جزء بل لأ نّها محبوبة عند النبي صلی الله عليه وآله وسلم وخصوصا مع عدم ورود نهي خاص فيها عن المعصومين للقول بها في الأذان.
رابعا : يمكن القول بأنّ النبيّ خارج عن دائرة الإشهاد بها في الأذان تخصّصا لأ نّه صلی الله عليه وآله وسلم اكد بأن الولاية لعلي تكون من بعده ، ومعناه لا ولاية لعلي في عهده ، لأنه النبي والإمام ، وخصوصا مع علمنا بأن الشهادة الثالثة ليسـت جزءا من الأذان فلا ضرورة لذكرها والاجهار بها في عهد رسول اللّه‌.
نعم هو صلی الله عليه وآله وسلم أوضح لنا بأنّ الشهادة بالولاية في الأذان وغيره شعار يجب التمسك به والحفاظ عليه ؛ فقوله الشريف : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » يشير إلى أنّ الخطّ المحمديّ الأصيل سيستمر بعليّ عقيدة وشعارا ، بشهادة ما جاء في مصحف ابن مسعود « ورفعنا لك ذكرك » بعلي ابن أبي طالب صهرك.
ولا يخفى أنّ أبرز مصاديق رفع الذكر في العبادات الإسلامية ، خطبة الجمعة ، والتشهد ، والأذان ، كما أثر عن ابن عباس وغيره ، وعلى هذا الأساس لا يستبعد أن تكون الشهادة بالولاية لعليّ في الأذان ـ من باب الشعارية ـ لها مصلحة قطعية ، وخصوصا بعد أن وقفنا على أنّ ربَّ العالمين أشهد الملائكة على هذه الشهادة ، ووجود اسمه عليه السلام على ساق العرش ، والكرسي ، وعلى جبهة إسرافيل ، وغيرها من الأمور التي جاءت في مرسلة القاسم بن معاو ية ، كلّ هذه الأمور تؤكّد وجود مصلحة للإجهار بها مع الأذان من باب الشعارية ، إذ لو لم يكن هناك مصلحة قطعية فيها لما دعا الإمام الكاظم إلى الحثّ عليها والدعوة إليها.
فالإمام في كلامه اشار إلى اهداف الذي حذف الحيعلة الثالثة ، داعيا إلى الحث عليها ، منوها في إمكان الاستفادة منه في الازمان المتاخرة وخصوصا في هذه الازمان والتي تكالبت علينا الأعداء بالتهم والافتراءات ، لان اعدائنا رمونا بتأليه الإمام علي ، أو اعتقادنا بخيانة الامين جبرئيل في انزال الوحي ، فكل هذه الامور تدعونا للجهر بالولاية لعلي دفعا لاتهامات المتهمين وافتراءات المفترين ، ولما في ذكر علي من مصلحة قطعية.
وعليه فالأذان ليس اعلاما للصلاة ودخول الوقت فقط ، بل هو كذلك شعار وعلامة لحقائق الإسلام والإيمان ، كما جاء في معنى ( حي على خير العمل ) ، وما جاء في رواية سنان بن طريف بأن اللّه‌ امر مناديا ان ينادي ، وفي الروايات القائلة بأنّ الاعمال لا تقبل إلاّ بالولاية ، وما جاء في علي أنّه الأذان يوم الحج الأكبر وغيرها ؛ فقد روى حكيم بن جبير ، عن علي بن الحسين عليه السلام في قوله تعالى ( وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) قال : الأذان أمير المؤمنين.
وفي رواية أخرى عن أبي عبداللّه‌ عليه السلام قال : إنّ اللّه‌ سمّى عليّا من السماء أَذانا ، لأ نّه الذي أدّى عن رسول اللّه‌ براءةَ : أنّه اسم نَحَلَهُ اللّه‌ من السماء إلى عليّ.
وجاء عن علي عليه السلام أنّه قال : وكنت أنا الأذان في الناس ، وفي آخر : أنا المؤذّن في الدنيا والآخرة (20).
إذن فالإمام علي هو عين الدين والاعلام الحقيقي له ، كما أنّه هو نفس الرّسول في آية المباهلة ( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) ونرى هذه العينية تنطبق في إبلاغ سورة براءة ، فقد قال رسول اللّه‌ لأبي بكر حينما سأله عن سرّ ارجاعه عن تبليغ سورة براءة بقوله : قيل لي : إنّه لا يبلّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك (21).
وبذلك فقد عرفنا من كلّ ما تقدم وجود فصل ثابت في الأذان دالّ على الولاية ، وهو الحيعلة الثالثة ، وعمر بن الخطاب سعى لحذفه مما دعا الإمام الكاظم على لزوم الحثّ على الولاية والدعوة إليها ، أي أنّ الدعوة جاءت للحفاظ على السنّة النبوية في الحيعلة مع بيان مفاهيمها ، بأن معنى الولاية كان موجودا في الأذان ومنه تشريعه في الاسراء والمعراج بصورته الكنائية « حي على خير العمل » وان التأكيد على الحث عليها كان مما يريده الإمام الصادق كذلك ، ولاجل ذلك‌ترى اتباع ابني الإمام الصادق ـ أي اتباع الإمام الكاظم وهم نحن ، واتباع إسماعيل بن الصادق وهم الاسماعيلية ـ كانوا يؤذنون بالحيعلة الثالثة مع تفسيرها.
وكذا ان فتح معنى الحيعلة كان مرضيا للإمام الباقر والإمام السجاد ، ذلك لأن الزيدية تجيز فتح معنى الحيعلة الثالثة وقد صرح الإمام السجاد بأن جملة « حيّ على خير العمل » كان في الأذان الاول ، ومن كل هذا السير التاريخي تعرف معنى تشجيع الإمام علي للقائل بالحيعلة الثالثة : «مرحبا بالقائلين عدلاً» كل ذلك تعريضا بعمر الذي حذفها.
وعليه فالنهج الحاكم كان في تضاد مع كل ما يمت إلى أهل البيت بصلة وهذا يدعونا إلى مطلوبية الاصرار والإجهار بها في هذه الأزمنة لكي يُمَيَّزَ بها المؤمن عن غيره ، وهذه النقطة هي التي دعتنا إلى افراد هذا التخريج عن سابقه ؛ وهذا التخريج ناظر للخارج والعناو ين الثانو ية ، دون التخريج الثاني الناظر للعنوان الأولي والجزم بوجود الملاك بحسب التلازم بين الشهادات الثلاث الوارد في الأخبار المتواترة معنى فهذا في طول ذلك ؛ والغرض منه تأكيد المحبوبية والمطلوبية.
التخريج الرابع : دفع المفسدة
قد يلحق صناعيا مثل هذا التخريج بالتخريج الثالث الآنف ؛ باعتبار أنّ البحث يدور مدار الملاك وعدمه ، وإنّما أفردنا له عنوانا خاصا بعناية دفع المفسدة علاوة وجود الملاك والمصلحة ، فلقد تقدّم وجود ملاك سماوي في عملية التبليغ والإشهاد بالولاية من قبل النبي صلی الله عليه وآله وسلم ، ومثل هذا ناهض لجواز التبليغ بها شعاريا ، بأيّ طريقة كانت وبأي صيغة ، في الأذان وفي غيره.
لكنّ هناك أمرا آخر ، وهو دفع المفسدة عن الدين وأهله شعاريا ؛ وأصل ذلك ثابت في القرآن الكريم وسنة النبيّ صلی الله عليه وآله وسلم ، وبلا تطو يل حسبنا بعض آيات الكتاب العزيز تدليلاً على هذه المسألة ، فلقد ذكر القرآن الكريم عن الأنبياء سلام اللّه‌ عليهم بأ نّهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، وبالطبع فإنّه لا معنى لاِءن يدرج مثل هذا الكلام في كتاب مقدس مثل القرآن إلاّ لغرض واحد هو إيقاف الأمم على حقيقة أنّ الأنبياء مهما علت درجاتهم وتقدّست مادّتهم وطهرت أنفسهم فهم ليسوا إلاّ بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ؛ كناية عن ما يلازم البشر ية من لوازم المادة ؛ لينفي اللّه‌ عنهم شبهة الألوهية واحتمال الربانية أو الملائكية أو غيرها من التوهمات المخرجة لهم عن مجرّد البشرية ؛ ولقد أخبرنا التاريخ أنّ بعض البشر ـ وهم كثير ـ قد يقعون في براثن هذه الشبهة بقصد وبغير قصد ، والقرآن والأنبياء وقفوا بالمرصاد لذلك ؛ حفظا للحدود المقدّسة بين الربوبية والعبودية.
وهذا هو الذي يفسّر لنا ما دفع بالنبي صلی الله عليه وآله وسلم لأن يقول في شأن علي عليه السلام : « يهلك فيك رجلان ، محبّ غال ومبغض قالٍ » ، فالمبغض القال هو الناصبّي الذي يضمر العداء والبغض لمن أمر اللّه‌ بمودّتهم من أهل البيت الذي طهرهم اللّه‌ من الرجس تطهيرا.
والمحب المفرط بمقتضى الحديث لا يقل خطورة على الدين وأهله من الناصبّي ؛ فالمحبّ المفرط هو الذي يعطي مقاما لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام لا يرتضيه اللّه‌ ورسوله ووليّه وبقية أهل العصمة : ، ولقد ذكر لنا التاريخ أنّ هناك مَن أَلَّه عليّا عليه السلام ففتقوا في الدين فتقا أثّر كثيرا في مسيرة الدين الإسلامي الصحيح ؛ الأمر الذي حدا بالنّواصب لأن يصطادوا في الماء العكر ويتّهموا أهل الحق من شيعة أمير المؤمنين بأ نّهم ليسوا من الإسلام والقرآن في شيء ، وأنّهم مشركون وكفرة ، وأنّ جبرائيل ـ سلام اللّه‌ عليه ـ خان الأمانة ، إلى غير ذلك من التّهم والتُرَّهات التي ما زالت تلاك في ألسـنة بقايا النواصب وذراري أعداء أهل البيت سلام اللّه‌ عليهم أجمعين.
وبذلك نكاد نقطع بأنّ ثبات الشيعة على مرّ العصور على صيغة : « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه‌ » أو « حجّة اللّه‌ » دون صيغ الشعارية الأخرى التي من قبيل « محمد وآل محمد خير البريّة » جاءت لدفع المفسدة عن مذهبهم الحق ، ولكي لا يُرموا بالغلو والتفو يض ، وإشارة إلى أنّ عليّا مهما بلغ من الفضيلة والقدسيّة فلا يعدو ـ صلوات اللّه‌ عليه ـ كونه حجّة اللّه‌ وولي اللّه‌ وأشرف عبيداللّه‌ من بعد النبي صلی الله عليه وآله وسلم ، وأنّ هاتين الصيغتين أصرح وأوضح للدلالة على الولاية من غيرهما.
وهذا معناه أنّ شعارية الشهادة الثالثة لا تقف على القطع بوجود المصلحة في عملية التبليغ بها كما تواتر عن النبيّ صلی الله عليه وآله وسلم فقط ، بل أيضا على القطع بدفع مفسدة شبهة الألوهية الملقاة على عاتق الشيعة من قبل النواصب وأعداء أهل البيت : زورا وبَهْتا.
وان الشيعة استحبابا تأتي بالشهادة الثالثة بعنو انها الثانوي ، أي لردّ هجمات الخصوم عليها ولكونه كلاما حقا وشعارا مطلوبا ومحبوبا للشارع مؤكدة بعدم جواز الإتيان بها بقصد الجزئية.
وليس من الاعتباط في شيء أن نحتمل قو يّا أنّ أغلب الشيعة قد ثبتوا على صيغة « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه‌ » دون غيرها من الصيغ لوردوها في الأحاديث المتواترة في غير الأذان ، مراعين ذكر ترتيبها بعد الشهادتين ، كما جاءت في الأخبار ، ولإِعلام الآخرين أنّهم يعتقدون بأن اللّه‌ هو الواحد الاحد ولا إله غيره ، وأنّ نبيّه ورسوله هو محمد بن عبداللّه‌ بن عبدالمطلب. كلّ ذلك لدفع هذه الشبهة وهذه المفسدة ، ولو تأملّنا قليلاً في الأمر أكثر ، لوجدنا أنّ إصرار الشيعة على هذه الصيغة بالخصوص لم يكن منشؤه النواصب وأعداء أهل البيت : فقط ، بل كان هناك أيضا المفوّضة ـ لعنهم اللّه‌ ـ الذين أعطوا للأئمة : صفات خاصّة فوق حدهم تمسّ بمقام الربوّبية.
ولا بأس بالتنويه هنا إلى أنّ فقهاء العامة قد قبلوا من عمر بن الخطاب زيادة « الصلاة خير من النوم » في الأذان بدعوى دفع مفسدة ترك صلاة الفجر بسبب النوم ولكونه شعارا لتعظيم حق الصلاة ، وقد يتخيل لذلك وجه شرعيّ بنظرهم أو بنظر الباحث الموضوعي؟ لكنّ السبب الذي جعله يخترعها مما لا يمكن قبوله ، وكيفية الجعل أيضا تنافي وتجافي الدليل ؛ لأ نّه جعلها جزءا داخلاً في ماهية الأذان ، وهذا أوّل البدعة هذا أوّلاً.
وثانيا : إنّه حذف صيغة « حيّ على خير العمل » من الأذان بعد ثبوتها على عهد رسول اللّه‌ وتأذين الصحابة بها وهذه بدعة ثانية.
وعلى هذا لا يصح أن يقال من أنّ هذا الفعل هو كفعل عمر ، ومقايسة الشهادة الثالثة في الأذان بما فعله عمر من حذف الحيعلة الثالثة وإدخال « الصلاة خير من النوم » ، فنحن لم ندخلها في ماهية الأذان ، بل نؤكد على جواز الإتيان بها شعاريا ، أي عدم الضير بالقول بها مع الأذان.
نعم قد نؤكد على مطلوبية الإتيان ؛ لكثرة هجمات الخصوم علينا ، وفقهائنا قد اكدوا على عدم جزئية الشهادة الثالثة ولم يعدوه ضمن الفصول الثابتة ، ولو راجعت رسائلهم العملية لرأيت الأذان ثمانية عشر فصلاً والإقامة سبعة عشر فصلاً عندهم ، وليس في هذه الفصول الشهادة بالولاية لعلي ، وهو خير دليل على نفيهم للجزئية ، وبعد هذا فلا يصح نسبة الابتداع إلى الشيعة في الأذان لأنهم يؤكدون على نفي جزئيتها لكنهم في الوقت نفسه يسمحون للقول بها ـ ويؤكدون على مطلوبيتها بعنوانها الثانوي ـ من باب الشعارية وأمثالها من التخاريج الفقهية.
المصادر :
1- علل الشرائع : 531 / 1 وعنه في وسائل الشيعة 27 : 116.
2- الكافي 7 : 407 / ح 1 التهذيب 6 : 217 / ح 512 .
3- سنن النسائي ( المجتبى ) 5 : 253 / ح 3006 ، وهو في صحيح بن خزيمة 4 : 260 / ح 2830 ، وفي مستدرك الحاكم 1 : 636 / ح 1706 .
4- تفسير الرازي 1 : 206.(3) فتح العزير 5 : 233 ـ 234.(4) فيض القدير 1 : 24.
5- مستند العروة الوثقى 13 : 259.
6- الكافي 1 : 412 / باب نادر / ح 4.
7- فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل 2 : 662 / ح 1130 ، الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي 2 : 191 / ح 2952 ، 3 : 283 / ح 4851.
8- أمالي الصدوق : 701 / ح 956 ، الكافي 1 : 441 / باب مولد النبي 6 / ح 8.
9- الكافي 1 : 412 / باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية / ح 1. وقد رويت بعدة طرق.(2) في صفحة 191.
10- الكافي 2 : 18 / باب دعائم الإسلام / ح 5.
11- تفسير القمّي 2 : 208.
12- نهج البلاغة 2 : 43 ـ 45 خطب الإمام ، .
13- مستند الشيعة 5 : 332 ، وسائل الشيعة 6 : 285 / ح 7981.
14- تفسير فرات : 343 ، 452.
15- نهج البلاغة 2 : 154 ـ 156 .
16- كشف الغمة 2 : 310 ، الصحيفة السجادية : 524 / الرقم 219 .
17- سنن الدارقطني 1 : 234 / باب في ذكر الأذان / ح 3.
18- مسند ابن أبي شيبة 2 : 329 ، جزء اشيب : 58 ، شرح مشكل الاثار 14 : 485 ، 487 ، 488.
19- مناقب الكوفي 2 : 415 / ح 896 ، انظر الأحاديث المختارة 2 : 87 ، 105 ، 106 ، 74 / ح 381 ، 479 ، 480 ، 481 ، 553 ، و 3 : 139 ، 151 ، 207 ، 274/ ح 937 ، 948 ، 1008 ، 1078. ورواه الحاكم بسبعة طرق انظر المستدرك 3 : 118 ، 119 ، 126 : 143 ، 419 ، 613 وصحّح الذهبي في ملخصه منها اثنان وسكت عن ثلاثة وضعف اثنان.
20- معاني الأخبار : 59
21- الخصال : 369 ، 558 ، 578 ، المسترشد : 302.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الرؤية العقلية
ما هو صبر أيوب ؟
البدعة 8
هل يمكن اطلاق صفة المُدرك على الله تعالى؟
صفات اللّه الجمالية و الجلالية
هل فی القرآن توجد آیه تدلّ على جواز زیاره قبور ...
أحكام الدماء الثلاثة
الأدلة على عصمة الأنبياء
المهدي المنتظر في كلمات محي الدين بن عربي (ق1)
فصل: في ذكر العلة المانعة لصاحب الامر عليه السلام ...

 
user comment