عربي
Thursday 18th of April 2024
0
نفر 0

شبهات حول الرؤيا

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا أحمد بن يحيى ، عن بكر بن عبدالله بن حبيب قال : حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال : حدثنا محمد بن الحسن ابن عبدالعزيز الاَحدب الجند بنيسابور قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثنا طلحة بن يزيد ، عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل ، قال له عليه السلام : ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل ؟
شبهات حول الرؤيا

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا أحمد بن يحيى ، عن بكر بن عبدالله بن حبيب قال : حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال : حدثنا محمد بن الحسن ابن عبدالعزيز الاَحدب الجند بنيسابور قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثنا طلحة بن يزيد ، عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل ، قال له عليه السلام : ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل ؟
قال : لاَني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً فكيف لا أشك فيه .
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً ، ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به ، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل .
قال له الرجل : إني وجدت الله يقول : فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ، وقال أيضاً : نسوا الله فنسيهم ، وقال : وما كان ربك نسياً ، فمرة يخبر أنه ينسى ، ومرة يخبر أنه لا ينسى ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين !
قال : هات ما شككت فيه أيضاً .
قال : وأجد الله يقول : يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً ، وقال واستنطقوا فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين ، وقال : يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ، وقال : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ، وقال : لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ، وقال : نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، فمرة يخبر أنهم يتكلمون ومرة يخبر أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً ، ومرة يخبر أن الخلق لا ينطقون ويقول عن مقالتهم : والله ربنا ما كنا مشركين : ومرة يخبر أنهم يختصمون ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين ، وكيف لا أشك فيما تسمع . . . . .
قال : هات ويحك ما شككت فيه .
قال : وأجد الله عز وجل يقول : وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة ، ويقول : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار وهو اللطيف الخبير ، ويقول : ولقد رآه نزلة أخرى ، عند سدرة المنتهى ، ويقول : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ، ومن أدركته الاَبصار فقد أحاط به العلم ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع ؟ . . . .
فقال عليه السلام : وأما قوله عز وجل : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، وقوله : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ، وقوله : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، وقوله : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ، فأما قوله : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظره ، فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعدما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقاً فيذهب عنهم كل قذى ووعث ، ثم يؤمرون بدخول الجنة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنة ، فذلك قوله عز وجل من تسليم الملائكة عليهم : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ، فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله : إلى ربها ناظرة ، وإنما ( عنى ) بالنظر إليه النظر إلى ثوابه يعني لا تحيط به الاَوهام . وهو يدرك الاَبصار ، يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير ، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالى وتقدس علواً كبيرا ، وقد سأل موسى عليه السلام وجرى على لسانه من حمد الله عزوجل : رب أرني أنظر إليك ، فكانت مسألته تلك أمراً عظيماً ، فقال الله تبارك وتعالى : لن تراني .. فانظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ، فأبدى الله سبحان بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميماً وخر موسى صعقاً ، يعني ميتاً ، ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه ، فقال : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك .
وأما قوله : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، يعني محمداً صلى الله عليه وآله كان عند سدرة المنتهى حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله ، وقوله في آخر الآية : ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى ، رأى جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخرى ، وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين .(1)
ـ شرح الاَسماء الحسنى ج 1 ص 185
( يا من يَرى ولا يُرى )
طال التشاجر بين الاَشاعرة والمعتزلة في مسألة الرؤية فذهب الاَشاعرة إلى أن الله تعالى يرى في الآخرة وينكشف انكشاف البدر المرئي ولكن بلا مقابلة وجهة ومكان، خلافاً للمعتزلة حيث نفوها ، وللمشبهة والكرامية فإنهم وإن جوزوا رؤيته تعالى ولكن في الجهة والمكان وعلى سبيل المقابلة ، لاعتقادهم جسميته تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا .
وحرر بعض متأخري الاَشاعرة حل النزاع بأنه لا نزاع للنافين في جواز الاِنكشاف التام العلمي ، ولا للمثبتين في امتناع ارتسام صورة المرئي في العين ، أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئي .
وإنما محل النزاع أنا إذا عرفنا الشمس مثلاً بحد أو رسم كان نوعاً من المعرفة ، ثم إذا أبصرناها وغمضنا العين كان نوعاً آخر من المعرفة فوق الاَول ، ثم إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الاِدراك فوق الاَولين ، نسميها الرؤية ولا يتعلق في الدنيا إلا بما هو في جهة ومكان ، فمثل هذه الحالة الاِدراكية هل يصح أن تقع بدون المقابلة والجهة ، وأن تتعلق بذات الله تعالى منزها عن الجهة والمكان أم لا .
واحتج الاَشاعرة بحجة عقلية كلامية لا نطيل الكلام بذكرها ، وأدلة نقلية منها قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام : رب أرني أنظر إليك . . . .
ومنها ، قوله تعالى لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار وهو اللطيف الخبير .
ومنها ، هذا الاِسم الشريف الذي هو نظير هذه الآية .
وبالجملة كل الآيات والسنن التنزيهية تدل عليه نصاً وظاهراً ومنطوقاً ومفهوماً ، والحق أن مراد محققي الاَشاعرة من الرؤية هو الشهود بنوره لنوره والاِنكشاف البالغ حد العيان ، أيدته الاَذواق وصدقه قاطع البرهان ، بدليل قولهم بلا مقابلة وجهة ومكان ، وكذا قولهم في تحرير محل النزاع ، فمثل تلك الحالة الاِدراكية أعدل شاهد على ذلك ، إذ ليس مرادهم ما هو ظاهره حتى يقال حصول مثل تلك الحالة وعدم حصول مقابله ولا جهة ، ومع هذا تكون رؤية لا تعقلاً ، بل مرادهم أنه كما أن تلك الحالة ممتازة عن التعقل والتخيل والاِحساس بالحس المشترك ومشاهدة وشهود للبصر ، كذلك سيحصل لنا حالة عيانية ممتازة عنها وعلم حضوري بالنسبة إليه تعالى ، هو شهود لا على المشاعر الجامع لجميعها بنحو أعلى ، خذ الغايات ودع المباديَ أي المبادي الطبيعية المحدودة ، كما ذكرنا في كونه سميعاً بصيراً أن المشاهدة التي يترتب على قوانا يترتب على ذاته النورية بنحو أنور فإنه سميع بصير بذاته لا بالسمع والبصر ، فهذا مرادهم ، وإلا فكما لا يليق بالعلماء التكلم في مسموعيته أو مشموميته مثلاً إذ ليس من سنخ المسموعات أو المشمومات ، كذلك لا يليق بهم التكلم في مبصريته إذ ليس من سنخ المبصرات لاَن المبصر بالذات هو الضوء واللون عند التحقيق ، وإن كانت الجواهر الفردة عند المتكلم مبصرة بالذات .
فإذا عرفت هذا ، فاعلم أن أرباب القشور منهم حرفوا الكلم عن مواضعه فلم يتفوهوا بما هو مخ القول ، وعموا وصموا عما هو لب الحق ، إذ كان المراد هو الشهود ، والمعتزلة أيضاً لا ينكرونه ، وإنما أنكروا الرؤية الظاهرية التي بالجارحة كما مر في محل النزاع أنه لا نزاع للنافين في جواز الاِنكشاف التام العلمي بأن يكون المراد بالعلمي العلم الحضوري ، ولكن لا على سبيل الاِكتناه ، كما قيل إن العارفين المتألهين يشاهدونه ولكن لا بالكنه بل على سبيل الفناء الذي هو قرة عين العرفاء والعلماء ، بأن يرى كل فعل وصفة ووجود مستهلكة في فعله وصفته ووجوده تعالى .
ولا يجوز للمؤمن إنكار ذلك الشهود لاَن إنكاره إنكار الكتب السماوية والسنن النبوية والآثار الولوية ، بل هو غاية إرسال المرسلين وإرشاد الاَئمة الهادين وسير السايرين وسلوك السالكين ، ولولاه لم يكن سماء ولا أرض ولا بسيط ولا مركب ، كما قال تعالى : ما خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون ، أي ليعرفون ، وفي الحديث القدسي : فخلقت الخلق لاَعرف ، فالكتاب المجيد الذي هو تنزيل من حكيم حميد مشحون منه قال تعالى من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت . يا أيتها النفس المطمئنه ارجعي إلى ربك .
شهد الله أنه لا إلَه إلا هو والملائكة وأولوا العلم . والشهادة بالوحدانية فرع الشهادة بالوجود وشهوده ، وهكذا كل آية مشتملة على ما دل على الشهود حتى لفظ الاِيمان باعتبار بعض درجاته العالية . . . .
قال سيد الاَولياء عليه السلام : لم أعبد رباً لم أره . ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه أو قبله أو معه .
وقال ابنه سيد الشهداء عليه السلام : عميت عين لا تراك .
وقال أيضاً : تعرفت بكل شيء فما جهلك شيء . تعرفت إليّ في كل شيء فرأيتك ظاهراً في كل شيء ، فأنت الظاهر لكل شيء .
وليكف هذا اليسير من الكثير لاَن كل أشراك مقالاتهم وحبايل تحريراتهم لاصطياد هذا الصيد العديم المثال ، فتمام سهام قصودهم واقعة على هذا الغرض الرفيع المنال ، وحيث حملنا الرؤية على الشهود فلا تخصيص له بالآخرة ، فإن أبناء اليقين لموتهم الاِرادي قبل موتهم الطبيعي وفنائهم عن ذواتهم قامت قيامتهم ورأوا ما رأوا ، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى :
روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن أبي بصير قال قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : أخبرني عن الله تعالى هل يراه المؤمنون يوم القيمة قال : نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة ، فقلت متى ؟ قال : حين قال ألست بربكم قالوا بلى . ثم سكت ساعة ثم قال : وإن المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم القيامة . ألست تراه في وقتك هذا قال أبو بصير فقلت : جعلت فداك فأحدث بهذا عنك ؟ فقال : لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقول ثم قدر أن هذا تشبيه كفر ، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى عما يصفه المشبهون والملحدون .
وقال سيد الموقنين ومولى المكاشفين : لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً . . . .
وقوله عليه السلام ما ازددت يقيناً ، لعل المراد منه نفي الزيادة الكمية لا الكيفية ، ومن ثم قال صلى الله عليه وآله : إن العيش عيش الآخرة . ونعم ما قال العارف عبدالرحمن الجامي قدس سره السامي :
تا بود باقى بقاياى وجودكى * شود صاف از كدر جام شهود
تا بود پيوند جان وتن بجاى * كى شود مقصود كل برقع گشاى
تا بود قالب غبار چشم جان * كى توان ديدن رخ جانان عيان
ثم إن الشهود الحاصل لاَهل الله في الدنيا ليس لهم بما هم بأبدانهم فرشيون دنيويون ، بل بما هم بقلوبهم عرشيون أخرويون ، فيصدق أن الرؤية والشهود مطلقاً مخصوصة بالآخرة .
ويمكن أيضاً التوفيق بين المذهبين بأن الرؤية وإن كانت بمعنى الشهود لا يمكن في الدنيا والآخرة بالنسبة إلى كنه ذاته ، احتجب عن العقول كما احتجب عن الاَبصار، ويمكن بالنسبة إلى وجهه : أينما تولوا فثم وجه الله .
بل هاهنا نظر آخر فيه حصر النظر على وجهه الكريم كما قال المعصوم عليه السلام بنقل القاضي سعيد القمي : لا أرى إلا وجهك ولا أسمع إلا صوتك ، يا من يخلق ولا يخلق، يا من يهدي ولا يهدى ، يا من يحيي ولا يحيى ، يا من يسأل ولا يسأل . هذا الاِسم الشريف مأخوذ من الآية الشريفة وهي : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
وقد تمسك الاَشاعرة بها في كثير من المواضع ، منها أنهم قالوا بنفي اللمية الغائية والداعي وجواز الترجيح من غير مرجح ، فإذا سئل عنهم ما المخصص لاَحداث العالم في وقت مخصوص دون ساير الاَوقات مع تشابهها ، وما المرجح للاِمساك في أوقات غير متناهية ، كما هو مذهبهم من التعطيل والاِفاضة في وقت ؟ مع كونه تعالى علة تامة غير محتاج إلى شرط أو آلة أو معاون أو حالة منتظرة ، وبالجملة ما به يتم فاعليته ؟ قالوا : لا يسئل عما يفعل ، والتزموا القدرة الخرافية .
ومنها ، أنهم حيث قالوا بالتحسين والتقبيح الشرعيين دون العقليين قالوا بنفي العلاقة اللزومية بين الاَعمال الحسنة ودخول الجنة وبين الاَعمال القبيحة ودخول النار ، بحيث جوزوا أن يدخل الله السعيد في النار خالداً والشقي في الجنة أبداً ، فإذا قيل عليهم إن هذا ظلم صريح ، قالوا : لا يسأل عما يفعل . . . . إلخ .
واحتج المعتزلة أيضاً بحجج عقلية ونقلية كثيرة ، نذكر بعضها ونترك أكثرها ، لاَن من أنس بالقواعد العقلية وحافظ على تنزيه الله من سمات المحدثات وصفات الاَجسام قدر على إقامة حجج كثيرة وإبطال ما هو ظاهر الاَشاعرة من الرؤية .
فمنها ، أنه فيما عندنا من المبصرات يجب الرؤية عند تحقق شروط ثمانية ككون الحاسة سليمة وكون الشيء جايز الرؤية وكون الشيء مقابلاً أو في حكم المقابل وعدم كون المرئي في غاية القرب وغاية البعد وغاية اللطافة وغاية الصغر وأن لا يكون بين الرائي والمرئي حجاب ، إذ لو لم تجب الرؤية عند حصول الشرائط جاز أن يكون بحضرتنا جبال وأشخاص لا نراها ، والستة الاَخيرة لا يمكن اعتبارها في رؤيته تعالى لتنزهه عن الجهة والحيز ، بقي سلامة الحاسة وجواز الرؤية ، وسلامة الحاسة حاصلة فلو جاز الرؤية وجب أن تراه في الدنيا والجنة دائماً ، والاَول منتف بالضرورة والثاني بالاِجماع والنصوص القاطعة الدالة على اشتغالهم بغير ذلك من اللذات .

تفسيرهم الموافق لمذهبنا
روى السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 37 عدداً من الروايات التي توافق مذهبنا ومذهب عائشة ، قال :
ـ وأخرج عبد ابن حميد وأبوالشيخ عن قتادة : لا تدركه الاَبصار ، قال هو أجلُّ من ذلك وأعظم من أن تدركه الاَبصار .
ـ وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار، يقول لا يراه شيء وهو يرى الخلائق .
ـ تفسير الطبري ج 9 ص 38
معاوية عن علي ( بن طلحة ) عن ابن عباس قوله تعالى : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، يقول أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك . انتهى .
وقد تقدم استدلال عائشة بالآية على عدم إمكان الرؤية ، قال الرازي في المطالب العالية ج 1 جزء 1 ص 87 : إن عائشه رضي الله عنه قالت : من حدثكم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية ، ثم قرأت : لا تدركه الاَبصار .
محاولاتهم تأويل الآية وإبطال معناها
ـ رد النووي على عائشة في شرح مسلم ـ هامش الساري ج 2 ص 93 فقال : فأما إحتجاج عائشة بقول الله تعالى لا تدركه الاَبصار . فجوابه ظاهر فإن الاِدراك هو الاِحاطة والله تعالى لايحاط به ! وإذا ورد النص بنفي الاِحاطة فلما يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة. انتهى . ولكن المنفي هنا هو إدراك البصر ، وهو أعم من الرؤية الجزئية والاِحاطة !
ـ وقال الجويني في لمع الاَدلة
مذهب أهل الحق أن الباري تعالى مرئي ، ويجوز أن يراه الراؤون بالاَبصار . . . .
والدليل على جواز الرؤية عقلاً : أن الرب سبحانه وتعالى موجود ، وكل موجود مرئي . وبيان ذلك : أنا نرى الجواهر والاَلوان ، فإن رئي الجوهر لكونه جوهراً لزم ألا يرى الجوهر ، وإن رئيا لوجودهما لزم أن يرى كل موجود ، والباري سبحانه وتعالى : موجود فصح أن يرى .
فإن قالوا : إنما يرى ما يرى لحدوثه والرب تعالى أزلي قديم الذات فلا يرى ، فالجواب من وجهين : أحدهما أن نقول كلامكم هذا نقض عليكم لجواز رؤية الطعوم والروائح والعلوم ونحوها فإنها حوادث ، وعندكم يستحيل أن ترى .
ثم الجواب الحقيقي أن نقول : الحدوث ينبيء عن موجود مسبوق بعدم والعدم السابق لا يصحح الرؤية ، فانحصر التصحيح في الوجود ، فدل على أن كل موجود صح أن يرى .
ويستدل على جواز الرؤية وأنها ستكون في الجنان وعداً من الله صدقاً وقولاً منه حقاً بقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة . والنظر إذا عدي بإلى اقتضى رؤية البصر . وإن عارضونا بقوله تعالى : لا تدركه الاَبصار . قلنا : فمن أصحابنا من قال الرب تعالى يرى ولا يدرك فإن الاِدراك ينبيء عن الاِحاطة ودرك الغاية ، والرب مقدس عن الغاية والنهاية . فإن عارضونا بقوله تعالى في جواب موسى عليه السلام : لن تراني، فزعموا أن لن تقتضي النفي على التأييد . . . . .
قلنا : هذه الآية من أوضح الاَدلة على جواز الرؤية ! فإنها لو كانت مستحيلة لكان معتقد جوازها ضالاً أو كافراً ، وكيف يعتقد ما لا يجوز على الله تعالى من اصطفاه الله تعالى لرسالته واجتباه لنبوته وخصصه بتكريمه وشرفه بتكليمه وجعله أفضل أهل زمانه وأيده ببرهانه ، ويجوز على الاَنبياء الريب في أمر يتعلق بعلم الغيب ، أما ما يتعلق بوصف الباري عز وعلا فلا يجوز الريب عليهم ، فيجب حمل الآية على أن ما اعتقد موسى عليه السلام جوازه جائز ، لكن ظن أن ما اعتقد جوازه ناجزاً فيرجع النفي في الجواب إلى السؤال . وما سأل موسى عليه السلام ربه رؤية في الدنيا لينصرف النفي إليها ، والجواب نزل على قضية الخطاب . انتهى . وقد تقدم أن موسى عليه السلام لم يطلب رؤية ذات اللّه تعالى ، بل طلب أن يريه شيئاً من آياته كأنه ينظر إليه .(2)
ـ وروى السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 37
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية ، في قوله : لا تدركه الاَبصار ، قال : هذا في الدنيا !
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس قال : إن النبى صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، فقال له رجل عند ذلك أليس قال الله : لا تدركه الاَبصار ! فقال له عكرمة : ألست ترى السماء ؟ قال : بلى ، قال فكلها ترى ! ( يقصد بما أن الله تعالى كبير فإنا نرى جزءً منه فقط ! )
وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه واللالكائي في السنة عن ابن عباس قال : رأى محمد ربه ، قال عكرمة فقلت له : أليس الله يقول لا تدركه الاَبصار ! وهو يدرك الاَبصار قال : لا أم لك، ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء ، وفي لفظ : إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر . انتهى . وهو يقصد أن ذات اللّه تعالى ترى ولكن نوره لاتدركه الاَبصار !!
ثم أكد السيوطي رأي عكرمة فنقل في ج 3 ص 37 قول ابن جريح في تفسير الآية أن الاَبصار لا تدرك الله تعالى كله لكبر حجمه ! قال :
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح في قوله : لا تدركه الاَبصار ، قال : قالت امرأة استشفع لي يا رسول الله على ربك . قال : هل تدرين على من تستشفعين ، إنه ملأ كرسيه
السموات والاَرض ثم جلس عليه فما يفضل منه من كل أربع أصابع ، ثم قال : إن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد فذلك قوله : لا تدركه الاَبصار ، ينقطع به بصره قبل أن يبلغ أرجاء السماء . زعموا أن أول من يعلم بقيام الساعة الجن تذهب فإذا أرجاؤها قد سقطت لا تجد منفذاً تذهب في المشرق والمغرب واليمن والشام . انتهى .
وأعجب منه روايتهم التي تفسر الاَبصار التي لا تدركه بأنها أبصار العقول ، ومع ذلك تدركه أبصار العيون !! قال : وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ واللالكائي من طريق عبدالرحمن بن مهدي قال سمعت أبا الحصين يحيى بن الحصين قاريَ أهل مكة يقول : لا تدركه الاَبصار قال أبصار العقول . انتهى .
وقد تقدم في أول الباب عن ( إمام الاَئمة ) ابن خزيمة حملته الشديدة على عائشة وتفسيره للآية بأن جميع الاَبصار لا تدركه ولكن البصر الواحد يدركه ! قال في كتاب التوحيد لاَن قوله : لا تدركه الاَبصار ، قد يحتمل معنيين على مذهب من يثبت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم خالقه عز وجل ، قد يحتمل بأن يكون معنى قوله : لا تدركه الاَبصار ، على ما قال ترجمان القرآن لمولاه عكرمة ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء . والمعنى الثاني أي لا تدركه الاَبصار أبصار الناس لاَن الاَعم والاَظهر من لغة العرب أن الاَبصار إنما تقع على أبصار جماعة ، لا أحسب غريباً يجيء من طريق اللغة أن يقال لبصر امريء واحد أبصار وإنما يقال لبصر امريء واحد بصر ، لا ولا سمعنا غريباً يقال لعين امريء واحد بصران فكيف أبصار ، ولو قلنا : إن الاَبصار ترى ربنا في الدنيا لكنا قد قلنا الباطل والبهتان ، فأما من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه دون سائر الخلق فلم يقل إن الاَبصار قد رأت ربها في الدنيا فكيف يكون ـ يا ذوي الحجا ـ من ينفي أن النبي صلى الله عليه وسلم محمداً قد رأى ربه دون سائر الخلق مثبتاً أن الاَبصار قد رأت ربها ، فتفهموا يا ذوي الحجا هذه النكتة تعلموا أن ابن عباس رضي الله عنهما وأباذر وأنس بن مالك ومن وافقهم لم يعظموا الفرية على الله ، لا ولا خالفوا حرفاً من كتاب الله في هذه المسألة ! انتهى .
وقد علق على ذلك محقق كتابه وهو الشيخ محمد الهراس من علماء الاَزهر ، فقال :
عجباً لاِمام الاَئمة كيف خانه علمه فتوهم أن المنفي هو إدراك الاَبصار له إذا اجتمعت فإذا انفرد واحد منها أمكن أن يراه ! فهل إذا قال قائل لا آكل الرمان ، يكون معنى هذا أنه لا يأكل الحبات منه ولكن يأكل الحبة ! يرحم الله ابن خزيمة فلقد كبا ولكل جواد كبوة .
ـ وقد كان الطبري من أعقلهم في تفسير الآية حيث اعترف بأنه لا مجال للهروب منها ولابد من الاِعتراف بأنها تنفي إمكان الرؤية مطلقاً ، وأن الاَخبار المروية في رؤيته تعالى تنافيها ، ولكن لابد لنا من قبول الاَخبار وطرح الآية ! قال في تفسيره ج 7 ص 200 ـ 203 :
قالوا فإن قال لنا قائل : وما أنكرتم أن يكون معنى قوله : لا تدركه الاَبصار ، لا تراه الاَبصار ؟ قلنا له : أنكرنا ذلك لاَن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أن وجوهاً في القيامة إليه ناظرة ، وأن رسول الله ( صلی الله عليه وآله وسلم) أخبر أمته أنهم سيرون ربهم يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر . . . .
وقال آخرون .. لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ، إلا أنه جائز أن يكون معنى الآية لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة ، وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله. قالوا وجائز أن يكون معناها لا تدركه الاَبصار بالنهاية والاِحاطة وأما الرؤية فبلى . وقال آخرون : الآية على العموم ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة ، ولكن الله يحدث لاَوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس فيرونه بها . . . . والصواب من القول في ذلك : عذرنا ما تظاهرت به الاَخبار عن رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) أنه قال إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر . انتهى .
ولم يبين الطبري ولا غيره كيف صار هذا هو الصواب ، وهل كلما عارض صريح القرآن خبر أخذنا به وخصصنا به القرآن وقلنا : عذرنا الاَخبار المناقضة للقرآن !
ـ قال القسطلاني في إرشاد الساري
قوله تعالى في سورة الاَنعام : لا تدركه الاَبصار ، وأجاب المثبتون بأن معنى الآية لا تحيط به الاَبصار أو لا تدركه الاَبصار ، وإنما يدركه المبصرون ! أو لا تدركه في الدنيا
لضعف تركيبها في الدنيا ، فإذا كان في الآخرة خلق الله تعالى فيهم قوة يقدرون بها على الرؤية . انتهى .
ولكنهم بهذه المواصفات الجديدة للعين ونظام الرؤية ، خرجوا عن موضوع البحث ، بل هربوا منه ، وفي نفس الوقت ردوا أحاديثهم في الرؤية التي ظاهرها رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة بالعين المتعارفة المجردة ، في أحسن صورة ، وكما يرى القمر ليلة البدر على حد زعمهم !(3)
ـ وقال الشوكاني في فتح القدير ج 2 ص 185
في قوله : لا تدركه الاَبصار . . . . التقدير لا تدركه كل الاَبصار بل بعضها ، وهي أبصار المؤمنين ! . . . .
ـ وقال التلمساني في نفح الطيب ج 7 ص 296
سئل النصيبي عن الرؤية بمجلس عضد الدولة فأنكرها محتجاً بأن كل شيء يرى بالعين فهو في مقابلتها ، فقال له القاضي ابن الطيب : لا يرى بالعين ، قال له الملك : فبماذا يرى ؟ قال : بالاِدراك الذي يحدثه الله في العين .. وهذا الاَجهر عينه قائمة ولا يرى بها شيئاً ! انتهى .
ـ وقال في نفح الطيب ج 8 ص 34
حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزلة ، وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفة ، فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم : ما الدليل أيها القاضي على جواز رؤية الله تعالى ؟ قال : قوله تعالى : لا تدركه الاَبصار ! فنظر بعض المعتزلة إلى بعض وقالوا : جنَّ القاضي ، وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا على مذهبهم ، وهو ساكت ، ثم قال لهم : أتقولون إن من لسان العرب قولك : الحائط لا يبصر قالوا : لا .. قال : فلا يصح إذن نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له ؟ قالوا نعم ، قال : فكذلك قوله تعالى ( لا تدركه الاَبصار ) لولا جواز إدراك الاَبصار له لم يصح نفيه عنه . انتهى . ولابدّ أنهم أجابوه إن الذي يصحح النفي هو توهم جواز الرؤية لا جوازها وإمكانها !
وهكذا يحرِّم إخواننا التأويل ، ولكنهم إذا وصلوا إلى آيات نفي الرؤية وأحاديثها هجموا عليها بمعاول التأويل والمغالطات بلا رحمة ولا ضابطة ، حتى يجعلوا من النفي إثباتاً ، وقد يجعلون من الكفر إيماناً !

تفسير آية : ما كذب الفؤاد ما رأى
قال الله تعالى : والنجم إذا هوى . ما ضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى . ذو مرة فاستوى . وهو بالاَفق الاَعلى . ثم دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى . ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى . ولقد رآه نزلة أخرى . عند سدرة المنتهى . عندها جنة المأوى . إذ يغشى السدرة ما يغشى . ما زاغ البصر وما طغى . لقد رأى من آيات ربه الكبرى . النجم 1 ـ 18
قال أهل البيت : رأى ربه بفؤاده ورأى آياته بعينيهتقدم في الفصول السابقة عدد من الاَحاديث عن النبي وآله صلى الله عليه وآله في تفسير هذه الآية ، ونضيف إليها هنا مايلي :
ـ روى الصدوق في كتاب التوحيد ص 108 :
أبي رحمه الله قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، قال: حدثنا ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكاناً لم يطأه جبرئيل قط ، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب .
ـ و في ص 116 :
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عز وجل يعني بقلبه ، وتصديق ذلك : ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن عليه السلام هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عز وجل ؟ فقال : نعم بقلبه رآه ، أما سمعت الله عز وجل يقول : ما كذب الفؤاد ما رأى ، أي لم يره بالبصر ، لكن رآه بالفؤاد .
ـ وقد عقد الصدوق في التوحيد باباً بعنوان ( ما جاء في الرؤية ) ص 107 ، نورد بعض روايته قال :
حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه عليهم السلام قال : مر النبي صلى الله عليه وآله على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : غض بصرك فإنك لن تراه .
وقال : ومر النبي صلى الله عليه وآله على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أقصر من يديك فإنك لن تناله .
حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن علي بن أبي القاسم ، عن يعقوب بن إسحاق قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقع عليه السلام يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يرى .
قال : وسألته هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه ؟ فوقع عليه السلام إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب .حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله ، عن أبيه ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، قال : ذاكرت أبا عبدالله عليه السلام فيما يروون من الرؤية ، فقال : الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر ، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب .
ـ وفي علل الشرائع ج 1 ص 131
حدثنا محمد بن أحمد بن السناني وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبدالله الوراق رضي الله عنهم ، قالوا حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي الاَسدي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن ثابت بن دينار ، قال سألت زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن الله جل
جلاله هل يوصف بمكان ؟ فقال : تعالى عن ذلك . قلت : فلم أسرى بنبيه محمد صلى الله عليه وآله إلى السماء ؟ قال : ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه . قلت فقول الله عز وجل : ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ؟ قال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله دنا من حجب النور فرأى ملكوت السموات ، ثم تدلى صلى الله عليه وآله فنظر من تحته إلى ملكوت الاَرض حتى ظن أنه في القرب من الاَرض كقاب قوسين أو أدنى .
ـ وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص 33
قال عكرمة : بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام نافع بن الاَزرق فقال : يابن عباس ، تفتي في النملة والقملة ، صف لنا إلَهك الذي تعبده . فأطرق ابن عباس إعظاماً لله عز وجل ، وكان الحسين بن علي قاعداً في موضع فقال : إليَّ يابن الاَزرق ، فقال : لست إياك أسأل ، فقال ابن عباس : يابن الاَزرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم ، فأقبل نافع بن الاَزرق نحو الحسين فقال الحسين عليه السلام : يا نافع ، إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس ، مائلاً على المنهاج ظاعناً في الاِعوجاج ، ضالاً عن السبيل قائلاً غير الجميل ، يابن الاَزرق أصف إلَهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه : لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس ، فهو قريب غير ملتصق ، وبعيد غير منفصل ، يوحد ولا يبعض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إلَه إلا هو الكبير المتعال .
ـ وقال الطوسي في تفسير التبيان ج 9 ص 424
وقوله : ما كذب الفؤاد ما رأى ، قال ابن عباس : رأى ربه بقلبه ، وهو معنى قوله علمه ، وإنما علم ذلك بالآيات التي رآها .
وقال ابن مسعود وعائشة وقتادة : رأى محمد جبرائيل على صورته .
وقال الحسن : يعني ما رأى من مقدورات الله تعالى وملكوته .
وقال الحسن : عرج بروح محمد صلى الله عليه وآله إلى السماء وجسده في الاَرض .
وقال أكثر المفسرين وهو الظاهر من مذهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم : أن الله تعالى صعد بجسمه حياً سليماً حتى رأى ملكوت السموات وما ذكره الله بعيني رأسه ، ولم يكن ذلك في المنام بل كان في اليقظة . . . . . ومعنى : ما كذب الفؤاد ، أي ما توهم أنه يرى شيئاً وهو لا يراه من جهة تخيله لمعناه ، كالرائي للسراب بتوهمه ماء ويرى الماء من بعيد فيتوهمه سراباً . ومن شدد أراد لم يكذب فؤاد محمد ما رأت عيناه من الآيات الباهرات فعداه .
ـ وفي تفسير نور الثقلين ج 5 ص 155
في تفسير علي بن ابراهيم : حدثني أبي ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال قال لي : يا أحمد ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد ؟ فقلت : جعلت فداك قلنا نحن بالصورة ، للحديث الذي روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى ربه في صورة شاب ، وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم ، فقال : يا أحمد إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى ، خرق له في الحجب مثل سم الاِبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله أن يرى وأردتم أنتم التشبيه ، دع هذا يا أحمد لا ينفتح عليك منه أمر عظيم .
ـ ورواه في بحار الاَنوار ج 3 ص 307 ، وقال : المراد بالحجب إما الحجب المعنوية ، وبالرؤية الرؤية القلبية ، أو الحجب الصورية ، فالمراد بنور العظمة آثار عظمته برؤية عجائب خلقه .
ـ وفي بحار الاَنوار ج 4 ص 37
بيان : إعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالى : ما كذب الفؤاد ما رأى ، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله ، وإلى الفؤاد . قال البيضاوي : ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل ، أو الله ، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له ، فإن الاَمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلي البصر ، أو ما قال فؤاده لما رآه : لم أعرفك ، ولو قال ذلك كان كاذباً ، لاَنه عرفه بقلبه كما رآه بصره ، أو ما رآه بقلبه ، والمعنى لم يكن تخيلاً كاذباً . ويدل عليه أنه سئل عليه السلام هل رأيت ربك فقال : رأيته بفؤادي ، وقرىَ( ما كذَّب ) أي صدقه ولم يشك فيه . . . .
قوله تعالى : ولقد رآه نزلة أخرى ، قال الرازي : يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة : الاَول الرب تعالى ، والثاني جبرئيل عليه السلام ، والثالث الآيات العجيبة الاِلَهية . انتهى . أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى فيحتمل نزوله صلى الله عليه وآله ونزول مرئية .
فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه :
الاَول : أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل ، إذا المرئي غير مذكور في اللفظ ، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا الوجه في الخبر السابق .وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبدالله : ما كذب الفؤاد ما رأى ، قال : رأى جبرئيل عليه السلام له ستمائة جناح . وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة ، ولقد رآه نزلة أخرى قال : رأى جبرئيل عليه السلام بصورته التي له في الخلقة الاَصلية .
الثاني : ما ذكره عليه السلام في هذا الخبر وهو قريب من الاَول لكنه أعم منه .
الثالث : أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلى الفؤاد ، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضاً لا فساد فيه .
الرابع : أن يكون على تقدير إرجاع الضمير إليه صلى الله عليه وآله وكون المرئي هو الله تعالى ، المراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الاِنكشاف .
وأما استدلاله عليه السلام بقوله تعالى : ليس كمثله شيء ، فهو إما لاَن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً ، أو لاَن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه رأي الشيعة الزيدية في نفي الرؤية
ـ مختصر في العقيدة للدكتور المرتضى بن زيد المحطوري ص 11
8 ـ الله سبحانه وتعالى لا يرى بالاَبصار . لاَنه ليس جسماً ولا عرضاً لا يُرى ، والدليل على ذلك ـ عقلاً ونقلاً :
دليل العقل : إن حاسة الرؤية إذا كانت سليمة ولم يمنع مانع من الرؤية من ظلام أو إضاءة زائدة أو بعد أو قرب ملاصق للعين ، فعندما توجد شروط الرؤية المذكورة تستطيع العين رؤية الموجودات . والله سبحانه وتعالى موجود ولم نره ، ولا يصح لنا أن نراه ، لاَن المرئي يجب أن يكون جسماً يرى ، وله لون ، وفي جهة من الجهات ، والله سبحانه وتعالى ليس كذلك ، فعظمته سبحانه في خفائه بدليل أن أعظم سر نبحث عنه هو الحياة والروح والعقل والتفكير والتمييز والفرح والحزن ونحو ذلك مما لا نقدر على وضع اليد عليه مع علمنا بوجوده ، فالكائنات الحية معجزة في تكوينها .ولكن الروح التي لا ندركها معجزة أكبر ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) فكيف يرى الله والروح بعض أسراره ؟
وكيف يخفى والشمس بعض آياته ؟!
نراه سبحانه بعيون التصديق والاِيمان في آياته الباهرة وآثاره الظاهرة ، نراه بالبصائر لا بالاَبصار .
ومن زعم أنه يرى في الآخرة فقد استدل بقوله سبحانه ( إلى ربها ناظرة ) وهي مؤولة بحذف مضاف والتقدير إلى رحمة ربها ناظرة لاَنها مقابلة للآية التي بعدها (تظن أن يفعل بها فاقرة ) والمقابلة تقتضي ذلك فوجوه منتظرة لرحمة الله ، ووجوه تتوقع غضبه ونقمته .
ومن جهة ثانية : فقد ورد ناظر بمعنى منتظر كما في قوله سبحانه ( ما ينظرون إلا صيحة ) والصيحة لا تنظر بالعين وإنما تنتظر . وكذلك قوله تعالى ـ حكاية عن بلقيس ـ ( فناظرة بم يرجع المرسلون ) . والدليل إذا طرقه الاِحتمال بطل الاِستدلال به .
كما أن أهل البيت عليهم السلام مجمعون على عدم تجويز رؤية الله ، وإجماعهم حجة ، كما قال ابن تيمية وغيره ، والاَحاديث الواردة في هذا الشأن تعرض على القرآن ، والقرآن ينفي عن الله الرؤية لاَنها تقتضي التشبيه .
فالحديث الذي يقول ( إنكم ترون ربكم كالقمر ) يؤدي إلى تشبيه الله بخلقه كالقمر ، وإن كان الحديث لا يفيد ذلك ، فهو الذي نريد ويكون معناه ترون وعده ووعيده وصدق ما أخبركم به كالقمر عياناً ، وإلا توقفنا عن العمل بحديث ظني يؤدي إلى التشبيه والتجسيم تعالى الله عن ذلك ، والاَخذ بالآية المحكمة أولى من الاَخذ بالمتشابه .
المصادر :
1- ـ كتاب التوحيد للصدوق ص 254 ـ 269
2- الطبرسي في الاِحتجاج ج 1 ص 358 ـ 362 /المجلسي في بحار الاَنوار ج 4 ص 32و الجويني في لمع الاَدلة ص 101 ـ 105
3- القسطلاني في إرشاد الساري ج 10 ص 364


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من هي سكينة بنت الحسين ؟ وممن تزوجت ؟ وهل أنجبت ؟ ...
السؤال : عقلي يمنعني من تقبيل الأضرحة ويقول : هذه ...
السؤال : هل يجوز البكاء على الميّت القريب جدّاً ، ...
كيف يستفيد الخطيب من نهج البلاغة
السؤال : ما الفرق بين الشيعة والسنّة ؟
السؤال : هل يدخلون الجنّة أهل السنّة ?
السؤال: هل حقّاً أنّ عمر بن عبد العزيز ، وهارون ...
السؤال : أنا من السنّة ولست شيعياً ، ولكن أُريد أن ...
ما هي العلّة التي من أجلها سخّر اللّه‏ الريح ...
السؤال : متى يظهر الإمام المهديّ (عليه السلام) ؟ ...

 
user comment