عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

سياسة الإمام علي ( عليه السلام ) مع وُلاته وعُمّاله

سياسة الإمام علي ( عليه السلام ) مع وُلاته وعُمّاله

 

سياسة الإمام علي ( عليه السلام ) مع وُلاته وعُمّاله

احتاط الإمام ( عليه السلام ) أشدّ ما يكون الاحتياط في الولاة والعمّال ، فلم يستعمل أحداً على قطر من الأقطار الإسلامية أو يعهد إليه بعمل إلا بعد إحراز الثقة بدينه ، والكفاءة بقدراته الإدارية .

ولم يستعمل ( عليه السلام ) أحداً مُحاباة ، وإنما استعمل خيار المسلمين ، أمثال مالك الأشتر ، ومحمد بن أبي بكر ، وسهل بن حنيف ، وحبر الأمة عبد الله بن عباس ، ونظرائهم من الذين توفّرت فيهم الخبرة التامة في شؤون الحكم والإدارة .

وقد زوّدهم ( عليه السلام ) برسائل مهمّة عرض فيها لشؤون الحكم وسياسة الدولة ، كما حدّد من صلاحياتهم ومسؤولياتهم .

وكان من أروع تلك الوثائق السياسية عهده ( عليه السلام ) لمالك الأشتر ، فقد حفل بتشريع ضخم لإصلاح الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وهو أرقى وثيقة سياسية تهدف إلى ارتقاء المجتمع وتحقيق مصالحه .

مراقبة الولاة :

وكان ( عليه السلام ) يتفقّد شؤون ولاته وعمّاله ، ويرسل العيون لتحري أعمالهم ، فإن رأى منهم خيانة أو تقصيراً في واجبات أحد منهم عزله ، وأنزل به أقصى العقوبات .

وقد تحرّى ( عليه السلام ) كل بادرة تصدر من ولاته ، وقد بلغه أن عامله على البصرة قد دعي إلى وليمة قوم من أهلها ، فكتب إليه يلومه على ذلك .

وقد جاء في رسالته ( عليه السلام ) لابن حنيف : ( أما بعد : يا بن حنيف ، فقد بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة ، فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان ، وتنقل إليك الجنان ، وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مَجفو ، وغَنيّهم مَدعو ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم ، فما اشتبه عليك علمه فَالفُظْهُ ، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ) .

إقصاء الانتهازيّين :

ولم يقرّب الإمام ( عليه السلام ) أحداً من الانتهازيين الذين لا يخلصون للحق ، وإنما يسعون وراء أطماعهم ومصالحهم ، ولا يفقهون المصالح العامة ، فإنهم عون للسلطة على الباطل لا على العدل .

وكان المجتمع الكوفي يضم طائفة كبيرة منهم كالأشعث ، وعمرو بن حريث ، وشبث بن ربعي ، وأمثالهم من الذين ضربت مصالحهم في عهد الإمام ( عليه السلام ) .

فاتصلوا بحكومة دمشق ، وقاموا بدور العمالة لها ، فراحوا يعقدون المؤامرات لإفساد جيش الإمام ( عليه السلام ) وشعبه ، مستهدفين من ذلك الإطاحة بحكومته .

وقد كانوا – فيما يقول المؤرّخون – قادة الجيش الذي اقترف أبشع جريمة في التاريخ ، وهي قتل سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فقد أيقنوا أنه إذا اسْتَتَبّ له الأمر فإنه سيدمّر مصالحهم .

فإن سياسته ( عليه السلام ) إنما هي امتداد لسياسة أبيه ( عليه السلام ) التي لا ظل فيها للخونة والمجرمين .

إبعاد الطامعين :

ويرى الإمام ( عليه السلام ) أن الإمارة وسيلة من وسائل الإصلاح الاجتماعي ، ولا يجوز أن تمنح إلا للمتحرّجين في دينهم ، والذين لا يخضعون للرغبات والأهواء ، ويجب أن تُستغلّ لتحقيق ما ينفع الناس ، فلا يجوز أن تمنح مُحاباة .

يقول الإمام ( عليه السلام ) في رسالته لقاضيه رفاعة بن شدّاد : ( واعلم يا رفاعة ، أن هذه الإمارة أمانة ، فمن جعلها خيانة فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة ، ومن استعمل خائناً فإن محمدا ( صلى الله عليه وآله ) بريء منه في الدنيا والآخرة ) .

وكان ( عليه السلام ) إذا شعر من أحد أن له ميل أو هوى في الإمارة فلا يرشحه لها ، لأنه يتخذ الحكم وسيلة لتحقيق مآربه وأطماعه .

ولما أعلن طلحة والزبير عن رغبتهما المُلحّة في الولاية امتنع ( عليه السلام ) عن إجابتهما .

الصراحة والصدق :

والشيء البارز في سياسة الإمام ( عليه السلام ) هو التزام الصراحة والصدق في جميع شؤونه السياسية ، فلم يوارب ، ولم يخادع ، وإنما سلك الطريق الواضح الذي لا التِواء فيه ، وسار على منهج ابن عمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومضى على طريقته ، وواكب جميع خطواته .

ولو أنه التزم بالأعراف السياسية التي تبيح وسائل الغدر والنفاق في سبيل الوصول إلى الحكم لما آلت الخلافة إلى عثمان .

فقد ألَحّ عليه عبد الرحمن بن عوف أن يبايعه شريطة أن يسير على سيرة الشيخين ، فامتنع ( عليه السلام ) من إجابته ، وصارحه ( عليه السلام ) أنه يسيّر الأمة على ضوء كتاب الله الذي وعاه ، وعلى ضوء سنة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وليس غيرهما رصيد يعتمد عليه في عالم التشريع ، والسياسة في الإسلام .

فيقول ( عليه السلام ) : ( لولا أن المكر والخداع في النار لكنتُ أمكر الناس ) .

وأنكر ( عليه السلام ) على من قال فيه أنه لا دراية له بالشؤون السياسية ، وأن معاوية خبير بها ، فقال ( عليه السلام ) : ( والله ما معاوية بِأَدهَى مني ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ) .

وتحدّث ( عليه السلام ) عن الوسائل المنكرة التي يعتمد عليها بعض الناس في سبيل الوصول إلى أهدافهم ، من الغدر وما شَاكَلَهُ من المكر والنفاق ، وأنكر على الذين يبرّرون هذه الوسائل ويصفونها بحسن الحيلة .

على هذا الخلق بنى الإمام ( عليه السلام ) سياسته التي أضاءت في دنيا الإسلام ، وكان السبب في خلوده ( عليه السلام ) ، واعتِزَاز الإنسانية به في جميع الأجيال والآباد .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من معاجز الإمام الهادي عليه السّلام
مخالفة عائشة للرسول (ص) من كتب السنة
الوقفة الثانية سند هذا الحديث
الشعائر بنظرة رسالية دموع زين العابدين وحزن زينب
في رحاب العدالة العلويّة (1)
مختصر من حياة الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسين ...
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
كيف تعامل أهل البيت (عليهم السلام) مع الناس
روى البخاري في صحيحه (كتاب الأحكام) قول الله ...
ولاية علي شرط الايمان

 
user comment