عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

لتشيع لاهل البيت ـ عليهم السلام ـ و مودتهم .-2

ان اجـلى تعبير يترجم لنا الجوانب الاخلاقية المتفوقة للشيعة في العصرالاول هو ما اثر عن الامام الـبـاقر ـ عليه السلام ـ قوله : ((اولياؤنا و شيعتنا فيما مضى خير من كانوا فيه ان كان امام مسجد فـي الـحـي كان منهم و ان كان مؤذن في القبيلة كان منهم و ان كان صاحب وديعة كان منهم و ان كان صـاحـب امـانـة كـان مـنـهـم و ان كـان عـالـم فـي الناس يقصدونه لدينهم و مصالح امورهم كان منهم ((132)) )).
و من البواعث الرئيسة الاخرى على نفوذ العلويين في الناس ظلامة العلويين انفسهم فالعلويون كانوا رمز المظلومية لما نالهم من حيف و عسف و ما تعرضوا له من ظلم و اضطهاد, مع ا نهم كانوا من اهل بيت النبوة , و كان المسلمون قاطبة يودونهم و يتمنون زيارتهم .
و عندما كان الناس يشاهدون ضروب الظلم النازل بهم , يركنون اليهم , بخاصة و ا نهم كانوا يلمسون مقاومتهم .
و انـتـشـرت ثورات العلويين في القرون الاولى بشكل مستمر, و كانت ذات طابع زيدي غالبا بعد استشهاد زيد بن علي و ثمة نماذج جمة من هذه الثورات في اقطار العالم الاسلامي , و منها ـ باستثنا الشام ـ الحجاز, و العراق ,و ايران .
يـقـول الـيـعقوبي في سياق اشارته الى حركة زيد بن علي التي جسدت ظلامة اخرى من ظلامات الـعـلـويـيـن بـعـد واقـعة الطف : انتشر التشيع في خراسان بعدها,و بثت الدعايات ضد الحكومة الاموية
((133)) .
و كـان لـهذه القضية خلفية عند اهل البيت , اذ نقرا ان الامام زين العابدين ـعليه السلام ـ كان يذرف الـدموع عدد سنين حزنا على ابيه و احبته الذين استشهدوا في كربلا, علما ان هذا التوجه كان ذا طابع سياسي ايضا.
و كان حجم هذه الظلامة على درجة استمد منها العباسيون قوتهم الرئيسة ,و اقاموا حكومتهم على الدموع التي ذرفت حزنا لاستشهاد يحيى بن زيد.
و لما كانت هذه التحركات جارية في العراق و ايران , فقد كان الموالي الفرس على اتصال بها بخاصة ا نـهـم راوا فـيـهـا امـتـدادا لحكومة اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـفمنوا ان اتجاه هذه العمليات الاسـتـشهادية يقوم على قاعدة لحكومة قد تعدل من ((السيادة العربية )) الى حد ما, و تشركهم في الحكم .
و تجلت هذه الظلامات على افضل وجه في الشعر الذي انشده شعرا الشيعة ,و سار بالادب الشيعي نحو الدم والبكا, بحيث ان اكثره كان يؤثر في نفوس الناس و يدفعهم الى البكا و من الطريف ان ائمة الشيعة انفسهم كانوا يجهدون في توسيع دائرة هذا الشعر و كانت الكوفة محط انظار المؤمنين كافة بوصفها محفلاصغيرا للشيعة , و قد شهدت مختلف المذابح الدموية التي قام بها زياد, و ابنه ,والحجاج ضدهم , حتى انهم كانوا يشعرون بعلاقة عاطفية تشدهم اليها و قد قال اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ من قبل ((لياتين على الكوفة زمان , ما من مؤمن ولا مؤمنة الا بها او قلبه يحن اليها
((134)) )).
لـقـد بـدات هـذه الـظـلامات منذ العهد الاموي , و اتسع حجمها على تواتر الايام اذان الامويين لم يـمارسوا ضغوطهم القاسية بحق العلويين فحسب , بل مارسوهابحق الشيعة قاطبة بيد ان الشيعة لم يسكتوا, بل صمدوا امامهم بكل صلابة .
يـقـول ابـن ابي الحديد:بعد عقد الصلح ((لم يبق احد من المؤمنين الا خائف على دمه , او مشرد في الارض يطلب الامن فلا يجده
((135)) )).
و قـد امـر معاوية راس الحكم الاموي بصراحة ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي و اهل بيته (ع ) شهادة
((136)) .
و كـتـب الـيـه الامام الحسين ـ عليه السلام ـا نك سلطت زيادا على العراق يقطع ايدي المسلمين و ارجلهم , و يسمل عيونهم , و يصلبهم على جذوع النخل , وامرته ان يقتل كل من كان على دين علي و قتلهم و مثل بهم كماامرته
((137)) .
كـذلـك نـقـل الـمؤرخون ا نه ((امر بحرمان كل من عرف منه موالاة علي من العطاو اسقاطه من الديوان والتنكيل به و هدم داره
((138)) )).
و بـلغ التشدد في تعاملهم مع اهل البيت ـ عليهم السلام ـ درجة ا نهم اعلنوابصراحة ان ((لا صلاة الا بلعن ابي تراب
((139)) )) و ذلك لتصعيد العدا ضدهم .
يـقول الدكتورالشيبي في ظلامة الشيعة على مر التاريخ : ((و نجد تاريخ الشيعة منذ كارثة كربلا عـبـارة عن سلسلة لا تنقطع من التعذيب والاضطهاد
((140)) )) والحقيقة ان كارثة كربلا اساس هـذه الـظلامة و قد حاول الامام الحسين ـ عليه السلام ـ نفسه تصعيد هذه الظلامة عبر اخذه اهل بـيـتـه معه و سبق ذلك مقتل حجر بن عدي و اصحابه , اذ بذر في قلوب العراقيين بذرة الشنن ضد الامـويـين و رسخ ظلامة الشيعة ايضا مقتل عمرو بن الحمق الخزاعي , و ميثم التمار, و غيرهما على يدزياد بن ابيه و كان الامام الباقر ـ عليه السلام ـ يقول في ظلامة اهل البيت ـعليهم السلام : لم نـزل ـ اهـل الـبيت ـ نستذل و نستضام , و نقصى و نمتهن , و نحرم ونقتل , و نخاف و لا نامن على دمـائنـا و دمـا اوليائنا (في عصر معاوية ) و قتلت شيعتنا بكل بلدة , و قطعت الايدي والارجل على الظنة و كان من يذكر بحبناوالانقطاع الينا سجن , او نهب ماله , او هدمت داره ثم لم يزل البلا يشتد و يزدادالى زمان عبيداللّه بن زياد, ثم جا الحجاج فقتل خلقا كثيرا من شيعتنا, و اخذهم بكل ظنة و تـهـمـة , حـتـى ان الـرجـل لـيـقـال لـه : زنـديـق او كـافر, احب اليه من ان يقال :شيعة علي ـ عليه السلام ((141)) .
و نقل ايضا ان الحجاج كان يصوم و يفطر على خبز عجن بدما الفاطميين و امربنبش ثلاثة آلاف من قـبـور النجف الاشرف في طلب جثة اميرالمؤمنين ـعليه السلام , فلم يظفر بذلك و كان يتحسر و يظهر الاسف على ا نه لم يحضر وقعة الطف
((142)) 0.
و كـان السائب بن مالك الاشعري ينادي لتحريض جيش المختار ضد والي الكوفة المنصوب من قبل عبداللّه بن الزبير : ((كنتم بالامس تقتلون , و تقطع ايديكم و ارجلكم , و تسمل اعينكم , و تصلبون على جذوع النخل
((143)) .
و قد رسم الخوارزمي افضل صورة لهذه الظلامة في رسالته الى شيعة نيسابورفقال :.
((و و بـحـسـبـكم ا نه ليست في بيضة الاسلام بلدة الا و فيها لقتيل طالبي ترة , تشارك في قتلهم الاموي والعباسي , و اطبق عليهم العدناني و القحطاني قتل معاوية حجربن عدي الكندي و عمروبن الـحـمـق الـخزاعي بعد الايمان المؤكدة والمواثيق المغلظة و قتل زياد بن سمية الالوف من شيعة الـبصرة صبرا و اوسعهم حبسا و اسرا)) و اشار بعد ذلك الى ما قام به الحجاج , و قال : (( فتلعب بـالهاشميين , و اخاف الفاطميين , و قتل شيعة علي ـ عليه السلام ـ و محى آثار بيت النبي ـ صلى اللّه عليه و آله )).
و واصل كلامه فاشار الى جرائم ابي مسلم الخراساني , و ذكر ا نه ينبغي ان يسمى : ((ابامجرم )), و قـال فيه : (( و افتتح بقتل معاوية بن عبداللّه بن جعفر بن ابي طالب و سلط طواغيت خراسان و خوارج سجستان و اكراد اصفهان , على آل ابي طالب يقتلهم تحت كل حجر و مدر, و يطلبهم في كل سهل و جبل )).
و اخـيـرا, حام الحديث حول جرائم المنصور العباسي , فقال في هذالمجال :((مات المنصور و قد ملئت سجونه باهل بيت الرسالة و معدن الطيب والطهارة , قد تتبع غائبهم و تلفظ حاضرهم هذا قليل في جنب ما قتله هارون منهم و فعله موسى قبله بهم الى ان مات هارون و قد حصد شجرة النبوة , و اقـتـلع غرس الامامة و يقتلون من عرفوه شيعيا, و يسفكون دم من سمى ابنه عليا و كانا (هارون و الـمـتـوكـل عـلى الشيطان ) لايعطيان مالا, و لا يبذلان نوالا, الا لمن شتم آل ابي طالب , و نصر مذهب النواصب
((144)) )).
فـهـذه نماذج من جرائم الامويين والعباسيين بحق اهل البيت و شيعتهم و كان لها تاثيرها في اتساع حجم التحرك الشيعي بنحو متواصل .
و من هذا المنطلق حاول المامون احباط تلك التحركات باستغلال موقع الامام الرضا ـ عليه السلام ـ بيد ا نه فطن الى ان شيئا لن يبقى للعباسيين اذا هو واصل تلك السياسة .
و نقل الخوارزمي عن منصور بن الزبرقان احد شعرا اهل البيت ـعليهم السلام ـ ا نه انشد قائلا:.
آل النبي و من يحبهم ـــــ يتطامنون مخافة القتل .
امنوا النصارى واليهود و هم ـــــ من امة التوحيد في ازلم
((145)) .
و قيل :.
نحن بنو المصطفى ذو محن ـــــ يجرعها في الحياة كاظمنا.
عجيبة في الانام محنتنا ـــــ اولنا مبتلى و آخرنا.
يفرح هذ الورى بعيدهم ـــــ طرا و اعيادنا متمنا
((146)) .
و يـقول اليعقوبي في تعامل الهادي العباسي مع العلويين : ((فقد اخاف الطالبيين خوفا شديدا و الح في طلبهم و قطع ارزاقهم و اعطياتهم و كتب الى الافاق بطلبهم
((147)) )).
و يـقـول ابـن اسـفـنديار في المتوكل : كان المتوكل يهوى قتل السادات من آل الرسول , كما يهوى الانسان الصيد و سائر ضروب اللهو
((148)) .
و كان تاثير هذه الظلامات على المؤمنين كبيرا, حتى ان سفيان الثوري كان يقول لعيسى نجل الشهيد زيـد مـا مضمونه : كل من كان عنده ادنى ايمان , يبكي على ما حل ببني فاطمة من ظلم و اضطهاد و قتل و تهديد.
و اصـبـح القتل مالوفا عند العلويين الى درجة ان احدهم يرتاب في نسبه ان لم يتعرض له مـرة في اواخر القرن الخامس ان احد العلويين الاثريا قداستدعي من قبل احد ملوك ماورا النهر و بـعد مدة حدث خلاف بينهما فاودع السجن و صودرت جميع امواله و املاكه فكان يقول : ما تحققت صحة نسبي الا في هذه المصادرة , فاني ربيت في النعيم و كنت اقول : ان مثلي لابد ان يبتلى ثم منعوه .
اذن , كـانـت ظلامة العلويين احد البواعث الواضحة على تغلغل التشيع في قلوب الناس , مضافا الى ما كـانـوا عـلـيه من سيما المتقين و بلغت تلك الظلامة درجة ان انتفاضة زيد و ابنه يحيى قد كهربت خـراسـان برمتها فتوجهت تلقا بني هاشم , بيد ان المؤسف هو ان ابا مسلم داعية العباسيين قد حرف هذا التيار عن مساره الصحيح , و لم يدع الخلافة تصل الى اصحابها الحقيقيين , و هم العلويون .
و كـان الاتـجـاه الاسـلامي الايجابي للانتفاضات الشيعية , مع ما كانت تتسم به من مرونة و اعتدال (عـلى عكس التحركات المتطرفة للخوارج ) باعثا على اجتذاب الجماهير و اول نقطة تبدو للعيان فـي هـذه الانـتـفـاضات هي ان الشيعة كانوا ذوي تحرك ضد الظلم والطغيان على الصعيد العقيدي والـعـمـلي و هذه الظاهرة ظلت متالقة على امتداد العصر الاموي والعباسي (ما عدا فترات قصيرة لـلـغـايـة ) مـمـاتـمـخـضـت بـكهربة الاجوا ضدها و لما كان الرصيد الفكري للشيعة هو جهاد الامـام اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ ضدالطغيان والتمردات الداخلية (ارسى هذا الجهادفي الحقيقة دعائم الكفاح ضد المفسدين من المسلمين ), لذلك انطلقوا منه في كفاحهم ضد المنافقين باشكال شتى و لابد في الوهلة الاولى من توجيه الضربة الى الحكام انفسهم .
و يرى اهل السنة في كتبهم الرجالية ان الايمان بالحرب ضد الحاكم , و ان كان فاسدا, آية من آيات التشيع
((150)) .
و قـيـل في بعض المواطن ايضا ان واليا سنيا لم يستعد ان يتنازل للاتفاق مع القميين في مجال طاعة السلطان
((151)) .
و هـؤلا القميون انفسهم هم الذين كانوا يحولون دون دخول الولاة الى مدينتهم مما ارغمهم على بنا قصورهم خارج المدينة ليحكموا الناس منها و نـقل عن بعضهم قوله : ((كنا ولاة و عمالا سنين عديدة , و لكنا لم نر امراة عربية واحدة , و لم يقع نظرنا على امراة قط
((152)) )) ذلك ا نهم لم يدخلوا المدينة .
يقول ايوب بن المتوكل : ((كان احد الملوك يعبر, فقام له الناس كلهم الا ابان بن تغلب الشيعي ما سئل عن سبب ذلك , قال : كرهت ان اذل القرآن
((153)) )).
و كان هذا الكفاح ضد الظلم والجور رائعا جدا بالنسبة الى الموالي الفرس الذين كانوا يعيشون تحت مـطـرقـة الارهاب والاضطهاد, و كانوا يتحملون بشكل خاص ظلما مضاعفا من الوجهة العنصرية والـعـرقية و كان زيد بن علي يقول في سبب انتفاضته : ((ايهاالناس سنة نبيه , و ندعوكم الى جهاد الظالمين , و الدفع عن المستضعفين , و اعطا المحرومين , و قسم هذا الـفـي بـيـن اهـلـه بـالـسـوا, و نـصـرنـا اهـل الـبـيـت ـ عـلـيهم السلام ـ على من نصب لنا و جهل حقنا
((154)) )).
و هذا التوجه ضد الظلم هو الذي دعا الناس جميعهم , و ليس الشيعة وحدهم الى المشاركة فيه , مع عـقـائدهـم الـمـخـتلفة التي كانوا يؤمنون بها اذ هم بين معتزلة ,و مرجئة , و خوارج , و غيرهم ((فكانت بيئة مشتملة على فرق الامة مع اختلافها
((155)) )).
و يـقـول الـمـسـعـودي ايـضا في تحليل حركة يحيى بن زيد : (( منكرا للظلم و ما عم الناس من الجور
((156)) )).
و كان المختار يدعو الناس الى مثل هذه الامور ايضا و يقول : ((ادعوكم الى كتاب اللّه و سنة نبيه والطلب بدما اهل البيت ـ عليهم السلام ـ والدفع عن الضعفة , و جهادالمحلين
((157)) )) و قال في موضع آخر ان هدفه قتل الظالمين , و ان حركته لتثبيت دعائم الدين ((158)) .
فـلـم تـكن مناهضة تلك الحركات للظلم قوية فحسب , بل و ان من سماتهاالبارزة توكؤها على سنة النبي ـ صلى اللّه عليه و آله ـ و احيا القرآن و هو ما نجده في ثورة كربلا, و حركة زيد بن علي , و سـائر الحركات التي استطاعت ان تعكس الوجه الناصع المشرق لهذه الانتفاضات في مقابل الحكام الـذيـن كان هدفهم طمس معالم القرآن والسنة النبوية , كما تمكنت من اجتذاب المؤمنين و قد راينا ((ان خيرالناس هم الشيعة )) على حد تعبير سفيان الثوري .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ملامح عصر الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير
الاسرة والحقوق الزوجية
الملهوف على قَتلى الطفوف
نساء يأكلن من خبز النفايات لإشباع بطونهن ، في ...
بعث الإسلام مجدداً وتعميم نوره على العالم:
خروج الحسين: سؤال الحرية؟

 
user comment