عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

التشيع لاهل البيت ـ عليهم السلام ـ و مودتهم

ج ـ التشيع لاهل البيت ـ عليهم السلام ـ و مودتهم .

ثـمـة بـعد ثالث للشيعة ايضا ـ و قد اشير اليه في تضاعيف البحوث المتقدمة نوعا ما ـ و يتمثل هذا الـبـعد في ((مودة اهل البيت ـ عليهم السلام )) و نلحظ ان كثيرامن اهل السنة يحبون اهل البيت ـ عليهم السلام ـ عملا بالاحاديث الماثورة عن النبي الاعظم ـ صلى اللّه عليه و آله ـ في فضائل اهل الـبيت ـ عليهم السلام حتى يمكننا القول : ان ترحيب السنة بالعلويين ينطلق من انتما العلويين الى اهل البيت ـ عليهم السلام , و لذلك كانوا يحظون بتاييد الفريقين .
و من توكا على فضائل اهل البيت من اهل السنة فقد اتهم بميول شيعية , و ان كان لا ينسجم مع الشيعة فـقهيا و سياسيا و لعل اتهام ((ابن عبد ربه الاندلسي ))صاحب كتاب ((العقدالفريد)) بانه ذو ميول شـيعية يعود الى ما ذكرنا و اتهم ((الشافعي )) كذلك , الا ان تهمته لم تنل نصيبها من الاهتمام كثيرا عـلـى طـول الـتـاريـخ ‌لا نـه كان احد ائمة المذاهب الفقهية عند السنة و عند ما كان يتحدث عن افـضـلية الامام علي ـ عليه السلام , فان اهل السنة اتهموه بالتشيع بل بالرفض ايضا و في ضؤ مانقله الـبيهقي , لما قيل له : ان فريقا لا يود اهل البيت , و كل من نقل شيئا من فضائلهم , فانه يدعى رافضيا, انشد شعرا قال في احد ابياته :.
اذا نحن فضلنا عليا فاننا ـــــ روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل
((98)) .
و قال في بيت آخر:.
ان كان حب الولي رفضا ـــــ فانني ارفض العباد
((99)) .
و حـينما كان مقيما في غزة , اتهم بميله الى العلويين و تعصبه لهم بسبب ما كان يبديه من آرا في هذا المجال
((100)) .
بيد ا نه عندما طلبه الرشيد و عرف ان هذا الحب لا علاقة له بالقضاياالسياسية , لم يمسه بسؤ, بل و انعم عليه بالف دينار مع خلع كثيرة
((101)) , فانشدقائلا:.
ما الرفض ديني و لا اعتقادي ـــــ لكن توليت من غير شك
((102)) .

فرفضه ـ اذن ـ ليس رفضا عقيديا و كان طبيعيا ـ على اي حال ـ ان المحدث المعتقد عندما يرى تلك الـفضائل كلها, فانه يعبر عن وده و من يقرا ما جا في الماثور : ((ما من رجل مسلم من بني هاشم الا و لـه شـفـاعة يوم القيامة ((103)) )), فلابدان يبدي حبه لهم كما نقل عن الحسن بن الصباح ا نه عندما كان شافعيا و قرا في كتب الحديث روايات كثيرة تتحدث عن فضائل اهل البيت ـ عليهم السلام ـ اصبح اسماعيليا ((104)) .
و امثال هؤلا كثيرون جدا اذ تقبلوا عنوان الرفض بسبب حبهم اهل البيت ـعليهم السلام .
و نـقـل عـبدالجليل الرازي عن بديع الزمان الهمداني ا نه قال عند قبر الامام علي بن موسى الرضاـ عليه السلام :.
انـا مـع اعـتـقـادي فـي الـتـسـنـن رافضي في ولائك ـــــ و ان اشتغلت بهؤلا فلست اغفل عن اولئك
((105)) .
و يـمكن ان يجد بعدا رابعا في مجال حب اهل البيت ـ عليهم السلام ـ ما عداالابعاد التي ذكرناها في التشيع و يتجسد هذالبعد في الاشخاص الذين يرون ان العلوم الدينية , و لا سيما علم التفسير, ينبغي ان تـؤخـذ مـن مصدرها الرئيس المتمثل باهل البيت ـ عليهم السلام ـ بيد ا نهم يعتبرون انفسهم في عـداد اهـل الـسـنـة عـلى صعيد العقائد العامة و لعل الشهرستاني صاحب كتاب الملل و النحل كان من هؤلا, كما ذهب الى ذلك احد المحققين الذي قام بتحقيق تفسيره المخطوط, عبرمقالته التي ذكر فيها ادلة مقنعة تدعم رايه بنحو واف و نحيل القرا الكرام الى تلك المقالة
((106)) .

بعض البواعث على تغلغل التشيع في صفوف الناس .

فـي ضؤ الضرب الثالث من ضروب التشيع ـ الذي مر بنا في الفصل السابق ـتستبين لنا حقيقة تتمثل في سر الشعبية التي كان يتمتع بها العلويون بين الناس طبيعيا ان هذه القضية ـ في العراق ـ كانت ذات بعد سياسي مضافا الى بعدهاالمتمثل في حب اهل البيت ـ عليهم السلام فقد كان اهل الكوفة يرون في الـعـلويين كفاة قيادية لما سمعوه عن حكومة الامام علي ـ عليه السلام اما في المناطق الاخرى , فقد كانت شعبية اهل البيت ـ عليهم السلام ـ رهينة بالاحاديث الماثورة في فضائلهم و انه لامر طبيعي ان الـنـاس الذين لم يروا النبي ـ صلى اللّه عليه و آله ـو يسمعون ان شخصا من اهل بيته قد ام المكان الـفـلانـي , فـانـهـم يعبرون له عن حبهم و ولائهم اياه و لم تنقص شعبية العلويين على مر التاريخ الاسلامي مثقال ذرة و اذا ما سمع الناس ان علويا قد ثار في منطقة ما, فانهم كانوا يلتفون حوله وكان الـعـلـويـون الـذيـن تـغلي في نفوسهم فكرة الثورة كابي السرايا يستثمرون هذه الشعبية حتى ان ((صـاحـب الـزنـج )) دعـا نـفـسـه عـلـويـا لـيـتمكن من التغلغل في نفوس الموالي السودانيين والزنوج ((107)) و ما يدرينا لعله كان علويا حقا و كان عبداللّه المحض يقول : الناس كلهم يتمنون ان يـكـونـوا مـن الـعـلـويين , و لا يتمنى العلويون ان يكونوا من احد ((108)) لذلك كان كثير من الاشـخـاص يـنسبون انفسهم الى العلويين كذبا, مما افضى ذلك الى ظهور النسابين بين العلويين منذ القرون الاولى لتمييزالعلويين عن غيرهم .
من هذا المنطلق نقرا في الكتابات التي دونت في معرفة انساب العلويين ان انتما بعض الاشخاص الى العلويين لم يثبت , و هو ما نجده في مواطن كثيرة على اي حال يمكن القول :.
ان احـد الـبـواعث الرئيسة على تغلغل التشيع في اقطار العالم الاسلامي قاطبة ,و منها ايران , هو الـشـعـبـيـة الـتي كان يتمتع بها العلويون و تعود هذه الشعبية بصورة رئيسة الى الفضائل الخاصة الماثورة عن النبي ـ صلى اللّه عليه و آله ـ في اهل البيت ـ عليهم السلام كما ان قسطا منها يؤول الى ما كان يتمتع به العلويون انفسهم من سجايا علمية و اخلاقية و سياسية .
و يـنـبـغي ان لا نغفل ايضا حب الناس و انشدادهم الطبيعي الى اهل بيت النبوة وهو ما ادى الى تغلغل الـتشيع على امتداد القرون والاعصار, حتى نجد, في المناطق السنية التي كان يقطنها العلويون , ان الـعـلـوي اذا مـات او اسـتـشهد, فان الناس يشيدون له ضريحا و هكذا غرست بذرة الشيع و حب اهـل الـبـيـت ـعـلـيـهم السلام ـ في تلك الارجا و كان الاهتمام الذي يوليه اهل السنة باهل البيت ـعليهم السلام ـ كبيرا للغاية .
و نـقـل الشبلنجي نماذج رائعة في هذاالمجال و كانوا يصطلحون على السيد:الشريف , الذي كانوا يوقرونه عظيم التوقير
((109)) .
و من الضروري ان نشير هنا الى ان التشيع العقيدي ينطوي على التشيع السياسي , و حب اهل البيت ـ عليهم السلام ـ في آن واحد.
اما التشيع السياسي , فقد يخلو من القسمين الاخرين كما ان وضع التشيع بالنسبة الى مودة اهل البيت ـ عـلـيهم السلام ـ على هذه الوتيرة و كان ابو حنيفة مصرا على حبه اهل البيت الى حد ما, مضافا الى تعاطفه مع العلويين سياسياو لذلك كان محمد نجل الامام الصادق ـ عليه السلام ـ يقول فيه : رحم اللّه ابـاحـنيفة لقد تحققت مودته لنا في نصرته زيد بن علي و فعل بابن مبارك في كتمانه فضائلنا و دعا عليه
((110)) .
ان وعـي هـذه الـنقطة المتمثلة بمعرفة البواعث على تمتع العلويين , والشيعة مبدئيا, بمكانتهم بين سـائر الـفرق الدينية والناس يمكن ان يساعدنا على فهم الاسباب التي دعت الى اتساع نطاق التشيع ذلك ان العلويين كانوا هم المبلغين لحركة التشيع تقريبا, مع ان هذا التشيع كان ذا توجهات متنوعة : زيدية , و امامية ,و غيرهما.
و تعتبر الركيزة الاولى للتشيع ـ في الحقيقة ـ المودة التي كانت مشتركة بين اولئك جميعا.
و لـو ان هـذه المودة سارت في اتجاهها المنطقي , فانها ستبلغ حد الولاية والطاعة و لعلها تؤول الى الافراط ايضا و تنتهي الى الغلو الذي انتحله الغلاة في الائمة الطاهرين ـ عليهم السلام و قد اشرنا فـيما تقدم الى عدد من البواعث على نفوذ العلويين في الناس و في ما ياتي مسائل اخرى ايضا ترتب ط بهذاالموضوع :.
يـعـتبر تدين هؤلا الاشخاص باعثا آخر على نفوذ التشيع فقد كانوا هم و احبتهم متمسكين تمسكا دقـيقا واعيا في ادا الواجبات الدينية و كانوا يعرضون الاسلام للناس باعمالهم و سلوكياتهم والناس انـفـسـهـم يـلحظون الفارق بين اسلام الامويين جيدا, و يميزون الشيعة بنزعتهم الدينية القوية و تـمـسـكـهـم بـمـراعـاة الـمـوازين الشرعية و عند ما كان الناس يلتفون حولهم , و هم يدركون مـعـارضتهم الامويين , كانوا يعرفون فضائلهم و من هذا المنطلق فان آصرتهم السياسية تتخذطابعا عـقيديا خاصا, ثم تجد لها تلاحما عميقا بينما نقرا ان الخوارج ـ و على الرغم مما قيل في تدينهم ـ لـم يـكونوا ذوي توجهات رزينة متزنة و لذلك كان واضحا ان تقواهم ليست ذات طابع اسلامي فقد كـانـت تصرفاتهم الوحشية المتطرفة تؤذي الناس كثيرا, بحيث ان البصريين ـ على سبيل المثال ـ كـانـوا يـهـابـونهم تماما
((111)) اما توجهات الشيعة الرزينة المتزنة و تقواهم العلمية و العملية فـقـدكانت باعثة على انشداد الناس اليهم و على راس الشيعة كان العلويون يتمتعون بهذه المواصفات يقول سفيان الثوري : ((هل ادركت خير الناس الا الشيعة ؟ ((112)) )).
فـهـو يرى ان الناس الصالحين دينيا هم الشيعة و ليس غيرهم ثم يذكر عددا من الشيعة كامثلة على قوله .
و كانت المدائن من المهاجر التي امها العرب , و احدى الامصار الشيعية يومئذ.
يـقـول الـقـزويـنـي في سكانها: ((اهلها فلا حون شيعة امامية و من عادتهم ان نساهم لا يخرجن نهارا
((113)) )).
و هذا يدل على الروح الدينية التي كان يتسم بها اهل المدائن .
و يقول هذا الكاتب نفسه : و كان اهل سجستان , الذين امتنعوا عن سب الامام علي ـ عليه السلام ـ على المنابر, يتصفون بهذه الصفة
((114)) و كذلك كانت النساالشيعيات في الديلم ((115)) .
و قيل في ((حجربن عدي )) و اصحابه الذين وقفوا بوجه معاوية , و صمدواو استقاموا في تشيعهم : ((ا نـهـم يـتـشددون في الدين
((116)) )) و تميز الشيعة بمراعاة اوقات الصلاة ((117)) و الـنـموذج الذي يدل على هذه الميزة بنحو رائع للغاية يتمثل في القضية التي نقلت حول العثور على مـخبا ((مسلم بن عقيل )) فحينما ارادعبيداللّه بن زياد العثور على مخباه امر احد غلمانه بالذهاب الـى المسجد و تقصي خبر مسلم و قال له : ((ان هؤلا الشيعة يكثرون الصلاة )), فمن وجدته على هـذا الحال هناك , فقص منه اثر مسلم فذهب الى المسجد و راى ((مسلم بن عوسجة )) يصلي اكثر من غيره , فقصده , و تعرف منه على مخبا مسلم بن عقيل بطريقة ماكرة ((118)) .
و كـان سـلـمـان الفارسي في طليعة انصار التشيع وهو الذي عرف عند الصحابة بالتقوى والعلم و اشـتـهـر بتقواه حتى اعتبره الصوفية احد اقطابهم و كذلك كان ابوذر النصير الاخر للتشيع , فقد عـرف باعراضه عن الدنيا, و عدم رغبته فيها,و التزامه برعاية حقوق الناس حتى اصطدم بمعاوية و عـثـمـان فـي هـذاالـمجال
((119)) و قيل في عمار بن ياسر: ((و قد كان عمار اشد حراس الاسلام مراسا واكثرهم عنادا في الحفاظ على مثله و مبادئه ((120)) )).
و كان اويس القرني احد زهاد الشيعة المعروفين و رزق الشهادة بين يدي الامام علي ـ عليه السلام ـ بصفين و كانت له منزلة رفيعة في العرفان
((121)) و يقول الشيبي فيه : كان اويس القرني شيعيا وهـو الذي اعتبره الاسفراييني احد النساك المشهورين ((122)) و قيل في كميل بن زياد: ((كان زاهدا شيعيا قديما ((123)) )) و قيل في خباب بن الارت : ((كان خباب بن الارت ناسكا شيعيا من الـنـواحـيـن الـبـكـائيـن ((124)) )) و قـيـل في الراوي الشيعي محمد بن مسلم : ((من العباد فـي زمانه ((125)) )) و قيل في سعيد بن جبير: ((كان سعيدبن جبير زاهدا شيعيا ((126)) )) ثم يضيف الدكتور الشيبي قائلا : ((و هكذا يتضح لنا منشا التشيع في الزهد ((127)) )).
و كـان الـشـيـعـة عـلـى درجـة عـالية من الزهد جعلت حديثهم مقبولا عند السنة , مع شدتهم في تشيعهم
((128)) .
و يـعتبر هؤلا الزهاد المشهورون من البواعث على اتساع نطاق التشيع كمايقول الدكتور الوردي : نضج التشيع في ثلاث مدن : الاولى : الكوفة لوجودعمار بن ياسر فيها والاخرى : المدائن لوجود سلمان الفارسي فيها والثالثة جبل عامل لجهود ابي ذر الغفاري
((129)) .
و كـان اشتراك عدد كبير من الفقها في ثورة محمدبن عبداللّه التي نشبت في المدينة سنة 145 ه ـ بغض النظر عن بعدها السياسي ـ يعود الى ان الشخص المذكور المعروف بالنفس الزكية كان افضل من شخص المنصور العباسي و كانوايعرفونه , لذلك لم يجيزوا التخلف عنه مع ا نهم ليسوا في عداد الـشـيـعـة
((130)) وكـان هـذا الـدعـم عـلى درجة قلما تخلف فيها فقيه من فقها السنة عنه و ماالتعابيرالتي استعملها ابوالفرج الاصفهاني او التي نقلها عن اشخاص آخرين في مختلف العلويين الا دلـيـل على شخصيتهم الرفيعة و قيل في المختار على لسان زوجته : كان من عباد اللّه الصالحين و كانت هذه الكلمة قد قيلت في وقت كان المختار يتاهب للقتل على يد مصعب بن الزبير ((131)) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عصر ظهور المذاهب الاسلامية
واقع ﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﻋﺎﺋﺸﺔ
أمير المؤمنين شهيد المحراب
كربلاء ؛ حديث الحق والباطل
الشيعة وإحياؤهم ليوم عاشوراء
في تقدم الشيعة في علم الصرف ، وفيه صحائف -2
تأملات وعبر من حياة أيوب (ع)
تاريخ الثورة -6
من مناظرات الامام الصادق(عليه السلام)
من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ...

 
user comment