عربي
Saturday 20th of April 2024
0
نفر 0

كـان ائمة اهل البيت ـ عليهم السلام ـ مفزع الامة والحكام في كل ما اشكل عليهم فقد كان المسلمون يـلـجـاون اليهم و يسالونهم عن كل ما اهمهم و كذلك كان يفعل الحكام و نقل لنا التاريخ عشرات بل مـئات الشواهد التي تدل على رجوع الناس و حكامهم الى الائمة لحل اي مشكلة

الحقيقة الثالثة .

كـان ائمة اهل البيت ـ عليهم السلام ـ مفزع الامة والحكام في كل ما اشكل عليهم فقد كان المسلمون يـلـجـاون اليهم و يسالونهم عن كل ما اهمهم و كذلك كان يفعل الحكام و نقل لنا التاريخ عشرات بل مـئات الشواهد التي تدل على رجوع الناس و حكامهم الى الائمة لحل اي مشكلة يستعصي حلها عليهم ((فقد كان الامام اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ هو المفزع والمرجع لحل اي مشكلة يستعصي حلها عـلى القيادة الحاكمة يومئذ و لا نعرف في تاريخ التجربة الاسلامية على عهدالخلفا الاربعة واقعة واحدة رجع فيها الامام الى غيره لكي يتعرف على راي الاسلام و طريقة علاجه للموقف , بينما في الـتـاريـخ عشرات الوقائع التي احست القيادة الاسلامية الحاكمة فيها بضرورة الرجوع الى الامام بالرغم من تحفظاتها في الموضوع ((37)) )).
فعندما فكر ابوبكر بغزو الروم , استشار جماعة من الصحابة , فقدموا و اخروا,و لم يقطعوا براي فاستشار عليا ـ عليه السلام ـ في الامر, فقال ـ عليه السلام ـ : ان فعلت ظفرت فقال ابوبكر: بشرت بخير و امرالناس بالخروج بعد ان امر عليهم خالد بن سعيد
((38)) .
و عن الطبري في تاريخه , عن سعيد بن المسيب , قال : جمع عمر بن الخطاب الناس , فسالهم : من اي يـوم نكتب التاريخ ؟ فقال علي ـ عليه السلام ـ : من يوم هاجر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه و آله ـ و ترك ارض الشرك , ففعله عمر و هكذاوجد التاريخ الهجري ليؤرخ به المسلمون
((39)) .
و عن موطا مالك , عن بعجة بن بدر الجهني ا نه اتي عثمان بامراة قد ولدت لستة اشهر, فهم برجمها فـقـال ـ عـليه السلام ـ ان خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك ان اللّه ـ تعالى ـ يقول :( و حمله و فصاله ثـلاثـون شـهـرا)
((40)) ثـم قال : ( والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة ) ((41)) , فحولان مدة الرضاعة , و ستة اشهر مدة الحمل .
فقال عثمان : ردوها
((42)) .
و اتـذكر في هذا المجال قولا للخليل بن احمد الفراهيدي , شيخ سيبويه , نقله لي احد الادبا الثقات , قال : ((الدليل على اولوية علي استغناؤه عن الكل , و احتياج الكل اليه )) فالامام ـ صلوات اللّه عليه ـ لم يحتج الى احد, بينما احتاج اليه الاخرون ,و كانوا يسالونه .
و رايـت شـواهد كثيرة رجع الخلفا الثلاثة فيها اليه , بخاصة الخليفة الثاني الذي اشتهر عنه قوله : لـولا عـلي لهلك عمر و لم يرجع الى احد, و لم تعص عليه مسالة ,و لم يحرج في شي قط ذلك ا نه اوتـي عـلـمـا مـحيطا مستوعبا, و ا نه صنع على عين اللّه , كما صرح هو بذلك في بعض كتبه الى معاوية .
و هـكـذا سائر الائمة من اولاده الطاهرين , فانهم كانوا الملاذالوحيد للامة و حكامها و كم عجز الـحـكـام عـن عـلاج المشاكل , التي كانت تعتريهم , فبادر الائمة الى اسعافهم , و كانوا بالمستوى المطلوب في تلبية الحاجات و رفع المشاكل ,منطلقين من شعورهم بالمسؤولية المتمثلة بالمحافظة على المصلحة الاسلامية العليا, و احساسهم بضرورة ادا دور ايجابي في خدمة الرسالة على الرغم من اقصائهم عن مركزهم القيادي في زعامتها.
و نكتفي هنا بنقل مثالين في هذا المجال :.
الاول : يـتـمـثـل ((فـي الـمشكلة التي احدثها كتاب ملك الروم الى عبدالملك بن مروان , اذ عجز عـبـدالملك عن الجواب على كتاب بمستواه , فملا الامام زين العابدين ـ عليه السلام ـ هذا الفراغ و اجاب بالشكل الذي يحفظ للدولة كرامتها,و للامة الاسلامية هيبتها
((43)) )).
الـثاني : يتمثل ((في انقاذ الدولة الاسلامية من تحد كافر يهدد سيادتها كالتحدي الذي واجهه هشام مـن الروم بشان النقد و عجز عن الرد عليه و كان الامام الباقر في مستوى الرد على هذا التحدي , فخطط للاستقلال النقدي
((44)) )).
و هـناك مئات الوقائع التي رجع فيها الحكام الامويون و العباسيون الى الائمة و استفتوهم فيها و لم يـحـدثـنا التاريخ ان احد الائمة استفتى احدا, او استعصت عليه مسالة , او احرج في معضلة كما لم يـحدثنا ا نهم تتلمذوا على يد احد من المسلمين وهذا دليل على عظمتهم وكفاتهم و عصمتهم , و للّه درالشاعر اذ يقول :.
و وال اناسا قولهم و حديثهم ـــــ روى جدنا عن جبرئيل عن الباري .
و اجاد ابو فراس الحمداني اذ قال في ميميته العصما:.
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا ـــــ مامونكم كالرضا ان انصف الحكم .
و كم اراد الحكام احراجهم و حـسبنا المناظرات العلمية التي جرت معهم , و مجالس الاحتجاج التي عقدت لاجل ذلك , فقد دلت بكل وضوح ا نهم كانوا اكفا من غيرهم و احق كمادلت على تفوقهم علميا و سياسيا و اجتماعيا و لا نـقـول هـذا من وحي التعصب والاعجاب , بل ان المصادر المعنية قد تحدثت عنه باسهاب , و اجملت كثيرا,بخاصة مصادر الخصم , فانها نطقت بفضلهم و علمهم و نقاوة سيرتهم و عظمة اخلاقهم و لو وجدت المجال واسعا, لاتيت بمئات الامثلة التي تقطع قول كل خطيب و لا احسب ان احدا يرتاب في ان الـمـضايقات التي تعرض لها ائمة اهل البيت ـ عليهم السلام ـ متمثلة بالسجن , والنفي , والتشريد, والـتـعـذيـب , والـقـتـل كانت نتيجة لشعور الحكام الامويين والعباسيين بعظمتهم , و علو شانهم ,و حـقـانـيتهم , وجدارتهم و كان اولئك الحكام المنحرفون يعلمون علم اليقين ان الائمة افضل منهم و احـق بالحكم و ولاية الامر بيد ان انحراف النفوس , والحسد,وحب الجاه والسلطة قد غلبت عليهم , بل غلبت عليهم شقوتهم .

الحقيقة الرابعة .

كـان ائمـة اهل البيت ـ عليهم السلام ـ يحظون بمنزلة خاصة و مكانة مرموقة بين المسلمين و كان الـمسلمون قاطبة ينظرون اليهم نظرة تبجيل و تكريم , و يحفظون حرمتهم , و يحسبون لهم حسابا متميزا لما كانوا يلمسونه من عطا رسالي يستشعرونه في مختلف مجالاتهم , و يستفيدون منه في حل مـشـكـلاتـهـم , والـحفاظعلى رسالتهم ((45)) كما كان المسلمون يولون احتراما خاصا للائمة نـتـيـجة لشعورهم ان الائمة يتفردون في كل مفردة من مفردات حياتهم و قد لاحظالمسلمون ذلك بمختلف توجهاتهم بيد ا ننا يمكن ان نقول : ان ذلك الولا ليس ولا عقيديا واعيا, بل هو ولا عاطفي لم يـرتـكز على قاعدة صلبة و لو كان ولاعقيديا واعيا, لتمكن الائمة من تسلم مقاليد الامور و قيادة الامـة و لـو قدر ذلك لهم , لانتشر التشيع العقيدي الواعي في كافة ارجا المعمورة والجالب للانتباه ان عـزل الائمـة و حرمانهم من القيادة السياسية للامة لم يفقدهم مكانتهم الاجتماعية ,التي بلغت في بـعـض الحالات مستوى تسلم السلطة ايضا, كما نجد ذلك في خلافة اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ الذي تفرد عن غيره من الخلفا في ان الامة كلها بايعته طائعة منقادة و ((ان تلك الزعامة الواسعة التي كانت نتيجة لايجابية الائمة في الحياة الاسلامية هي التي جعلت منه المثل الاعلى للثوار الذين قضوا على عثمان وهي التي كانت تتمثل في مختلف العلاقات التي عاشها الائمة مع الامة ((46)) )).
و نـقرا كيف كان الامام موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ يقول لهارون الرشيد:انت امام الاجسام و انا امام القلوب .
و لما اراد عبداللّه بن الحسن ان ياخذ البيعة لابنه محمد, كيف يقول للامام الصادق ـ عليه السلام : (و اعـلم فديتك ا نك اذا اجبتني , لم يتخلف عني احد من اصحابك و لم يختلف علي اثنان من قريش و لا غيرهم ).
ولنلحظ مدى ثقة الامة بقيادة ائمة اهل البيت , نتيجة لما يعيشونه من دورايجابي في حماية الرسالة و مصالح الامة .
و مـثالنا على ذلك المناسبة الشهيرة التي انشد فيها الفرزدق قصيدته في الامام زين العابدين كيف ان هيبة الحكم و جلال السلطان لم يستطع ان يشق لهشام طريقالاستلام الحجر بين الجموع المحتشدة مـن افراد الامة في موسم الحج , بينمااستطاعت زعامة ائمة اهل البيت ان تكهرب تلك الجماهير في لحظة , وهي تحس بمقدم الامام القائد و تشق الطريق بين يديه نحو الحجر.
و كـذلـك الـهـجـوم الـشـعبي الهائل الذي تعرض له قصر المامون نتيجة لاغضابه الامام الرضا ـ عـلـيه السلام ـ, فلم يكن للمامون مناص من الالتجا الى الامام لحمايته من غضب الامة , فقال له الامام : اتـق اللّه في امة محمد, و ما ولا ك من هذاالامر و خصك به فانك ضيعت امور المسلمين و فوضت ذلك الى غيرك يحكم فيها بغيرحكم اللّه عزوجل .
ان كـل هـذه النماذج والمظاهر للزعامة االشعبية التي عاشها ائمة اهل البيت على طول الخط تبرهن على ايجابيتهم و شعور الامة بدورهم الفعال في حماية الرسالة
((47)) .
هذه اربع حقائق موجزة احببت ان اعرضها في هذه المقدمة و ثمة حقائق اخرى ترتبط بمذهب اهل البيت , والائمة المعصومين ـ عليهم السلام ـ و اتباعهم ,يضيق بنا المجال لطرحها.
و صفوة القول : ان خط اهل البيت هو الخط الذي نهجه رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه و آله ـ و طلب من المسلمين التمسك به , فاستجابت له ثلة واعية من خيرة الصحابة الذين زكتهم كتب الفريقين و اقرت نـزاهـتـهـم و ايمانهم و حسن سيرتهم ,مما يعضد التمسك بذلك المذهب الحق , و يبرز دليلا على احقيته و افضليته .
و رب سـائل يسال عن السبب في قلة المتمسكين بمذهب اهل البيت بين المسلمين , فنقول : ان الاهتدا الـيـه كـالاهتدا الى رسالات السما, اذ لم يتيسر لكل احد, و ليست الكثرة مقياسا من منظار القرآن الكريم , بل ان صحة العقيدة , و قوة الدليل والبرهان , و تشخيص الحق , و وعي الحقيقة هي المقاييس التي يعرضهاالقرآن في هذا المجال و ان هناك اسبابا متنوعة لهذه القلة قد تظافرت فادت اليها,و هذا موضوع يحتاج الى دراسة مستقلة مفصلة ليس موضعها هنا.
بـيـد ان الـمـثير للانتباه هو ان التشيع قد انتشر في حواضر كثيرة خلال القرن الثالث , والرابع , والخامس , والسادس على الرغم من الاجوا المشاكسة التي كان يعيشها و اشار مؤلف الكتاب الى هذه الحقيقة كما شهد القرن الثاني اتساع القواعد الشعبية الموالية لاهل البيت , مما ادى الى سقوط الدولة الاموية و مجي العباسيين الذين لم يفلحوا في القضا على الامويين , لولا رفعهم شعار اهل البيت ,الذين كـان يـعرفهم الناس على ا نهم آل محمد من اولاد علي و فاطمة و استغل العباسيون ذلك الشعار, و خـدعـوا الامـة , و انـتـهجوا اساليب ملتوية في الوصول الى الحكم و حسبنا ذلك الشعار دليلا على انـشداد الامة الى اهل البيت لما عرفوه عنهم من نزاهة و كفاة , و ما لمسوه من عطا ثر جاد به ائمة اهل البيت عليهم .
امـا الـتـشيع في ايران , فقد تكفل هذا الكتاب بدراسته دراسة تاريخية مفصلة و قد انجزت تعريبه اسـتجابة لاقتراح الاستاذ الفاضل الدكتور السيد محموداسداللهي , احد اساتذة اللغة العربية بكلية الاداب بجامعة مشهد, ليكون رسالتي في مرحلة الماجستير فاتممته و حصلت على شهادة الماجستير بـتـقـدير امتيازو اني اذ اشكراللّه ـ جل شانه ـ و ادعوه ان يرشدنا لما فيه صلاحنا, يطيب لي ان اقدم جزيل شكري للاستاذ الكريم اسداللهي على اقتراحه هذا الكتاب , و دفاعه المخلص الجاد عند مناقشة الرسالة , و اتمنى له عقبى الدار.
و من الجدير ذكره ان موضوع الكتاب , والشعور بضرورة خدمة المذهب الامامي المظلوم هما اللذان حفزاني على الاستجابة للاقتراح المذكور والايفاض اليه .
و لا يخفى ان الترجمة فن من الفنون التي وجدت لها موقعا متميزا في الميدان العلمي هذا اليوم و هي لاتقل عن التاليف او التصحيح اوالتحقيق , بل ربما هي اصعب من هذه الحقول العلمية المشار اليها, لان نـقـل الفكرة الى لغة اخرى دون الاخلال بمعناها و محتواها يحتاج الى براعة خاصة لا تتيسر لكل احد و هذا النقل مهمة شاقة لا يدركها الا من مارسها, اذ يعنى صب الفكرة في قالب آخر بعداستيعابها و هـضـمـها في اللغة المنقول عنها و لابد للمترجم من مؤهلات تمكنه من مزاولة هذاالعمل العلمي العسير منها:.
ان يـكـون ذا حـصيلة علمية متنوعة , و ان يكون متمكنا من اللغتين , و له قلم ادبي جيد كما يتابع ما يصدر من ترجمات مختلفة .
اود ان اسـجـل في ختام هذه المقدمة بعض الملاحظات حول الكتاب بشكل عام و يتخللها حديث عن الجهود المبذولة في مجال التحقيق ليتبين ان التحقيق قدرافق التعريب في بعض المواطن .
1 ـ موضوع الكتاب موضوع جيد رائع بعامة و لعله بكر من نوعه , اذ عرض دراسة تاريخية مسهبة عن الشيعة والتشيع في ايران لم يعرضها احد بهذا التفصيل الى الان و قد ابدع مؤلفه حقا بما بذله من جهود مشكورة محمودة في البحث والتنقيب , و تتبع المصادر, و عرض المطالب والموضوعات بنحو متسلسل فله من اللّه الاجر, و منا الدعا و له الشكر على ترحيبه بترجمة الكتاب .
2 ـ احـتـوى الـكـتاب على معلومات تاريخية ثمينة منقولة عن مصادر فارسية لم تعرب بعد, و هي جـديـرة بالتامل والمطالعة على سبيل المثال , تحدث المؤلف عن مراسيم عاشورا, و نقل في حديثه مـعلومات عن كتاب ((نقض )) تفيد ان عددا كبيرامن علماالسنة و قضاتهم كانوا يقيمون العزا على سيدالشهدا الامام الحسين ـعليه السلام و هذا يدل على ان اقامة العزا لم تقتصر على الشيعة وحدهم .
3 ـ بـدا الـمـؤلـف دراسـته بالحديث عن ضروب التشيع , فذكر ا نها ثلاثة هي :التشيع السياسي , والعقيدي , والتشيع المتمثل بمودة اهل البيت ـعليهم السلام و يمكن ان نعبر عن الضربين الاخيرين بـالـتـشـيع العقيدي الواعي ,والتشيع العاطفي ثم انتقل المؤلف الى ذكر عدد من البواعث على تغلغل الـتشيع بين الفرس , و تطرق بعد ذلك الى الموالي و نزعاتهم الدينية , و اعداد بعضهم من قبل الائمة الـمعصومين ـ عليهم السلام , و مساهمتهم في ثورة المختار, و نزعة الغلوعند بعض الموالي و في حديثه هذا كله نقاط لافتة للنظر, نطالع فيها نقطتين مهمتين :.
الاولـى : اشـار المؤلف الى ان العرب هم واضعو لبنات التشيع و ليس غيرهم ,و اثبت ذلك بالدليل و هذه حقيقة ذهب اليها كثير من الباحثين المنصفين .
و انما اراد المؤلف ان يدحض الظن القائل بان التشيع فارسي النشاة والهوية ,وهو ما ذهب اليه بعض الدارسين المغفلين او المغرضين علما ان اتهام التشيع بفارسية النشاة والهوية ليس مثلبة للتشيع , لان الفرس قوم كغيرهم من الاقوام ,فيهم الحسن والردي , والصالح والطالح و لهم مناقب و مثالب كسائر الاقوام من عرب , و ترك , و غيرهما.
و لا نـرتاب في ان التشيع عربي النشاة والهوية و هذه حقيقة لا ينكرها الامكابر, غير ا ننا نقول : ان عددا من اقطاب التسنن و ائمته و رجاله كانوا من غيرالعرب , كالفرس , والروم , والترك و ليس فـي هـذا عـيب او نقص , لان المقياس القرآني للتفاضل هو التقوى , لا الانحدار القومي , والانتساب الـعرقي و اذا كان للفرس دور في خدمة الاسلام والمسلمين , فان المسلم العقيدي الواعي يتلقى ذلك بـرحـابـة صدره و يبدو ان هذا التوجه كان طبيعيا في القرون الخالية و انما فطن له ذوو النفوس الـوضيعة في العصور المتاخرة لمرب في انفسهم لا يخفى على اللبيب كنهها و نذكر هنا ان احدا من الشيعة لم ينبز سنيا بهوية مذهبه , و قومية رجاله و عظمائه و حسبنا ان ائمة الشيعة كانوا من سادة العرب و صفوة اهل الحجاز الشريف .
الـثـانـيـة : الـمع المؤلف في حديثه عن الموالي والائمة الاثني عشرـ عليهم السلام ـالى ان معظم اصـحـاب الائمـة كانوا من العرب , و بينهم عدد قليل من الموالي ومصدره في هذا البحث هو كتاب الـشـيخ الطوسي ـ رضوان اللّه عليه و نستخلص من كلامه فيما اذا كان عدد من اصحاب الائمة من الـموالي : ان الانتساب الى المدينة لايدل على الارومة العرقية , اذ ان كثيرا من العرب هاجروا الى ايران , و توطنوا بعض حواضرها و نسبوا انفسهم اليها و هناك ارقام كثيرة مشهورة ذكر فيها لقب فـارسـي واصـحابها من العرب الاقحاح , كابي الفرج الاصفهاني مثلا اذ نسب الى اصفهان ,بينما كان اموي المحتد و امثال ابي الفرج كثيرون .
فاللقب ليس معلما على القومية والهوية بخاصة ان هناك اسبابا جمة دفعت المتلقبين بالالقاب الفارسية الـى اختيارها والجالب للانتباه هنا ان العرب المهاجرين الى الامصار الفارسية لم يروا عيبا و نقصا فـي الانـتـساب الى هذه الامصار و هذا توجه محمود يدل على تحرر من التعصب القومي والعرقي البغيض .
كما ان هناك نقاطا اخرى مفيدة في هذا البحث منها : اثبات نزاهة المختارو صحة عقيدته و مذهبه , و ان مـا نـسـب اليه كان من تخرصات المغرضين وتقولاتهم و منها: ان الموالي كانوا ذوي نزعات مـتـنوعة , و قليل منهم ركن الى التشيع فمنهم السني المتعصب , و منهم الخارجي المتحجر, و منهم الـعـبـاسـي الـمتعنت , و منهم المغالي في عقيدته و ثلة منهم آمنت بالتشيع و هذه حقيقة اجمع عليها الـمـؤرخون و منها : عدم وجود فرقة باسم الكيسانية في التاريخ اعتمادا على كتاب بعنوان مذاهب ابتدعتها السياسة في الاسلام لمؤلفه عبدالواحدالانصاري .

تطرق المؤلف بعد ذلك الى قم و تاسيسها من قبل العرب , و دور العرب في نشر التشيع في ربوعها, و تـاثـيـرها على المدن الاخرى ثم انتقل الى مكيدة العباسيين في استغلال شعار اهل البيت من اجل الـوصول الى الحكم , و انهم لم يفلحوا في القضا على الامويين الا من خلال شعار اهل البيت و واصل حـديثه عن الامصار الشيعية في ايران مضافا الى قم و عرج على بعض الحركات الشيعية التي قامت فـي ايـران , و هـجرة السادة الى ايران و استقرارهم فيها و ذكر بنقطة مهمة تتجسد في ان بعض السادة كانوا منحرفين عن اهل البيت , ناكبين عن صراطهم , وا نهم ليسوا اولي تشيع عقيدي واع ثم انـبـرى الـمـؤلـف الى الحديث عن التشيع في القرن الثالث الهجري و تكلم حول الدولة الطاهرية , والـعلوية بطبرستان ,والصفارية في شرق ايران و خصص كتابا مستقلا للحديث عن التشيع بالري , و قـدالـحـقناه بهذا الكتاب بديلا عن موضوع التشيع بالري و جانا الكتاب متاخرا بعداتمام ترجمة كـتـابـنا هذا, فترجمناه و جعلناه مكان الموضوع المشار اليه بنا على طلب المؤلف الكريم و تحدث المؤلف عن التشيع بسبزوار, ثم تطرق الى الاسماعيلية و اسهب في دراستها و من الخليق بالذكر ا نه من غير الصحيح اضفاطابع التشيع على الاسماعيلية , لان الاسماعيلية ليست فرقة شيعية , بل هي فرقة اسلامية كسائر الفرق و من المستحسن ان تذكر الاسماعيلية مجردة عن هوية التشيع وانتقل الـمـؤلـف بـعـد ذلك الى الكلام عن الدولة البويهية و دور البويهيين في التشيع , و نشاطات الشيعة فـي الـعـصر البويهي و ناقش التشيع في القرن الخامس و تحدث عن السلاجقة و معاداتهم للشيعة ثم انتقل الى التشيع والحواضرالشيعية في القرن الخامس , والسادس و ذكر مراسيم الشيعة و تقاليدهم فـي الـغـديـر,و عـاشـورا, والـجـمـعـة و بـعـد ذلـك تطرق الى التشيع بطبرستان , ثم تشكيل الحكومة الاسماعيلية في ايران و ختم دراسته بالحديث عن الدولة الخوارزمية والنزعة الى التشيع و خـصـص الصفحات الخمسين الاخيرة من كتابه لموضوع التشيع و سقوطبغداد بايدي المغول و يـسـترعي انتباهنا في هذا الفصل براة العالم الكبيرنصيرالدين الطوسي من تهمة تحريضه المغول عـلـى قـتل الحاكم العباسي و كذلك براة الوزيرالشيعي ابن العلقمي من تهمة ممالاة المغول والتعاون معهم سراللانقضاض على الحكم العباسي و حديثه في هذا المجال مدعوم بالدليل والبرهان .
4 ـ يـلاحـظ عـدم الـدقـة فـي نقل بعض المعلومات والنصوص من مصادرهاالاصلية , مما ولد لنا صعوبات ضاعفت من مشقة العمل , و لم تذلل الا بالرجوع الى المصادر المعنية والتدقيق في نصوصها فـلـم اكتف في ترجمة هذاالكتاب بالكتاب نفسه , بل نظرت في مصادره ايضا حيثماتيسرت , حرصا مني على اتقان العمل واحكامه , و حفاظا على مستوى جيد للترجمة .
نقرا في موضوع : تاثير التشيع في قم على المدن الاخرى ان الشيخ الطوسي روى ان امراة من اهالي آبـه ارادت ايصال مبلغ 300 دينار الى ابي القاسم بن روح بينما كان المبلغ في المصدر الذي اشار اليه المؤلف 400 دينار و هناك امثلة اخرى على عدم الدقة اشرت الى بعضها في الهوامش .
5 ـ رجع المؤلف الى نصوص فارسية مترجمة عن العربية , و ليس من الصحيح ترجمتها مرة اخرى الى العربية لتضارب الاسلوبين بل يحسن الرجوع الى الاصل ,لكن قد يكون الرجوع شاقا لان النص الفارسي قد شغل عدة اجزا من الكتب بينما نجد نصه العربي في كتاب واحد و اهم مثال هنا هو كتاب احـسـن التقاسيم للمقدسي فالمؤلف اعتمد على ترجمته الفارسية في حين ان اصله عربي مماحداني عـلـى الرجوع اليه و لم اجد الا نسخة واحدة مطبوعة طبعة حجرية في كلية الالهيات , فنظرت فيها و نقلت النصوص منها مباشرة و قد تطلب مني هذا العمل جهدا كبيرا و وقتا كثيرا.
و هناك ملاحظات اخرى يطول بنا المجال اذا ذكرناها جميعا و منها ماثبتة في بعض هوامش الكتاب .
و في نهاية المطاف اود التذكير ان الدكتور اسداللهي عندما اقترح تعريب هذاالكتاب , فاتحت مجمع الـبـحوث الاسلامية حول طبعه قبل ان يوافق اعضا قسم اللغة العربية على تعريبه كاطروحة في مرحلة الماجستير فلقيت مفاتحتي ترحيبامن لدن السادة المسؤولين في المجمع و يحسن بي ان اقدم جـزيل الشكر والتقديرلسماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ علي اكبر الهي الخراساني رئيس مجمع البحوث الاسلامية على اضطلاعه بمهمة ادارة المجمع , و جهوده المبذولة في هذا المجال .
كـمـا اقـدم بـالـغ الـشكر والثنا للاخ الفاضل محمد رضا مرواريد مساعد رئيس المجمع للبحوث والـدراسات على استجابته المحمودة لاقتراحي طبع الكتاب ,و اختياره عنوان الكتاب فان عنوانه بالفارسية : تاريخ تشيع در ايران از آغاز تا قرن هفتم هجري اما عنوانه العربي الذي عرضه الاخ الـمـذكـور فـهو: الشيعة في ايران ـدراسة تاريخية , منذ البداية حتى القرن السابع الهجري وهو عنوان رائع مناسب .
و لا يـفوتني ان اشكر الاستاذالكريم احمدي بيرجندي على ما تفضل به من توضيح بعض النصوص والاشعار الفارسية المنقولة في هذا الكتاب , و له مني كل تقدير.
و اود ان احـيط القرا الكرام علما انني بعد فراغي من تعريب الكتاب وافاني ملحق او مستدرك على الكتاب الفه الاستاذ جعفريان لمناسبة تعريب الكتاب و قدجا المستدرك المذكور ليسد ما في الكتاب مـن خـلـل او يـزينه باضافات مفيدة و هاهو يلحق في آخر الكتاب مكملا له و هو آية على جهود مـشـكـورة بـذلـها المؤلف المبجل , كما يحمل دلالة على متابعته الصادقة للعمل و تعاونه الجاد في هذاالسبيل فله من اللّه الاجر والثواب , و من القرا حسن الثنا.
هذا الكتاب بين يديك عزيزي القارئ , ان اجدت فيه فذلك ما ارجوه , و ان قصرت فذلك مبلغي من العلم و ما توفيقي الا باللّه عليه توكلت و اليه انيب .
الثامن من صفر1416.
علي هاشم .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ...
الموالي و اعدادهم من قبل الائمة ـ عليهم السلام .
المقال الذي سبب أزمة فى مصر
مناظرة الشيخ المفيد مع أبي القاسم الداركي في حكم ...
الليلة الوحيدة في التأريخ
الحكومة البويهية والتشيع .
تاريخٌ يلازم الناشئة العراقية
ما المقصود بليلة الهرير؟
عید الاضحی المبارك
المحاولات اليهودية لعرقلة انتشار الإسلام

 
user comment