عربي
Friday 19th of April 2024
0
نفر 0

حجزة الله

سببٌ رحمانيّ إنّ الله تبارك وتعالى خَلَق عباده من رحمته لرحمته، فجعل لهم وجوداً مكرَّماً، ووهبهم العقل وصاغهم في أحسن تقويم، وأكرمهم بأن بعث إليهم أنبياءه ورسله وأوصياءهم عليهم السلام، وأتحفهم بكتبه وشرائعه الهادية إلى الرشاد والفلاح والفوز، والمنجية من الفساد والخسران والهلاك. وإضافةً إلى كلّ ذلك، خلق لهم سبباً رح
حجزة الله


سببٌ رحمانيّ

إنّ الله تبارك وتعالى خَلَق عباده من رحمته لرحمته، فجعل لهم وجوداً مكرَّماً، ووهبهم العقل وصاغهم في أحسن تقويم، وأكرمهم بأن بعث إليهم أنبياءه ورسله وأوصياءهم عليهم السلام، وأتحفهم بكتبه وشرائعه الهادية إلى الرشاد والفلاح والفوز، والمنجية من الفساد والخسران والهلاك.
وإضافةً إلى كلّ ذلك، خلق لهم سبباً رحمانيّاً خاصّاً، وهو التمسّك بولاية محمّدٍ وآل محمّد صلواته عليه وعليهم، تمسّكاً ينمّ عن الولاء والمحبّة، وعن الإقرار والاتّباع.. وتلك هي الحُجْزة التي وردت في أحاديث شريفةٍ عديدة.. نحاول أن نتقصّاها في معانيها اللفظيّة والمعنويّة.

 
في اللغة

الحُجْزة: موضعُ شدّ الإزار من الوسط، يُقال: أخذ بُحجْزته: أي التَجَأ إليه واستعان به. ( المعجم الوسيط 158:1 ـ مادّة حَجَزَ ). وكتب فخر الدين الطريحي: في حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله: « خُذوا بحُجزةِ هذا الأنزع » يعني عليّاً عليه السلام « فإنّه الصدّيقُ الأكبر، والفاروقُ يفرّق بين الحقّ والباطل. الحُجْزة: مَعتقِدُ الإزار، ثمّ قيل: للإزار حُجْزة؛ للمجاورة. والجمع حُجَز، مثل: غُرفة وغُرَف. وقد استُعير الأخذُ بالحُجْزة للتمسّك والاعتصام، يعني: تمسّكوا واعتصموا به. ومثلُه: « رَحِمَ اللهُ عبداً أخَذَ بحُجزة هادٍ فنجا » ( نهج البلاغة.. وفيه: « رَحِم اللهُ امرأً سَمِع حُكماً فوعى، ودُعيَ إلى رشادٍ فدنا، وأخَذَ بحُجْزة هادٍ فنجا »: الخطبة 76 ). استعار [ أي أمير المؤمنين عليه السلام ] لفظة الحُجزة لهُدى الهادي ولزوم قصده والاقتداء به.. وفي الخبر « إنّ الرَّحِمَ قد أخَذَت بحُجْزة الرحمان » أي اعتصَمَت به والتجأت إليه مستجيرةً. ( مجمع البحرين 14:4 ـ مادّة حَجَزَ ).

 
في الرواية

• روى الشيخ الصدوق بسنده إلى محمّد بن بِشر الهَمْداني قال: سمعتُ محمّد بن الحنفيّة يقول: حدّثني أمير المؤمنين عليه السلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله يومَ القيامة آخِذٌ بحُجْزة الله، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا، وشيعتُنا آخذون بحجزتنا. فقلت: يا أمير المؤمنين، وما الحجزة ؟ قال: « اللهُ أعظم مِن أن يُوصَف بالحجزة أو غيرِ ذلك، ولكنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله آخِذٌ بأمر الله، ونحن ـ آلَ محمّدٍ ـ آخِذون بأمرنا ». وبسنده إلى الحسن بن عليّ الخزّاز، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله يومَ القيامة آخِذٌ بحُجزة الله، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا، وشيعتُنا آخذون بحجزتنا »، ثمّ قال: « والحجزة النور ». وبسنده أيضاً إلى عمّار بن أبي اليقظان، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: « يَجيء رسول الله صلّى الله عليه وآله آخِذاً بحُجزةِ ربّه، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا، وشيعتُنا آخذون بحجزتنا، فنحن وشيعتُنا حزب الله، وحزب الله همُ الغالبون. واللهِ ما نَزعم أنّها حُجزة الإزار، ولكنّها أعظمُ من ذلك، يجيء رسول الله صلّى الله عليه وآله آخِذاً بِدِين الله، ونجيء نحن آخذين بِدِين نبيّنا، وتجيء شيعتُنا آخذين بِدِيننا ». وقد رُويَ عن الصادق عليه السلام: « الصلاةُ حًُجزةُ الله؛ وذلك أنّها تحجز المصلّي عن المعاصي ما دام في صلاته، قال الله عزّوجلّ: إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفَحشاءِ والمُنكَر ( التوحيد للشيخ الصدوق:165 ـ 166 / ح 1 ـ 4. والآية في سورة العنكبوت:45. ومن معاني الحُجزة: الناحية يمتنع بها المرء ويلتجئ إليها.
وقد أورد مِثلَ هذه الأحاديث أيضاً: الشيخ الصدوق في: معاني الأخبار:16 / ح 9، وعيون أخبار الرضا عليه السلام 126:1 / ح 20 ).

 
بشائر

• أوّلها قول رسول الله صلّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام: « يا عليّ، إذا كان يومُ القيامة أخذتُ بحُجزة الله عزّوجلّ، وأخذتَ أنت بحجزتي، وأخَذَ وُلدُك بحجزتك، وأخذ شيعةُ وُلدِك بحجزتهم، فترى أين يُؤمَر بنا ؟! » ( بشارة المصطفى لشيعة المرتضى لأبي جعفر محمّد بن أبي القاسم الطبري ـ من علماء الإماميّة في القرن السادس الهجري:136 ـ عنه: بحار الأنوار للشيخ المجلسي 134:68 / ح 69 ).
ثمّ معظمها بعد ذلك ورد عن الإمام أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام، قال:
ـ « أما تَرضَون أن تكونوا يومَ القيامة آخِذِين بحجزتنا، ونحن آخذون بحُجزة نبيِّنا، ونبيُّنا آخِذٌ بحجزة ربّه ؟! » ( بصائر الدرجات للصفّار القمّي:161 / ح 33 ـ من الجزء الثالث، الباب 14 ـ وعنه: بحار الأنوار 49:26 / ح 92 ).
ـ « إذا كان يومُ القيامة جِئنا آخِذين بحُجْزة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وجئتم آخِذين بحجزتنا، فأين يُذهَب بنا وبكم ؟! إلى الجنّةِ والله » ( قُرب الإسناد للحِمْيرَي عبدالله بن جعفر:38 / ح 121 ).
ـ وعن أبي بصير قال: قال أبو عبدالله ( الصادق ) عليه السلام: « إذا كان يومُ القيامة أخَذَ رسول الله صلّى الله عليه وآله بحُجزة ربّه، وأخذ عليٌّ عليه السلام بحجزة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأخَذْنا بحجزة عليٍّ عليه السلام، وأخذ شيعتُنا بحجزتنا، فأين تَرَون يُورِدُنا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله ؟! »، قال أبوبصير: قلت: إلى الجنّة. ( المحاسن للبرقي:182 / ح 180 ـ الباب 44 من: كتاب الصفوة والنور والرحمة ).
• وروى عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره عن أبي عبدالله بن جُندَب قال: كتبتُ إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن تفسير قوله تعالى: اَللهُ نورُ السماواتِ والأرض... [ سورة النور:35 ]، فكتب إليّ الجواب:
أمّا بعد، فإنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله كان أمينَ الله في خَلقه، فلمَّا قُبض النبيّ صلّى الله عليه وآله كنّا ـ أهلَ البيت ـ ورثتَه، فنحن أُمناء الله في أرضه، عندنا علمُ المنايا والبلايا،... نحن آخذون بحجزة نبيّنا، ونبيُّنا آخذٌ بحجزة ربّنا ـ والحجزةُ النور ـ، وشيعتُنا آخذون بحجزتنا، مَن فارَقَنا هلك، ومَن تَبِعَنا نجا، ومُفارِقُنا والجاحد لولايتنا كافر، ومُتّبِعُنا وتابعُ أوليائنا مؤمن.. » ( تفسير القمّي 104:2 ـ 105 / في ظلّ الآية المباركة ـ عنه: بحار الأنوار 241:26 ـ 242 / ح 5 ـ باب جوامع مناقبهم وفضائلهم عليهم السلام ).

 
والنجاة أيضاً بشروطها

• عن يحيى بن زكريّا أخي دارم قال: قال أبو عبدالله ( الصادق ) عليه السلام: « كان أبي يقول: إنّ شيعتنا آخذون بحجزتنا، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا، ونبيّنا آخذٌُ بحجزة الله » ( المحاسن:182 / ح 79 ـ الباب 44 ).
• وقال الإمام الصادق عليه السلام: « واللهِ لَنَشفَعَنّ، واللهِ لَنَشفعنّ، واللهِ لَنَشفعنَّ حتّى يقولَ عدوُّنا: فما لنا من شافعين، ولا صديقٍ حميم! إنّ شيعتنا يأخذون بحجزتنا، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا، ونبيّنا آخذٌ بحجزة الله » ( بحار الأنوار 122:27 / ح 108 ـ عن: إعلام الدين في صفات المؤمنين للحسن بن أبي الحسن الديلمي:449 ).
• وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: « أما تَرضَون إن لو كانت فَزْعةٌ من السماء فَزِع كلُّ قومٍ إلى مأمنهم، وفَزِعنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفزعتم إلينا » ( تفسير فرات الكوفي:165 ).
• وعنه سلام الله عليه قال: « كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: إنّ أحقّ الناس بالورع والاجتهاد فيما يحبّ الله ويرضى: الأوصياءُ وأتباعهم. أما تَرضَون أنّه لو كانت فَزْعةٌ من السماء فَزِع كلُّ قومٍ إلى مأمنهم، وفزعتم إلينا، وفزعنا إلى نبيّنا. إنّ نبيّنا آخذٌ بحجزة ربّه، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا، وشيعتنا آخذون بحجزتِنا » ( المحاسن:182 ـ 183 / ح 181 ـ الباب 44، عنه: بحار الأنوار 30:68 / ح 62 ).

 
إذن

لا تكون النجاة إلاّ بالأخذ بحجزة أئمّة بيت الوحي والرسالة صلوات الله عليهم، لأنّهم الآخذون بحجزة أقرب الخَلق وأحبّه وأعزّه إلى الله عزّوجلّ، وهو صلّى الله عليه وآله الآخذ بحجزة الله تبارك وتعالى، فما ظنّ المؤمن بمَن أخذ بحجزة ربّه جلّ وعلا ؟!
نعم، وقد قال الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله المجيد: واعتَصِمُوا بِحبلِ اللهِ جميعاً ولا تَفَرَّقوا [ سورة آل عمران:103 ]، وقد وردت الروايات أنّ حبل الله تعالى هو محمّدٌ وآل محمّد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم، أو هو التوحيد وولايتهم، ولا تعارضَ بين المعنيَين. فالاجتماع على ولايتهم: بالاعتقاد بإمامتهم، والأخذ عنهم، والتمسّك بهم، والاتَّباع لهم.. يكون الاعتصام بهم والأخذ بحجزتهم، حين ذاك تكون النجاة ويكون الفوز والفلاح والرضوان والنعيم.
• رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: « إذا كان يومُ القيامة نادى مُنادٍ من بِطنان العرش: أين خليفة الله في أرضه ؟ فيقوم داود النبيّ عليه السلام، فيأتي النداء مِن عند الله تعالى: لسنا إيّاك أرَدْنا وإن كنتَ لله خليفة. ثمّ ينادي منادٍ ثانيةً: أين خليفة الله في أرضه ؟ فيقوم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، فيأتي النداء مِن قِبل الله عزّوجلّ: يا معشرَ الخلائق، هذا عليّ بن أبي طالبٍ خليفةُ الله في أرضه، وحُجّته على عباده، فمَن تعلّق بحبله في دار الدنيا فَلْيتَعَلّق بحبلهِ في هذا اليوم، وليستضئْ بنوره، وليتّبِعْه إلى الدرجات العُلى من الجِنان.
قال: فيقوم ناسٌ قد تعلّقوا بحبلهِ في الدنيا، فيتّبِعونه إلى الجنّة. ثمّ يأتي النداء: ألا مَنِ ائْتمّ بإمامٍ في دار الدنيا فَلْيتبِعْه إلى حيث يذهب به. فحينئذٍ يَتَبرّأُ الذينَ اتُّبِعُوا مِنَ الذينَ اتّبَعُوا، ورأوُا العذابَ وتقطّعَتْ بِهِمُ الأسبابُ * وقالَ الذينَ اتَّبَعُوا لو أنّ لنا كَرّةً فَنَتبرّأَ مِنهُم كما تَبرَّؤوا مِنّا، كذلكَ يُريِهِمُ اللهُ أعمالَهم حَسَراتٍ عليهم وما هُم بِخارجِينَ مِن النار » ( المحتَضَر للحسن بن سليمان الحلّي:149 ـ 150 / ح 160 ).

 
وخاتمة المقال

دعاءٌ زاكٍ شريف، دعانا إليه إمام عصرنا وزماننا في ( الندبة المقدّسة )، وفيه قوله عليه السلام: « وآجعَلْنا مِمَّن يأخُذُ بِحُجْزتِهِم، ويَمكُثُ في ظِلِّهم » ( مصباح الزائر للسيّد ابن طاووس:230، المزار الكبير للمشهدي:190، تحفة الزائر للشيخ المجلسي:342 ).


source : alhassanain
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

العدل الالهي
التوحيد و مراتبه و ابعاده
بَابُ اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ فِي تَعَلُّقِ ...
تَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِ حُبِّ الْعِبَادَةِ وَ ...
عقائد الشيعة اصولاً وفروعاً
آية الوضوء آية محكمة
ُ ثُبُوتِ الْكُفْرِ وَ الِارْتِدَادِ بِجُحُودِ ...
البحث عن الدين
العدل
المعاد

 
user comment