القران الکریم :يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ‏

يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‌ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ‌ «1».
ولما كان الوصول إلى الكمال المطلق يستوجب طى مراتب الطريق نحو الكمال وبلوغ مراتب الكمال العليا لا يتأتى إلا بعد اجتياز مراتب كمال الدنيا، ذلك إن نظام الوجود لا يسمح إلا بطوى الطريق مرحلة طى المراتب فى السير الصعودى والنزولى أمر ضرورى ولازم.
وإذن فأن من يريد بلوغ المراتب العليا ويصل إلى نقطة الأوج فى الكمال المطلق والجمال عليه أن يسلك المرحلة الأولى وهى الإقتداء بالنبوّة المحمدية التى هى أول مظهر وجودى للكمال المطلق، وهذه المرحلة تستلزم بالضرورة مرحلة الاقتداء بالولاية العلوية، ذلك أن صاحب الولاية العلوية هو باب مدينة علم‌
______________________________
 (1) سورة الانشقاق: الآية 6.

اهل البيت (ع) ملائكه الارض للعلامة الشیخ حسین انصاریان ، ص: 188

النبى (ص): «أنا مدينة العلم وعلى بابها» «1».
فبدون التمسك بالولاية العلوية ومن دون الانتهال من فيض المعرفة لهذه الولاية لا يمكن الوصول إلى حقيقة الكمال المطلق.
ومن يزعم ان بإمكانه الوصول إلى النبى من غير طريق على، ومن النبى إلى الله عز وجل أن هكذا زعم هو زعم شيطانى وباطل ومطلب لا يمكن تحقيقه، وبكلمة واحدة، أنه مستحيل.
وإذن فمن هام بالكمال المطلق وأراد بلوغ هذا الكمال عليه أن يبدأ سفره الروحى والسلوكى من هذه النقطة وفى هذا الاتجاه عليه أن يقشع ما تراكم من ظلمات الفكر والقلب فى باطنه بنور أهل البيت الساطع وان يقتدى بالنبى (ص) وآله، ومن ثم يتجه إلى العبادة ويقوم بأعمال الخير وخدمة أبناء نوعه الإنسانى، ذلك انه من دون ولاية أهل البيت (ع)، ومن دون الاقتداء بهم لا يمكن لأى كان أن يبلغ النبى (ص)، ولا يمكنه أن يبلغ مرتبة لقاء المحبوب وستكون أعماله هباءً منثورا.
قال رسول الله (ص) فى حق أمير المؤمنين على (ع):
 «من سرّه أن يلقى الله عز وجلّ آمناً مطهراً لا يحزنه الفزع الأكبر فاليتولك وليتولّ أبنيك الحسن والحسين وعلى بن الحسين ومحمد بن على وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلى بن موسى ومحمداً وعلياً والحسن ثم المهدى وهو خاتمهم» «2».
وفى حديث آخر للنبى (ص) وهو فى غاية الأهمية جاء فيه:
 «ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم فرحوا واستبشروا،
______________________________
 (1) الأمالى، للصدوق: 343، المجلس 55، ح 1، الإرشاد للمفيد: 1/ 33، إرشاد القلوب: 2/ 212، الخصال: 2/ 574، ح 1، عيون أخبار الرضا: 2/ 66، باب 31، ح 298، وسائل الشيعة: 27/ 34، باب 5، ح 33146، بحار الأنوار: 40/ 201، باب 94، ح 4.
 (2) الغيبة للطوسى: 136، المناقب، 1/ 293، بحار الأنوار: 36/ 258، باب 41، ح 77.

اهل البيت (ع) ملائكه الارض للعلامة الشیخ حسین انصاریان، ص: 189

وإذا ذكر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم؟! والذى نفس محمد بيده، لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبياً، ما قبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتى وولاية أهل بيتى» «1».
ويقول الإمام على الهادى (ع) فى الزيارة الجامعة الكبيرة:
 «وأشرقت الأرض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم، بكم يسلك إلى الرضوان وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن».
على هذا فإن الهائم الذى يروم الوصول إلى الكمال المطلق ويسعى إلى ذلك عليه فى المرحلة الأولى أن يقتدى بأهل البيت (ع)، وذلك بعد معرفتهم؛ لأنه لا اقتداء حقيقى من دون معرفة بالقدوة، ومن خلال الاقتداء الحقيقى يبلغ المرء الكمال المطلق ويتحقق اللقاء بالمحبوب، يقول القرآن الكريم:
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ‌ «2».
فإن كنت ممن هاموا بالكمال المطلق وكان الكمال المطلق محبوبك فعليك أن تقتدى بالنبى (ص) وهو الفيض المقدس ونور السماوات والأرض والكمال الإطلاقى ومظهر الاسم الأعظم وحينئذ تصبح محبوباً عند الله.
وإذن فإن فى جذور المودّة لأهل البيت (ع) يكمن حب الكمال المطلق فكل من يبحث عن الكمال المطلق بفطرته وأراد بلوغه وسعى لذلك السعى المطلوب فإنه سوف يدرك أن عليه أن يبلغ بعض المراحل من هذا الكمال إلى أن يبلغ أوج الكمال.
فإذا كان الإسلام هو شريعة محبوبة فلأن ذلك طريق إليه، وإذا كانت الفضائل والمكارم الأخلاقية محبوبة فلأن ذلك طريق إليه، وإذا
______________________________
 (1) الأمالى للطوسى: 140، المجلس 5، ح 229؛ كشف الغمة: 1/ 384، بحار الأنوار: 27/ 172، باب 7، ح 15.
 (2) سورة آل عمران: الآية 31.

اهل البيت (ع) ملائكه الارض للعلامة الشیخ حسین انصاریان، ص: 190

كان أهل البيت (ع) محبوبين فلأنهم بلغوا أعلى المراتب فى الوصال بين الإنسان والحق، ولهذا قال الإمام الهادى (ع) فى الزيارة الجامعة الكبيرة:
 «نحن الصراط المستقيم» «1».
وأهل البيت (ع) ليسوا طريقاً فحسب وليسوا الكمال العالى حد الكمال الإطلاقى، بل أنهم حبل الله الممدود بين السماء وبين حدود الأرض ومن خلال التمسُّك بهم يمكن الاتصال بالكمال المطلق والارتقاء.
إنهم ممتدون من مقام الفيض المنبسط والفيض الأقدس، يعنى أنهم المظهر الأول، وهو الحقيقة المحمدية التى تمتد الى حدود الأرض:
أَ لَمْ تَرَ إِلى‌ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ‌ «2».
إنّهم الحبل الذين يربط السماء بالأرض من أجل أن يتعلّق به كل من أراد بلوغ الكمال، وكل من يعشق الكمال ويريد بلوغ القرب الإلهى:
وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ «3».
فهم (ع) الوسيلة لنيل الرضوان الإلهى الذى من أوصافه الظل الممدود، إن طاعة أهل البيت (ع) هى الطريق الموصل إلى نيل النعم الإلهية المادية والمعنوية، أجل أنهم الوسيلة إلى الله عزّ وجلّ، وهم حبل الله المتين الذى يربط الأرض بالسماء، والذى يمتد من مكنون‌
______________________________
 (1) معانى الأخبار: 35، باب معنى الصراط، ح 5، تفسير الصافى: 1/ 54، بحار الأنوار: 24/ 12، باب 24، ح 5.
 (2) معانى الأخبار: 35، باب معنى الصراط: ح 5، تفسير الصافى: 1/ 54، بحار الأنوار: 24/ 12، باب 24، ح 5.

 (3) سورة الفرقان: الآية 45.
اهل البيت (ع) ملائكه الارض للعلامة الشیخ حسین انصاریان، ص: 191

الذات إلى الظل إلى مدّ الظل إلى النور إلى العقل، إلى المثال و الوهم إلى المادة والجسم والى التراب، والذى يمتد إلى السماوات السبع والأرضين السبع.
وإذن فإنَّ كل من أراد بلوغ غايات الكمال المطلق والوصول إلى مكنون الذات، فإن عليه أن يتعلق بهذه الوسيلة ويمسك بهذا الحبل ويتعلق به إلى أن يصل المكان والمقام الذى يستحق.
ولا ريب فى أن كل من يريد الوصول إلى المحبوب وهو الكمال المطلق ويسعى إلى تحصيل الكمالات المعرفية والوجودية ليكون عين الله ويد الله وسمع الله ووجه الله ونور الله وسائر الحقائق الأخرى، وليصبح إنساناً كاملًا محبوباً من الله عز وجل يتوجب عليه أن يجتاز هذه الحقائق والمقامات الطولية الممتدة من تخوم الأرض إلى عنان السماء وهذه الوسيلة هم أهل البيت (ع).

اهل البيت (ع) ملائكه الارض للعلامة الشیخ حسین انصاریان، ص: 193