عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

سخافات و خرافات

سخافات و خرافات

ذكر كاتب رسالة «حسن الإيجاز» «1» في رسالته هذه أنه يمكن معارضة القرآن بمثله، و ذكر جملا اقتبسها من نفس القرآن، و حوّر بعض ألفاظها و زعم أنه يعارض بها القرآن، فأظهر مبلغه من العلم، و مقدار معرفته بفنون البلاغة و هنا نذكر للقارى ء تلك العبارات، و نوضح له وجوه الفساد في المعارضة الوهمية و قد تعرضنا لها في
__________________________________________________
 (1) كتيب صدر من المطبعة الانكليزية الأمريكية ببولاق مصر سنة 1912.


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 96

كتابنا «نفحات الإعجاز» «1».
ذكر هذا المتوهم في معارضة سورة الفاتحة قوله: «الحمد للرحمن رب الأكوان، الملك الديان، لك العبادة، و بك المستعان، اهدنا صراط الإيمان» و تخيل أن قوله هذا واف بجميع معاني سورة الفاتحة، مع أنه أخصر منها.
و لست أدري ما ذا أقول لكاتب هذه الجمل، و هو بهذا المقدار من التمييز بين غث الكلام و سمينه؟! و ليته عرض قوله هذا على علماء النصارى العارفين منهم بأساليب الكلام، و فنون البلاغة قبل أن يفضح نفسه بهذه الدعوى، أو لم يشعر بأن المألوف في معارضة كلام بمثله، أن يأتي الشاعر أو الكاتب بكلام يتحد مع الكلام المعارض في جهة من الجهات أو غرض من الأغراض، و لكنّه يأتي بكلام مستقل في ألفاظه و تركيبه و أسلوبه؟ و ليس معنى المعارضة أن يقلد الكلام المعارض في تركيبه و أسلوبه، و يتصرف فيه بتبديل بعض ألفاظه ببعض، و إلا لأمكنت معارضة كل كلام بهذا النحو من المعارضة. و قد كان أيسر شى ء لمعاصري النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من العرب، و لكنهم لمعرفتهم بمعنى المعارضة الصحيحة و معرفتهم بوجوه البلاغة في القرآن لم تمكنهم المعارضة، و اعترفوا بالعجز فآمن به من آمن منهم و جحد به من جحد:
فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ «74: 24».
على أنه كيف تصح المقايسة بين جمله هذه التي أتعب بها نفسه، و بين فاتحة الكتاب حتى يتوهم أنها وافية بمعناها؟ أو لم يكف هذا الكاتب جهله بفنون البلاغة حتى دل الناس على عيوبه بالجهر بها؟!! و كيف تصح المقايسة بين قوله «الحمد
__________________________________________________


 (1) كتبناه ردا على «حسن الإيجاز» طبع في المطبعة العلوية في النجف الأشرف سنة 1342. (المؤلف)


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 97


للرحمن» مع قول اللّه تعالى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ «1: 2».
و قد فوّت بجملته هذه المعنى المقصود من قول اللّه تعالى. فإن كلمة «اللّه» علم للذات المقدسة الجامعة لجميع صفات الكمال، و من صفات الكمال الرحمة التي أشار إليها في البسملة، فذكر كلمة «الرّحمن» يوجب فوت الدلالة على بقية جهات الكمال المجتمعة في الذات المقدسة، و التي يستوجب بها الحمد من غير ناحية الرحمة. و كذلك استبدال قوله: «ربّ الأكوان» بقوله تعالى:
رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «1: 3».
فإن فيه تفويتا لمعنى هاتين الآيتين، فإن فيهما دلالة على تعدد العوالم الطولية و العرضية، و أنه تعالى مالك لجميعها و مربيها، و أن رحمته تشمل جميع هذه العوالم على نحو مستمر غير منقطع، كما يدل عليه ذكر لفظ «الرّحيم» بعد لفظ «الرّحمن».
و سنوضح ذلك في تفسير البسملة.
و أين من هذه المعاني قول هذا القائل: «رب الأكوان؟» فإن الكون معناه الحدوث و الوقوع و الصيرورة و الكفالة «1» و هو بجميع هذه المعاني معنى مصدري لا يصح إضافة كلمة الرب اليه و هي بمعنى المالك المربي. نعم يصح إضافة كلمة الخالق اليه. فيقال: خالق الأكوان. على أن لفظ الأكوان لا يدل على تعدد عوالم الموجودات الذي يدل عليه لفظ العالمين، و لا على سائر الجهات التي تدل عليها الآية الكريمة.
و كذلك استبداله جملة «الملك الديّان» بقول اللّه تعالى:
__________________________________________________


 (1) راجع لسان العرب مادة «كون».


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 98


مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ «1: 4».
مع أن جملته تلك لا تدل على وجود عالم آخر لجزاء الأعمال، و أن اللّه تعالى هو مالك ذلك اليوم، و ليس فيه لأحد تصرف و لا اختيار، و أن الناس كلهم في ذلك اليوم تحت حكم اللّه تعالى ينفذ فيهم أمره، فبعضهم إلى الجنة و بعضهم إلى النار. و غاية ما تدل عليه جملته تلك أن اللّه ملك يجازي بالأعمال، و أين هذا من معنى الآية الكريمة؟! أما قوله تعالى:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ «1: 5».
فقد فهم هذا الكاتب من معناه أن العبادة لا بد من أن تكون للّه، و أن الاستعانة لا تكون إلا به تعالى، فأبد لها بقوله: «لك العبادة، و بك المستعان» و قد فاته أن المقصود بالآية تلقين المؤمن أن يظهر توحيده في العبادة، و حاجته و افتقاره إلى إعانة اللّه عز و جل في عباداته و سائر أعماله، و أن يعترف بأنه و جميع المؤمنين لا يعبدون غير اللّه، و لا يستعينون بأحد سوى اللّه، بل يعبدونه وحده و يستعينون به. و أين هذا من عبارة هذا الكاتب على أنها ليست أخصر من الآية المباركة؟!! و قوله تعالى:
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ «1: 6».
أراد به طلب الهداية إلى أقرب طريق يوصل سالكه إلى مقاصده، من أعماله و ملكاته و عقائده، و لم يحصره بطريق الإيمان فقط، و هذا لا يفي به قول الكاتب:
 «اهدنا صراط الإيمان». على أن معنى هذه الجملة طلب الهداية إلى طريق الإيمان، و لا دلالة فيها على أن ذلك الطريق مستقيم لا يضلّ سالكه.
و قد استغنى الكاتب بجملته هذه عن بقية السورة المباركة، و زعم أن هذه البقية

                       البيان في تفسير القرآن، ص: 99


 غير محتاج إليها، و هذا يدل على قصوره عن فهم معناها. فإن قوله تعالى:
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ «1: 7».
فيه دلالة على وجود طريق مستقيم سلكه الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين، و وجود طرق اخرى غير مستقيمة سلكها المغضوب عليهم، من المعاندين للحق، و المنكرين له بعد وضوحه، و الضالون الذين ضلوا طريق الهدى بجهلهم، و تقصير هم في الفحص عنه، و في اقتناعهم بما ورثوه من آثار آبائهم، فاتبعوهم تقليدا على غير هدى من اللّه و لا برهان. و القارئ المتدبر لهذه الآية الكريمة يتذكر ذلك فيحضر في ذهنه لزوم التأسي بأولياء اللّه المقربين في أعمالهم، و أخلاقهم و عقائدهم، و التجنب عن مسالك هؤلاء المتمردين الذين غضب اللّه عليهم بما فعلوا، و الذين ضلوا طريق الحق بعد اتضاحه، و هل يعد هذا المعنى من الأمور التي لا يهتم بها كما يتوهمه هذا الكاتب؟!!.
و ذكر في معارضة سورة الكوثر: قوله: «إنّا أعطيناك الجواهر فصل لربك و جاهر، و لا تعتمد قول ساحر» انظر كيف يقلد القرآن في نظمه و تركيبه و يغير بعض ألفاظه، و يوهم الناس أنه يعارض القرآن ثم انظر كيف يسرق قوله هذا من مسيلمة الكذاب الذي يقول: «إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك و هاجر، و إن مبغضك رجل كافر». و من الغريب أنه توهم أن المشابهة في السجع بين الكلامين تقتضي مشاركتهما في البلاغة، و لم يلتفت إلى أن إعطاء الجواهر لا تترتب عليه إقامة الصلاة و المجاهرة بها. و أن للّه على عبده نعما عظيمة هي أشرف و أعظم من نعمة المال، كنعمة الحياة و العقل و الإيمان، فكيف يكون السبب الموجب للصلاة للّه هو إعطاء المال دون تلك النعم العظيمة؟! و لكن الذي يستأجر بالمال للتبشير يكون                        البيان في تفسير القرآن، ص: 100
 المال قبلته التي يصلّي إليها، و هدفه الذي يسعى إلى تحصيله، و غايته التي يقدّمها على كل غاية «و كل إناء بالذي فيه ينضح».
و لسائل أن يسأل هذا الكاتب عن معنى كلمة «الجواهر» التي جاء بها معرّفة بالألف و اللام، فإن أراد بها جواهر معينة فليست في اللفظ قرينة تعين هذه الجواهر المقصودة، و إن أراد بها جميع الجواهر الموجودة في العالم من حيث أن الجمع المعرف بالألف و اللام يدل على الاستغراق فهو كذب صريح. و ما هو وجه المناسبة بين الجملتين السابقتين و بين قوله: «و لا تعتمد قول ساحر». و ما هو المراد من لفظ ساحر، و من قوله الذي لا يعتمد عليه؟ فإن أراد به ساحرا معينا، و قولا مخصوصا من أقواله، كان عليه أن ينصب قرينة على هذا التعيين. و ليس في جملته هذه ما يصلح للدلالة عليه، و إن أراد به كل قول لكل ساحر لأنهما نكرتان في سياق النهي لزم اللغو في هذا الكلام، لأنه لا يوجد سبب معقول لعدم الاعتماد على قول كل ساحر، و لو كان هذا القول في الأمور الاعتيادية مع الاطمئنان بقوله. و إن أراد أن لا يعتمد قول الساحر بما هو ساحر فهو غلط، لأن الساحر من حيث هو ساحر لا قول له، و إنما يسحر الناس و يفسد عليهم حالهم بحيله و أعماله.
و أما سورة الكوثر فقد نزلت في من شنأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: إنه أبتر و سيموت و ينقطع دينه و اسمه، و قد أشار إلى ذلك بقوله تعالى:
أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ «52: 30».
فأنزل اللّه تبارك و تعالى:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ «108: 1».
و هو الخير الكثير من جميع الجهات. أما في الدنيا فشرف الرسالة، و هداية الخلق       

                 البيان في تفسير القرآن، ص: 101


 و زعامة المسلمين، و كثرة الأنصار، و النصر على الأعداء و كثرة الذرية- من بضعته الصديقة الطاهرة- التي توجب بقاء اسمه ما دامت الدنيا باقية. و أما في الآخرة فالشفاعة الكبرى، و الجنان العالية، و الحوض الذي لا يشرب منه إلا هو و أولياؤه الى ما سوى ذلك من نعم اللّه عليه.
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ «108: 2».
شكرا له على هذه النعم، و المراد بالنحر: النحر بمنى، أو نحر الأضحية في الأضحى، أو رفع اليدين إلى النحر في تكبير الصلاة، أو استقبال القبلة بالنحر، و الاعتدال في القيام، و جميع ذلك يناسب المقام لأنه نحو من الشكر لتلك النعم. و قد أنزل اللّه سبحانه:
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ «108: 3».
فلا يبقى له اسم و لا رسم، فكانت العاقبة لهؤلاء الشانئين ما أخبر اللّه عنهم، فلم يبق لهم اسم و لا ذكر خير في الدنيا زيادة على جزائهم في الآخرة من العذاب الأليم، و الخزي الدائم. و هل تقاس هذه السورة المباركة في معانيها السامية، و بلاغتها الكاملة بتلك الجمل الساقطة التي أجهد هذا الكاتب بها نفسه فقلّد القرآن في نحو تركيبه، و أخذ من مسيلمة الكذاب ألفاظها و أسلوبها، و أتى بها كما شاء له العناد، بل كما شاء له الجهل الفاحش ليعارض بها عظمة القرآن في بلاغته و إعجازه؟!                        البيان في تفسير القرآن، ص: 103

حول سائر المعجزات


                        البيان في تفسير القرآن، ص: 104


إثبات المعجزات بالبراهين المنطقية.
محاسبة المدارك التي استند إليها منكرو تلك المعجزات.
بشارة التوراة و الإنجيل بنبوة محمد.
إسلام كثير من اليهود و النصارى.
الدليل القطعي على إثبات هذه البشارة.
معجزات النبي أولى بالتصديق من معجزات الأنبياء السابقين.               


         البيان في تفسير القرآن، ص: 105


source : دارالعرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الفرق بين علوم القرآن والتفسير
وتسلّط‌ ارباب‌ السوء
اليقين والقناعة والصبر والشکر
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
أقوال أهل البيت عليهم السلام في شهر رمضان
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام

 
user comment