عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

أسباب وضوابط اختلاف المفسرين

الاختلاف لغة ضد الاتفاق والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله . ولقد ذكر بعض العلماء فروقا بين الاختلاف والخلاف ؛ منها أن الخلاف أعم من الضد لأن كل ضدين مختلفين ، وليس كل مختلفين ضدين .
أسباب وضوابط اختلاف المفسرين


الاختلاف لغة ضد الاتفاق والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله .
ولقد ذكر بعض العلماء فروقا بين الاختلاف والخلاف ؛ منها أن الخلاف أعم من الضد لأن كل ضدين مختلفين ، وليس كل مختلفين ضدين .
والاختلاف يستند إلي دليل ، أما الخلاف فإنه لا يستند إلي دليل .
وفي الاختلاف يكون الطريق مختلفا والمقصود واحدا ، أما الخلاف فكلاهما مختلف .
وقال بعضهم : الاختلاف يستعمل في قول بُني علي دليل ، والخلاف فيما لا دليل عليه
والذي أراه أن الاختلاف قد يراد به اختلاف التنوع وقد يراد به اختلاف التضاد وكذلك الخلاف قد يرد لأحد المعنيين .

من ذلك قول الشاعر

وليس كل خلاف جاء معتبرا *** إلا خلافا له حظ من النظر

أنواعه

الاختلاف في التفسير: نوعان : اختلاف تنوع وهو الاختلاف المحمود ، واختلاف تضاد وهو المذموم

وفيما يلي بيان ذلك :

أولا : الاختلاف المذموم

وقد جاء تعريفه في الإتقان بأنه ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر .
فهو اختلاف التضاد لأنه فيما لا مجال فيه للاختلاف وذلك كاختلاف الفرق الضالة المنحرفة عن أهل السنة والجماعة حيث فسروا القرآن بما يتوافق مع أهوائهم ومعتقداتهم الفاسدة ، مخالفين بذلك ما ورد في تفاسير أهل السنة والجماعة ، وهنا لا بد من الترجيح بين الآراء لبيان الحق .
•من ذلك ما هو شائع في تفاسير الفرق الضالة كالمعتزلة والرافضة وغيرهم .
•ومنه أن يعتقد المفسر رأيا مخالفا لرأي أهل السنة والجماعة ، فيفسر القرآن الكريم وفقا لهذا الرأي ويصرف اللفظ عن مراده : من ذلك تفسير بعض المعتزلة لقوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ( حيث يري المعتزلة استحالة الرؤية في الآخرة ، وبناء علي رأيهم الباطل فإنهم يؤولون الآيات بتعسف وتكلف ، وينكرون الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تخالف أهواءهم ؛ ففسر بعضهم ( إلى ) بمعنى ( نِـعَـم ) جمع نعمة ، حتى يصرفون اللفظ عن معناه الظاهر الذي يفيد تنعم المؤمنين برؤية رب العالمين في الآخرة . ، ، فأول بعضهم المعنى تأويلا غريبا فقالوا { إلى ربها ناظرة }أي مترقبة ومنتظرة ، كما تقول أنا إلي فلان ناظر ما يصنع بي .
•أيضا من أسبابه اعتماد بعض المفسرين علي الموضوعات والإسرائيليات التي تخالف العقل والنقل واعتبارها أصلا في التفسير مما يتناقض مع الصحيح الوارد في تفسير الآيات .
•ومنه أيضا اعتماد بعضهم علي مجرد معرفته باللغة والمسارعة إلي تفسير القرآن بظاهر العربية دون الرجوع إلي أصول التفسير وأدواته مما يؤدي إلي كثرة الغلط .
• وذلك كمن فسر قوله تعالى ( وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ( بأن المراد به أن الناقة كانت مبصرة والصحيح في تفسير الآية : " وآتينا ثمود الناقة " آية مبصرة أي حجة باهرة ومعجزة ظاهرة بدليل السياق قال تعالى ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا )(1)
•ومنها ترك بعضهم للمعنى الظاهر وتعويلهم علي معانٍ لا أصل لها وليس لها أدنى صلة بالآيات كما فعل ابن عربي في تفسيره لقوله تعالى ( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا )(2)قال "واذكر اسم ربك الذي هو أنت أي اعرف نفسك ولا تنسها فينسك الله " وفي هذا القول من الضلال والزيغ ما لا يخفي
• وتارة يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به فيحمل النص ما لا يحتمل ويتعسف ويتكلف في ذلك .
مثاله : من يرمز إلى القلب القاسي بفرعون ، فيقول قال الله تعالى في سورة النازعات( اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ)(3) ويشير إلي قلبه ويوميء إلى أنه المراد بفرعون وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الحسنة تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع وإثارة له وهو ممنوع لمخالفته لظواهر النصوص ومقاصدها .
•ومن ذلك أيضا ما ورد في تفسير سهل التستري في تفسير قوله تعالى (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ )(4)حيث نفى المعنى الأصيل الذي يدل عليه ظاهر النص وأثبت معنى آخر ليس في النص أي دلالة عليه فقال : " لم يرد الله معنى الأكل في الحقيقة ، وإنما أراد معنى مساكنة الهمة لغيره " .
• ومن أسباب الخلاف أيضا أن يكون اللفظ دالا على أكثر من معنى في الحقيقة فهو مشترك لفظي ، فيصرفه المفسر عن المعنى الذي يدل عليه السياق إلى معنى آخر لا يتناسب مع السياق : وذلك كتفسير الكتاب في قوله تعالى ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَي رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )(5)علي أنه القرآن الكريم علما بأن السياق في اللوح المحفوظ ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَي رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )
و بدليل قوله تعالى في نفس السورة (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)(6)
•ومن أسباب الخلاف أيضا : الخطأ في معرفة اشتقاق الكلمة : وذلك كتفسير بعضهم لقوله تعالى ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً )(7)قالوا ينادي علي كل إنسان باسم أمه . والصواب أنه الإمام وليس الأم .
قال الزمخشري في تفسيره : "بإمامهم بمن ائتموا به من نبي أومقدم في الدين أو كتاب أو دين ... ومن بدع التفاسير : أن الإمام جمع أم وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم مراعاة لحق عيسى عليه السلام وليت شعري أيهما أبدع ؟ أصحة لفظه أم بهاء حكمته ‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍؟ " .
•أيضا من أسباب الخلاف : ترك المعنى الظاهر إلى معنى آخر لا علاقة له بالآية من قريب أو من بعيد ، وليس له أصل صحيح في لغة العرب : من ذلك تفسير الضحك بالحيض فقد ذهب بعض العلماء إلى أن معنى ( فضحكت ) أي: ( فحاضت ) 0
•قال تعالى في سورة هود ( وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ )(8) قال القرطبي: [ قال مجاهد وعكرمة: حاضت وكانت آيسة ، تحقيقا للبشارة وأنشد علي ذلك اللغويون :
* وإني لآتي العرس عند طهورها *** وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا
وضحك الأرانب فوق الصفا *** كمثل دم الجوف اللقـــــا
والعرب تقول ضحكت الأرنب إذا حاضت ، وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت ، وقال الجمهور: الضحك المعروف ، وليس الضحك الحيض في اللغة بمستقيم وأنكر الفراء ذلك وقال لم أسمعه من ثقة ، وإنما هو كناية
*وقال الإمام أحمد بن المنير وهو يرد علي من زعم أن ضحكها بمعنى حيضها : ويبعد هذا التأويل أنها قالت بعد ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَي أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ )(9)فلو كان حيضها قبل بشارتها لما تعجبت إذ لا عجب في حمل من تحيض والحيض في العادة علامة على إمكان الحمل
والرأي المختار في تفسير ( فضحكت ) هو ما ذهب إليه جمهور المفسرين : أن الضحك هنا علي حقيقته ، وسببه الفرح والتعجب ، فرحت حين سمعت الملائكة الكرام يخبرون إبراهيم ( بأمر نجاة لوط ) ومن آمن معه وهلاك المكذبين به المعرضين عن دعوته وتعجبت من حال الهالكين ، كيف يتمادون في الضلال ويصرون علي الانحلال مع قرب هلاكهم ؛ فالأولي بهم أن يتوبوا إلي الله قبل فوات الأوان 0 .

ثانيا : الاختلاف المحمود

أما الاختلاف المحمود : فهو اختلاف التنوع أو التلازم وهو كما عرفه السيوطي في الإتقان : هو ما يوافق الجانبين كاختلاف وجوه القراءة وهذا النوع من الاختلاف مفيد في فهم المعنى وفيه إثراء له .
وله أسباب عديدة : نذكرها ونورد أمثلة عليها ونبين الضوابط والقواعد التي نتعامل بها .

•أسبابه :

1- اختلاف التعبير :

كأن يعبر كل مفسر عن المعنى الواحد بعبارات شتى تدور كلها حول هذا المعنى ، أو تكتمل بها صورته ويستقر المعنى في الأذهان ، أو أن يفسر بعضهم اللفظ بمعان متنوعة لكنها تدور في محور واحد:وبعض المفسرين قد يفسر المعنى بمثال عليه أو بلازمه .
•مثال ذلك تفسيرهم لقوله تعالى في سورة الأنعاموَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ )(10) فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أن تبسل} قال: تفضح. وفي قوله {أبسلوا} قال: فضحوا.وعنه في قوله {أن تبسل} قال: تسلم. وفي قوله {أبسلوا بما كسبوا} قال: أسلموا بجرائرهم.
وسأله نافع بن الأزرق : فقال له: أخبرني عن قوله عز وجل ( أن تبسل نفس ) ؟ قال: يعني أن تحبس نفسه بما كسبت في النار. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت زهيرا وهو يقول:
وفارقتك برهان لا فكاك له يوم الوداع وقلبي مبسل علقا .
وعن قتادة في قوله {أن تبسل نفس} قال: تؤخذ فتحبس .
فكل هذه المعاني الرهن والحبس والفضيحة متلازمة لا تناقض بينها .
•ومن الأمثلة أيضا :اختلافهم في معنى قوله تعالى في سورة الروم ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) فعن الضحاك رضي الله عنه قال {في روضة يحبرون}: في جنة يكرمون.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال {يحبرون} : يكرمون .وعن مجاهد رضي الله عنه قال: ينعمون.وعن يحيي بن أبي كثير قال: {في روضة يحبرون} أي لذة السماع في الجنة. وعن الأوزاعي قال {في روضة يحبرون} هو السماع .
وكل هذه المعاني بيان لما هم فيه من السعادة والحبور والتنعم فكلها تدور حول معنى واحد وكلها متنوعة لا تناقض بينها حيث يسهل الجمع بينها .
•ومثال ذلك أيضا : ما نقله السيوطي في الدر المنثور " عن مجاهد في قوله {وبشر المخبتين} قال: المطمئنين ، وعن عمرو بن أوس {وبشر المخبتين} قال: المخبتون، الذين لا يظلمون الناس، واذا ظلموا لم ينتصروا. وعن الضحاك رضي الله عنه {وبشر المخبتين} قال: المتواضعين.وعن السدي رضي الله عنه {وبشر المخبتين} قال: الوجلين. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه كان إذا رأي الربيع بن خثيم قال: {وبشر المخبتين} وقال له: ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين.‌
وكل هذه الصفات والأحوال مجتمعة في المخبتين
•ومثال ذلك أيضا : تفسيرهم للصراط المستقيم فقال بعضهم: " وفي المراد بالصراط هاهنا أربعة أقوال أحدها : أنه كتاب الله روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا .
والثاني أنه دين الإسلام قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن و أبو العالية .
والثالث أنه الطريق الهادي إلي دين الله رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال مجاهد .
والرابع أنه طريق الجنة نقل عن ابن عباس أيضا ."
ولا تعارض بين هذه المعاني فكلها تدور في فلك واحد ؛ فالصراط المستقيم هو طريق الإسلام والكتاب هو المنهاج له وهو طريق الهدى والفوز بالجنة .
•ومثال ذلك أيضا تفسيرهم لقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ( .
قال ابن كثير :" وقال مجاهد في قوله (لما يحييكم ) قال : الحق ، وقال قتادة :( لما يحييكم ) قال هو هذا القرآن فيه النجاة والتقاة والحياة وقال السدي : " في الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر " ، وعن عروة بن الزبير ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) أي للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل وقواكم بها بعد الضعف ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم .
•وكل هذه المعاني محتملة فالإسلام حياة القلوب وفي القرآن حياة للنفوس ، وبالجهاد تحيا البشرية آمنة مطمئنة ، وبه حماية ودفاع وحقن لأرواح الأبرياء وصد للمعتدين ، فلا سبيل إلي حياة عزيزة أبية إلا بالإسلام والقرآن والجهاد والعلم .

2- أن يفسر بعضهم المعنى ببيان بعض ما يندرج تحته من أنواع ، أو يفسره بذكر مثال له :

•من ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى في سورة النساء ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ( عن قتادة :{فالصالحات قاتنات} أي مطيعات لله ولأزواجهن {حافظات للغيب} قال: حافظات لما استودعهن الله من حقه، وحافظات لغيب أزواجهن. وعن مجاهد {حافظات للغيب} للأزواج ، وعن السدي {حافظات للغيب بما حفظ الله} يقول تحفظ على زوجها ماله وفرجها حتى يرجع كما أمرها الله ، وعن السدي قال: حافظات لأزواجهن في أنفسهن بما استحفظهن الله ، وعن مقاتل قال: حافظات لفروجهن لغيب أزواجهن، حافظات بحفظ الله لا يخنّ أزواجهن بالغيب ، وعن عطاء قال: حافظات للأزواج بما حفظ الله يقول: حفظهن الله، وعن مجاهد {حافظات للغيب} قال: يحفظن علي أزواجهن ما غابوا عنهن من شأنهن .
ولا شك أن الحفظ هنا ليس قاصرا علي حفظ المال وحده أو حفظ الفرج ، ولكنه يشمل حفظ الأزواج في غيابهم ، وحفظهم من باب أولى في حضورهم ، وحفظ الأسرار الزوجية ، وحفظ الأولاد بحسن التربية وغير ذلك .
•ومن ذلك أيضا اختلافهم في معنى الحرج في قوله تعالى { وما جعل عليكم في الدين من حرج } : قال الشوكاني : " وقد اختلف العلماء في هذا الحرج الذي رفعه الله فقيل هو ما أحله الله من النساء مثنى وثلاث ورباع وملك اليمين ، وقيل المراد قصر الصلاة والإفطار للمسافر والصلاة بالإيماء على من لا يقدر على غيره وإسقاط الجهاد عن الأعرج والأعمى والمريض واغتفار الخطأ في تقديم الصيام وتأخيره لاختلاف الأهلة وكذا في الفطر والأضحى ، وقيل المعنى أنه سبحانه ما جعل عليهم حرجا بتكليف ما يشق عليهم ولكن كلفهم بما يقدرون عليه ورفع عنهم التكاليف التي فيها حرج فلم يتعبدهم بها كما تعبد بها بني إسرائيل وقيل المراد بذلك أنه جعل لهم من الذنب مخرجا بفتح باب التوبة وقبول الاستغفار والتكفير فيما شرع فيه الكفارة والأرش أو القصاص في الجنايات ورد المال أو مثله أو قيمته في الغصب ونحوه ، والظاهر أن الآية أعم من هذا كله فقد حط سبحانه ما فيه مشقة من التكاليف علي عباده إما بإسقاطها من الأصل وعدم التكليف بها كما كلف بها غيرهم أو بالتخفيف وتجويز العدول إلى بدل لا مشقة فيه أو بمشروعية التخلص عن الذنب بالوجه الذي شرعه الله وما أنفع هذه الآية وأجل موقعها وأعظم فائدتها "
*قاعدة مهمة : إذا دارت الأقوال حول معنى واحد فإنه يجمع بينها وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "الأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه …فإنَّ نقل الخلاف في مسألة لا خلاف فيها في الحقيقة خطأ كما أن نقل الوفاق في موضع الخلاف لا يصح " .

3- الاختلاف في عودة الضمير :

•وذلك أيضا من أسباب اختلاف المفسرين ومثاله : ما ورد في تفسير قوله تعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (
روى الطبري في تفسيره عن السدي وعن ابن أبي نجيح: وابن إسحاق وعن مجاهد: {قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي} قال: سيدي. يعني: زوج المرأة
وقال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط " والضمير في ( إنه ربي) الأصح أن يعود إلي الله تعالى ، أي إن الله ربي أحسن مثواي إذ نجاني من الجب وأقامني في أحسن مقام000 "
*والذي أرجحه هو : أن الضمير عائد إلى لفظ الجلالة ، كما ذكر ذلك أبو حيان وغيره وذلك لأن مراعاة يوسف  لحقوق الله تعالى وصونه لنعمه : يتضمن مراعاة حقوق العباد ، وقوله تعالى { إنه لا يفلح الظالمون } : الذين يسلبون حقوق الآخرين ، ويفرطون في العهود ، ويخونون الأمانات وينتهكون الحرمات ومراعاة حق الله عز وجل مقدم على مراعاة حق العباد 0
•ومن ذلك أيضا اختلافهم في عودة الضمير في قوله تعالى( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )
فقيل يرجع إلي المولى عز وجل فهو الذي يرفع العمل الصالح ، وقيل يرجع إلى العمل الصالح والمعنى : والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، وقيل يرجع إلى الكلم الطيب فهو الذي يرفع العمل الصالح .
وأقول كلاهما ينهض بصاحبه ، والله عز وجل هو الذي يرفع ويقبل .
قال الإمام الشوكاني : " ومعنى " والعمل الصالح يرفعه " أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب كما قال الحسن وشهر بن حوشب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأبو العالية والضحاك ووجهه أنه لا يقبل الكلم الطيب إلا مع العمل الصالح وقيل إن فاعل يرفعه هو الكلم الطيب ومفعوله العمل الصالح ، ووجهه أن العمل الصالح لا يقبل إلا مع التوحيد والإيمان ، وقيل إن فاعل يرفعه ضمير يعود إلى الله عز وجل ، والمعنى أن الله يرفع العمل الصالح علي الكلم الطيب لأن العمل يحقق الكلام وقيل والعمل الصالح يرفع صاحبه وهو الذي أراد العزة وقال قتادة المعنى أن الله يرفع العمل الصالح لصاحبه أي يقبله فيكون قوله " والعمل الصالح ^ علي هذا مبتدأ خبره يرفعه وكذا علي قول من قال يرفع صاحبه " .
وهذه المعاني كلها تدور حول محور واحد فالعمل الصالح ينهض بالكلم الطيب وهو ثمرة له وبرهان عليه والكلم الطيب يرفع العمل الصالح فهو أساسه وقوامه ، والله تعالى هو الذي يرفع ويتقبل الطيب من القول والصالح من العمل .

4- أن يكون اللفظ مشتركا في اللغة

من أسباب الاختلاف أيضا : أن يكون اللفظ مشتركا في اللغة له أكثر من استعمال علي الحقيقة فيحمل علي أحد الاستعمالات :
•مثل لفظة القرء يراد بها الحيض كما يراد بها الطهر قال تعالى ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ …) الخ الآية (11)
قال الشوكاني : " قال أبو عمرو بن العلاء : من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا ، وينبغي أن يعلم أن القرء في الأصل الوقت يقال هبت الرياح لقرئها ولقارئها أي لوقتها ومنه قول الشاعر
كرهت العقر عقر بني شليل***إذا هبت لقارئها الرياح
فيقال للحيض قرء وللطهر قرء لأن كل واحد منهما له وقت معلوم وقد أطلقته العرب تارة على الأطهار وتارة على الحيض … والحاصل أن القروء في لغة العرب مشترك بين الحيض والطهر ولأجل هذا الاشتراك اختلف أهل العلم في تعيين ما هو المراد بالقروء المذكورة في الآية فقال أهل الكوفة هي الحيض وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسي ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسدي وأحمد بن حنبل وقال أهل الحجاز هي الأطهار وهو قول عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت والزهري وأبان بن عثمان والشافعي رضي الله عنهم …"
•ومن ذلك أيضا اختلافهم في معنى كلمة " قسورة " الواردة في تفسير قوله تعالى في سورة المدثر(فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ *كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ* فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ )(12)
قيل المراد بها الرمي ، وقيل المراد بها الأسد : فعن أبي موسي الأشعري في قوله: {فرت من قسورة} قال: هم الرماة رجال القنص ، وورد عن ابن عباس نحوه ، وعن عكرمة {كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة} قال: وحشية فرت من رماتها. وعن قتادة قال: القسورة النبل ، وعن ابن عباس في قوله: {من قسورة} قال: هو بلسان العرب الأسد وبلسان الحبشة قسورة ، وعن أبي هريرة في قوله: {فرت من قسورة} قال: الأسد.
قواعد مهمة
•قال الزركشي : " وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل دون مجرد الرأي ، فإن كان أحد المعنيين أظهر وجب الحمل عليه إلا أن يقوم دليل علي أن المراد هو الخفي ، وإن استويا والاستعمال فيهما حقيقة لكن في أحدهما حقيقة لغوية أو عرفية وفي الآخر شرعية فالحمل علي الشرعية أولى إلا أن يدل دليل على إرادة اللغوية كما في قوله تعالى {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } ولو كان في أحدهما عرفية والآخر لغوية فالحمل على العرفية أولى لأن الشرع ألزم ، فإن تنافى اجتماعهما ولم يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كالقرء للحيض والطهر اجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه فما ظنه فهو مراد الله تعالى في حقه وإن لم يظهر له شيء فهل يتخير في الحمل علي أيهما شاء أو يأخذ بالأشد حكما أو بالأخف ؟ أقوال ، وإن لم يتنافيا وجب الحمل عليهما عند المحققين ويكون ذلك أبلغ في الإعجاز والفصاحة إلا إن دل دليل علي إرادة أحدهما ." .

5- اختلاف القراءات

•فاختلاف القراءات المتواترة فيه ثراء للمعنى وتوضيح له وتقرير .
•ومثال ذلك: ما ورد من قراءات في تفسير قوله تعالى ( وقالت هيت لك ( حيث لجأت امرأة العزيز إلي التصريح بعد أن استفرغت جميع أساليب التلميح ووسائل الإغراء فقالت بعبارة سافرة ( هيت لك )
و( هيت ) اسم فعل أمر بمعنى هلم وأقبل وفي قراءة ( هئتُ لك ) أي حسنت هيأتي من أجلك .
* فرأ نافع وابن ذكوان عن ابن عامر ، وأبو جعفر بكسر الهاء وفتح التاء ، ( هِيتَ ) وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء ( هَيْتُ ) وقرأ الباقون بفتح الهاء وسكون التاء ( هَيتْ ) ، وقرأ هشام - كما روي عنه إبراهيم بن عباد - هِئتُ لك بكسر الهاء وضم التاء أي تهيأت لك ، ومدار القراءات حول معنى واحد وهو : هلم وأقبل فلقد تهيأت لك .
•ومثال ذلك أيضا اختلاف المفسرين في تفسير قوله تعالى (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أنثى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ( ؛ ومرجع اختلافهم إلي اختلاف أوجه القراءات المتواترة في - التاء - من ( وضعتْ )
فقراءة ابن عامر، وأبي بكر الكوفي ، وعاصم بن أبي النجود ، ويعقوب بضم التاء ( وضعتُ ) ، وقراءة ابن كثير ، ونافع ، وأبي عمرو ، والكسائي وحمزة وعاصم في رواية حفص بسكون التاء ( وضعتْ )
وعلي الأول : فالتاء تاء الفاعل ، وهي تاء المتكلمة أي بما وضعتُ 0
وعلي الثاني : فالتاء تاء التأنيث أي بما وضعتْ هي 0
والقراءتان متواترتان .
أما عن توجيههما ، فعلى النحو التالي :
أولا : القراءة الأولى (والله أعلم بما وضعتُ) : من تمام كلام امرأة عمران قالته اعتذارا إلى ربها ؛ لعجزها عن الوفاء بنذرها ، أو قالته تسلية لنفسها ، لبيان أن لله في ذلك حكمة يعلمها ، فالله يدبر أحوال الخلق وفق قدرته وإرادته وعلمه وحكمته ، ولعل هذه الأنثى عند الله خير من الذكر ؛ لأن ما يفعله الرب بالعبد خير مما يريده العبد لنفسه ، كما قال  ( وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون (
*ويمكن توجيه القراءة علي : أنها فوضت العلم إلى الله فقالت ( والله أعلم بما وضعتُ ) 0
لأن قولها ( إني وضعتها أنثى ) للاعتذار ، لا للإعلام ، فالله سبحانه لا تخفى عليه خافية 0
ولقد توجه الإشكال إلي هذه القراءة بأنها لو كانت حكاية لكلام أم مريم وتمام خطابها لكان الأولى أن تقول ( رب إني وضعتها أنثى ، وأنت أعلم بما وضعتُ ) ؟ ويمكن الإجابة علي هذا الإشكال بأن جملة ( والله أعلم بما وضعتُ ) التفات من الخطاب إلي الغيبة والالتفات صورة رائعة من صور البلاغة 0
ثانيا : وعلي القراءة الثانية (وضعتْ ): فهي جملة اعتراضية ، وقد سيقت تعظيما لشأن المولودة ، و بيانا لعلو منزلتها ، وسمو قدرها ، اصطفاها الله وطهرها ، وجعلها وابنها آية للعالمين 0
والجملة من كلام الله ، وليست من تمام كلام امرأة عمران 0
والقراءتان متواترتان ولا تناقض بينهما ؛ فكل قراءة لها توجيه مفيد في فهم المعنى ، وتعدد القراءات في الكلمة الواحدة مع اتفاق المعاني وانسجامها ، وتكاملها ، وجه من وجوه الإعجاز القرآني ولون من ألوان بلاغته 0
•هذا والمتأمل في اختلاف القراءات يجدها على النحو التالي :
الأول : أن تختلف القراءتان في اللفظ وتتفقا في المعنى مثل (الصراط والسراط )و (يحسَب ) بفتح السين وكسرها، و(مَِرفَِقا)بفتح الميم وكسر الفاء والعكس ، فالمعنى واحد .
والحكمة في هذا النوع من الاختلافات تيسير القراءة على ذوي اللهجات المختلفة .
الثاني : أن تضيف القراءة معنى جديدا لا يتعارض مع المعنى الأول ولا يناقضه فكلا المعنيين صحيح ، وذلك كما في قوله تعالى ( وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ) قرئ (ننشزها , و (ننشرها ) لأن المراد في القراءتين العظام فقوله تعالى (ننشرها ) بمعنى نحييها , وقوله تعالى( ننشزها ) أي نضم بعضها إلي بعض حتى تلتئم , " ولا تناقض بين المعنيين لأن الله تعالى إذا أراد بعث الخلائق ضم عظامهم بعضها إلى بعض ثم يحييها للجزاء "
الثالث اختلافهما في اللفظ والمعنى مع امتناع جواز اجتماعهما في شئ واحد , لكن يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد.
ومثاله قوله تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (قرئ بالتشديد والتخفيف في " كُذِّبوا ", و" كذَبوا" فالتشديد :يعني: وتيقن الرسل أن قومهم قد كذّبوهم , و التخفيف يعني : وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذَبوهم - أي كذبوا عليهم - فيما أخبروهم به , فلا تعارض بين المعنيين .
ومن هنا فلا يمكن أن يكون هناك تعارض بين قراءتين متواترتين لأن كلاهما وحي من الله تعالى وكلام الله عز وجل منزه عن التناقض والاضطراب .

6- الاختلاف في القول بالنسخ :

فقد يقول بعض المفسرين بالنسخ لمجرد التعارض ، ولو أمعنوا النظر وأعملوا الفكر لما وجدوا تعارضا بين النصوص يدعو إلى القول بالنسخ ، فإعمال النص خير من إهماله ، ولقد توسع المتقدمون في النسخ حتى أدخلوا فيه ما ليس منه فاعتبروا التخصيص والبيان والتقييد من قبيل النسخ .
قال ابن القيم رحمه الله :"ومن تأمل في كلامهم – يعني المتقدمين- رأى من ذلك فيه ما لا يحصى وذهب عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر "
•مثال ذلك اختلافهم في قوله تعالى ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )(13): فعن السدي في قوله {قل العفو} قال: هذا نسخته الزكاة ، وعن طاوس قال: العفو اليسير من كل شيء ، وكان مجاهد يقول {العفو} الصدقة المفروضة ، " وقال الكلبي: كان الرجل بعد نزول هذه الآية إذا كان له مال من ذهب أو فضة أو زرع أو ضرع نظر إلى ما يكفيه وعياله لنفقة سنة أمسكه وتصدق بسائره، وإن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه وعياله يوما وتصدق بالباقي، حتى نزلت آية الزكاة المفروضة فنسخت هذه الآية وكل صدقة أمروا بها. وقال قوم: هي محكمة، وفي المال حق سوى الزكاة " .
والراجح أنها محكمة فلا تعارض بينها وبين ما ورد في شأن الزكاة المفروضة ، لأن العفو هنا هو اليسير الزائد عن الحاجة ، ولا شك أن الزكاة لا تفرض إلا على الأغنياء ونصابها يسير وهو زائد عن حاجة الغني فلا تعارض في ذلك بين هذه الآية والآيات الأخرى .
•ومن ذلك أيضا زعم بعض السلف أن أيات الإذن في القتال نسخت جميع آيات الصبر والعفو والإعراض والصفح ، والصواب أن العفو والصبر والإعراض والصفح من الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمن وهي قائمة محكمة لها مواطنها التي تحمد فيها كما أن للقوة مواطنها .
•قال ولي الله الدهلوي في كتابه الفوز الكبير في أصول التفسير " بلغ عدد الآيات المنسوخة بآيات السيف قرابة الخمسمائة ، ولو تأملت لوجدتها غير محصورة ، والمنسوخ باصطلاح المتأخرين عدد قليل "

7- الاختلاف في حمل اللفظ علي الحقيقة أو المجاز

•من ذلك اختلافهم في تفسير ( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ( : قيل كانت تحمل الأشواك وتنثرها أمام بيت رسول الله  إيذاء له فكان جزاؤها في الآخرة من جنس عملها في الدنيا ، حيث تحمل الحطب علي ظهرها في نار جهنم لتزداد النار حرارة والتهابا وسعيرا عليها وعلى زوجها التي كانت تنفث فيه روح الحقد وتذكي نار غضبه وتضرم لهيب حسده لرسول الله  فيزداد حنقا عليه وايذاء له 0
- وقيل كانت تمشي بين الناس بالنميمة فتنمي العداوة بينهم كما تزداد النار اشتعالا وحرارة حين يلقى الحطب فيها 0
*قال القرطبي : " قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : ( حمالة الحطب ) كانت تمشي بالنميمة بين الناس ، تقول العرب فلان يحطب على فلان إذا ورّش به - أي حرّش به ، وأغرى به قال الشاعر :
إن بني الأدرم حمالوا الحطب 000 هم الوشاة في الرضا والغضب * عليهم اللعنة تترى والحّـَرَب
وقال أكثم بن صيفي لبنيه : " يا بَني إياكم والنميمة فإنها محرقة للقلب ، وإن النمام ليعمل في ساعة ما لا يعمل الساحر في شهر " 0
" ولذلك قيل : نار الحقد لا تخبو " وثبت عن النبي  أنه قال : " لا يدخل الجنة نمام " 0
وقيل ( حمالة الحطب ) : كانت تعير رسول الله  بالفقر ثم إنها كانت تحتطب بنفسها وتحمل الحطب علي ظهرها لشدة بخلها وحرصها فعيرت بالبخل 0 روي هذا القول عن قتادة "
وقيل ( حمالة الحطب ) : أي حمالة الخطايا والذنوب ، وإذا كان الحطب يشعل النار فإن الخطايا والآثام تلقي بصاحبها في النار ، قال تعالى (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَي ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ )

8- تفاوتهم في معرفة السنة النبوية

من ذلك أنه قد لا يبلغ الحديث أحد الصحابة ولم يكن قد سمعه من رسول الله  فيجتهد في المسألة فيدلي برأي مخالف لما قال به النبي  لكنه يتراجع عن رأيه حين يصله الحديث :
•من ذلك : اختلاف بعض الصحابة في عدة المتوفى عنها زوجها إذا وضعت الحمل هل تنقضي عدتها بوضع الحمل فينطبق عليها قوله تعالى(وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)أم تعتد بأربعة أشهر وعشرا وهي عدة المتوفي عنها زوجها كما في قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير)(14)فقد رأي ابن عباس  أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا تعتد بأبعد الأجلين ورأي ابن مسعود  أنها إذا وضعت حملها قبل تمام الأربعة أشهر وعشر فعدتها بوضع الحمل وفي هذا يقول : أجل الحامل أن تضع ما في بطنها. ويؤيد قول ابن مسعود ما ورد في السنّة في حديث (سبيعة الأسلمية) المخرج في الصحيحين من غير وجه، أنها توفي عنها زوجها وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلّت من نفاسها تجملت للخطّاب، فدخل عليها (أبو السنابل بن بعكك): فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ مُتَجَمّلَةً؟ لَعَلّكِ تَرْجِينَ النّكَاحَ. إِنّكِ، وَاللّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حتى تَمُرّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِك، جَمَعْتُ عَلَيّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ  فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَفْتَانِي بِأَنّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي. وَأَمَرَنِي بِالتّزَوّجِ إِنْ بَدَا لِي..
وروي الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن سليمان بن يسار أن أبا سلمة بن عبدالرحمن وابن عباس اجتمعا عند أبي هريرة . وهما يذكران المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال. فقال ابن عباس : آخر الآجلين. وقال أبو سلمة: قد حلت. فجعلا يتنازعان ذلك. قال فقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي (يعني أبا سلمة) فبعثوا كريبا (مولى ابن عباس) إلي أم سلمة يسألها عن ذلك ؟ فجاءهم فأخبرهم ؛ أن أم سلمة قالت: إن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال. وإنها ذكرت ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم. فأمرها أن تتزوج " .

9- الاختلاف في الإطلاق والتقييد

ومن أسباب الاختلاف أيضا الاختلاف في الإطلاق والتقييد ؛ والإطلاق تناول واحد غير معين ، والتقييد تناول واحد معين أو موصوف بوصف زائد فقد يري بعض المفسرين بقاء المطلق علي إطلاقه ، وقد يقول بعضهم بتقييد هذا المطلق بقيد ما :
•من ذلك عتق الرقبة في كفارة اليمين وكفارة الظهار فقد وردت مطلقة: كما في قوله تعالى ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(15)
وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(16)
ووردت مقيدة كما في قوله تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَي أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَي أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا )(17)فحمل بعض المفسرين المطلق علي المقيد وقالوا لا تجزئ الرقبة الكافرة ، وأبقى بعضهم المطلق على إطلاقه .
والأولى بقاء المطلق علي إطلاقه ما لم برد ما يقيده ، وإذا دار اللفظ بين الإطلاق والتقييد فإنه يحمل علي الإطلاق ؛ لأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه .

10- الاختلاف في العموم والخصوص :

•مثال ذلك اختلافهم في تفسير قوله تعالى ( وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ )(18)
فمن المعلوم أن النصرانيات واليهوديات مشركات لكنهن لا يدخلن في عموم هذه الآية بدليل قوله تعالى في سورة المائدة ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( {5}
فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نسخ من ذلك نكاح نساء أهل الكتاب أحلهن للمسلمين وحرم المسلمات على رجالهم .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية {ولا تنكحوا المشركات} فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) (19) فنكح الناس نساء أهل الكتاب.
وعن سعيد بن جبير في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: يعني أهل الأوثان.
وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال: سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية، فقال: لا بأس به. فقلت: أليس الله يقول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}؟ قال: إنما ذاك المجوسيات وأهل الأوثان.
أقول والأصل بقاء العام علي عمومه ما لم يرد له مخصصا .

11- الاختلاف في فهم حروف المعاني :

فقد يدل الحرف على أكثر من معنى :
•من ذلك الباء في قوله عز وجل (وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَين ( (20)
هل هي للملاصقة أم للتبعيض ؟ فقيل إنها للملاصقة وقيل للتبعيض والخلاف في ذلك موجود في كتب التفسير والفقه .
•ومثال ذلك أيضا اختلافهم في (من) الواردة في قوله تعالى (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) قيل إنها تفيد التبعيض؛ لأن حواء خلقت من بعض آدم عليه السلام وقيل إنها بيانية لأن حواء خلقت من جنس آدم، وخلقها الله من جنسه لتتحقق الألفة والوئام والمودة، والانسجام؛ لأن الجنس إلي الجنس أميل.
•ومن ذلك أيضا اختلافهم في تفسير قوله تعإلى ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ( - (21)
حيث وقع الاختلاف حول الكاف في قوله تعإلى( كما أخرجك ربك من بيتك) وفي ذلك يقول الألوسي : "والكاف يستدعي مشبها وهو غير مصرح به في هذه الآية وفيه خفاء ، ومن هنا اختلفوا في بيانه وكذا في إعرابه علي وجوه ، فاختار بعضهم أنه خبر مبتدأ محذوف هو المشبه ، أي حالهم هذه في كراهة ماوقع في أمر الأنفال كحال إخراجك من بيتك في كراهتهم له ، وإلى هذا يشير كلام الفراء حيث قال : الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه صلي الله عليه وسلم من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال وكراهتهم لما وقع فيها مع أنه أولى بحالهم ،أو أنه صفة مصدر الفعل المقدر في (لله وللرسول ) أي الأنفال ثبتت لله تعالى وللرسول عليه الصلاة والسلام مع كراهتهم، ثباتا كثبات إخراجك وضعف هذا ابن الشجري 00وقال أبو حيان خطر لي في المنام أن هنا محذوفا وهو نصرك ، والكاف فيها معنى التعليل أي لأجل أن خرجت لإعزاز دين الله تعالى نصرك وأمدك بالملائكة ودل على هذا المحذوف قوله سبحانه وتعالى (إذ تستغيثون ربكم )
ولو قيل إن هذا مرتبط بقوله تعالى (رزق كريم ) على معنى رزق حسن كحسن إخراجك من بيتك : لم يبعد "
المصادر :
1- سورة الإسراء/59
2- سورة المزمل /8
3- طه / 24
4- البقرة /35
5- سورة الأنعام /38
6- الانعام /59
7- سورة الإسراء /71
8- هود /71
9- هود /72 ،73
10- الانعام /70
11- سورة البقرة /228
12- المدثر / 48-51
13- البقرة /219
14- سورة البقرة. / 234
15- سورة المائدة /89
16- سورة المجادلة /3
17- سورة النساء /92
18- سورة البقرة . /221
19- المائدة الآية 5/
20- سورة المائدة /6
21- الأنفال / 5


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

العلاقة بين المصحف العلوي والقرآن المتداول اليوم
في رحاب نهج البلاغة – الأول
حد الفقر الذی یجوز معه اخذ الزکاة
ومن وصيّة له لولده الحسن (عليهما السلام): [يذكر ...
شبهات حول المهدي
الدفن في البقيع
ليلة القدر خصائصها وأسرارها
آداب الزوجین
مفاتيح الجنان(600_700)
ما هو الدليل على أحقية الامام علي(علیه السلام) ...

 
user comment