عربي
Friday 29th of March 2024
0
نفر 0

الفرقة الناجیة والطائفة المنصورة

أن فکرة الطائفة المنصورة هذه تفوح منها رائحة السیاسة بشکل فاضح، وهو ما یظهر من خلال استعراض روایات الطائفة المنصورة.روى المغیرة بن شعبة عن الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم) قوله: لا یزال ناس من أمتی ظاهرین حتى یأتیهم أمر الله وهم ظاهرون(1). وروى معاویة: لا یزال من أمتی أمة قائمة
الفرقة الناجیة والطائفة المنصورة

أن فکرة الطائفة المنصورة هذه تفوح منها رائحة السیاسة بشکل فاضح، وهو ما یظهر من خلال استعراض روایات الطائفة المنصورة.روى المغیرة بن شعبة عن الرسول(صلى الله علیه وآله وسلم) قوله: لا یزال ناس من أمتی ظاهرین حتى یأتیهم أمر الله وهم ظاهرون(1).
وروى معاویة: لا یزال من أمتی أمة قائمة بأمر الله، ما یضرّهم من کذّبهم ولا من خالفهم، حتى یأتی أمر الله وهم على ذلک.
فقال مالک بن یخامر: سمعت معاذاً یقول: هم بالشام.
فقال معاویة: هذا مالک یزعم أنه سمع معاذاً یقول: هم بالشام(2).
وعن ثوبان: لا تزال طائفة من أمتی ظاهرین على الحق، لا یضرّهم من خذلهم، حتى یأتی أمر الله وهم کذلک(3).
وعن سعد بن أبی وقاص: لا یزال أهل الغرب ظاهرین على الحق حتى تقوم الساعة(4).
وعن معاویة: لا تزال طائفة من أمتی على الحق ظاهرین، وإنی لأرجو أن تکونوا هم یا أهل الشام(5).
وعن قرة بن إیاس المزنی: إذا فسد أهل الشام فلا خیر فیکم، لا تزال طائفة من أمتی منصورین لا یضرّهم من خذلهم حتى تقوم الساعة(6).
وروى من عدة طرق، وآخره نص یقول: عقر دار المؤمنین الشام(7).
وفی روایات أخرى: هم أهل الشام(8).
وغیر هذه الروایات روایات أخرى تتحدث عن الطائفة المنصورة أنها طائفة مقاتله(9).
ورغم ذلک فإن فقهاء أهل السنة شهدوا أن الطائفة المنصورة لا صلة لها بالقتال.
قال عبد الله بن المبارک: هم عندی أصحاب الحدیث(10).
وقال یزید بن هارون: إن لم یکونوا أصحاب الحدیث فلا أدری من هم؟(11) وقال ابن حنبل نفس مقالة ابن هارون(12).
وقال المدینی: هم أصحاب الحدیث(13).
وقال أحمد بن سنان: هم أهل العلم وأصحاب الأثر(14).
وقال البخاری: لا تزال طائفة من أمتی... یعنی أصحاب الحدیث(15).
وفی قول آخر له: هم أهل العلم(16).
وقال ابن حبان فی معرض حدیث الطائفة المنصورة: ذکر إثبات النصرة لأهل الحدیث إلى قیام الساعة(17).
وجاء آخرون فقالوا إن الطائفة المنصورة مفرقة بین أنواع المؤمنین: المجتهدون فی الأحکام والعقائد، أو المرابطون فی الثغور والمجاهدون لإعلان الدین، أو الزهاد، أو المحدثون(18).
وأصحاب هذا القول جاؤوا لإحداث التوازن فی الموقف تجاه هذه الروایات من قبل فرق أهل السنة ولدفع الشک عن نفوس الاتباع فیها.
ومن الملاحظ أن بعض نصوص هذه الروایات جاء عن طریق معاویة بن أبی سفیان، وهی فی أغلبها ترکزت حول الشام معقل معاویة واتباعه، والروایات التی جاءت عن طرق أخرى لم تشر إلى الشام قام الفقهاء بتأویلها نحو الشام.
ومعنى أن بعض هذه الروایات جاءت عن طریق معاویة وأشارت إلى الشام معقله ورواتها الآخرون من الصحابة هم من اتباعه وحلفائه مثل المغیرة بن شعبة ومالک بن یخامر وأبی هریرة ـ معنى هذا أنها روایات سیاسیة اخترعت لنصرة معاویة وخطة وإضفاء المشروعیة على نهج أهل الشام خصوم الإمام علی وأهل الکوفة.
والظاهر أن وقت ظهور هذه الروایات هو الفترة الأمویة، ولو کانت هذه الروایات قد ظهرت فی العصر العباسی لاتجهت بالطائفة المنصورة نحو بغداد.
إلاّ أنه یمکن القول أن تفسیرات فقهاء فرق أهل السنة للطائفة المنصورة وحصرها فی دائرة أهل الحدیث برزت فی العصر العباسی فترة ظهور أهل الحدیث الذین لم یکن لهم وجود فی العصر الأموی.
ولم تلق هذه الروایات ما لاقت روایات الفرقة الناجیة من طعن فی سندها إذ إنها رویت فی صحاح القوم وعلى رأسها البخاری ومسلم، فلا مجال للکلام فی سندها هنا مادام القوم لم یطعنوا فی سندها من الأصل کما طعنوا فی سند روایات الفرقة الناجیة.
وما یمکن قوله فی مجال الطائفة المنصورة هو أن الروایات الخاصة بها لم تحدد طائفة بعینها کما هو حال روایات الفرقة الناجیة، لکن أهل السنة فصّلوا هذه الروایات على أنفسهم کما هو حالهم دائماً فی التحصن بالروایة واحتکارها واستغلالها ضد خصومهم.
ولما کان الشیعة هم الخصم الأکبر لأهل السنة على مر الزمان وحتى الیوم الذی اختفت فیه الفرق الأخرى المناوئة لهم تقریباً، فقد حصّن أهل السنة أنفسهم بروایة فی مواجهتهم، رووها على لسان الإمام علی حتى تکون الحجة قویة ورادعة فی منظورهم أو على الأقل تکون مطمئنة للاتباع.
روى أبو موسى الأشعری: اجتمع عند علی رأس النصارى ورأس الیهود.
فقال الرأس: تجادلون على کم افترقت الیهود؟
وقال الآخر: على إحدى وسبعین فرقة.
فقال علی: لتفترقن هذه الأمة على مثل ذلک، وأضلها فرقة وشرها الداعیة إلینا ـ أهل البیت ـ آیة ذلک أنهم یشتمون أبا بکر وعمر(19).
وهذه الروایة المختلقة لم تحظ باحترام القوم، إذ لم تروها کتبهم المعتمدة وإن کانت قد اشتهرت وسلطت علیها الأضواء فی زمان ظهورها واختراعها حیث کانت القوى الحاکمة وأهل السنة فی حاجة ماسة لدعم الصراع المحتدم بینهم وبین الشیعة وإضفاء المشروعیة علیه.
وجملة: شرها الداعیة إلینا آیة ذلک أنهم یشتمون أبا بکر وعمر، تفوح منها المذهبیة والسیاسة فی آن واحد.
أما من جهة المذهبیة فهی تبدو ظاهرة من خلال تحدید علامة الفرق بالدعوة إلى أهل البیت وربطها بالشر، فربط الشر بدعوة أهل البیت هو قمة التعصب المذهبی وقمة التشویة والتضلیل.
ومن جانب آخر فإن تحدید دائرة أهل البیت(علیهم السلام) یعنی أن هذه الروایة موجهة إلى خصوم بعینهم وهم الشیعة الفئة الوحیدة بین المسلمین التی ترفع رایة أهل البیت(علیهم السلام) وتدعو إلى مذهبهم.
ثم أن الإشارة إلى أبی بکر وعمر تؤکد النزعة المذهبیة الفرقیة لأهل السنة الذین یعتقدون بقداسة هذین الرمزین دون بقیة الفرق الأخرى، وقد وجهوا هذه الروایة نحو الشیعة التی تتبنى موقفاً رافضاً لهذین الرمزین(من هنا أطلق على الشیعة اسم الرافضة، والشیعة هم الطائفة الوحیدة التی تملک نظریة نقدیة للصحابة دون بقیة الفرق والاتجاهات الأخرى).
ومن جهة السیاسة فإنه یمکن القول أن هذه الروایة من اختراع العصر العباسی، حیث کان الصراع على أشده بین العباسیین الذین رکبوا موجة أهل البیت ووصلوا إلى الحکم عن طریقها ـ وشیعة أهل البیت المنافسین لهم على مستوى واقع المسلمین الذین کانوا یمثلون فیه ثقلا کبیراً آنذاک.
من هنا کان العباسیون فی حاجة ماسة إلى الشرعیة التی وجدوها فی جیل الفقهاء الذین نموا وترعرعوا فی العصر الأموی الذی سادت فیه القیم المعادیة لأهل البیت(علیهم السلام)، فقاموا باحتضان هؤلاء الفقهاء ودعموهم لیبرزوا فقههم وروایاتهم التی وجدوا فیها الغطاء الشرعی فی مواجهة الشیعة.
هذه هی قصة نشأة بعض الفرق وبروز روایاتهم.وهذا هو دافع خصومتهم وعدائهم لاهل البیت علیهم السلام الأخرى فقد وجد فیهم العباسیون ضالتهم المنشودة لیس فی مواجهة الشیعة فقط بل فی مواجهة جمیع القوی المعارضة الأخرى.
ووجدوا هم فی العباسیین الأمن والدعم والحمایة، وکان لابد لهم من الحفاظ على هذه المکاسب ودفع الثمن بإعلان الحرب على الفرق والاتجاهات الأخرى وتشویهها وتخویف المسلمین منها وتشکیکهم فی عقائدها وأفکارها.
ولا شک أن الفرق والاتجاهات الأخرى لا تشکّل خطراً على أهل السنة وحدهم بل على العباسیین أیضاً.
وهکذا کان الدافع المصلحی هو مبرر الارتباط بین العباسیین وأهل السنة فکلاهما ارتبط مصیره ومستقبله بالآخر.
وعلى ضوء هذه المصلحة ارتبط أهل السنة بالحکام من بعد العباسیین وقاموا بتقنین العلاقة بین الرعیة والحکام وجعلوا طاعتهم وعدم الخروج علیهم من العقائد.
وعلى ضوء ما سبق یمکن أن نتبین أهمیة فکرة الطائفة المنصورة والفرقة الناجیة بالنسبة لأهل السنة وللحکام.
فهی تدعم الحکام وأهل السنة فی مواجهة خصومهم.
وفی الوقت نفسه تضفی القدسیة والمشروعیة علیهما.
وقد وردت الکثیر من الروایات فی تفضیل أهل الشام کما وردت روایات أکثر فی تفضیل الإمام علی بن أبی طالب وأهل البیت(20).
واحتار فقهاء أهل السنة فی حسم هذا التناقض بین الروایات، فتفضیل أهل الشام یعنی رفع معاویة وخفض الإمام علی، وتفضیل الإمام علی یعنی الحط من أهل الشام وخفض معاویة.
ولو انحاز أهل السنة بفکرة الفرقة الناجیة والطائفة المنصورة نحو أهل البیت(علیهم السلام)لضرب الخط السائد نهج معاویة والعباسیین من بعده ولضاع أهل السنة أیضاً ولم یصبح لهم وجود ویلحقون بکثیر من الفرق التی أصبحت فی ذمة التاریخ، وأمام هذا الأمر اضطر أهل السنة إلى التوفیق بین الروایات وتبنی الحل الوسط الذی یحفظ کیانهم وکیان الحکام.
یقول ابن تیمیة: أما قوله(صلى الله علیه وسلم) لا یزال أهل الغرب ظاهرین.. ونحو ذلک مما یدل على ظهور أهل الشام وانتصارهم فهکذا وقع، وهذا هو الأمر، فإنهم ما زالوا ظاهرین منتصرین.
وأما قوله(صلى الله علیه وسلم): لا تزال طائفة من أمتی قائمة بأمر الله. ومن هو ظاهر فلا یقتضی ألا یکون فیهم من بغى، ومن غیره أولى بالحق منهم، بل فیهم هذا وهذا.
وأما قوله(صلى الله علیه وسلم): تقتلهم أولى الطائفتین بالحق.. فهذا دلیل على أن علیاً ومن معه کان أولى بالحق إذ ذاک من الطائفة الأخرى، وإذا کان الشخص أو الطائفة مرجوحاً فی بعض الأحوال، لم یمنع أن یکون قائماً بأمر الله، وأن یکون ظاهراً بالقیام بأمر الله عن طاعة الله ورسوله، وقد یکون الفعل طاعة وغیره أطوع منه.
وأما کون بعضهم باغیاً فی بعض الأوقات، مع کون بغیه خطأ مغفور، أو ذنباً مغفوراً، فهذا أیضاً ـ لا یمنع ما شهدت به النصوص، وذلک أن النبی(صلى الله علیه وآله وسلم) أخبر عن جملة أهل الشام وعظمتهم، ولا ریب أن جملتهم کانوا أرجح فی عموم الأحوال(21).
ویظهر لنا من کلام ابن تیمیة هذا ـ وهو من فقهاء الشام ـ میله لأهل الشام وتبریره لشنائعهم فی الوقت الذی یحاول فیه إظهار تعاطفه مع الإمام علی(علیه السلام) من خلال تعلیقه على حدیث:.. تقتلهم أولى الطائفتین بالحق. وهو حدیث یشیر إلى وقعة صفین بین الإمام علی ومعاویة، فی الوقت الذی أجهد نفسه فی تبریر وتأویل جریمة معاویة بقتاله الإمام.
وکان البخاری من قبل ابن تیمیة قد روى حدیث الطائفة المنصورة عن طریق معاویة الذی قال: سمعت النبی(صلى الله علیه وسلم) یقول من یرد الله به خیراً یفقهه فی الدین وإنما أنا قاسم ویعطی الله ولن یزال أمر هذه الأمة مستقیماً حتى تقوم الساعة أو حتى یأتى الله(22).
وکأن معاویة یرید أن یؤکد من خلال هذه الروایة أنه المقصود بها، وأن نهجه هو نهج الاستقامة والرشاد، وقد صدق فقهاء أهل السنة هذا وبارکوه وأشاعوه فی الأمة وکل هذا من برکاته السیاسیة التی ساروا فی رکابها(23).
ولقد کان معاویة ونهجه وأهل الشام الذین تحصن بهم أکثر حظاً من العباسیین فی المجال الاعتقادی، إذ أن أهل السنة اعتبروه من الصحابة العدول فبارکوه واعتمدوه کمصدر من مصادر الفقه والعلم والإمامة وعدوه من الفقهاء المجتهدین.
أما العباسیون فلم یحظ أحد منهم بهذه البرکة أو هذا الصک السنی، اللهم إلاّ صک الإمامة والسمع والطاعة، وهو صک تم منحه لجمیع الحکام.
وقد اخترع معاویة وحزبه أحادیث نسبت إلى النبی(صلى الله علیه وآله وسلم)تبارک أهل الشام بینما فاتت على العباسیین فرصة تحقیق ذلک(24).
المصادر :
1- البخاری کتاب المناقب، وانظر مسلم کتاب الإمارة.
2- المرجع السابق کتاب التوحید، وانظر مسلم.
3- مسلم کتاب الإمارة، وانظر أبو داود والترمذی فی کتاب الفتن.
4- مسلم.
5- مسند أحمد ج4/369.
6- الترمذی باب ما جاء فی الشام.
7- النسائی کتاب الخیل وأبی یعلى وابن حبان.
8- البخاری، التاریخ الکبیر ج4/62.
9- انظر المراجع السابقة.
10- شرف أصحاب الحدیث.
11- المرجع السابق.
12- المرجع السابق، وانظر المجروحین لابن حبان ج1/89.
13- انظر شرف أصحاب الحدیث.
14- المرجع السابق.
15- المرجع السابق.
16- البخاری ج8/149.
17- الإحسان ج1/232.
18- شرح النووی على مسلم ج13/67، وفیض القدیر ج6/396.
19- رواه ابن بطة فی کتاب الإبانة الکبرى ج1/1229.، وفی روایة اخرى: شرها فرقة تنتحل حبنا وتخالف أمرنا.
20- تاریخ دمشق لابن عساکر ج1 وقد حشد فیه عشرات الروایات التی تمجد فی الشام وأهله وانظر الترمذی کتاب الفتن باب ما جاء فی الشام. وانظر کتب السنن أبواب الفضائل. وباب فضل أهل البیت فی مسلم. وفضل الإمام علی فی هذه الکتب. وخصائص الإمام علی للنسائی.
21- الفتاوى الکبرى ج4/447 وما بعدها.
22- کتاب الاعتصام، وانظر فتح الباری ج13/250، وشرح النووی على مسلم کتاب الإمارة.
23- البخاری باب ذکر معاویة ولیس فیه سوى روایة واحدة تقول: سئل ابن عباس عن معاویة فقال: أنه فقیه.
24- معاویة أحد رواة حدیث الفرقة الناجیة کما سبق ذکره.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

علماء السنة يجيزون لعن يزيد بن معاوية
آية اليوم يئس الذين ومسألة الإمام
العقل والروح مسيرة إحيائية واحدة
اليوم الآخر في القرآن الكريم
الرعية في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك ...
بغض بعض الصحابة لعلي(عليه السلام)
هل ان عيسی عليه السلام ابن الله جل وعلا
كيف يجزى الانسان بثار عمله في الدنيا
المعاد (1)
الامام علي (ع ) يرفض المبايعة على سيرة الشيخين :

 
user comment