قال النبي ص إن المؤمن إذا حضره الموت جاءت إليه ملائكة الرحمن بجريدة بيضاء فيقولون لنفسه اخرجي راضية مرضية إلى روح و ريحان و رب غير غضبان فتخرج كالطيب من المسك حتى يتناولها بعض من بعض فينتهي بها إلى باب السماء فيقول سكانها ما أطيب رائحة هذه النفس و كلما صعدوا بها من سماء إلى سماء قال أهلها مثل ذلك حتى يؤتى بها إلى الجنة مع أرواح المؤمنين فتستريح من غم الدنيا و أما الكافر فتأتيه ملائكة العذاب فيقولون لنفسه اخرجي كارهة مكروهة إلى عذاب الله و نكاله و رب عليك غضبان
قال النبي ص أ ما ترون المحتضر يشخص ببصره قالوا بلى قال يتبع بصره نفسه
و قال النبي ما من بيت إلا و ملك الموت يأتيه في كل يوم خمس مرات فإذا وجد الرجل قد انقطع أجله و نفد أكله ألقي عليه غم الموت فغشيته كرباته و غمرته غمراته فمن أهل بيته الناشرة شعرها و الضاربة وجهها و الباكية شجوها و الصارخة بويلها فيقول ملك الموت ويلكم فما الجزع و الفزع و الله ما أذهبت لواحد منكم رزقا و لا قربت له أجلا و لا أتيته حتى أمرت و لا قبضت روحه حتى استأمرت و إن لي فيكم عودة ثم عودة حتى لا يبقى منكم أحد ثم قال و الذي نفسي بيده لو يرون مكانه و يسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم و لبكوا على نفوسهم حتى إذا حمل الميت في نعشه رفرفت روحه فوق نعشه تنادي يا أهلي و يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي مال جمعته من حلة و من غير حلة و خلفته لكم فالمهنأ لكم و التبعة علي فاحذروا مثل ما قد نزل بي
و لقد أحسن القائل شعرا
لقد لهوت و حد الموت في طلبي و إن في الموت لي شغلا عن اللعب
لو شمرت فكرتي فيما خلقت له ما اشتد حرصي على الدنيا و لا طلبي
إرشادالقلوب ج : 1 ص : 63
و قال الوراق
أبقيت مالك ميراثا لوارثه فليت شعري ما أبقى لك المال
القوم بعدك في حال يسرهم فكيف بعدهم حالت بك الحال
ملوا البكاء فما يبكيك من أحد و استحكم القيل في الميراث و القال
آنستهم العهد دنيا أقبلت لهم و أدبرت عنك و الأيام أحوال
و قال آخر
هون الدنيا و ما فيها عليك و اجعل الهم لما بين يديك
إن هذا الدهر يدنيك إلى ملك الموت و يدنيه إليك
فاجعل العدة ما عشت له إنه يأتيك إحدى ليلتيك
و قال سلمان ره أضحكني ثلاث و أبكاني ثلاث غافل و ليس بمغفول عنه و ضاحك ملاقيه و الموت يطلبه و مؤمل الدنيا و لا يدرى أجله و أبكاني فراق الأحبة و هول المطلع و الوقوف بين يدي الله تعالى لا أدري أ ساخط هو أم راض و اعلموا رحمكم الله إنما يتوقع الصحيح سقما يرديه و موته من البلاء يدنيه فكأنه لم يكن في الدنيا ساكن و إليها راكن نزل به الموت فأصبح بين أهله و ولده لا يفهم كلاما و لا يرد سلاما قد اصفر وجهه و شخص بصره و حشرج صدره و يبس ريقه و اضطربت أوصاله و قلقت أحشاؤه و الأحبة حوله يرى و لا يعرف و يسمع فلا يرد و ينادي فلا يجيب خلف القصور و خلت منه الدور و حمل إلى أعناق الرجال يسرعون به إلى محل الأموات و دار الخسران و بيت الوحدة و الغربة و الوحشة ثم قسموا أمواله و سكنوا داره و تزوجوا أزواجه و حصل هو برمسه فرحم الله من جعل الهم هما واحدا و أكل قوته و أحسن عمله و قصر أمله
و روي أنه إذا حمل عدو الله إلى قبره نادى إلى من تبعه يا إخوتاه احذروا مثل ما قد وقعت فيه إني أشكو دنيا غرتني حتى إذا اطمأننت إليها وضعتني و أشكو إليكم إخلاء الهوى إذا وافقتهم تبرءوا مني و خذلوني و أشكو إليكم أولاد آثرتهم على نفسي و أسلموني و أشكو إليكم مالا كدحت في جمعه في البر و البحر و قاسيت الأهوال فأخذه أعدائي و صار وبالا علي و عاد نفعه لغيري و أصبحت مرتهنا به و أشكو إليكم
إرشادالقلوب ج : 1 ص : 64
بيت الوحدة و الوحشة و الظلمة و المساءلة عن الصغيرة و الكبيرة فاحذروا مثل ما قد نزل بي فوا طول بلائي و عظيم عنائي ما لي من شفيع و لا حميم
و كان رسول الله ص إذا دخل الجبانة يقول السلام عليكم أيها الأبدان البالية و العظام النخرة التي خرجت من الدنيا بحسراتها و حصلت منها برهنها اللهم أدخل عليهم روحا منك و سلاما منا و منك يا أرحم الراحمين
و قال عبد الله الجرهمي و كان من المعمرين تبعت يوما جنازة فخنقتني العبرة فأنشدت شعرا
يا قلب إنك في الدنيا لمغرور فاذكر و هل ينفعن اليوم تذكير
فبينما المرء في الأحياء مغتبطا إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه و ذو قرابته في الحي مسرور
فاسترزق الله خيرا ثم ارض به فبينما العسر إذ دارت مياسير
و قال رجل من أصحاب الجنازة تعرف لمن هذا الشعر فقلت لا و الله فقال هو لصاحب هذه الجنازة و أنت غريب و تبكي عليه و أهله مسرورون بتركته فقال أبو العتاهية شعرا
أرى الدنيا تجهز بانطلاق مشمرة على قدم و ساق
فلا الدنيا بباقية لحي و لا حي على الدنيا بباق
و قال بعضهم محلة الأموات أبلغ العظات فزوروا القبور و اعتبروا النشور و رئي بعضهم يدخل المقبرة ليلا فينادي و يقول يا أهل القبور من أنتم ثم يجيب عن نفسه نحن الآباء و الأمهات و الإخوة و الأخوات نحن الأحباب و الجيران نحن الأصدقاء و الإخوان نحن الأحبة و الخلان طحننا البلى و أكلنا الثرى و أنشد بعضهم و قال
خمدوا و ليس يجاب من ناداهم هم موتى و كيف إجابة الموت
و قال البراء بن عازب بينما نحن مع رسول الله ص إذ أبصر بجنازة تدفن فبادر إليها مسرعا حتى وقف عليها ثم بكى حتى بل ثوبه ثم التفت إلينا فقال يا إخوتي لمثل هذا فليعمل العاملون احذروا هذا و اعملوا له
و كتب بعضهم إلى
إرشادالقلوب ج : 1 ص : 65
ملك يعظه أيها الملك اعدل برعيتك و ارحم من تحت يديك و لا تتجبر عليهم و لا تعل قدرك و لا تنس قبرك الذي هو منتهى أمرك فإن الموت يأتيك و إن طال عمرك و الحساب أمامك و القيامة موعدك و قد كان هذا الأمر الذي أنت فيه بيد غيرك فلو بقي له لم يصل إليك و سينتقل عنك كما انتقل عنه و أنه لا يبقى لك و لا تبقى له فقدم لنفسك خيرا تجده محضرا و تزود من دار الغرور لدار الفرح و السرور و اعتبر بمن كان قبلك ممن خزن الأموال و جدد الإقلال و جمع الرجال فلم يستطع دفع المنية و لا رد الرزية فلا تغتر بدنيا دنية لم يرضها الله جزاء لأوليائه و لا عذابا لأعدائه و اعتبر بقوله القائل شعرا
و كيف يلذ العيش من كان موقنا بأن المنايا بغتة ستعاجله
و كيف يلذ النوم من كان مؤمنا بأن إله الخلق لا بد سائله
و كيف يلذ العيش من كان صائرا إلى جدث يبلي الثياب منازله
و كيف يلذ النوم من أثبتوا له مثاقيل أوزان الذي هو فاعله