عربي
Friday 26th of April 2024
0
نفر 0

یقول العلامة انصاریان فی شرح "اللهم إني اسألك برحمتك التي وسعت كل شيء":

اللهم اني اسألك برحمتك التي وسعت كل شيء
بهذه الكلمات الموحية المعبّرة بايقاعها، يبدأ هذا الدعاء الكريم.. كلمات تتضمن ينابيع من المعرفة السماوية الزاخرة بالرموز والاشارات والأسرار الملكوتية.
اسألك يا الله برحمتك التي غمرت كل الاشياء في هذا الوجود المترامي البعيد.
««اللهم»» هذه المفردة التي تستند الى الاصل والتي تعني ««يا الله»» وقد حذفت ««الياء» ليشغل مكانها ««ميم»» مشدّدة لتؤدي دور التعظيم والاجلال والتقديس ولتعبّر عن عظمة ورفعة وعلوّ المخاطب ««الله»» جل شأنه وتعالى مكانه وحيث وجوده يمتد من الأزل الى الأبد وحيث لا شيء قبله ولا شيء بعده.
ومن هنا فمن غير اللائق أن يتقدم على ««الله»» سبحانه شيء حتى لو كان مجرّد حرف فهو الأول والآخر، لكي يحدث الانسجام بين الحقيقة والقوالب اللفظية التي تعبّر عنها وتحاول تجسيدها.
إنّ على الداعي الذي يريد مخاطبة ذلك الوجود المقدّس أن يدرك انه وهو يقول ««اللهم»» ان الله عزوجل لو لم يأذن له في ذلك لافتقد العاشق الهائم قدرته على التفوّه بأية كلمة مع المعشوق ولما كان له من الحول أن يلج رحابه ولأنعقد لسانه وامّحت أحواله.
فلسان داعي الحق متصل بقدرة الحق ««اللهم»» وبه ينطق وبلطفه وكرمه ينفتح.
وعلى الداعي أن يعي هذه الحقيقة؛ وهي لولا ارادة المحبوب لما كان له من القدرة على أداء الدعاء ولولا تجلّيه تبارك وتعالى في وجود عبده لما استطاع العبد أن يدعوه ويطلب منه جل شأنه حاجته أو يخطو في رحابه.
أجل إنّ الدعاء الهامّة عزوجل وحياة الداعي رشحة منه سبحانه.
وان وجود عبده الداعي في قبضته ورهن ارادته وطوع قدرته وفي حريم مملكته.
««إني اسألك»»
إنّي بمعنى ««أنا»» ولكن هذه الأنا تتجرد من كل الانانية والحالة الفرعونية.
وما هذه الأنّية في هذه الاطلالة الملكوتية وفي غيرها من مفردات الدعاء الاّ اشارات الى إنيّه الطبيعة والعقل والأنا المتجرّدة من الأنانية والغرور وهي ««أنا»» لا تتمتع بالاستقلال أبداً وانما مرتبطة ارتباطاً تبعياً ومستسلمة استسلاماً تاماً أنا معنوية تجسّد الفقر الذاتي، والعوز والحاجة الدائمة.
وليس للداعي في هذا المقام من أنيّته وذاته سوى الفقر والانكسار والذلّة والبؤس والتضرّع والمسكنة والخشوع والخضوع والضعف المطلق.
أما المحبوب فهو الرحمة المطلقة والكرم والجود واللطف والحب والاحسان والفضل والعفو والمغفرة.
من أجل هذا تمتد له الأيدي تسأله وتستعطفه وتتضرع اليه لأنها تمتد الى الاله الواحد الأحد الصمد وهذه هي العلاقة الحقيقية بين الانسان وربّه.
««برحمتك التي وسعت كل شيء»»
ان رحمة المحبوب تغمر كل شيء ظاهر الاشياء واعماقها وهذه الرحمة الواسعة هي فيض المحبوب العامل والشامل الذي يغمر الاشياء كل الاشياء بالبركة والنماء.
لقد كانت الاشياء في ظلمات العدم لتخرج برحمته سبحانه الى نور الوجود الساطع، وكل قد علم مكانه حيث تتوافر فيه اسباب النمو والسمو النمو في طبيعته والسمو في كينونته وروحه وجوهره وكيف لا يكون ذلك وواهب الوجود كريم ليس مثل جوده جود.
جاء في كتاب ««أنيس الليل»» : ان صفة الفيض الالهي العام كالشمس إذ تشرق فتغمر كل الاشياء باشعتها، لا تجد في اشراقها ذرة بخل وقصور وكل شيء يتلقى نورها بقدر قابليته علىالتلقي واستقبال الانوار.
وهكذا كل الكائنات في عوالم الغيب والشهادة، من المجرّات والسدم الكبيرة، الذرّات الصغيرة المتناهية في الصغر مغمورة بالرحمة الالهية والفيض الربّاني كل حسب طاقته واستعداده.
فهي تنمو في ظلال هذه الانوار الالهية؛ أجل تنمو وتتقدم وتسير في طريق التكامل والكمال.
وهذا الوجود المترامي الشاسع من اقصاه الى أقصاه، من عوالم الغيب والشهادة، مما ظهر منه وما استتر، من غاية الأوج الى نقطة الحضيض انما هو في دائرة الرحمة الالهية والفيض الربّاني اللانهائي.
انه خالق الوجود وواهب الحياة وربّ العالمين.
ان الوجود هو في معرض الفيض باستمرار لا ينقطع عنه لحظة واحدة لو افترضنا انقطاعه لاستحال الى عدم؛ انه موجد الكائنات ورزاق الخلائق والموجودات ونموّ النباتات وكمال الجمادات ومنزل الآيات ومظهر وباعث النبوّات ومنزّل الرسالات، وهادي الضالين ودليل المتحيّرين وخالق الملائكة اجمعين، محيي الموتى وهو الذي يثيب المحسنين ويجازي المسيئين يكرم المؤمنين ويمحق الكافرين، ديّان يوم الدين يوم يقوم الناس لرب العالمين.
خالق الجنة والجحيم ومن يغفر للعاصين من أهل الايمان وهو سبحانه نبع الخير في الوجود؛ وما هذا الوجود الاّ شعاع من فيض رحمته الواسعة وقد وسعت رحمته كل شيء، وكل شيء هنا لا يمكن أن يتصوره خيالنا أو تجتازه اوهامنا فلو كان الشجر كله أقلام والبحار مداداً وكان البشر كله كتاباً لنفذ البحر ولعجز البشر وما انتهت كلمات الله وآثاره وموجوداته.
فهل يمكن ان نتصور رحمة الله التي غمرت كل شيء وكل شيء هو جزء من هذه الرحمة الواسعة الشاسعة؟! لا أبداً إنّ عقولنا لا تدرك ذلك وخيالنا الوثاب لا يمكن أن يتصور أبداً.


source : موقع العرفان
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

المرجع العلويّ الجرجانيّ: صلاح المسؤولين يؤدي ...
منتجات قرآنیة لم یبیعها صاحبها رغم حاجته الملحة
السعودية تخرق الهدنة بعد ساعة وتواصل عدوانها على ...
تظاهرات في مختلف أنحاء العالم إحياء للذكرى ...
إقامة مسابقة قرآنية في موريشيوس
فلسطين هي مفتاح غلبة المسلمين على اعداء الاسلام
عشرات الشهداء في تفجير سيارة مفخخة قرب مسجد قبة ...
تنظيم دورة تدريبية لمعلمي القرآن في أوغندا
دعاء الامام علی بن الحسین عَلَيْهِ السَّلَامُ ...
القوات العراقية تعلن اقتراب ساعة الحسم لتحرير ...

 
user comment