عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

التشبيه في رؤوس الشياطين

قال تعالى : ?أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ? [1] . و هذا أيضاً أخذوه على القرآن ، حيث التعبير برؤوس الشياطين جاء على ما توهّمته العرب أنّ للشياطين رؤوساً على غرار ما توهّموه في الغول . جاء في شعر امرئ القيس : { و مسنونة زرق كأنياب أغوال }
التشبيه في رؤوس الشياطين

قال تعالى : ?أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ? [1] .

و هذا أيضاً أخذوه على القرآن ، حيث التعبير برؤوس الشياطين جاء على ما توهّمته العرب أنّ للشياطين رؤوساً على غرار ما توهّموه في الغول . جاء في شعر امرئ القيس : { و مسنونة زرق كأنياب أغوال } .

غير أنّ الشيطان في اللغة من أوصاف المبالغة مأخوذ من شاط يشيط إذا اشتدّ غيظاً و غضباً . يقال : تشيّط إذا احترق غيظاً و اشتاط اشتياطاً عليه إذا التهب غضباً . و كذا قولهم : استشاط عليه أي احتدّ عليه غضباً . و استشاط الحَمامُ : نشط . و استشاط من الأمر : خفّ له . و استشاط فلان أي استقتل و عرّض نفسه للقتل . و أصله من شاط الشيء إذا احترق .

قال ابن فارس : الشيط من شاط الشيء إذا احترق . و منه استشاط الرجلُ إذا احتدّ غضباً . قال و من هذا الباب الشيطان [2] . و يطلق على كلّ متمرّدٍِ عاتٍ من الجنّ و الإنس و الدّوابّ ، فهو فعلان ، لتكون الألف و النون زائدتين ، كما في عطشان و غضبان و رحمان . أمّا القول . بأنّه من شطن ليكون على وزان فيعال فهو غريب ، إذ لم يُعهد مثلُ هذا الوزن في صيَغ المبالغة ، وإن قال به الخليل .

و هكذا الراغب رجّح كون النون أصليّة بدليل جمعه على شياطين ![3]

و على أيّ حالٍ فهو وصفٌ يُطلق على كلّ متمرّدٍ عاتٍ بالَغَ في شططه كالمستشيط غَضَباً أو الملتهب غيظاً . قال جرير :

 

أيّام يدعونني الشيطانَ من غَزَلي *** و هُنَّ يَهْوَيْنَني إذ كنتُ شيطاناً

 

و قال آخر : لو أنّ شيطان الذئاب العُسَّل . . . قال الراغب : جمع العاسل و هو الذي يضطرب في عدوه ، و اختصّ به عَسَلان الذئب . قال : و سمّي كل خُلُق ذميم للإنسان شيطاناً . فقال ( عليه السَّلام ) : " الحَسَد شيطان و الغَضَب شيطان " . فليس الشيطان اسماً لإبليس و لا خاصّاًَ بجنوده الأبالسة . و إنّما اُطلق عليه كإطلاقه على سائر ذوي الشرور . قال تعالى : ? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ ... ? [4] .

و الشيطان ـ أيضاً ـ اسم لحيّتة لها عُرْف ، و هي لحمة مستطيلة فوق رأسها شبه عُرْف الديك قال الزجّاج : تسمّي العرب بعض الحيّات شيطاناً . قيل : هو حيّة لها عُرف بقبيح المنظر [5] . و أنشد الرجل ( هو الراجز )[6] يذمّ امرأةً له كانت سليطة :

 

عَنْجَرِدٌ تحلف حين أحلف *** كمثل شيطانِ الحَماط أعرَفٌ[7]

 

و قال آخر يصف ناقته في المسير :

 

تُلاعبُ مثنى حَضْرميّ كأنَّه *** تَعَمُّجُ شيطانٍ بذي خِرْوَعٍ قفر [8]

 

و الشيطان في هذين البيتين هي الحيّة المهيبة يُتَنَفَّر منها ، لها عُرف كتاج الديك قبيح المنظر . فقد شبّه الشاعر في البيت الأوّل امرأته العجوز السليطة بشيطان الحماط القبيح المهيب . و هي الحيّة ذات عُرف يكثر وجودها تحت شجر الحماط في الصحراء القاحلة .

و في البيت شبّه الشاعر زمام ناقته في تلوّيه بسبب مشية الناقة بتلوّي حيّة قبيحة الهيئة تلتوي في بيداء قفر [9] .

و عليه ، فالتشبيه في الآية الكريمة وقع على الواقع المشهود ، هي رؤوس الحيّات القبيحة المنظر الهائلة على حدّ تعبير الزمخشري في الكشّاف . و وافقه اللغة و العُرف العامّ حسبما عرفت . و ليس مجّرد تخييل أو تقليد لما توهّمته العرب كما زعمه الزاعمون !

و هكذا جاء في ( تأويل مشكل القرآن ) لابن قتبية قال : و العرب تقول إذا رأت منظراً قبيحاً : كأنّه شيطان الحماط ، يريدون حيّة تأوي في الحماط ، كما تقول : أيمُ الضالّ ، و ذئب الغَضى ، و أرنبُ خُلّة ، و تيسُ حُلَّب ، و قنفذُ بُرقَة [10] .

قال الشيخ أبو الفتوح الرازي : و هذا كتشبيهه تعالى عصا موسى ( عليه السَّلام ) التي انقلبت حيّة تسعى بالجانّ ، و هو أيضاً اسم للحيّة السريعة التلوّي في حركتها [11] .

قال ابن منظور : و الجانّ ، ضرب من الحيّات أكحل العينين يضرب إلى الصُفرة لا يؤذي . و هو كثير في البيوت . قال سيبويه : و الجمع جِنّان ، و أنشد بيت الخطفي جدّ جرير يصف إبلاً :

 

أعناقَ جِنّانٍ و هاماً رُجَّفا *** و عَنَقاً بعد الرسيم خَيْطَفا

 

و في الحديث : أنّه نهى عن قتل الجِنّان . قال : هي الحيات تكون في البيوت ، واحدها جانّ ، و هو الدقيق الخفيف .

قال الأزهري في التهذيب في قوله تعالى : ? ...تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ... ? [12] : الجانّ حيّة بيضاء . قال أبو عمرو : الجانّ حيّة ، و جمعه جوانّ .

قال الزجّاج : المعنى أنّ العصا صارت تتحرّك كما يتحرّك الجانّ حركة خفيفة . قال : و كانت في صورة ثُعبان ، و هو العظيم من الحيّات . و نحو ذلك قال أبو العباس المبّرد . قال : شبّهها في عظمها بالثُعبان و في خفّتها ( خفّة حركتها ) بالجانّ . و لذلك قال تعالى مرّةً ? ...فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ? [13] و مرّةً ? ... كَأَنَّهَا جَانٌّ ... ? [14] .[15]

قال الشيخ أبو الفتوح الرازي ـ في وجه التشبيه بالجانّ مرّة و بالثعبان اُخرى ـ : إنّ التشبيه الأوّل وقع في بدء بعثته ( عليه السَّلام ) عند الشجرة . قال تعالى في سورة النمل : ?يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ? [16] و في سورة القصص : ? فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ? [17] .

أمّا التشبيه بالثعبان فكان عند لقاء فرعون و ملئه ، و قوله لهم : إنّي قد جئتكم ببيّنة ، قالوا : فائتِ بها إن كنت من الصادقين ? فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ? [18] .

و لعلّ عندما ألقى عصاه لأوّل مرّة عند الشجرة كان لَفَت نظره و أرهبه أنّ العصا ـ و هي عودة ـ تتحرّك و تهتزّ كما تسعى الحيّة ، فولّى مدبراً ولم يعقّب .

أمّا الذي أتى به معجزاً و بيّنة من ربّه فهو قلب العصا ثعباناً و هي حيّة عظيمة هائلة ، فاسترهبوه و حاولوا مقابلته بالمثل فجمعوا السحرة و جاؤوا بسحرٍ عظيم . فألقى موسى عصاه ? ...فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ? [19] ? فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ? [20].

فالتشبيه بالجانّ مرّة و بالثعبان أخرى كان باعتبارين و في موقفين مختلفين . قال الشيخ الرازي : لا يمتنع أن تنقلب العصا إلى صورتين مختلفتين باختلاف الموردين [21] .

 

***

 

و ختاماً ، فقد جاء في المعجم الزوولوجي الحديث تأليف الأستاذ محمّد كاظم الملكي النجفي : أنّ الشيطان أيضاً اسمٌ لنوع من السمك الضخم يبلغ وزنه نحو طنّين يوجد في المياه المحيطة في الشمال الغربي لاستراليا ، له وجهٌ كريه كأنّه صنم من الأصنام القديمة و على رأسه قرنان يزيدان في كراهة منظره [22] [23] .

سماحة العلامة الشيخ محمد هادي معرفة رحمه الله

--------------------------------------------------------

الهوامش:

[1] القران الكريم : سورة الصافات ( 37 ) ، الآيات : 62 - 66 ، الصفحة : 448 .

[2] معجم مقاييس اللغة : 3 / 234 ـ 235 و 185 .

[3] المفردات : 261 ؛ و لسان العرب : 13 / 238 .

[4] القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 112 ، الصفحة : 142 .

[5] قال الزمخشري : قيل : الشيطان ، حيّة عرفاء لها صورة قبيحة المنظر هائلة جدّاً . الكشاف : 4 / 46 .

[6] راجع : تفسير أبي الفتوح الرازي : 9 / 313 .

[7] العنجرد : المرأة السليطة الطويلة اللسان الصخّابه ، و جاء البيت في تأويل مشكل القرآن : 389 : { عُجيَّز } بدل { عنجرد } . و الحَماط ـ جمع حَماطة ـ شجر تنبت في البراري شبيهة التينة ، تكثر حولها الحيّات . و الأعرف : ذو العرف ، هي اللحمة شبه التاج تكون في أعلى رأس بعض الحيّات مثل تاج الديك ، و هي من أشدّ الحيّات تنفّراً .

[8] المثنى : زمام الناقة . و الحضرمي منسوب إلى حضرموت . و الخِرْوَع : شوك لا يُرعي لغلظته ينبت في الفوات القفر . راجع لسان العرب : 13 / 238 ـ 239؛ و راجع أيضاً : معاني القرآن للفرّاء : 2 / 387 .

[9] تفسير أبي الفتوح الرازي : 9 / 313 .

[10] تأويل مشكل القرآن : 389 . و الأيم ـ بسكون الياء و تشديدها ـ : الحيّة الأبيض اللطيف . و الضالّ : نوع من الشجر ينبت في السهول و الوعور له شوك ، و يقال : هو السد من شجر الشوك ، و ألفه منقلبة عن الياء . و الغَضى : نوع من الشجر يأوي إليه أخبث الذئاب . و الخُلّة : نبات فيه حلاوة . و الحُلَّب : بقلة جعدة غبراء في خضرة تنبسط على الأرض ، يسيل منها اللبن إذا قطع منها شيء . يقال : أسرع الظباء تيس حُلَّب ، لأنّه قد رعى الربيع . و البُرقة : أرض غليظة مختلطة بحجارة و رمل . و يقال : قنفذ برقة كما يقال : ضبّ كُدية ، و هي الأرض الصلبة الغليظة .

 [11] تفسير أبي الفتوح الرازي : 9 / 313 .

[12] القران الكريم : سورة النمل ( 27 ) ، الآية : 10 ، الصفحة : 377 .

[13] القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 107 ، الصفحة : 164 .

[14] القران الكريم : سورة النمل ( 27 ) ، الآية : 10 ، الصفحة : 377 .

[15] راجع : لسان العرب : 13 / 97 .

[16] القران الكريم : سورة النمل ( 27 ) ، الآية : 9 و 10 ، الصفحة : 377 .

[17] القران الكريم : سورة القصص ( 28 ) ، الآية : 30 و 31 ، الصفحة : 389 .

[18] القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 107 ، الصفحة : 164 .

[19] القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 117 ، الصفحة : 164 .

[20] القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 118 ، الصفحة : 164 .

[21] تفسير أبي الفتوح الرازي : 8 / 378 .

[22] المعجم الزوولوجي : 4 / 71 ـ 73 .

[23] شبهات وردود حول القرآن الكريم : 187 ـ 195 ، تحقيق : مؤسسة التمهيد ، الطبعة الثانية / سنة : 1424 هـ 2003 م ، منشورات ذوي القربى ، قم المقدسة / الجمهورية الاسلامية الإيرانية .


source : tebyan
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الفرق بين علوم القرآن والتفسير
وتسلّط‌ ارباب‌ السوء
اليقين والقناعة والصبر والشکر
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
أقوال أهل البيت عليهم السلام في شهر رمضان
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام

 
user comment