السؤال: الإخوة الأعزّاء في مركز الأبحاث العقائدية .
في شاشات التلفزيون يعرض مسلسل تاريخي " الحجّاج الثقفي " لعنة الله على أعداء أهل البيت (عليهم السلام) .
هذا المسلسل يحمل في طيّاته مغالطة عن بنت الإمام الحسين (عليه السلام) ، وبنت فاطمة الزهراء وعلي (عليهما السلام)، وبنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي السيّدة سكينة (عليها السلام) .
في المسلسل شخصية السيّدة بأنّها تجالس الرجال والشعراء ، وتحدّثهم ، وأنّها قد تزوّجت من مصعب بن الزبير ، وهو موالٍ لأخيه عبد الله بن الزبير ، ومن المعلوم لدى الكثير منّا أنّ آل الزبير هم يكنّون العداوة والبغضاء لأهل البيت (عليهم السلام) .
فهل يصدّق البعض منّا ما يعرض على شاشات التلفزيون ؟ وهل وصل الأمر إلى المغالطة والكذب في سيرة أهل البيت (عليهم السلام) ؟ وهل هذا حقّاً حدث ؟! عقولاً حيارى تحتاج لنور يضيء الظلام الذي استغرقت فيه .
قد يدخل الشكّ لبعض العقول ، وللذين لا يملكون المعرفة عن حياة السيّدة سكينة (عليها السلام) ، وحياة مصعب بن الزبير ، فهذه العقول تحتاج للنور ، ننتظر نور أقلامكم أخوتي ، نوّر الله دربكم بنور الولاية .
نسأل الله أن يثبّتنا على الولاية لعلي وآله (عليهم السلام) ، وموفّقين لكلّ خير .
هذا ونكون لكم شاكرين سرعة الإجابة ، علماً أنّ الإجابة سوف توضع في إحدى المنتديات الشيعية .
الجواب : في مقام الجواب نورد لكم بحثاً مفصّلاً حول حياة هذه السيّدة الجليلة ، اقتبسناه من كتاب " أعلام النساء المؤمنات " ، مع إجرّاء بعض التعديلات ، وذلك لاقتضاء الضرورة لأمثال هكذا أبحاث ، للدفاع عن الحقيقة وردّ الشبهات :
السيّدة سكينة بنت الإمام الحسين (عليه السلام) .
أُمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي القضاعي .
وهي الشريفة الطاهرة المطهّرة ، والزهرة الباسمة الناظرة ، كانت سيّدة نساء عصرها ، وأحسنهنّ أخلاقاً ، ذات بيان وفصاحة ، ولها السيرة الجميلة ، والكرم الوافر ، والعقل التامّ ، تتّصف بنبل الفعال ، وجميل الخصال ، وطيب الشمائل ، وذات عبادة وزهد .
يقول عنها الإمام الحسين (عليه السلام) : " وأمّا سكينة فغالب عليها الاستغراق مع
|
الصفحة 360 |
|
الله ، فلا تصلح لرجل " (1) .
كان الإمام الحسين (عليه السلام) يحبّها حبّاً شديداً ، ويقول فيها وفي أُمّها الرباب الشعر ، قال :
لعمـركَ أنّـني لأحـبّ داراً |
تحـلّ بها سـكيـنـة والرباب |
أحـبّـهما وأبذل جلّ مـالي |
وليس للائـمـي فـيـهـا عـتـاب |
ولست لهم وإن عتـبوا مطـيعاً |
حياتـي أو يعلّيني التـراب (2) |
وفي هذه الأسطر القليلة ، نلقي الضوء على بعض جوانب حياتها المباركة :
في كربلاء :
لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء ، وشاهدت ما جرى على أبيها وأخوتها وعمومتها ، وبقية بني هاشم وأنصارهم ، وشاركت النساء مصائب السبيّ ، والسير من كربلاء إلى الكوفة ، ثمّ الشام فالمدينة المنوّرة .
وعندما ذُبح أخوها عبد الله الرضيع أُذهلت سكينة ، حتّى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين (عليه السلام)، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي ، وقد ظلّت في مكانها باكية ، فلحظ سيّد الشهداء (عليه السلام) ابنته وهي بهذا الحال ، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها ، وهو يقول :
____________
1- الكنى والألقاب : 2 / 465 .
2- البداية والنهاية 8 / 229 ، تاريخ مدينة دمشق 69 / 120 ، الإصابة 1 / 355 ، أنساب الأشراف : 196 ، ينابيع المودّة 3 / 9 و 152 .
|
الصفحة 361 |
|
سيطول بعدي يا سكينة فأعلمي |
منك البكاء إذا الحِمـام دهـاني |
لا تحرقي قلبي بدمعكِ حسرةً |
مادام منّي الروح في جـثـماني |
فإذا قتلتُ فأنتِ أولى بالـذي |
تأتينه يـا خـيرة الـنـسـوان (1) |
وبعد مصرع الحسين (عليه السلام) ، ومجيء جواده إلى الخيام عارياً ، وسرجه خالياً ، خرجت سكينة فنادت : وا قتيلاه ، وا أبتاه ، وا حسناه ، وا حسيناه ، وا غربتاه ، وا بعد سفراه ، وا كربتاه .
فلمّا سمع باقي الحرم خرجن ، فنظرن الفرس ، فجعلْن يلطمن الخدود ، ويقلْن : وا محمّداه .
وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسين (عليه السلام) مرّوا على أرض المعركة ، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد ، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه ، وتبثّه ما اختلج في صدرها من المصاب ، ولم يستطع أحد أن ينحّيها عنه حتّى اجتمع عليها عدّة ، وجرّوها عنه بالقهر .
شعرها :
لم نجد من شعرها إلاّ أبيات قليلة ، قالتها ترثي أباها الحسين (عليه السلام) ، وهذا يُكذّب ما نُسب للسيّدة سكينة (عليها السلام) من مجالسة الشعراء ، والتحكيم بينهم ، فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموه لملأت الدنيا رثاء لأبيها الحسين (عليه السلام) ، فقد ذكروا أنّ الخنساء كانت تقول البيت والبيتين ، وبعد مقتل أخوها بلغت في
____________
1- مناقب آل أبي طالب 3 / 257 ، مقتل الحسين لابن مخنف : 194 ، ينابيع المودّة 3 / 79 .
|
الصفحة 362 |
|
رثائها الغاية .
ففي أمالي الزجّاج عدّة أبيات قالتها سكينة ، ترثي أباها الحسين (عليه السلام) :
لا تعذليه فهمّ قاطعٌ طُرقه |
فعينه بدموع ذُرَّفٍ غدقة |
إنّ الحسين غداة الطفّ يرشقه |
ريب المنون فما أن يُخطيء الحدقة |
بكفّ شرّ عباد الله كلّهم |
نسل البغايا وجيش المرّق الفسقة |
يا أُمّة السوء هاتوا ما احتجاجكم |
غداً وجلُّكم بالسيف قد صفقه |
الويل حلّ بكم إلاّ بمن لحقه |
صيّرتموه لأرماح العِدى درقة |
يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً |
لا تبكِ ولداً ولا أهلاً ولا رفقة |
لكن على ابن رسول الله فانسكبي |
قيحاً ودمعاً وفي إثرهما العلقة |
زواجها :
لم يسلم أهل البيت (عليهم السلام) من الطعن ، ومحاولة تشويه سمعتهم ، سواء كان الطعن والتشويه بشكل مباشر لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، أو لِمن يتّصل بهم بنسب أو سبب ، وحتّى شيعتهم ومحبّيهم لاقوا ما لاقوا من شتّى أنواع التهم والافتراءات، كلّ ذلك بسبب ولائهم لأهل بيت أذهب الله عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيراً .
فعند مطالعتكَ للتاريخ ، لا تكاد تجد مَن سلم من هذه الاتهامات ، فعلي يشرب الخمر ! وأبوه مات كافراً ! وعبد الله بن جعفر زوج العقيلة زينب (عليها السلام) يسمع الغناء ويطرب !
وأمّا مسألة تعدّد الزوجات والأزواج ، فكأنّما أصبحت من المتسالم عليها عند المؤرّخين ، فالحسن (عليه السلام) يتزوّج بأكثر من ثلاثمائة امرأة ، وأُم كلثوم وقصّة زواجها من عمر بن الخطّاب ومَن بعده ، وفاطمة بنت الحسين (عليه السلام) وزواجها من حفيد عثمان بن عفّان ، ثمّ تعرّض ابن الضحّاك لها ، وسكينة وتعدّد أزواجها .
قالت الدكتورة بنت الشاطئ بعد أن أوردت قوائم الأزواج : وتختلط الأسماء
|
الصفحة 363 |
|
اختلاطاً عجيباً بل شاذّاً ، حتّى ليشطّر الاسم الواحد شطرين ، يؤتى بكلّ شطر منهما على حدة ، فيكون منهما زوجان للسيّدة سكينة ، فعبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام شطّر شطرين ، فكان منه زوجان : عبد الله بن عثمان ، وعمرو بن حكيم بن حزام ، أو كما ترجم في دائرة المعارف عمرو بن الحاكم .
ولا سبيل هنا أمام ما نرى من تناقض وشذوذ إلى تتبّع حياتها الزوجية تتبّعاً دقيقاً ، يعتمد على اليقين التاريخي ، هذا اليقين الذي يعزّ علينا في التاريخ النقلي بوجه عامّ ، وهو هنا في موضع زوجية سكينة ، أبعد من أن يُلتمس ، وأعزّ من أن يُدرك أو ينال .
فنحن لا نكاد نحاول ما نبغي من تتبع ، حتّى يلقانا عنت من اضطراب الروايات ، وتناقض الأخبار ، وتعدّد الأقوال ، واشتباك السبل ، إلى حدّ يتعذّر علينا معه أن نستبين وجه الحقّ في هذا الحشد المختلط المشتبك ، وإذ ذاك لا سبيل إلى أن نطمع في أكثر من الترجيح ، الذي يعتمد على ما نسميه بالطمأنينة النفسية ، أكثر ممّا يعتمد على مرجّحات منهجية ، وقرائن غالبة .
لقد كان أمر هذا التناقض في الروايات والأخبار يهون ويسهل ، لو أنّه توزّع بين مراجع شتّى مختلفة ، ينفرد كلّ منها بإحدى الروايات ، فيكون سبيلنا إلى الترجيح أن نختار أقدمها ، أو أصلها ، أو ادعاها إلى الثقة على هدي القواعد المقرّرة للترجيح ، والوزن والمقابلة ، والتعديل والترجيح ، ولكنّا هنا أمام روايات متناقضة تجتمع في المصدر الواحد ، دون محاولة من مؤلّفها للفصل بينها ، أو حسم الخلاف فيها ، بل دون كلمة تؤذن بأنّه يحسّ ضيقاً بهذا الخلاف .
ففي صفحة واحدة من الأغاني مثلاً ، تقرأ أربع روايات متناقضة متضاربة ، سردها أبو الفرج متتابعة ، ثمّ لا شيء أكثر من هذا السرد .
وإذا بلغ الخلاف في الموضع الواحد أن يكون الأصبغ المرواني أوّل
|
الصفحة 364 |
|
أزواجها في رواية ، ورابعهم في أُخرى ، ثمّ لا يشار إلى هذا الخلاف بكلمة واحدة !
وإذا بلغ الشذوذ فيما يروى من حياتها الزوجية أن تلد لمصعب بنتاً تتزوّج من عمّها أخي مصعب كما في دائرة المعارف الإسلامية .
وأن يقال : إنّ الرباب بنت امرئ القيس ، التي أهلكها الحزن على زوجها الحسين ، فماتت بعده بعام واحد ، قد بُعثت من قبرها لتشهد مصرع مصعب بعد سنة 70 هـ ، وترفض زواج بنتها سكينة من قاتله كما في " الأغاني " .
وأن تزوّجها كما في " دائرة المعارف " عبد الله بن عثمان ابن أخي مصعب، وعمرو بن الحاكم بن حزام ، ولا خبر في نسب قريش ، وأنساب العرب عن وجود أخ لمصعب اسمه عثمان ، أو حفيد لحزام اسمه عمرو بن الحاكم .
وقال أيضاً : ونقل صاحب الأغاني رواية عن سعيد بن صخر عن أُمّه سعيدة بنت عبد الله ابن سالم : أنّ السيّدة سكينة لقيتها بين مكّة ومنى ، فاستوقفتها لتريها ابنتها من مصعب ، وإذ هي قد أثقلتها بالحلي واللؤلؤ ، وقالت : ما ألبستها الدرّ إلا لتفضحه .
ثمّ أتبعها أبو الفرج برواية أُخرى عن شعيب بن صخر عن أُمّه سعدة بنت عبد الله : أنّ سكينة أرتها بنتها من الحزامي ، وقد أثقلتها بالحلي ، وقالت : والله ما ألبستها إيّاه إلاّ لتفضحه .
وهكذا بين فقرة وأُخرى ، صار سعيد بن صخر شعيب بن صخر ، وصارت سعيدة بنت عبد الله بن سالم ، سعدة بنت عبد الله ، كما صارت بنت مصعب بنت الحزامي .
وتتحدّث الدكتورة عن زواج سكينة بعمرو بن حاكم بن حزام فتقول : وعمرو هذا أو عمر ، هو أخ لجدّ عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ، زوجها بعد مصعب ، ولا ندري كيف أدركت سكينة ، إلى أن يصبح