عربي
Thursday 18th of April 2024
0
نفر 0

نافذ البصيرة

مما تميز به أبو الفضل العباس - عليه السلام - العلم حتى جاء في حديث شريف : قد زق العلم زقا . (1) وعلمه كان نابعا من البصيرة واليقين .
نافذ البصيرة

مما تميز به أبو الفضل العباس - عليه السلام - العلم حتى جاء في حديث شريف : قد زق العلم زقا . (1) وعلمه كان نابعا من البصيرة واليقين .
ان بصيرته جعلته يتمسك بعروة الولاية الالهية ، وان صلابة ايمانه وصدق يقينه جعلاه لا يأبه بالحياة ، فحينما جاء اليه شمــــر ابن ذي الجوشن في اليوم التاسع من شهر محرم في تلك السنة بأمان من عند ابن زياد ، واراد ان يفرق بينه وبين أخيه . وكانت بين شمر وبين أبي الفضل العباس علاقة الخوئلة ، لان أم البنين كانت من تلك القبيلة التي ينتمي اليها الشمر ابن ذي الجوشن ، فجاء شمر حاملا الأمان ودعى أبا الفضل واخوته قائلا : أين بنوا أختنا ؟ سكت اخوة العباس احتراما لاخيهم الأكبر ، وسكت العباس احتراما لامامه ، وحجة الله عليهم الحسين - عليه السلام - ، وكرر شمر النداء وبقي أبو الفضل ساكتا لا يجيبه ، فقال الحسين - عليه السلام - لهم : اجيبوه ولو كان فاسقا .

قالوا ( لشمر ) : ما شأنك وما تريد ؟

قال : يا بني اختي انتم آمنون ، لا تقتلوا انفسكم مع الحسين ، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد .

فقال له العباس : لعنك الله ، ولعن أمانك . تؤمننا وابن رسول الله لا أمان له ، وتأمرنا ان ندخل في طاعة اللعناء (2) واولاد اللعناء ؟

فرجع الشمر مغضبا .

انظروا الى يقين العباس ، ذلك اليقين الذي وصفه به الامام الصادق - عليه السلام - حيث قال : كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة ، صلب الايمان ، جاهد مع أبي عبد الله ، وأبلى بلاءا حسنا ، ومضى شهيدا . (3)

فالعباس - عليه السلام - كان يعرف ان الزمن يطوى بسرعة ، وان الحياة لا تبقى لاحد ، وان الابدان قد خلقت للموت ، فلم البخل بها عن الشهادة وهي ارفع وسام ، وقد قال الحسين - عليه السلام - :

وان تكن الابدان للموت انشأت فقتل امرء بالسيف في الله افضل

وهكذا حينما دخل المشرعة ، واغترف الغرفة من الماء كانت كلمته رائعة حينما قال - عليه السلام - :

والله ماهذا فعال ديني ولا فعال صادق اليقين

لقد كان اعظم ما في العباس - عليه السلام - يقينه ، وهذا ما نقرأه في زيارته التي سوف نستعرضها في فصل قادم انشاء الله ، لقد انفتحت بصيرة العباس منذ سن مبكر على حقيقة التوحيد ، ولذلك تجده عندما يجلسه والده سيد العارفين أمير المؤمنين - عليه السلام - في حجره المبارك وهو صبي فيقول له :

قل واحد ، فيقول واحد .

فقال له : قل اثنين ، فيمتنع قائلا : اني استحي ان اقول اثنين بلسان قلت به واحدا . (4)

بلى .. ان قلبه الذي وعى وحدانية الرب ، كيف يسمح له بأن يقول اثنين ؟

وكما يقين أبي الفضل ، كذلك تسليمه لله كان في القمة ، بلى ان صفة التسليم ناشئة حقيقة اليقين . وسوف نعود الى نصوص زيارته ، وترى كيف تؤكد على صفة التسليم ، واي تسليم أعظم من الطاعة التامة لامام زمانه ، والصبر معه حتى الشهادة .

وكان من صفاته عليه السلام البطولة النادرة ، وانما حمل لواء الحسين - عليه السلام - لشجاعته النادرة ، وبطولته العظيمة .

قال بعض الرواة ان العباس - عليه السلام - شارك في حرب صفين مشاركة فعالة ، وقالوا : خرج من جيش أمير المؤمنين - عليه السلام - شاب على وجهه نقاب تعلوه الهيبة ، و تظهر عليه الشجاعة يقدر عمره بـ 17 سنة ، فطلب المبارزة فهابه الناس ، وندب معاوية اليه أبا الشعثاء فقال : ان أهل الشام يعدونني بألف فارس ولكن ارسل اليه احد اولادي ، وكانوا سبعة . وكلما خرج احد منهم قتله حتى أتى عليهم فساء ذلك أبا الشعثاء واغضبه ، ولما برز اليه ألحقه بهم ، فهابه الجميع ، ولم يجـــرأ أحد على مبارزته ، وتعجب اصحاب أمير المؤمنين من هذه البسالة التي لا تعدو الهاشميين ، ولم يعرفوه لمكان نقابه . ولما رجع الى مقره دعاه أمير المؤمنين وازال النقاب عنه ، فاذا هو العباس - عليه السلام - . (5)

والبطولة لا تعني مجرد منازلة الاقران ، بل جملة صفات انسانية سامية كالشهامة والاباء والتضحية والوفاء والمواساة . وهكذا كان العباس - عليه السلام - ؛ انظروا كيف حارب ، وكيف استشهد .

لقد استشهد العباس وهو يطلب الماء للعطاشى ، وكان اهتمامه بالماء اكثر من اهتمامه بنفسه ، فلم تكن غايته كشف العدو عن نفسه بقدر ما كانت غايته الاحتفاظ بالسقاء سالما ، لايصاله الى حيث العطاشى من أهل بيت الرسالة .

هذا هو الذي يجعلنا نقف اجلالا لبطولته النادرة ، بينما اعداؤه حاربوه بالغدر . لقد كانوا أجبن من مواجهته ، حيث رشقوه بالسهام ، ثم كمن له احدهم من وراء نخلة واغتال يده . كانت الضربة مجرد فتك ، وهكذا تتجلى شجاعة سيدنا العباس - عليه السلام - كما يتبين مدى جبن الطرف الآخر ، وهو لم يزل يسعى لايصال الماء الى المخيم . هذه هي الشجاعة النادرة التي يقف التاريخ اجلالا لها .

اما وفاؤه فهو الآخر في القمة ، حيث استقام في الدفاع عن حجة الله حتى أخر لحظة ، وقيل انه حينما حضر الامام الحسين - عليه السلام - عنده كان به رمق ، انتبه العباس - عليه السلام - ، وقال : يا هذا إذا اردت ان تقطع رأسي فاصبر حتى يأتي أخي ، والقي عليه نظرة أخيره .

فقال له الحسين - عليه السلام - : هذا أنا أخوك ، ووضع رأس العباس في حجره .

فتقول هذه الرواية بأن أبا الفضل رفع رأسه ووضعه على التراب ، فقال له أبو عبد الله الحسين - عليه السلام - : لم تفعل ذلك يا أخي ؟

فقال وهو يلفظ انفاسه الأخيرة : يا أخي ؛ أنت تضع رأسي الآن في حجرك ، فمن يضع رأسك في حجره بعد ساعة ؟

وسواءا صحت هذه الرواية ام لا ، فان مجمل سلوك العباس - عليه السلام - تجاه أخيه يدل على هذا النوع من التعامل .

هكذا واسى أخاه في لحظة الوفاة ، كما واساه في رمي الماء على الماء وهو يتلظى عطشا مواساة لأخيه وأهل بيته الطاهرين .
_____________________
(1) المصدر ص 172 عن كتاب : اسرار الشهادة ص 324 . قال : جاء المأثور عن المعصومين عليه السلام ان العباس بن علي زق العلم زقا
(2) المصدر ص 193 عن كتاب : تذكرة الخواص ص 142 ، وكتاب : اعلام الورى ص 120
(3) المصدر ص 208
(4) المصدر ص 168 نقلا عن مستدرك الوسائل / ج 3 / ص 815
(5) المصدر ص


source : sibtayn
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أوصاف جهنم في القرآن الكريم
العُجب رؤية قرآنية
العقل بين بصائر الوحي والتصورات البشرية
ترتيب أحداث ووقائع ظهور الإمام المهدي المنتظر
التميميّون من أصحاب الحسين (عليه السّلام)
مذاهب اليهود
صيانة القرآن من التحريف‏
الشفاعة و من یخرج من النار
أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة
حق المسلم على المسلم

 
user comment