عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

صفات الله

ذكروا لله عزّ وجلّ صفات، بعضها يُثبت اجمالاً له جلّ وعلا، ولذا سمّيت صفاتٍ ثبوتيّةً، كالعلم والقدرة والحياة والخلق والرزق، وبعضها يهدف إلى نفي النقص والحاجة عن ساحته، كنفي الجسميّة والتحيّز والحركة والتغيّر ونفي الولد والشريك له تعالى، ولذا سمّيت صفاتٍ سلبية.
صفات الله

ذكروا لله عزّ وجلّ صفات، بعضها يُثبت اجمالاً له جلّ وعلا، ولذا سمّيت صفاتٍ ثبوتيّةً، كالعلم والقدرة والحياة والخلق والرزق، وبعضها يهدف إلى نفي النقص والحاجة عن ساحته، كنفي الجسميّة والتحيّز والحركة والتغيّر ونفي الولد والشريك له تعالى، ولذا سمّيت صفاتٍ سلبية.

1ـ قدرة العقل البشريّ على معرفة صفات الله:

جرى البحث بين مختلف أطياف علماء الكلام (والفلسفة)حول مسألة قدرة العقل على ورود ميدان التعرّف إلى صفات الله، وأنّه هل مُنع شرعاً عن الخوض في مسألة الصفات الإلهيّة أو لا؟

وتمخّض البحث عن عدّة أقوال:

1ـ عجز الفكر البشريّ عن إدراك صفات الله عزّ وجلّ، لأنّ الله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾(1)، بينما الصفات التي يُدركها العقل البشريّ صفاتٌ سلكت طريقها إليه بواسطة مشاهدتها في المخلوقات. وإذا نسبنا هكذا صفاتٍ إلى الله عزّ وجلّ نكون قد أثبتنا صفةً مشتركةً بينه وبين خلقه، لذا لا بدّ أن نقتفي سبيل (التنزيه) حتّى لا نقع في (التشبيه).
وأمّا الصفات التي وردت في القرآن الكريم، كالعلم والقدرة، فهي صفاتٌ مغايرةٌ تماماً للصفات التي نعرفها، ولا نعلم معانيها الواقعيّة، فيجب أن نجرّد ذهننا من معانيها عندما نطلقها، وتكون ذات الله تعالى مجهولةَ الصفات بالنسبة للبشر.
وقد ورد في الحديث: (كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه، مخلوقٌ مصنوعٌ مثلكم، مردودٌ إليكم، ولعلّ النمل الصغار تتوهّم أنّ لله زبانتين!)(2).
2ـ الاعتقاد بإمكانيّة معرفة صفات الله السلبيّة، دون الإيجابيّة. وهذا إتّجاهٌ أكثر إعتدالاً في مجال معرفة صفات الله
فالتشبيه بحسب هذا الإتجاه يقع حينما نُثبت للخالق صفة، لأنّها ستكون مشتركة بينه وبين خلقه، أمّا نفي الصفة فلا يستلزم ذلك.
من هنا يمكن أن نطلق على الله تعالى صفاته الإيجابيّة، كالعلم والقدرة، ونعني بها معانيها السلبيّة لا الإيجابيّة، فالعليم يعني غير الجاهل، والقدير غير العاجز، وهكذا...
3ـ ثمّة فريق ثالث لم يمانع معرفةَ صفات الله من جهة التنزيه والتشبيه، للفرق بين صفات الله وصفات المخلوق، فعلم زيد حادث وعلم الله قديم، وعلم زيد مقيّد فيما علم الله مطلق...
إلا أنّ أصحاب هذا الرأي يقفون عند مسألةٍ أخرى، وهي أنّنا لا نستطيع أن نحدّد بعقولنا صفة الكمال التي تتّصف الذات الإلهيّة بها، ولا نستطيع أن نحدّد صفة النقص التي تتنزّه الذات عن الإتّصاف بها، وغاية ما نفهمه أنّه جامعٌ للصفات الكماليّة، ومنزّه عن كلّ نقص.
فالمسألة توقيفيّة، فما ثبت في الكتاب أو السنّة نثبته، وما لم يُشر إليه نسكت عنه.
ويؤيّد هؤلاء ما ذهبوا إليه بالنصوص التي تُنزّه الله تعالى عمّا وصفه به البشر:
فقد ورد في القرآن الكريم: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾(3)، وفي آيةٍ أخرى: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً﴾(4)...
كما ورد في الأخبار والأحاديث النهي عن توصيف الله تعالى بصفةٍ ما لم يكن الله تعالى وصف نفسه بها.
هذه بعض الأقوال في مسألة معرفة صفات الله، ولكنّ الصحيحَ إمكانيّةُ معرفة صفات الله عزّ وجلّ، وما أثاروه من إشكالات مردود:
الإشكال الأول: إنّ كلّ صفةٍ نطلقها على الله تعالى هي صفة مشتركة بين الله ومخلوقاته، ويلزم من هذا التشبيه.

والجواب:

أولاً: لا شكّ- شرعاً وعقلاً- أنّ الله تعالى ليس كمثله شيءٌ، ولكن هذا لا يعني أنّ كلّ صفةٍ تصدق بشأن المخلوق لا تصدق بشأن الخالق، بل يمكن أن يتّصف الخالق بهذه الصفة مع التمايز بأنّه يتّصف بها على نحو الوجوب، والقدم، والإطلاق، وفي كونها بالذات، وذلك تماماً بخلاف المخلوق.
فالله عالمٌ والإنسان عالم، والعلم ليس سوى الكشف والإحاطة، لكنّ علمَ الله ذاتيّ، واجبٌ، قديمٌ، مطلقٌ لا متناهٍ، فيما علم الإنسان بالغير، ممكنٌ، حادثٌ، محدودٌ.
إذاً عندما ننفي التشبيه، ونقول إنّ المخلوق لا يشبه الخالق، فالمقصود أنّ مصداق المخلوق لا يشبه الخالق، لا أنّ كلّ مفهوم يصدق على المخلوق ينبغي أن لا يصدق على الخالق، والإشتباه بهما يُسمّى بإختلاط المفهوم والمصداق.
ثانياً: كما أنّ القول بأنّ كلّ ما في المخلوق مباين مع ما في الخالق يثبتُ لوناً من الضدّيّة بين الخالق والمخلوق، والصحيح أنّه ليس لله ضدٌّ كما ليس له ندٌّ.
ثالثاً: ثمّ إنّ هناك إشكالاً نقضيّاً يرد على هذا القول، فإنّه إذا قيل إنّ مقتضى التشبيه أن لا يصدق على الخالق أيّ معنىً يصدق على المخلوق، فهذا يسري أيضاً إلى وجوده ووحدانيّته تعالى، وهذا يؤدّي إلى نوعٍ من إنكار وجود الله تعالى ووحدانيّته، وهذا ما لا يلتزم به أحد.
الإشكال الثاني: يرتبط هذا الإشكال بحدود قدرة العقل، ويُبتنى على أساس أنّ العقل غيرُ قادرٍ على اكتشاف صفات الحقّ تعالى، ولذا فليس لنا سوى إتّباع الشريعة في ذلك، فنصفه تعالى بما وصفته به الشريعة دون ما سوى ذلك.

الجواب:

قد تقدّم في بحث المقدّمات أنّ قدرة العقل لا تنحصر في تعميم وتجريد وتركيب ما تدركه حواسّه، بل العقل يدرك المعاني العامّة، ويستطيع أن يحكم بشأنها، ممّا يؤسّس لعلمٍ برهانيّ.
وبناءً عليه فإنّ العقل الفلسفيّ المتدرّب قادرٌ على درس الصفات اللائقة بذات الله تعالى، والصفات التي تتنزّه ذاته عنها، دون أن يعني ذلك أنّه يستوعب كنه ذات الله أو كنه صفاته جلّ وعلا.
الإشكال الثالث: النصوص الواردة بشأن النهي عن الخوض في هذه المسائل.

الجواب:

لا شكّ أنّ التعليمات والإيضاحات التي قدّمها القرآن ومن بعده أئمّة الدين هي أرقى وأكمل المعارف الإلهيّة التي يمكن أن ينالها بشر، ولا بدّ عند الخوض في هكذا مباحث من اتّباع هذه التعاليم لأنّها أعظم ملهمٍ لهذه الحقائق، فليس كلامنا في هذا المجال، وإنّما ينصبّ حديثنا في مفاد هذه الروايات.
حتّى نتحقّق من مفاد الروايات الناهية عن الخوض في الصفات، لا بدّ أن نطّلع على ظروفها الموضوعيّة حين صدرت:
فقد ظهر في المجتمع الإسلاميّ عصرَ النصّ أفرادٌ طرحوا بشأن الألوهيّة أفكاراً دون أن يتوفّروا على الصلاحيّة العلميّة، ودون أن يأخذوا تعاليم القرآن
بعين الإعتبار، فجاءت أفكارهم مخالفةً للمقاييس العقليّة والعلميّة، ومخالفةً للقرآن أيضاً.
ولذا لا يكون مفاد هذه الروايات لزوم التقليد والتعبّد في هذا المجال، وإنّما مفادها:
ـ منع الأفراد غير المؤهّلين من ورود هذا الميدان، فقبل الخوض في مباحث الحكمة المتعالية لا بدّ من طيّ المقدّمات الضروريّة، فضلاً عن توفّر الإستعداد الملائم والذوق السليم لإدراك هذه المفاهيم الرفيعة، لتُبحَث هذه القضايا وفق الأصول والموازين العلميّة والعمليّة.
ـ متابعة القرآن عند الخوض في هذه الأبحاث، بحيث يكون الإستلهام والإستنباط من خلاله.
ـ على أن تكون الروايات هي الموجّه والمحرّك للعقول بغية إدراك الأمور ومعرفتها بشكل حقيقيّ.
ولذلك فنحن نجد في كثيرٍ من النصوص نوعاً من الاستدلالات العقليّة والتحليل الفكريّ، ولم يكن لها معنى لو كنّا ملزمين بالتعبّد والتقليد!
2ـ كيفيّة التعرّف إلى صفات الله:
هناك عدّة طرقٍ لمعرفة صفات الله:
الطريق الأول: إتّخاذ الذات برهاناً على الصفات:
بما أنّ الذات الإلهيّة وجودٌ محضٌ ومطلقٌ، من دون أن يكون فيها أيّ حدّ-
كما ثبت وفق البرهان الوجوديّ- فلا بدّ أن تصدق على ذاته تعالى جميع شؤون الوجود وكمالاته بحدّها المطلق واللامتناهي.

الطريق الثاني: إتّخاذ المخلوقات مرآة للصفات:

ويمكن طرح هذا الطريق من خلال منهجين:
1ـ المنهج الفلسفيّ: ويقوم على أساس ما ثبت لديه من قاعدة: (فاقد الشيء لا يعطيه). وحيث إنّ هناك مجموعة من الكمالات المشهودة في المخلوقات نظير العلم والحياة والقدرة والإرادة، فهذا يدلّ على أنّ مبدأ ومنشأ الموجودات واجدٌ لتلك الكمالات.
2ـ المنهج الكلاميّ: ينطلق المنهج الكلاميّ من خلال التأمّل في النظم الدقيق لعالم المخلوقات، ممّا يدلّ على عدم حصول ذلك صدفةً، بل صدرت عن قوّةٍ ذات علمٍ وقدرةٍ وإرادةٍ، فيُثبت مثل هذه الصفات إلى هذه القوّة.
ملاحظة: يتميّز الطريق الأوّل عن الطريق الثاني، بمنهجيه الفلسفيّ والكلاميّ، بأنّه يعرّفنا إلى الله بأنّه كمالٌ مطلقٌ ليس للنقص إليه طريق، بخلاف الطريق الثاني الذي يكتفي بإثبات توفّر الذات الإلهيّة على كمالات المخلوقات بحدّها الأعلى.
3ـ الإطلاق في صفات الله:
تبيّن أنّه وفق الطريق الأوّل- وهو الطريق الأسلم- في التعرّف إلى الصفات، أنّ صفات الباري مطلقةٌ غير مقيّدةٍ، فعلمه وقدرته وحكمته وكلّ صفاته مطلقةٌ، فهل الذهن قادرٌ على تصوّر هذه الصفات المطلقة أو لمحدوديّته لا يتصوّر إلا الصفات المقيّدة المحدودة؟
في الواقع إنّ الذهن عندما يتصوّر المقيّد إنّما يتصوّر بضمّ مجموعة من المفاهيم المطلقة (الإنسان العالم المؤمن)، فما لم يتصوّر المطلق لا يمكن أن يتصوّر المقيّد.
ونحن عندما نريد أن نتصوّر الباري وصفاته في ذهننا فليس المطلوب أن يتّحد ذهنُنا مع ما هو موجود في الخارج، وإنّما نكتفي بأن نتصوّر الصفة المشتركة بينه وبين مخلوقاته، ثم نستعين بالنفي لننفي عنها أيّ شكل من أشكال المحدوديّة والقيديّة والنقص، كما نفعل عندما نتصوّر الفضاء اللامتناهي.
ولكن ما لا بدّ من الإشارة إليه هو أنّ الإطلاق في الباري هو إطلاق من جميع الجهات لا يعتوِره أيّ قيد، وليس كالإطلاقات التي نطرحها عادةً والتي يكون الإطلاق فيها نسبيّاً!
كما أنّنا عندما نقول إنّ ذات الباري مطلقة، فالمقصود أنّ له تحقّقاً ووجوداً خارجيّاً مطلقاً، لا أنّ مفهومَه أعمّ المفاهيم. فالإطلاق في ذات الباري وجوديٌّ وليس كبقية الإطلاقات التي يكون الإطلاق فيها مفهوميّاً (الإنسان، الأبيض)!

خلاصة

ذهب فريقٌ إلى عجز العقل البشريّ عن إدراك صفات الله، ولذا قالوا بالتنزيه خوفاً من التشبيه، وقال آخرون بإمكانيّة معرفة الصفات السلبيّة دون الإيجابيّة، وقال فريقٌ ثالثٌ بأنّنا قادرون على معرفة الصفات، لكنّنا عاجزون عن معرفة أيّ الصفات يتّصف بها، فنكتفي بما ورد في النصوص الشرعيّة.
والصحيح تمكّن العقل، عبر إدراكه المفاهيم والمعاني الكليّة، من معرفة
الصفات، وذلك لتمايز الصفات التي ننسبها للذات الإلهيّة عن الصفات التي نعرفها في المخلوق، وإلا لزم إنكار نفس وجوده ووحدانيّته. وأمّا الروايات الواردة في النهي عن وصفه تعالى، فقد وردت في جماعةٍ خاضت في المسألة دون أن يكون لديها الكفاءة العلميّة، ولم تعتمد على توجيه القرآن وأئمّة الدين في إستنباط الصفات.
ـ يمكن التعرّف إلى صفات الباري عبر أحد طريقين: إمّا بإتّخاذ الذات برهاناً على الصفات، وإمّا بإتّخاذ المخلوقات مرآةً للصفات.
ـ إنّ ذات الباري وصفاته مطلقة، وإطلاقها وجوديٌّ من جميع الجهات، ويمكن للذهن أن يتصوّرها بمعونة النفي لأي شكل من أشكال المحدودية والنقص.
المصادر:
1- الشورى: 11
2- البهائي العاملي، مشرق الشمسين، ص398
3- الصافات:180
4- الاسراء:


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الفرق بين علوم القرآن والتفسير
وتسلّط‌ ارباب‌ السوء
اليقين والقناعة والصبر والشکر
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
أقوال أهل البيت عليهم السلام في شهر رمضان
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام

 
user comment